الاقليات الاسلامية والسياسة لشيخ يوسف القرطاوي
مرسل: السبت يناير 01, 2011 9:28 pm
الأقليات الإسلامية والسياسة
هذا الباب الأخير في هذا الكتاب، ويتكون من فصل واحد، يعد غاية في الأهمية؛ فإن ما قلناه في الأبواب السابقة يتعلَّق بـ(الدِّين والسياسة) بصفة عامة، أي في البلاد التي يسميها الفقهاء (دار الإسلام) ويكون المسلمون فيها هم أصحاب السلطان، ولهم الحق في أن يعيشوا في ظل الإسلام، توجههم عقيدته، وتحكمهم شريعته، وتسودهم مفاهيمه وقيمه وأخلاقه وتقاليده.
الوجود الإسلامي في الغرب:
هذا الباب يدور حول ما ينبغي للأقليات المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية أن تفعله، وهذه الأقليات المسلمة هي التي تُمثل الوجود الإسلامي في البلاد غير الإسلامية، ولا سيما في بلاد الغرب.
وأبادر فأقول: أن من الخير للمسلمين، ومن الخير للغربيين: أن يكون هناك وجود إسلامي في الغرب، يتعامل الغربيون معه مباشرة دون وسيط، على خلاف ما يراه بعض المتشددين من المسلمين: أنه لا يجوز الإقامة في هذه البلاد (بلاد الكفر كما يسميها)، كما لا يجوز الحصول على جنسيتها، التي يعتبرها من كبائر الإثم.
ولقد عقدت في فرنسا منذ بضعة عشر عاما: ندوة فقهية علمية حضرها عدد من كبار العلماء[1]، وكان لي شرف المشاركة فيها، ناقشنا فيها هذه القضايا: مثل الإقامة في ديار الغرب، والحصول على جنسيتها، وكان رأي الأغلبية إجازة ذلك بشروطه[2]، وأن هذا يتفق مع عالمية الرسالة الإسلامية، ويتفق مع تقارب العالم الذي أمسى قرية واحدة، ويتفق مع مسعى العقلاء من الغربيين: المسلمين والغربيين إلى التفاهم والتقارب وإزالة الجفوة، والتحرُّر من رواسب التاريخ، والعمل على إقامة تعايش مشترك، يقوم على التسامح لا التعصب، والتعارف لا التناكر، والحوار لا الصدام، والتعاون لا التشاحن.
والحمد لله أن قام الوجود الإسلامي في الغرب بأقدار إلهيَّة، وأسباب طبيعية، يسَّرت وجوده، دون تخطيط ولا ترتيب منا نحن المسلمين، فينبغي لنا أن نعمل على أن يكون هذا الوجود الإسلامي همزة الوصل بيننا وبين الغربيين، تعين على تواصل المسلمين بغيرهم، وتمحو الأفكار الخاطئة الراسبة في أذهان البعض منهم، وتردُّ على الشبهات التي قد تَعرض لهم.
وهذا ما يقوم به المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث منذ تأسيسه إلى اليوم، في فتاواه التي يصدرها، وتوصياته التي يوجهها، وبياناته التي يعلنها في كل دورة من دوراته، ينصح فيها المسلمين في الغرب: أن يكونوا أقليَّة فاعلة ناشطة مؤدِّية لواجباتها، خادمة لمجتمعاتها، غير مُنعزلة عنها، ولا مُنسحبة منها، ومن قرأ فتاوى المجلس وقراراته وتوصياته وبياناته خلال الدورات التي عقدها: تبيَّن له بجلاء صحة ما نقول.
ولقد رددت على بعض المتشددين من العلماء والدعاة الذين يرفضون الوجود الإسلامي في الغرب، وفي غيره من البلاد المختلفة التي يعيش فيها غير المسلمين، في الشرق والغرب، سواء كانوا من أهل الكتاب كالمسيحين، أم من الوثنيين، مُنبِّها هنا إلى أمر مهم، وهو: أن الوجود الإسلامي لكثير من الأقليات، هو وجود أصلي، أعني: أنهم من أهل البلاد الأصليين، وليسوا طارئين ، مثل الأقليات الإسلامية في الهند والصين وتايلاند وبورما وغيرها من بلاد آسيا، ومثل كثير من الأقليات الإسلامية في عدد من أقطار إفريقيا.
(أعتقد أن من الضروري للإسلام في هذا العصر أن يكون له وجود في تلك المجتمعات المؤثرة على سياسة العالم.
الوجود الإسلامي ضرورة في أوربا والأمريكتين وأستراليا من عدة أوجه:
ضرورة تبيلغ الإسلام، وإسماع صوته، ودعوة غير المسلمين إليه. بالكلمة والحوار والأسوة.
وهو ضرورة لحضانة مَن يدخل في الإسلام ومتابعته وتنمية إيمانه، وتهيئة مناخ إسلامي يساعد على الحياة الإسلامية الصحية.
وهو ضرورة لاستقبال الوافدين و(المهاجرين) حتى يجدوا لهم (أنصارا) يحبون مَن هاجر إليهم، ويهيئون لهم جوًّا يتنفسون فيه الإسلام.
وهو ضرورة للدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية، والأرض الإسلامية، في مواجهة القوى والتيارات المعادية والمضللة.
ولا بد أن يكون للمسلمين تجمعاتهم الخاصة في ولايات ومدن معروفة، وأن تكون لهم مؤسساتهم الدينية، والتعليمية، بل والترويحية.
وأن يكون لهم علماؤهم وشيوخهم، الذين يجيبونهم إذا سألوا، ويرشدونهم إذا جهلوا، ويوفقون بينهم إذا اختلفوا.
محافظة دون انغلاق، وانفتاح دون ذوبان:
وقد قلتُ للإخوة في ديار الغربة: حاولوا أن يكون لكم مجتمعكم الصغير داخل المجتمع الكبير، وإلا ذُبتم فيه كما يذوب الملح في الماء.
اجتهدوا أن يكون لكم مؤسساتكم الدِّينية، والتربوية، والثقافية، والاجتماعية، والتروحيَّة، وهذا لا يتمُّ إلا بالتحابِّ والتعاون، فالمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ويد الله مع الجماعة.
إن الذي حافظ على شخصية اليهود طوال التاريخ الماضي هو مجتمعهم الصغير المتميز بأفكاره وشعائره، وهو (حارة اليهود)، فاعملوا على إيجاد (حارة المسلمين).
لا أدعو إلى انغلاق على الذات، وعزلة عن المجتمع، فهذا والموت سواء، ولكن المطلوب هو انفتاح دون ذوبان، هو انفتاح صاحب الدعوة الذي يريد أن يفعل ويؤثر، لا المُقلد المستسلم الذي غدا كل همه أن يساير ويتأثر، ويتبع سَنن القوم شبرا بشبر، وذراعا بذراع!
إننا نشكو من مدة من نزيف العقول العربية والإسلامية، من العقول المهاجرة من النوابغ والعبقريات في مختلف التخصصات الحيوية والهامة، التي وجدت لها مكانا في ديار الاغتراب، ولم تجد لها مكانا في أوطانها.
فإذا كانت هذه حقيقة واقعة، فلا يجوز لنا بحال أن ندع هذه العقول الكبيرة تنسى عقيدتها، وأمتها وتراثها، ودارها، ولا مفر لنا من بذل الجهد معها حتى تكون عقولها وقلوبها مع أوطانها وشعوبها، مع أهليهم وإخوتهم وأخواتهم، دون أن تفرط في حق الوطن الذي تعيش فيه وتنتسب إليه.
وإنما يتحقق ذلك إذا ظلَّ ولاؤهم لله ولرسوله وللمؤمنين، وظلت هموم أمتهم تؤرقهم، ولم تشغلهم مصالحهم الخاصة عن قضايا أمتهم العامة، كما يفعل ذلك يهود العالم أينما كانوا من أجل إسرائيل.
وهذا هو واجب الحركة الإسلامية: ألا تدع هؤلاء لدوامة التيار المادي والنفعي السائد في الغرب، تبتلعهم، وأن يُذكَّروا دائما بأصلهم الذي يحنون دائما إليه)[3].
وإذا كان الوجود الإسلامي قائما في بلاد الغرب، وله حضوره الدِّيني والثقافي والاجتماعي، وأحيانا الاقتصادي، فمن الطبيعي والمنطقي أن يحاول استكمال حضوره السياسي. إذ أصبحت السياسة تتدخل في كل شيء، وإذا تركنا السياسة، فإن السياسة لا تتركنا.
لهذا كان لا بد من الإجابة على تساؤلات عدة هنا تطرحها الأقليات الإسلامية التي تعيش في الغرب، وبعضها من أهل البلاد، وبعضها مهاجرون استوطنوا وحصلوا على جنسية البلاد، وباتوا جزءا من أهلها.
هل تكتفي بالدِّين وتنعزل عن السياسة؟ أو تتمسك بالدِّين وتدخل في السياسة؟ وإذا دخلت في السياسة فهل تدخل فيها مشاركة لغيرها من الأحزاب، أو مستقلة بذاتها؟ فهل يجوز المشاركة في الأحزاب العلمانية؟ وهل يجوز إنشاء حزب يفرض عليه أن يلتزم بدستور البلاد؟ وهل يجوز للمسلم الترشح للمجالس النيابية على أساس هذه الأوضاع؟ ثم إن دخول المسلم في السياسة، يلزم منه الإقرار بالدساتير الوضعية القائمة في الدول الغربية وغيرها؟
وإذا نجح المسلم في الانتخابات، ودخل المجلس النيابي: يلزم منه أن يقسم على احترام النظام العام والعمل بالدستور، فهل يتفق هذا مع عقيدة الإسلام؟ ومع أحكام الشريعة؟
هذه تساؤلات تطرح في ساحة الأقليات في كل مكان في أوربا وغيرها.
بل أقول: إن هذه التساؤلات نفسها تطرحها بعض الفصائل الإسلامية في كثير من أقطار الإسلام ذاتها.
ومن هذه الفئات: من يرى تحريم تكوين الأحزاب السياسية، ويعدها بدعة محدثة، وضلالة في الدِّين.
ومنهم من يرى تحريم الدخول في الانتخابات، والسعي إلى عضوية المجالس النيابية، بل بعضهم يراها ضد العقيدة، ويسميها (المجالس الشركية) وبعضهم ألف رسالة سماها (القول السديد في أن دخول المجلس (النيابي) ينافي التوحيد)!
وبعضهم يعترض على صيغة القسم التي يقسمها الأعضاء على احترام الدستور، وإطاعته إلخ. وبعض الإسلاميين حلَّ هذا الإشكال، بقوله بعد كلمة الطاعة في القسم: (في غير معصية)، يقولها بصوت مسموع.
فإذا كان هذا يقال في داخل بلادنا الإسلامية، فماذا عسى أن يقال في خارج البلاد الإسلامية؟
ومن هنا لا ينبغي أن تستمد الأقلية المسلمة فقهها السياسي من هذه الفئات التي بَعُدَ بها (الغلو) عن سواء الصراط، فهذه الفئات ترى الوجود الإسلامي في هذه البلاد محظورا لا يجاز إلا من باب الضرورات، وهي ترى العيش في هذه البلاد من باب الاضطرار، كما يضطر المرء إلى استخدام المراحيض، برغم ما بها من نجاسة! كما قال بعضهم!
ومن هؤلاء من يُحرِّم على المسلم الحصول على جنسية هذه الدول، وقد يكفّر من حصل عليها، لأنه يعتبرها من الولاء للكفار[4]، وقد قال تعالى: ومَنْ يَتوَلَّهُم مِنكُم فإنَّهُ مِنهُم [المائدة:51].
ومنهم من يحرم مجرد الإقامة في هذه البلاد إلا لضرورة، والضرورة تقدر يقدرها. ولهم في ذلك شبهات رد عليها المحققون من العلماء.
إن مزية الشريعة الإسلامية: أنها شريعة واقعية، تراعي حاجات الإنسان ومطالبه، روحية كانت أو مادية، دينية كانت أو سياسية، ثقافية كانت أو اقتصادية، سواء كان يعيش في المجتمع المسلم أم خارج المجتمع المسلم، وأنها في كل ما شرعته من أحكام: تيسر ولا تعسر، وترفع الحرج، وتمنع الضرر والضرار، ولا سيما من يعيش خارج المجتمع المسلم، فهو أولى بالتخفيف ورعاية الحاجات.
ومن حاجة الأقلية المسلمة: أن تعيش متمسكة بدينها وعقيدتها وشعائرها وقيمها وآدابها، ما دامت لا تؤذي غيرها، وأن تندمج في المجتمع الذي تحيا فيه، تُنتج وتُبدع، وتبني وترقى، وتُشارك في كل أنشطته، تفعل الخير، وتُشيع الهداية، وتدعو إلى الفضيلة، وتقاوم الرذيلة، وتؤثر في المجتمع بالأسوة والدعوة ما استطاعت، ولا تذوب فيه، بحيث تفرط في مقوماتها وخصائصها العقائدية والدِّينية.
وليست كل الأقليات الإسلامية مهاجرة، فبعضها من أهل البلاد الأصليين، كلهم أو بعضهم. حتى يقول بعض الناس: يجب أن يعودوا إلى ديارهم.
ولهذا تحتاج الأقلية في أي بلد إلى أصوات تعبر عنها في المجالس التشريعية، وتدافع عن حقوقها حتى لا تصدر تشريعات تجور عليها، وتحرم عليها ما أحل الله، أو تعوقها عن أداء ما فرض الله، أو تلزمها بأمور ينكرها الشرع.
ومن الخير وجود مسلمين منتخبين في هذه المجالس –مستقلين أو منضمين إلى حزب معين– يعملون للذود عن حرماتهم، والمحاماة عن حقوقهم، باعتبارهم أقلية، لهم الحق في ممارسة حياتهم الدِّينية، وشعائرهم التعبدية، بما لا يضر الآخرين، وهم سيستميلون معهم وإلى صفهم الأحرار والمنصفين، الذين يناصرون العدل والحرية في كل زمان ومكان.
وعندنا هنا جملة قواعد شرعية ترشدنا في هذه المسيرة:
1. قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فإذا كان حصول المسلمين على حقوقهم الدِّينية والثقافية وغيرها، لا يتم إلا بالمشاركة في السياسة، ودخول الانتخابات، فإن هذا يصبح واجبا عليهم.
2. قاعدة (الأمور بمقاصدها) وهي قاعدة متفق عليها، مأخوذة من الحديث المشهور: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"[5]. فمن قصد بالمشاركة السياسية: الدفاع عن حقوق المسلمين، وحريتهم الدِّينية، وهويتهم الثقافية، فهو مأجور على ذلك عند الله، ومحمود عند المسلمين.
3. قاعدة (سد الذرائع) فإذا كان اعتزال الأقلية للسياسة، وعدم مشاركتها فيها، يشكل خطرا على وجودهم الدِّيني والجماعي، ويجعلهم مهمَّشين، ويحرمهم من مزايا كثيررة، ويوقعهم في مآزق ومفاسد قد يعرف أولها ولا يعرف آخرها، فإن من المطلوب منهم: أن يسدوا الذرائع إلى هذه الأخطار، ويتوقوا هذه المفاسد والآفات، وفي الحديث: "من يتوق الشر يوقه"[6].
4. قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة) فإذا كان بالجماعة المسلمة في غير المجتمعات الإسلامية ضرورة أو حاجة إلى من يدافع عن حقوقها في بلاد الديمقراطيات، وكان من وراء ذلك بعض ما يخشى من المحظورات مثل القسم على احترام الدستور -الذي قد يتضمن ما يخالف الشرع- ونحو ذلك، مما يتحرج منه بعض المتدينين، فإن هذا الحظر يرفع بحكم الضرورة أو الحاجة فََمَنِ اضْطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلاَ إثمَ علَيه إنَّ اللهَ غفُورٌ رحِيم [البقرة:173].
5. قاعدة (المصالح المرسلة) وهي المصالح التي لم ينص الشرع على اعتبارها ولا إلغائها، ولكنها إذا عرضت على العقول تلقتها بالقَبول، وتحقق فائدة، مادية أو معنوية، للجماعة المسلمة. وقد اعتبرها الصحابة في كثير من الأمور، المهم ألا تصادم نصا قطعيا، ولا قاعدة شرعية قطعية. وأن يكون فيها للجماعة المسلمة نفع حقيقي لا متوهم.
وفي ضوء هذه القواعد: نرى أن الأولى بالمسلمين أن يشاركوا في السياسة، تحقيقا لمصلحتهم الدِّينية والجماعية، ودرءا للأخطار والمفاسد عنهم، ولا سيما أنهم إذا تركوا السياسة فإن السياسة لا تتركهم.
يستطيع المسلمون أن ينشئوا حزبا يطالب بحقوقهم وحقوق غيرهم إذا كان لهم عدد وقوة وقدرات تكفي لقيام حزب مستقل، وكان الدستور والقانون يسمحان لهم بذلك.
ويمكن للمسلمين أن يقدموا برنامجا للإصلاح والترشيد، مقتبسا من أصول فكرتهم الإسلامية، ومطعما بالنظرة والتجربة الغربية وما فيها من آفاق جديدة، تتفق مع مقاصد الشريعة وروح الإسلام.
ولا مانع أن ينضم إلى هذا الحزب أعضاء من غير المسلمين، فهو مقدم للمسلمين خاصة، وللمواطنين عامة. والمفترض في النظام الإسلامي: أنه يقدم الخير والمصلحة الحقيقية للناس كافة، مسلمين وغير مسلمين.
ويستطيع المسلمون أن ينضموا إلى أي حزب من الأحزاب السياسية التي تعمل على الساحة، ويختاروا منها ما كان أقرب إلى المبادئ الإسلامية من ناحية، وما كان أكثر تعاطفا مع المسلمين ومصالحهم من ناحية أخرى. وما كان فيه من أشياء تخالف الإسلام، يتحفظون عليها.
ولا بد أن يكون ذلك بعد دراسة علمية عملية موضوعية، يقوم بها خبراء ومتخصصون، وأن تناقش هذه الدراسة بين أهل الحل والعقد من الأقلية المسلمة في البلد. وبعد الدراسة والمناقشة والمقارنة، يقرِّر المسلمون: أيهما أفضل لهم دينا ودنيا: أهو تكوين حزب لهم أم الدخول في حزب قائم؟ وأي الأحزاب أقرب إليهم وأولى بهم؟
وقد يجدون الأولى من ذلك كله: ألا يكونوا حزبا، ولا يدخلوا في حزب، ولكن يبقون كتلة حرة مؤثرة في الانتخابات: تؤيد هذا أو ذاك، وتعطي أصواتها لهذا المرشح أو ذاك.
وعند ذاك يخطب المرشحون ودها، ويتقربون إليها، لأن هذه الأقلية، كثيرا ما يكون لها تأثير كبير في ترجيح بعض المرشحين على بعض، ولا سيما من يكون الفرق بينهما غير كبير، فتأتي أصوات الأقلية مع أحدهما، فترجح كفة ميزانه، ويفوز على خصمه.
هذا الباب الأخير في هذا الكتاب، ويتكون من فصل واحد، يعد غاية في الأهمية؛ فإن ما قلناه في الأبواب السابقة يتعلَّق بـ(الدِّين والسياسة) بصفة عامة، أي في البلاد التي يسميها الفقهاء (دار الإسلام) ويكون المسلمون فيها هم أصحاب السلطان، ولهم الحق في أن يعيشوا في ظل الإسلام، توجههم عقيدته، وتحكمهم شريعته، وتسودهم مفاهيمه وقيمه وأخلاقه وتقاليده.
الوجود الإسلامي في الغرب:
هذا الباب يدور حول ما ينبغي للأقليات المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية أن تفعله، وهذه الأقليات المسلمة هي التي تُمثل الوجود الإسلامي في البلاد غير الإسلامية، ولا سيما في بلاد الغرب.
وأبادر فأقول: أن من الخير للمسلمين، ومن الخير للغربيين: أن يكون هناك وجود إسلامي في الغرب، يتعامل الغربيون معه مباشرة دون وسيط، على خلاف ما يراه بعض المتشددين من المسلمين: أنه لا يجوز الإقامة في هذه البلاد (بلاد الكفر كما يسميها)، كما لا يجوز الحصول على جنسيتها، التي يعتبرها من كبائر الإثم.
ولقد عقدت في فرنسا منذ بضعة عشر عاما: ندوة فقهية علمية حضرها عدد من كبار العلماء[1]، وكان لي شرف المشاركة فيها، ناقشنا فيها هذه القضايا: مثل الإقامة في ديار الغرب، والحصول على جنسيتها، وكان رأي الأغلبية إجازة ذلك بشروطه[2]، وأن هذا يتفق مع عالمية الرسالة الإسلامية، ويتفق مع تقارب العالم الذي أمسى قرية واحدة، ويتفق مع مسعى العقلاء من الغربيين: المسلمين والغربيين إلى التفاهم والتقارب وإزالة الجفوة، والتحرُّر من رواسب التاريخ، والعمل على إقامة تعايش مشترك، يقوم على التسامح لا التعصب، والتعارف لا التناكر، والحوار لا الصدام، والتعاون لا التشاحن.
والحمد لله أن قام الوجود الإسلامي في الغرب بأقدار إلهيَّة، وأسباب طبيعية، يسَّرت وجوده، دون تخطيط ولا ترتيب منا نحن المسلمين، فينبغي لنا أن نعمل على أن يكون هذا الوجود الإسلامي همزة الوصل بيننا وبين الغربيين، تعين على تواصل المسلمين بغيرهم، وتمحو الأفكار الخاطئة الراسبة في أذهان البعض منهم، وتردُّ على الشبهات التي قد تَعرض لهم.
وهذا ما يقوم به المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث منذ تأسيسه إلى اليوم، في فتاواه التي يصدرها، وتوصياته التي يوجهها، وبياناته التي يعلنها في كل دورة من دوراته، ينصح فيها المسلمين في الغرب: أن يكونوا أقليَّة فاعلة ناشطة مؤدِّية لواجباتها، خادمة لمجتمعاتها، غير مُنعزلة عنها، ولا مُنسحبة منها، ومن قرأ فتاوى المجلس وقراراته وتوصياته وبياناته خلال الدورات التي عقدها: تبيَّن له بجلاء صحة ما نقول.
ولقد رددت على بعض المتشددين من العلماء والدعاة الذين يرفضون الوجود الإسلامي في الغرب، وفي غيره من البلاد المختلفة التي يعيش فيها غير المسلمين، في الشرق والغرب، سواء كانوا من أهل الكتاب كالمسيحين، أم من الوثنيين، مُنبِّها هنا إلى أمر مهم، وهو: أن الوجود الإسلامي لكثير من الأقليات، هو وجود أصلي، أعني: أنهم من أهل البلاد الأصليين، وليسوا طارئين ، مثل الأقليات الإسلامية في الهند والصين وتايلاند وبورما وغيرها من بلاد آسيا، ومثل كثير من الأقليات الإسلامية في عدد من أقطار إفريقيا.
(أعتقد أن من الضروري للإسلام في هذا العصر أن يكون له وجود في تلك المجتمعات المؤثرة على سياسة العالم.
الوجود الإسلامي ضرورة في أوربا والأمريكتين وأستراليا من عدة أوجه:
ضرورة تبيلغ الإسلام، وإسماع صوته، ودعوة غير المسلمين إليه. بالكلمة والحوار والأسوة.
وهو ضرورة لحضانة مَن يدخل في الإسلام ومتابعته وتنمية إيمانه، وتهيئة مناخ إسلامي يساعد على الحياة الإسلامية الصحية.
وهو ضرورة لاستقبال الوافدين و(المهاجرين) حتى يجدوا لهم (أنصارا) يحبون مَن هاجر إليهم، ويهيئون لهم جوًّا يتنفسون فيه الإسلام.
وهو ضرورة للدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية، والأرض الإسلامية، في مواجهة القوى والتيارات المعادية والمضللة.
ولا بد أن يكون للمسلمين تجمعاتهم الخاصة في ولايات ومدن معروفة، وأن تكون لهم مؤسساتهم الدينية، والتعليمية، بل والترويحية.
وأن يكون لهم علماؤهم وشيوخهم، الذين يجيبونهم إذا سألوا، ويرشدونهم إذا جهلوا، ويوفقون بينهم إذا اختلفوا.
محافظة دون انغلاق، وانفتاح دون ذوبان:
وقد قلتُ للإخوة في ديار الغربة: حاولوا أن يكون لكم مجتمعكم الصغير داخل المجتمع الكبير، وإلا ذُبتم فيه كما يذوب الملح في الماء.
اجتهدوا أن يكون لكم مؤسساتكم الدِّينية، والتربوية، والثقافية، والاجتماعية، والتروحيَّة، وهذا لا يتمُّ إلا بالتحابِّ والتعاون، فالمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ويد الله مع الجماعة.
إن الذي حافظ على شخصية اليهود طوال التاريخ الماضي هو مجتمعهم الصغير المتميز بأفكاره وشعائره، وهو (حارة اليهود)، فاعملوا على إيجاد (حارة المسلمين).
لا أدعو إلى انغلاق على الذات، وعزلة عن المجتمع، فهذا والموت سواء، ولكن المطلوب هو انفتاح دون ذوبان، هو انفتاح صاحب الدعوة الذي يريد أن يفعل ويؤثر، لا المُقلد المستسلم الذي غدا كل همه أن يساير ويتأثر، ويتبع سَنن القوم شبرا بشبر، وذراعا بذراع!
إننا نشكو من مدة من نزيف العقول العربية والإسلامية، من العقول المهاجرة من النوابغ والعبقريات في مختلف التخصصات الحيوية والهامة، التي وجدت لها مكانا في ديار الاغتراب، ولم تجد لها مكانا في أوطانها.
فإذا كانت هذه حقيقة واقعة، فلا يجوز لنا بحال أن ندع هذه العقول الكبيرة تنسى عقيدتها، وأمتها وتراثها، ودارها، ولا مفر لنا من بذل الجهد معها حتى تكون عقولها وقلوبها مع أوطانها وشعوبها، مع أهليهم وإخوتهم وأخواتهم، دون أن تفرط في حق الوطن الذي تعيش فيه وتنتسب إليه.
وإنما يتحقق ذلك إذا ظلَّ ولاؤهم لله ولرسوله وللمؤمنين، وظلت هموم أمتهم تؤرقهم، ولم تشغلهم مصالحهم الخاصة عن قضايا أمتهم العامة، كما يفعل ذلك يهود العالم أينما كانوا من أجل إسرائيل.
وهذا هو واجب الحركة الإسلامية: ألا تدع هؤلاء لدوامة التيار المادي والنفعي السائد في الغرب، تبتلعهم، وأن يُذكَّروا دائما بأصلهم الذي يحنون دائما إليه)[3].
وإذا كان الوجود الإسلامي قائما في بلاد الغرب، وله حضوره الدِّيني والثقافي والاجتماعي، وأحيانا الاقتصادي، فمن الطبيعي والمنطقي أن يحاول استكمال حضوره السياسي. إذ أصبحت السياسة تتدخل في كل شيء، وإذا تركنا السياسة، فإن السياسة لا تتركنا.
لهذا كان لا بد من الإجابة على تساؤلات عدة هنا تطرحها الأقليات الإسلامية التي تعيش في الغرب، وبعضها من أهل البلاد، وبعضها مهاجرون استوطنوا وحصلوا على جنسية البلاد، وباتوا جزءا من أهلها.
هل تكتفي بالدِّين وتنعزل عن السياسة؟ أو تتمسك بالدِّين وتدخل في السياسة؟ وإذا دخلت في السياسة فهل تدخل فيها مشاركة لغيرها من الأحزاب، أو مستقلة بذاتها؟ فهل يجوز المشاركة في الأحزاب العلمانية؟ وهل يجوز إنشاء حزب يفرض عليه أن يلتزم بدستور البلاد؟ وهل يجوز للمسلم الترشح للمجالس النيابية على أساس هذه الأوضاع؟ ثم إن دخول المسلم في السياسة، يلزم منه الإقرار بالدساتير الوضعية القائمة في الدول الغربية وغيرها؟
وإذا نجح المسلم في الانتخابات، ودخل المجلس النيابي: يلزم منه أن يقسم على احترام النظام العام والعمل بالدستور، فهل يتفق هذا مع عقيدة الإسلام؟ ومع أحكام الشريعة؟
هذه تساؤلات تطرح في ساحة الأقليات في كل مكان في أوربا وغيرها.
بل أقول: إن هذه التساؤلات نفسها تطرحها بعض الفصائل الإسلامية في كثير من أقطار الإسلام ذاتها.
ومن هذه الفئات: من يرى تحريم تكوين الأحزاب السياسية، ويعدها بدعة محدثة، وضلالة في الدِّين.
ومنهم من يرى تحريم الدخول في الانتخابات، والسعي إلى عضوية المجالس النيابية، بل بعضهم يراها ضد العقيدة، ويسميها (المجالس الشركية) وبعضهم ألف رسالة سماها (القول السديد في أن دخول المجلس (النيابي) ينافي التوحيد)!
وبعضهم يعترض على صيغة القسم التي يقسمها الأعضاء على احترام الدستور، وإطاعته إلخ. وبعض الإسلاميين حلَّ هذا الإشكال، بقوله بعد كلمة الطاعة في القسم: (في غير معصية)، يقولها بصوت مسموع.
فإذا كان هذا يقال في داخل بلادنا الإسلامية، فماذا عسى أن يقال في خارج البلاد الإسلامية؟
ومن هنا لا ينبغي أن تستمد الأقلية المسلمة فقهها السياسي من هذه الفئات التي بَعُدَ بها (الغلو) عن سواء الصراط، فهذه الفئات ترى الوجود الإسلامي في هذه البلاد محظورا لا يجاز إلا من باب الضرورات، وهي ترى العيش في هذه البلاد من باب الاضطرار، كما يضطر المرء إلى استخدام المراحيض، برغم ما بها من نجاسة! كما قال بعضهم!
ومن هؤلاء من يُحرِّم على المسلم الحصول على جنسية هذه الدول، وقد يكفّر من حصل عليها، لأنه يعتبرها من الولاء للكفار[4]، وقد قال تعالى: ومَنْ يَتوَلَّهُم مِنكُم فإنَّهُ مِنهُم [المائدة:51].
ومنهم من يحرم مجرد الإقامة في هذه البلاد إلا لضرورة، والضرورة تقدر يقدرها. ولهم في ذلك شبهات رد عليها المحققون من العلماء.
إن مزية الشريعة الإسلامية: أنها شريعة واقعية، تراعي حاجات الإنسان ومطالبه، روحية كانت أو مادية، دينية كانت أو سياسية، ثقافية كانت أو اقتصادية، سواء كان يعيش في المجتمع المسلم أم خارج المجتمع المسلم، وأنها في كل ما شرعته من أحكام: تيسر ولا تعسر، وترفع الحرج، وتمنع الضرر والضرار، ولا سيما من يعيش خارج المجتمع المسلم، فهو أولى بالتخفيف ورعاية الحاجات.
ومن حاجة الأقلية المسلمة: أن تعيش متمسكة بدينها وعقيدتها وشعائرها وقيمها وآدابها، ما دامت لا تؤذي غيرها، وأن تندمج في المجتمع الذي تحيا فيه، تُنتج وتُبدع، وتبني وترقى، وتُشارك في كل أنشطته، تفعل الخير، وتُشيع الهداية، وتدعو إلى الفضيلة، وتقاوم الرذيلة، وتؤثر في المجتمع بالأسوة والدعوة ما استطاعت، ولا تذوب فيه، بحيث تفرط في مقوماتها وخصائصها العقائدية والدِّينية.
وليست كل الأقليات الإسلامية مهاجرة، فبعضها من أهل البلاد الأصليين، كلهم أو بعضهم. حتى يقول بعض الناس: يجب أن يعودوا إلى ديارهم.
ولهذا تحتاج الأقلية في أي بلد إلى أصوات تعبر عنها في المجالس التشريعية، وتدافع عن حقوقها حتى لا تصدر تشريعات تجور عليها، وتحرم عليها ما أحل الله، أو تعوقها عن أداء ما فرض الله، أو تلزمها بأمور ينكرها الشرع.
ومن الخير وجود مسلمين منتخبين في هذه المجالس –مستقلين أو منضمين إلى حزب معين– يعملون للذود عن حرماتهم، والمحاماة عن حقوقهم، باعتبارهم أقلية، لهم الحق في ممارسة حياتهم الدِّينية، وشعائرهم التعبدية، بما لا يضر الآخرين، وهم سيستميلون معهم وإلى صفهم الأحرار والمنصفين، الذين يناصرون العدل والحرية في كل زمان ومكان.
وعندنا هنا جملة قواعد شرعية ترشدنا في هذه المسيرة:
1. قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فإذا كان حصول المسلمين على حقوقهم الدِّينية والثقافية وغيرها، لا يتم إلا بالمشاركة في السياسة، ودخول الانتخابات، فإن هذا يصبح واجبا عليهم.
2. قاعدة (الأمور بمقاصدها) وهي قاعدة متفق عليها، مأخوذة من الحديث المشهور: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"[5]. فمن قصد بالمشاركة السياسية: الدفاع عن حقوق المسلمين، وحريتهم الدِّينية، وهويتهم الثقافية، فهو مأجور على ذلك عند الله، ومحمود عند المسلمين.
3. قاعدة (سد الذرائع) فإذا كان اعتزال الأقلية للسياسة، وعدم مشاركتها فيها، يشكل خطرا على وجودهم الدِّيني والجماعي، ويجعلهم مهمَّشين، ويحرمهم من مزايا كثيررة، ويوقعهم في مآزق ومفاسد قد يعرف أولها ولا يعرف آخرها، فإن من المطلوب منهم: أن يسدوا الذرائع إلى هذه الأخطار، ويتوقوا هذه المفاسد والآفات، وفي الحديث: "من يتوق الشر يوقه"[6].
4. قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة) فإذا كان بالجماعة المسلمة في غير المجتمعات الإسلامية ضرورة أو حاجة إلى من يدافع عن حقوقها في بلاد الديمقراطيات، وكان من وراء ذلك بعض ما يخشى من المحظورات مثل القسم على احترام الدستور -الذي قد يتضمن ما يخالف الشرع- ونحو ذلك، مما يتحرج منه بعض المتدينين، فإن هذا الحظر يرفع بحكم الضرورة أو الحاجة فََمَنِ اضْطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلاَ إثمَ علَيه إنَّ اللهَ غفُورٌ رحِيم [البقرة:173].
5. قاعدة (المصالح المرسلة) وهي المصالح التي لم ينص الشرع على اعتبارها ولا إلغائها، ولكنها إذا عرضت على العقول تلقتها بالقَبول، وتحقق فائدة، مادية أو معنوية، للجماعة المسلمة. وقد اعتبرها الصحابة في كثير من الأمور، المهم ألا تصادم نصا قطعيا، ولا قاعدة شرعية قطعية. وأن يكون فيها للجماعة المسلمة نفع حقيقي لا متوهم.
وفي ضوء هذه القواعد: نرى أن الأولى بالمسلمين أن يشاركوا في السياسة، تحقيقا لمصلحتهم الدِّينية والجماعية، ودرءا للأخطار والمفاسد عنهم، ولا سيما أنهم إذا تركوا السياسة فإن السياسة لا تتركهم.
يستطيع المسلمون أن ينشئوا حزبا يطالب بحقوقهم وحقوق غيرهم إذا كان لهم عدد وقوة وقدرات تكفي لقيام حزب مستقل، وكان الدستور والقانون يسمحان لهم بذلك.
ويمكن للمسلمين أن يقدموا برنامجا للإصلاح والترشيد، مقتبسا من أصول فكرتهم الإسلامية، ومطعما بالنظرة والتجربة الغربية وما فيها من آفاق جديدة، تتفق مع مقاصد الشريعة وروح الإسلام.
ولا مانع أن ينضم إلى هذا الحزب أعضاء من غير المسلمين، فهو مقدم للمسلمين خاصة، وللمواطنين عامة. والمفترض في النظام الإسلامي: أنه يقدم الخير والمصلحة الحقيقية للناس كافة، مسلمين وغير مسلمين.
ويستطيع المسلمون أن ينضموا إلى أي حزب من الأحزاب السياسية التي تعمل على الساحة، ويختاروا منها ما كان أقرب إلى المبادئ الإسلامية من ناحية، وما كان أكثر تعاطفا مع المسلمين ومصالحهم من ناحية أخرى. وما كان فيه من أشياء تخالف الإسلام، يتحفظون عليها.
ولا بد أن يكون ذلك بعد دراسة علمية عملية موضوعية، يقوم بها خبراء ومتخصصون، وأن تناقش هذه الدراسة بين أهل الحل والعقد من الأقلية المسلمة في البلد. وبعد الدراسة والمناقشة والمقارنة، يقرِّر المسلمون: أيهما أفضل لهم دينا ودنيا: أهو تكوين حزب لهم أم الدخول في حزب قائم؟ وأي الأحزاب أقرب إليهم وأولى بهم؟
وقد يجدون الأولى من ذلك كله: ألا يكونوا حزبا، ولا يدخلوا في حزب، ولكن يبقون كتلة حرة مؤثرة في الانتخابات: تؤيد هذا أو ذاك، وتعطي أصواتها لهذا المرشح أو ذاك.
وعند ذاك يخطب المرشحون ودها، ويتقربون إليها، لأن هذه الأقلية، كثيرا ما يكون لها تأثير كبير في ترجيح بعض المرشحين على بعض، ولا سيما من يكون الفرق بينهما غير كبير، فتأتي أصوات الأقلية مع أحدهما، فترجح كفة ميزانه، ويفوز على خصمه.