- السبت يناير 01, 2011 8:04 pm
#31297
ألا ياطـــــــائر الــــفردو س إن الشعـــــــر وجــدان [1]
الشعر صورة من الحياة ونسل من رحمها ، وهو ترجمان الشعور ، وفيض من توتر الروح وسبحات الوجدان، وكل موضوع من مواضيع الحياة ،سما أو انحّطٌََُُّّّ مثاليا كان أو واقعيا، وكل همسة أو خفقة قلب أو شرارة انقدحت في الوجدان هي مجالات الشعر.
وليس يعني الشاعر في شعره بالمثل و القيم العليا فما هو بفيلسوف ولا داعية ولا مصلح إنساني ، وإذا جاء شىء من هذا في شعره فهو من طريق غير مباشر وإلا فسدت رسالة الشعر ، ورسالته تجمل في كلمة فحواها أن الشعر تعبير عن الوجدان. إن الشاعر الحقيقي صنو للإنسان الحقيقي فكما لا يكون الشاعر شاعرا إلا إذا امتلك زمام اللغة وتبحر في بلاغتها وعرف أوزان الشعر وقواعده فليس هو بشاعر إن خلا قلبه من الحب – حب الكائنات والطبيعة – والسعي إلى إضافة شيء في المعمار الإنساني.
ومن ثمة تسقط الدعوة التي يروج لها بعض الناس وهي أن الشعر لا يكون شعرا إلا إذا تضمن الأشياء العظيمة وحلق في سماء الفضيلة وماعداه ففحش ومجون.
وفي الواقع فشاعرية الشاعر لا تقاس بنوع الموضوع الذي يتطرق إليه في شعره ومن ثمة الحكم بالإبداع أو الرداءة وإنما بطريقة الآداء وكيفية التصوير ودلالة اللفظ على المعنى وتدفق الشعور كتيار مصاحب للصور الشعرية وهي وحدها العناصر التي يحاسب عليها الشاعر.
وفي تراثنا الشعري القديم كثير من المنظوم الذي ليس بشعر، فمنه ما يخلو من صدق الشعور وأكثر شعر المديح من هذا القبيل وفي دواوين الشعراء الكبار كالمتنبي وأبي تمام والبحتري كثير من هذه السقطات التي ابتغى بها هؤلاء الشعراء حطام الدنيا مقابل التزييف والقفز على قناعات عقولهم وأحاسيس وجدانهم فالمتنبي الذي قال في كافور:
قواصد كافور توارك غيره
ومن قصد البحر استقل السواقيا
يعود ليقول فيه :
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة
ليضحك ربات الحداد البواكيا!
ولا لشىء إلا لكونه انتظر إمارة من كافور ولم ينلها:
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله
فإني منذ حين أغني وتشرب ؟
فأين هو صدق الشعور الذي انقلب من الضد إلى الضد في أمد قصير ولم يسلم شعراء الجاهلية على علو كعبهم في الشاعرية من آفة تسىء إلى الشعر وهي آفة التقليد فإذا كان امرؤ القيس قد وقف على الديار وبكى واستبكى حسب غيره من الشعراء أن عليهم سداد دين لآلهة الشعر ليترصدن خطى الملك الضليل حتى ولو لم يكن لأحدهم في سوق الهوى الذيوع وماوقف حقيقة على طلل. ولذا عد أبو نواس شاعرا بحق لأنه قال:
عاج الشقي عن رسم يســـائله
وعجت أسأل عن خمارة البلد
لقد جعل الشعر ترجماناعن وجدانه ولسانا يبين عن حاله، وقد كان أبو نواس رجلا غاص في الرذيلة إلى الأذقان، ولم تكن حياته إلا السكر والإمعان في الفجور وهو يبدع حين يصف عربدته ودعارته وليس أبدع في وصف الخمرة وتأثيرها من قوله:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
إن مسها حجر مسته ســـــــراء
وحياة أبى نواس لا ترضي المثل ولا يرضى عنها أهل المروءة ولكن شعر أبي نواس هو في القمة من حيث استفائه على عناصر الشعر ومكوناته.
والشعر إذا تخلى عن جوهره وساير مجالا غير مجاله فقد صفة الشاعرية وتحول إلى نظم وقل مثل هذا عن الشعر الأخلاقي والوعظي المباشر وديوان الشافعي ولامية ابن الوردي خير مثال على هذا.
والشعر موسيقي في الصميم فهو على حد تعريف القدماء له الكلام الجميل الموزون المقفى، وقد حافظ الشعر العربي على نسقه العمودي أحقابا طويلة، واقتضت ضرورة الحياة وتطوراتها وتباين البيئة من إحداث تجديد فيه دون التخلي عن الأوزان الخليلية وأفضل مثال على ذلك الموشحات الأندلسية واستعمال الأبحر المجزوءة واستحداث التغيير في بحر بعينه كمخلع البسيط وقد نظم علية ابن الرومي هجائيته المشهورة:
وجهك ياعمرو فيه طول
وفي وجوه الكلاب طول
ولكن في العصر الحديث ونتيجة لاحتكاك الشعراء بالثقافة الغربية الوافدة وبتأثير من الشاعر الإنجليزي توماس إليوت، ثار لفيف من الشعراء العرب على عمود الشعر، ذلك أنهم رأوا فيه إكراهات وقيود تعيق حرية الشاعر ولعل أهمها تبعية الشاعر للغة قصد الاستجابة لدواعي الوزن، وعلى الرغم من أن هؤلاء الشعراء بإمكانهم تنويع القافية كسرا لهذا الغل، إلا أن هذه الحرية في معتقدهم لا تشفي الغليل ، فالشعر تيار نفسي مسكون بالرغائب والهواجس والانفعالات مسكوب في قوالب لفظية ودرجة الانفعال وحدته هي التي تتحكم في طول وقصر البيت وهو مايسمونه بالسطر ولقد كان السياب ونازك الملائكة والبياتي وصلاح عبد الصبور وخليل حاوي وأمل دنقل ونزار قباني خير من يمثل هذه الحركة التجديدية ، التي لاقت معارضة شرسة من قبل المحافظين على عمود الشعر ولعل أبرز المعارضين العقاد ، وله في ذلك حجة ذكية تستحق النظر وفحواها أن الشعر حركة ومناورة في فن محكوم بالقيود (الوزن والقافية) والشاعر الحقيقي هو الذي يتحرك بخفة ورشاقة دون أن تحد تلك القيود من مرونة حركته، فهو يعبر عن رغائبه وبنات أفكاره ومشاعره أتم تعبير وأكمل تصوير وكأن تلك القيود غير موجودة أصلا وله في ذلك قصيدة طريفة بعنوان " حانوت القيود"
لا ريب أن العقاد قد غالى في حملته على الشعر الجديد، وقد جانب الصواب حين أحاله على لجنة النثر للاختصاص، فالبحورالشعرية وشكل القصيدة العربية المتوارثة ليست وحيا منزلا وما على الخلف إلا الاتباع، فلأبناء هذا العصر ثقافتهم وظروف حياة تختلف عن حياة آبائهم وعالم يعيشون فيه يمتلأ حركة ونموا ومرونة فمن السخف غض النظر عن كل هذه الأشياء والركون إلى ميراث الأجداد لاستهلاكه دون أن يضيف إليه الأبناء شيئا جديدا.
إن في الشعر الحديث إنجازات شعرية كبيرة هي ترجمان الشاعر والعصر على السواء وهي قصائد تستحق البقاء حتى وإن كانت الذاكرة قد ألفت حفظ الشعر العمودي وترديد حكم المتنبي وغزليات امرىء القيس وخمريات الأعشى ومواجد ابن الفارض .
وإن القارىء الحصيف الحي الضمير ، المرهف الاحساس ، الغني العقل ليجد في قصائد من مثل
" دار جدي " و " أنشودة المطر " للسياب و "الظل والصليب" لصلاح عبد الصبور ، الفن الكبير الذي يغذي العقل والوجدان على السواء
و لا أدل على ذلك من هذا المقطع لخليل حاوي من ديوان " نهر الرماد " :
خـلــني للبحــــر للريــــــــــح لموت
ينشـــــر الأكـفـان زرقــــــا للغريـق
مبحـر ماتت بعينيه منارات الطريق
مات ذاك الضـوء في عينيـه مـــات
لا البطولات تنجـيـه و لاذل الصلاة !
فهو مقطع قد تكاثفت فيه الروح الشعرية ، وتعددت فيه صور الضياع ومشاعر الكآبة و الانسحــاق ، وموسيقاه مناسبة تماما لهذا الغرض أي الأزمة الوجودية الخانقة التي يحياها الشاعر .
والشاعر يعتمد تكرار ( فاعلاتن ) من بحر الرمل في كل سطر حسب حاجته النفسية:
فاعلاتـــن فاعلاتــــن فعلاتـــن
فاعلاتــــن فاعلاتـــن فاعـلـــن
فاعلاتن فاعلاتـــن فعلاتـــن فاعلن
فاعلاتــــن فاعلاتـــن فاعـلـــن
فاعلاتــــن فعلاتـــن فعلاتـــن فاعـلـــن
فمن غير المقبول اعتبار هذا الإبداع الشعري المحكم البنيان ،الغني بالصورالشعرية ،والطاقة الشعورية المتدفقة من وجدان الشاعرمحالا على لجنة النثر للاختصاص.
وأزمة الشعر الحديث في رأينا تأتي من كون الجيل اللاحق لجيل الكبار ( السياب، الملائكة ،البياتي، دنقل، عبد الصبور) لم تستقم له الملكة الشعرية ولاتهيأت له أسباب السيطرة على اللغة العربية ولاتعمق في دراسة الشعر العربي الكلاسيكي ، ولاتمرس بدراسة المذاهب والنظريات النقدية الغربية والشرقية على السواء، ناهيك عن الجهل التام بالعروض وقواعده والقافية وأصولها، وأغلبهم يعجز عن إنشاء قصيدة عمودية، ولذا تراه تحت دعاوى التجديد والحداثة ومابعد الحداثة يحاول إخفاء عورته والتستر على فقره بهذه الرطانات التي يسميها صاحبها شعرا حديثا وفي الواقع هي مؤشر الأنيميا الشعرية والسقوط الفاضح.
ومانحسب أن هؤلاء الكبار الذين أشرنا إليهم كانوا يعجزون عن النظم حسب أصول القصيدة العمودية، وللملائكة والسياب بل ولعبد الصبور قصائد عمودية، تدل على تمكن هؤلاء الشعراء من القصيدة العمودية، ولكنها الروح التجديدية الوثابة هي التي حدت بهؤلاء الكبار إلى إنتاج شعري جديد شكلا ومضمونا
الشعر صورة من الحياة ونسل من رحمها ، وهو ترجمان الشعور ، وفيض من توتر الروح وسبحات الوجدان، وكل موضوع من مواضيع الحياة ،سما أو انحّطٌََُُّّّ مثاليا كان أو واقعيا، وكل همسة أو خفقة قلب أو شرارة انقدحت في الوجدان هي مجالات الشعر.
وليس يعني الشاعر في شعره بالمثل و القيم العليا فما هو بفيلسوف ولا داعية ولا مصلح إنساني ، وإذا جاء شىء من هذا في شعره فهو من طريق غير مباشر وإلا فسدت رسالة الشعر ، ورسالته تجمل في كلمة فحواها أن الشعر تعبير عن الوجدان. إن الشاعر الحقيقي صنو للإنسان الحقيقي فكما لا يكون الشاعر شاعرا إلا إذا امتلك زمام اللغة وتبحر في بلاغتها وعرف أوزان الشعر وقواعده فليس هو بشاعر إن خلا قلبه من الحب – حب الكائنات والطبيعة – والسعي إلى إضافة شيء في المعمار الإنساني.
ومن ثمة تسقط الدعوة التي يروج لها بعض الناس وهي أن الشعر لا يكون شعرا إلا إذا تضمن الأشياء العظيمة وحلق في سماء الفضيلة وماعداه ففحش ومجون.
وفي الواقع فشاعرية الشاعر لا تقاس بنوع الموضوع الذي يتطرق إليه في شعره ومن ثمة الحكم بالإبداع أو الرداءة وإنما بطريقة الآداء وكيفية التصوير ودلالة اللفظ على المعنى وتدفق الشعور كتيار مصاحب للصور الشعرية وهي وحدها العناصر التي يحاسب عليها الشاعر.
وفي تراثنا الشعري القديم كثير من المنظوم الذي ليس بشعر، فمنه ما يخلو من صدق الشعور وأكثر شعر المديح من هذا القبيل وفي دواوين الشعراء الكبار كالمتنبي وأبي تمام والبحتري كثير من هذه السقطات التي ابتغى بها هؤلاء الشعراء حطام الدنيا مقابل التزييف والقفز على قناعات عقولهم وأحاسيس وجدانهم فالمتنبي الذي قال في كافور:
قواصد كافور توارك غيره
ومن قصد البحر استقل السواقيا
يعود ليقول فيه :
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة
ليضحك ربات الحداد البواكيا!
ولا لشىء إلا لكونه انتظر إمارة من كافور ولم ينلها:
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله
فإني منذ حين أغني وتشرب ؟
فأين هو صدق الشعور الذي انقلب من الضد إلى الضد في أمد قصير ولم يسلم شعراء الجاهلية على علو كعبهم في الشاعرية من آفة تسىء إلى الشعر وهي آفة التقليد فإذا كان امرؤ القيس قد وقف على الديار وبكى واستبكى حسب غيره من الشعراء أن عليهم سداد دين لآلهة الشعر ليترصدن خطى الملك الضليل حتى ولو لم يكن لأحدهم في سوق الهوى الذيوع وماوقف حقيقة على طلل. ولذا عد أبو نواس شاعرا بحق لأنه قال:
عاج الشقي عن رسم يســـائله
وعجت أسأل عن خمارة البلد
لقد جعل الشعر ترجماناعن وجدانه ولسانا يبين عن حاله، وقد كان أبو نواس رجلا غاص في الرذيلة إلى الأذقان، ولم تكن حياته إلا السكر والإمعان في الفجور وهو يبدع حين يصف عربدته ودعارته وليس أبدع في وصف الخمرة وتأثيرها من قوله:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
إن مسها حجر مسته ســـــــراء
وحياة أبى نواس لا ترضي المثل ولا يرضى عنها أهل المروءة ولكن شعر أبي نواس هو في القمة من حيث استفائه على عناصر الشعر ومكوناته.
والشعر إذا تخلى عن جوهره وساير مجالا غير مجاله فقد صفة الشاعرية وتحول إلى نظم وقل مثل هذا عن الشعر الأخلاقي والوعظي المباشر وديوان الشافعي ولامية ابن الوردي خير مثال على هذا.
والشعر موسيقي في الصميم فهو على حد تعريف القدماء له الكلام الجميل الموزون المقفى، وقد حافظ الشعر العربي على نسقه العمودي أحقابا طويلة، واقتضت ضرورة الحياة وتطوراتها وتباين البيئة من إحداث تجديد فيه دون التخلي عن الأوزان الخليلية وأفضل مثال على ذلك الموشحات الأندلسية واستعمال الأبحر المجزوءة واستحداث التغيير في بحر بعينه كمخلع البسيط وقد نظم علية ابن الرومي هجائيته المشهورة:
وجهك ياعمرو فيه طول
وفي وجوه الكلاب طول
ولكن في العصر الحديث ونتيجة لاحتكاك الشعراء بالثقافة الغربية الوافدة وبتأثير من الشاعر الإنجليزي توماس إليوت، ثار لفيف من الشعراء العرب على عمود الشعر، ذلك أنهم رأوا فيه إكراهات وقيود تعيق حرية الشاعر ولعل أهمها تبعية الشاعر للغة قصد الاستجابة لدواعي الوزن، وعلى الرغم من أن هؤلاء الشعراء بإمكانهم تنويع القافية كسرا لهذا الغل، إلا أن هذه الحرية في معتقدهم لا تشفي الغليل ، فالشعر تيار نفسي مسكون بالرغائب والهواجس والانفعالات مسكوب في قوالب لفظية ودرجة الانفعال وحدته هي التي تتحكم في طول وقصر البيت وهو مايسمونه بالسطر ولقد كان السياب ونازك الملائكة والبياتي وصلاح عبد الصبور وخليل حاوي وأمل دنقل ونزار قباني خير من يمثل هذه الحركة التجديدية ، التي لاقت معارضة شرسة من قبل المحافظين على عمود الشعر ولعل أبرز المعارضين العقاد ، وله في ذلك حجة ذكية تستحق النظر وفحواها أن الشعر حركة ومناورة في فن محكوم بالقيود (الوزن والقافية) والشاعر الحقيقي هو الذي يتحرك بخفة ورشاقة دون أن تحد تلك القيود من مرونة حركته، فهو يعبر عن رغائبه وبنات أفكاره ومشاعره أتم تعبير وأكمل تصوير وكأن تلك القيود غير موجودة أصلا وله في ذلك قصيدة طريفة بعنوان " حانوت القيود"
لا ريب أن العقاد قد غالى في حملته على الشعر الجديد، وقد جانب الصواب حين أحاله على لجنة النثر للاختصاص، فالبحورالشعرية وشكل القصيدة العربية المتوارثة ليست وحيا منزلا وما على الخلف إلا الاتباع، فلأبناء هذا العصر ثقافتهم وظروف حياة تختلف عن حياة آبائهم وعالم يعيشون فيه يمتلأ حركة ونموا ومرونة فمن السخف غض النظر عن كل هذه الأشياء والركون إلى ميراث الأجداد لاستهلاكه دون أن يضيف إليه الأبناء شيئا جديدا.
إن في الشعر الحديث إنجازات شعرية كبيرة هي ترجمان الشاعر والعصر على السواء وهي قصائد تستحق البقاء حتى وإن كانت الذاكرة قد ألفت حفظ الشعر العمودي وترديد حكم المتنبي وغزليات امرىء القيس وخمريات الأعشى ومواجد ابن الفارض .
وإن القارىء الحصيف الحي الضمير ، المرهف الاحساس ، الغني العقل ليجد في قصائد من مثل
" دار جدي " و " أنشودة المطر " للسياب و "الظل والصليب" لصلاح عبد الصبور ، الفن الكبير الذي يغذي العقل والوجدان على السواء
و لا أدل على ذلك من هذا المقطع لخليل حاوي من ديوان " نهر الرماد " :
خـلــني للبحــــر للريــــــــــح لموت
ينشـــــر الأكـفـان زرقــــــا للغريـق
مبحـر ماتت بعينيه منارات الطريق
مات ذاك الضـوء في عينيـه مـــات
لا البطولات تنجـيـه و لاذل الصلاة !
فهو مقطع قد تكاثفت فيه الروح الشعرية ، وتعددت فيه صور الضياع ومشاعر الكآبة و الانسحــاق ، وموسيقاه مناسبة تماما لهذا الغرض أي الأزمة الوجودية الخانقة التي يحياها الشاعر .
والشاعر يعتمد تكرار ( فاعلاتن ) من بحر الرمل في كل سطر حسب حاجته النفسية:
فاعلاتـــن فاعلاتــــن فعلاتـــن
فاعلاتــــن فاعلاتـــن فاعـلـــن
فاعلاتن فاعلاتـــن فعلاتـــن فاعلن
فاعلاتــــن فاعلاتـــن فاعـلـــن
فاعلاتــــن فعلاتـــن فعلاتـــن فاعـلـــن
فمن غير المقبول اعتبار هذا الإبداع الشعري المحكم البنيان ،الغني بالصورالشعرية ،والطاقة الشعورية المتدفقة من وجدان الشاعرمحالا على لجنة النثر للاختصاص.
وأزمة الشعر الحديث في رأينا تأتي من كون الجيل اللاحق لجيل الكبار ( السياب، الملائكة ،البياتي، دنقل، عبد الصبور) لم تستقم له الملكة الشعرية ولاتهيأت له أسباب السيطرة على اللغة العربية ولاتعمق في دراسة الشعر العربي الكلاسيكي ، ولاتمرس بدراسة المذاهب والنظريات النقدية الغربية والشرقية على السواء، ناهيك عن الجهل التام بالعروض وقواعده والقافية وأصولها، وأغلبهم يعجز عن إنشاء قصيدة عمودية، ولذا تراه تحت دعاوى التجديد والحداثة ومابعد الحداثة يحاول إخفاء عورته والتستر على فقره بهذه الرطانات التي يسميها صاحبها شعرا حديثا وفي الواقع هي مؤشر الأنيميا الشعرية والسقوط الفاضح.
ومانحسب أن هؤلاء الكبار الذين أشرنا إليهم كانوا يعجزون عن النظم حسب أصول القصيدة العمودية، وللملائكة والسياب بل ولعبد الصبور قصائد عمودية، تدل على تمكن هؤلاء الشعراء من القصيدة العمودية، ولكنها الروح التجديدية الوثابة هي التي حدت بهؤلاء الكبار إلى إنتاج شعري جديد شكلا ومضمونا