By خالد المسيند1 - الأحد يناير 02, 2011 4:21 pm
- الأحد يناير 02, 2011 4:21 pm
#31368
مع بداية العقد الحالي وبداية عهده، أطلق الرئيس السوري بشار الأسد (45 عاماً) رؤيته لمستقبل بلاده والمتلخصة في البناء على الدور التاريخي لسورية الطبيعية اعتمادا على موقعها الجغرافي الرابط بين قارات العالم الثلاث القديمة آسيا وافريقيا وأوروبا.
ففي لقاء له مع رجال أعمال إيطاليين في فبراير 2002، أعلن الأسد أنه سيعمل على تطوير المرافئ البحرية وسكك الحديد وتحويل سورية إلى عقدة لنقل الغاز وتوزيع الكهرباء حتى تصبح لاحقا "منطقة حرة تربط بين الشرق والغرب".
وتم العمل بهدوء لتنفيذ هذه الرؤية خلال السنوات الثمانية الماضية، رغم ما اعترض سورية من تحديات شكلت تهديداً للنظام، من قبيل احتلال العراق عام 2003 والتهديد بنقل المعركة إلى سورية، ومن ثم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان، وصولا إلى عدوان عام 2006 على لبنان واصطفاف العرب بين معسكر معتدل وآخر ممانع قيمته إدارة المحافظين الجدد في واشنطن بـ "المعسكر المارق".
هذه المقدمة ضرورية لقراءة ما قامت به الديبلوماسية السورية خلال العام المنصرم 2010، لأن الحركة النشطة التي لم تتوقف على مدار السنة سواء باتجاه الخارج أو باستقبال الضيوف على مختلف المستويات، هي نتاج ومحصلة عمل السنوات السابقة، فكان محور الحركة الديبلوماسية السورية تحقيق رؤية الربط بين البحار الخمس (المتوسط، الخليج العربي، الأحمر، الأسود، قزوين) بالاعتماد على الحليف المضمون إيران، والحليف الجديد الذي لم يعد يقل أهمية إن لم يكن أكثر، تركيا، والهدف النهائي بناء "إقليم اقتصادي كبير" قادر على الوقوف في وجه الكتل الاقتصادية الدولية ويترك الباب مفتوحا أمام أعضائه لصنع مستقبلهم ومستقبل منطقتهم عبر قراراتهم وليس عبر المخططات التي كانت ترسم في عواصم القرار الكبرى خصوصا في واشنطن، كما تقوي الرؤية السابقة من موقف سورية في مواجهة "مشروع الشرق الأوسط الجديد" بقيادته الإسرائيلية في المنطقة، ومواجهة إسرائيل تحديدا سواء إذا ما استمرت حال الحرب، أو تحركت مجددا عملية السلام المجمدة حتى اللحظة على المسار السوري منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مع نهاية عام 2008.
ووفق تلك الرؤية، تحركت ماكينة الديبلوماسية السورية بما لا يقل عن 25 زيارة رئاسية إلى مختلف أصقاع العالم بدءا من المحيط القريب وصولا إلى أميركا اللاتينية، أما دمشق فقد شهدت خلال هذه السنة استقبالات سياسية وبحجم وصل تقريبا إلى ثلاثة أضعاف الحركة إلى الخارج.
ويلاحظ المراقب بسهولة، أن محاور الحركة السورية تركزت على التواصل زيارة أو استقبالا مع: الرياض، أنقرة، طهران، الدوحة، بغداد، بيروت وباريس، وبمعدل وسطي وصل إلى خمس مرات مع كل عاصمة من العواصم السابقة على الأقل، ونجحت دمشق في أن تنتقل من العاصمة المقاطعة والمحاصرة إلى أحد أبرز عواصم القرار في المنطقة ومحطة رئيسة لتحركات الساسة بمختلف انتماءاتهم.
ومن أبرز من زار العاصمة السورية هذه السنة من الزعماء الأجانب كان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في مايو، ورئيسة الهند ديفيسينغ باتيل نهاية نوفمبر، والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في أكتوبر، والإيراني محمود أحمدي نجاد مرتين في فبراير وسبتمبر، والرئيس الأرمني سيرج سركسيان في مارس، والرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو في مارس، والرئيس الباكستاني آصف علي زرداري في يناير، ورئيس وزراء فرنسا فرانسوا فيون في فبراير، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في أكتوبر.
كما استقبلت دمشق تسعة وفود من واشنطن من بينهم نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز في فبراير، والمبعوث الأميركي للسلام جورج ميتشل مرتين في سبتمبر ويناير، و6 وفود من الكونغرس أبرزهم جون كيري وآرلن سبكتر وراين كروكر.
أما أبرز من زار دمشق من الزعماء العرب، فكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في يوليو، حيث انتقل في اليوم الثاني لزيارته برفقة الرئيس الأسد إلى بيروت، كما زار دمشق العاهل الأردني عبد الله الثاني مرتين في سبتمبر ويونيو، وسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في مايو، والرئيس اللبناني ميشال سليمان مرتين في نوفمبر ويونيو، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أربع مرات في أغسطس ويوليو ويونيو ومايو، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في أكتوبر، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في أغسطس.
كما نجحت دمشق وعبر التنسيق مع حلفائها في العواصم السبع السابقة الذكر (الرياض، أنقرة، طهران، الدوحة، بغداد، بيروت وباريس) بتجنيب المنطقة أزمات خطيرة بدءا من العراق وصولا إلى لبنان، وان ظلت علاقاتها السياسية مع مصر ونظام الرئيس محمد حسني مبارك بمستوى الحد الأدنى من التواصل على خلفية قناعة كل منهما تجاه التعاطي مع قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ورؤيتهما تجاه تحقيق السلام في المنقطة.
وفي الحديث عن أبرز محطات عام 2010 في السياسة السورية لابد من التوقف بشيء من التفصيل عند أهم مفاصل هذا التحرك سواء مع العراق أو لبنان.
نهاية الأزمة العراقية وفق التصور السوري
عاد المشهد الاقتصادي ليطغى السنة المنصرمة على طبيعة العلاقات السورية - العراقية بعدما قررت بغداد، وبالأحرى رئيس وزرائها المكلف ثانية نوري المالكي، سحب اتهاماته "السياسية" لدمشق بأنها كانت تقف أو تؤوي من يقف، وراء "تفجيرات بغداد الدامية" في أغسطس العام الماضي.
وعمد المالكي إلى طي صفحة الخلاف وإنهاء مرحلة جفاء امتدت لأكثر من سنة في علاقاته مع دمشق عبر زيارة قصيرة قام بها إلى العاصمة السورية على رأس وفد ضم ممثلين عن «حزب الدعوة - المقر العام وائتلاف "دولة القانون"، اللذين يتزعمهما، منتصف أكتوبر الماضي، تم تتويجها بمذكرة تفاهم حول التعاون الاستراتيجي في مجال النفط والغاز.
وان تمت المصالحة بين المالكي ودمشق بهذه البساطة، بعد أن وصلت محاولات المالكي في مرحلة ما نحو الدعوة لتشكيل محكمة دولية خاصة بسورية لـ"تحاكمها على دعمها للإرهاب المستشري في العراق"، حسب زعم المالكي، فإن هذه المصالحة لم تتم طبعا، كما يعتقد المتابعون للشأن العراقي في دمشق، نتيجة تبدل أهواء المالكي أو من كان يقف وراءه ووراء حملته للضغط على سورية، وإنما نتيجة السياسة السورية التي تسير وفق مبدأ "تفكيك الفتن وحالات التوتر في المنطقة".
وشكليا، تمت المصالحة مع المالكي على حساب دمشق، لكن ضمنيا فإن هذه المصالحة صبت ضمن الرؤية السورية الاستراتيجية القائمة على معادلة الربط بين البحار الخمس.
وقبل أن ينقلب المالكي على سياسته السابقة ويعود "طالبا لرضا دمشق"، كانت الأخيرة وعلى مدى أشهر المحطة الرئيسية في تحرك رموز جميع الكتل السياسية الكبيرة التي فازت في الانتخابات التشريعية العراقية سواء منها السنية ممثلة بكتلة "العراقية" التي يتزعمها إياد علاوي وحلت أولا في الانتخابات، أو معظم القيادات الشيعية المتحالفة مع المالكي ذاته ابتداء من زعيم "المجلس الإسلامي الأعلى" عمار الحكيم إلى زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، الذي نجحت دمشق باحتضان مصالحة وصفت بـ "التاريخية" بينه وبين علاوي رغم "الخلافات الكبيرة" بينهما.
وهذا التواصل شبه اليومي مع القيادات العراقية بما فيها الكردية بالطبع، إضافة إلى التنسيق عالي المستوى مع دول الجوار من تركيا والأردن والسعودية والكويت وقطر وإيران، واقتناع الإدارة الأميركية بمدى أهمية الدور السوري في استقرار الأوضاع في العراق، كل ذلك لم يسهم فقط بمحاولة المالكي طي صفحة الماضي وسحب اتهاماته لدمشق، وإنما دفعته إلى إرسال أكثر من مبعوث خاص إلى العاصمة السورية لتوافق على استقباله وكان من بينهم الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، وفي منتصف سبتمبر استقبل الأسد وفدا من «دولة القانون» تقدمهم القيادي في «حزب الدعوة» عبد الحليم الزهيري.
وبعد تجميد لتطور العلاقات الثنائية، عادت الحكومة العراقية تسعى لاستكمال ما كان يجب أن يحصل قبل سنة، فزار دمشق في نوفمبر وزير التجارة العراقي صفاء الدين الصافي، وترأس مع نظيرته السورية لمياء عاصي اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة لإطلاق عجلة التطور الاقتصادي، وتم على هامش الزيارة الإعلان عن تأسيس "مجلس رجال الأعمال السوري – العراقي"، وسط آمال في رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 10 مليارات دولار خلال عامين، كما أعلن الملحق التجاري للسفارة العراقية في دمشق عدنان الشريفي.
ولعل الديبلوماسي العراقي عبر عن "تفاؤل كبير" بهذا الرقم الذي أطلقه، لكنه كان يستند بالطبع الى مؤشرات التبادل التجاري بين البلدين، والتي حسب آخر أرقام "المكتب المركزي للإحصاء" في دمشق جعلت من العراق الشريك التجاري الأكبر لسورية على المستوى العالمي بقيمة وصلت نهاية عام 2008 إلى ثلاثة مليارات دولار منها 85 في المئة هي صادرات سورية إلى العراق وأكثر من نصفها مياه وعصائر غازية وطبيعية، أما واردات العراق إلى سورية فمثلت قيمة مازوت خام بنسبة شبه كاملة.
ورغم تدهور العلاقة السياسية وصولا إلى سحب السفراء بين البلدين بعد أغسطس 2009 غير أن العراق ظل الشريك التجاري الأول لسورية في العام نفسه، وبمبلغ وصل إلى أكثر من 2.7 مليار دولار كلها تقريبا صادرات سورية وشكلت ما نسبته أكثر من 26 في المئة من حجم التبادل التجاري السوري الكلي.
ويعتبر المهتمون في الشأن العراقي، ان التفات المالكي تجاه دمشق على المستوى الاقتصادي أملا بتخطي الأزمة السياسية، والتي تم تخطيها فعلا من قبل دمشق، هي محصلة طبيعية لآليات عمل السياسة السورية، التي أثبتت خلال الفترة الأخيرة أن تجاوز أزمة العراق المستعصية في تشكيل الحكومة على مدار أكثر من تسعة أشهر، إنما يتم وفق "الرؤية السورية" وليس وفق أي رؤية أخرى تم الترويج لها سواء كانت إيرانية أو أميركية.
وثبتت هذه القاعدة بعد اتفاق كافة الكتل السياسية العراقية في نوفمبر على تقاسم السلطة في العراق بين كافة الفئات والكتل السياسية التي فازت في الانتخابات الأخيرة بما فيها بالطبع كتلة "العراقية" التي نالت منصب رئاسة "المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية" المزمع تشكيله ورئاسة البرلمان إضافة إلى منصبي نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء وعدد من الحقائب الوزارية.
وقبل الوصول إلى تلك الصيغة في تقاسم السلطة، أعلنت دمشق مراراً عن خلافات مع طهران في الملف العراقي.
ففي حين كانت إيران تدفع باتجاه تشكيل المالكي لحكومة من لون واحد تقريباً (شيعي)، كانت دمشق تؤكد وتحرص على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل أطياف الشعب العراقي من دون النظر إلى من سيترأس هذه الحكومة، الأمر الذي انتهى إليه الوضع اليوم في العراق.
ورغم الإيحاء عبر تقارير صحافية عدة عن وجود اتفاق مصالح مبطن بين طهران وواشنطن كفيل بتتويج المالكي مرة ثانية رئيسا للحكومة، إلا أن هذه المعادلة التي قامت على أساس طائفي لم تستطع أن تمر عبر دمشق، لأن العراق "في هذه المرحلة لا يحتمل أن يكون هناك فريق في الحكومة وفريق في المعارضة فهي مرحلة مهمة ستضع العراق على طريق المستقبل ويجب أن يشترك الجميع في بناء المستقبل" تماما كما أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم في أكتوبر خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروماني في دمشق.
ويرى المراقبون أن طهران كانت تريد حكومة ذات لون واحد بغالبية شيعية مضمونة لها وحليفا ضد أي مفاجآت أميركية مستقبلية، أما واشنطن فتريد الحكومة نفسها، ليس تلبية للرغبات الإيرانية، وإنما لتشكيل حكومة ضعيفة قابلة للضغط وتحمل في باطنها بذور فتنة طائفية يحاول اليمين "الأميركي المتصهين" أن يزرعها في كامل منطقة الشرق الأوسط.
في المقابل، فإن دمشق التي تدفع باتجاه إفشال مشروع الفتنة الطائفية في الشرق الأوسط عموما بالتعاون مع تركيا والسعودية، لن تقبل بالطبع على حدودها الشرقية دولة تعيش هذه الفتنة كما هو الحال الآن على حدوها الغربية مع لبنان.
وبالتالي، فإن الحل كان في استثمار واستغلال "العلاقات الاستراتيجية" مع طهران لتمرير مشروع آخر أكثر شمولية يُدخل كافة مكونات الشعب العراقي إلى مؤسسة السلطة التنفيذية في بغداد، ويبدو أنها نجحت في إقناع طهران بأن استقرار العراق ووحدة شعبه وأرضه هو، على المدى الطويل، يشكل مصلحة قومية لجميع دول المنطقة بما فيها طهران، وما لم يتم انجاز هذا المشروع فإن أزمة الحكم السياسي في العراق سيظل يراوح في مكانه لأشهر طويلة أخرى، وسيبقى بابا مشرعا للتدخل الخارجي وتوتير أجواء المنطقة عموما.
ويعتقد المراقبون أنه وبعيدا عن تشنجات واختناقات السياسة، فإن دمشق تحاول حرق المراحل واستثمار الفرصة المتاحة حاليا على المستوى الاقتصادي بتحويل العلاقات بين البلدين من السلع الاستهلاكية إلى البنية التكاملية وخصوصا على مستوى سكك الحديد والطرق السريعة وشبكات الربط الكهربائي والغاز والنفط والصناعات المتوسطة، لأن هذا التكامل إن تم فسيصبح لاحقا الحامل والحامي الطبيعي من أي نكسات سياسية مستقبلية، وسيشكل البلدان، لموقعهما الجغرافي، نواة تكتل اقتصادي كبير يمتد من أواسط آسيا إلى معظم منطقة الشرق الأوسط والبلقان.
لبنان: والمحافظة على استقراره وفق قاعدة التنسيق "س – س"
تماما مثلما انشغلت دمشق بإعادة الاستقرار إلى الوضع في العراق، انشغلت بذات الدرجة في المحافظة على الاستقرار في لبنان. وعلى خلاف سنوات التوتر والقطيعة مع قوى "14 آذار"، وعلى رأسهم رئيس الوزراء سعد الحريري، نجحت دمشق بعدما استعادة ثقة الرياض وبمساعدة الأشقاء في الدوحة والحلفاء الأتراك في كسب أبرز قيادات قوى ما يعرف بـ "الموالاة" في بيروت، وهما سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
وعلى مدار السنة، كان القصر الجمهوري في دمشق محطة 20 مرة لزعامات لبنانية. فحل فيه الرئيس ميشال سليمان مرتين، وسعد الحريري أربع مرات، ورئيس مجلس النواب نبيه بري مرتين، وجنبلاط ثلاث مرات، وزعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون مرتين، والرئيس اللبناني السابق العماد أميل لحود، وزعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية مرتين، ورئيسا الوزراء السابقان عمر كرامي وسليم الحص.
ولعل من أبرز انجازات السياسة السورية عام 2010 في الملف اللبناني الإعلان الصريح لسعد الحريري عبر صحيفة "الشرق الأوسط" تبرئة سورية من دماء والده وإعلانه أن اتهاماته السابقة لها كان لـ "غايات سياسية"، كما يحسب لدمشق أنها تجاوزت عن كل الاتهامات التي ساقها لها جنبلاط ونجحت في إعادته إلى "خندق الممانعة" وإن لم يعلن ذلك علانية بعد.
ولأن عام 2010 شهد نهاية حقبة اتهام دمشق باغتيال رفيق الحريري، إلا انه شهد أيضا بداية حقبة يتم فيها التجهيز لاتهام أهم حلفائها بهذا الاغتيال ألا وهو "حزب الله"، الأمر الذي اعتبرته دمشق "خطا أحمر" بالنسبة لها، فعملت ومازالت تعمل لوضع نهاية لتعاطي لبنان كدولة مع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري انطلاقا من قناعتها بأنها "محكمة مسيسة ولم تعمل يوما للكشف عن الجهة الحقيقية التي تقف وراء أشهر عملية اغتيال سياسي في العصر الحديث".
وفي هذا السياق، فإن التنسيق السوري - السعودي يعتبر أبرز العناوين على الساحة اللبنانية وعل الزيارة الشهيرة المشتركة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد من دمشق إلى بيروت في يوليو الماضي حملت دلالة رمزية كبرى، وخلقت تفاؤلاً بأن هذا التفاهم السوري - السعودي سينقذ لبنان من الوقوع في أي اضطرابات أمنية أو فوضى سياسية، رغم ادراك دمشق أن لبنان ساحة تلعب وتتواجه فيها الكثير من القوى سواء منها الإقليمية أو الدولية وبعضها لا يريد الخير للبنان، كما أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
وأيضا، وبعيدا عن السياسة، حاولت دمشق العام المنصرم دمج لبنان في رؤيتها تجاه الربط بين البحار الخمس، فانتهى مشروع الربط الكهربائي والغاز معها، كما يتم حاليا الإعداد لعقد قمة رباعية سورية - تركية - لبنانية - أردنية لإنشاء مجلس تعاون استراتيجي عالي المستوى بين الدول الأربع بعد أن تم انجاز هذا المشروع على المستوى الثنائي بين سورية وتركيا، وسط إعلان بأن باب هذا المجلس مشرع أيضا أمام من يريد الانضمام إليه وخصوصا العراق وإيران.
ففي لقاء له مع رجال أعمال إيطاليين في فبراير 2002، أعلن الأسد أنه سيعمل على تطوير المرافئ البحرية وسكك الحديد وتحويل سورية إلى عقدة لنقل الغاز وتوزيع الكهرباء حتى تصبح لاحقا "منطقة حرة تربط بين الشرق والغرب".
وتم العمل بهدوء لتنفيذ هذه الرؤية خلال السنوات الثمانية الماضية، رغم ما اعترض سورية من تحديات شكلت تهديداً للنظام، من قبيل احتلال العراق عام 2003 والتهديد بنقل المعركة إلى سورية، ومن ثم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان، وصولا إلى عدوان عام 2006 على لبنان واصطفاف العرب بين معسكر معتدل وآخر ممانع قيمته إدارة المحافظين الجدد في واشنطن بـ "المعسكر المارق".
هذه المقدمة ضرورية لقراءة ما قامت به الديبلوماسية السورية خلال العام المنصرم 2010، لأن الحركة النشطة التي لم تتوقف على مدار السنة سواء باتجاه الخارج أو باستقبال الضيوف على مختلف المستويات، هي نتاج ومحصلة عمل السنوات السابقة، فكان محور الحركة الديبلوماسية السورية تحقيق رؤية الربط بين البحار الخمس (المتوسط، الخليج العربي، الأحمر، الأسود، قزوين) بالاعتماد على الحليف المضمون إيران، والحليف الجديد الذي لم يعد يقل أهمية إن لم يكن أكثر، تركيا، والهدف النهائي بناء "إقليم اقتصادي كبير" قادر على الوقوف في وجه الكتل الاقتصادية الدولية ويترك الباب مفتوحا أمام أعضائه لصنع مستقبلهم ومستقبل منطقتهم عبر قراراتهم وليس عبر المخططات التي كانت ترسم في عواصم القرار الكبرى خصوصا في واشنطن، كما تقوي الرؤية السابقة من موقف سورية في مواجهة "مشروع الشرق الأوسط الجديد" بقيادته الإسرائيلية في المنطقة، ومواجهة إسرائيل تحديدا سواء إذا ما استمرت حال الحرب، أو تحركت مجددا عملية السلام المجمدة حتى اللحظة على المسار السوري منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مع نهاية عام 2008.
ووفق تلك الرؤية، تحركت ماكينة الديبلوماسية السورية بما لا يقل عن 25 زيارة رئاسية إلى مختلف أصقاع العالم بدءا من المحيط القريب وصولا إلى أميركا اللاتينية، أما دمشق فقد شهدت خلال هذه السنة استقبالات سياسية وبحجم وصل تقريبا إلى ثلاثة أضعاف الحركة إلى الخارج.
ويلاحظ المراقب بسهولة، أن محاور الحركة السورية تركزت على التواصل زيارة أو استقبالا مع: الرياض، أنقرة، طهران، الدوحة، بغداد، بيروت وباريس، وبمعدل وسطي وصل إلى خمس مرات مع كل عاصمة من العواصم السابقة على الأقل، ونجحت دمشق في أن تنتقل من العاصمة المقاطعة والمحاصرة إلى أحد أبرز عواصم القرار في المنطقة ومحطة رئيسة لتحركات الساسة بمختلف انتماءاتهم.
ومن أبرز من زار العاصمة السورية هذه السنة من الزعماء الأجانب كان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في مايو، ورئيسة الهند ديفيسينغ باتيل نهاية نوفمبر، والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في أكتوبر، والإيراني محمود أحمدي نجاد مرتين في فبراير وسبتمبر، والرئيس الأرمني سيرج سركسيان في مارس، والرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو في مارس، والرئيس الباكستاني آصف علي زرداري في يناير، ورئيس وزراء فرنسا فرانسوا فيون في فبراير، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في أكتوبر.
كما استقبلت دمشق تسعة وفود من واشنطن من بينهم نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز في فبراير، والمبعوث الأميركي للسلام جورج ميتشل مرتين في سبتمبر ويناير، و6 وفود من الكونغرس أبرزهم جون كيري وآرلن سبكتر وراين كروكر.
أما أبرز من زار دمشق من الزعماء العرب، فكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في يوليو، حيث انتقل في اليوم الثاني لزيارته برفقة الرئيس الأسد إلى بيروت، كما زار دمشق العاهل الأردني عبد الله الثاني مرتين في سبتمبر ويونيو، وسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في مايو، والرئيس اللبناني ميشال سليمان مرتين في نوفمبر ويونيو، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أربع مرات في أغسطس ويوليو ويونيو ومايو، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في أكتوبر، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في أغسطس.
كما نجحت دمشق وعبر التنسيق مع حلفائها في العواصم السبع السابقة الذكر (الرياض، أنقرة، طهران، الدوحة، بغداد، بيروت وباريس) بتجنيب المنطقة أزمات خطيرة بدءا من العراق وصولا إلى لبنان، وان ظلت علاقاتها السياسية مع مصر ونظام الرئيس محمد حسني مبارك بمستوى الحد الأدنى من التواصل على خلفية قناعة كل منهما تجاه التعاطي مع قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ورؤيتهما تجاه تحقيق السلام في المنقطة.
وفي الحديث عن أبرز محطات عام 2010 في السياسة السورية لابد من التوقف بشيء من التفصيل عند أهم مفاصل هذا التحرك سواء مع العراق أو لبنان.
نهاية الأزمة العراقية وفق التصور السوري
عاد المشهد الاقتصادي ليطغى السنة المنصرمة على طبيعة العلاقات السورية - العراقية بعدما قررت بغداد، وبالأحرى رئيس وزرائها المكلف ثانية نوري المالكي، سحب اتهاماته "السياسية" لدمشق بأنها كانت تقف أو تؤوي من يقف، وراء "تفجيرات بغداد الدامية" في أغسطس العام الماضي.
وعمد المالكي إلى طي صفحة الخلاف وإنهاء مرحلة جفاء امتدت لأكثر من سنة في علاقاته مع دمشق عبر زيارة قصيرة قام بها إلى العاصمة السورية على رأس وفد ضم ممثلين عن «حزب الدعوة - المقر العام وائتلاف "دولة القانون"، اللذين يتزعمهما، منتصف أكتوبر الماضي، تم تتويجها بمذكرة تفاهم حول التعاون الاستراتيجي في مجال النفط والغاز.
وان تمت المصالحة بين المالكي ودمشق بهذه البساطة، بعد أن وصلت محاولات المالكي في مرحلة ما نحو الدعوة لتشكيل محكمة دولية خاصة بسورية لـ"تحاكمها على دعمها للإرهاب المستشري في العراق"، حسب زعم المالكي، فإن هذه المصالحة لم تتم طبعا، كما يعتقد المتابعون للشأن العراقي في دمشق، نتيجة تبدل أهواء المالكي أو من كان يقف وراءه ووراء حملته للضغط على سورية، وإنما نتيجة السياسة السورية التي تسير وفق مبدأ "تفكيك الفتن وحالات التوتر في المنطقة".
وشكليا، تمت المصالحة مع المالكي على حساب دمشق، لكن ضمنيا فإن هذه المصالحة صبت ضمن الرؤية السورية الاستراتيجية القائمة على معادلة الربط بين البحار الخمس.
وقبل أن ينقلب المالكي على سياسته السابقة ويعود "طالبا لرضا دمشق"، كانت الأخيرة وعلى مدى أشهر المحطة الرئيسية في تحرك رموز جميع الكتل السياسية الكبيرة التي فازت في الانتخابات التشريعية العراقية سواء منها السنية ممثلة بكتلة "العراقية" التي يتزعمها إياد علاوي وحلت أولا في الانتخابات، أو معظم القيادات الشيعية المتحالفة مع المالكي ذاته ابتداء من زعيم "المجلس الإسلامي الأعلى" عمار الحكيم إلى زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، الذي نجحت دمشق باحتضان مصالحة وصفت بـ "التاريخية" بينه وبين علاوي رغم "الخلافات الكبيرة" بينهما.
وهذا التواصل شبه اليومي مع القيادات العراقية بما فيها الكردية بالطبع، إضافة إلى التنسيق عالي المستوى مع دول الجوار من تركيا والأردن والسعودية والكويت وقطر وإيران، واقتناع الإدارة الأميركية بمدى أهمية الدور السوري في استقرار الأوضاع في العراق، كل ذلك لم يسهم فقط بمحاولة المالكي طي صفحة الماضي وسحب اتهاماته لدمشق، وإنما دفعته إلى إرسال أكثر من مبعوث خاص إلى العاصمة السورية لتوافق على استقباله وكان من بينهم الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، وفي منتصف سبتمبر استقبل الأسد وفدا من «دولة القانون» تقدمهم القيادي في «حزب الدعوة» عبد الحليم الزهيري.
وبعد تجميد لتطور العلاقات الثنائية، عادت الحكومة العراقية تسعى لاستكمال ما كان يجب أن يحصل قبل سنة، فزار دمشق في نوفمبر وزير التجارة العراقي صفاء الدين الصافي، وترأس مع نظيرته السورية لمياء عاصي اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة لإطلاق عجلة التطور الاقتصادي، وتم على هامش الزيارة الإعلان عن تأسيس "مجلس رجال الأعمال السوري – العراقي"، وسط آمال في رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 10 مليارات دولار خلال عامين، كما أعلن الملحق التجاري للسفارة العراقية في دمشق عدنان الشريفي.
ولعل الديبلوماسي العراقي عبر عن "تفاؤل كبير" بهذا الرقم الذي أطلقه، لكنه كان يستند بالطبع الى مؤشرات التبادل التجاري بين البلدين، والتي حسب آخر أرقام "المكتب المركزي للإحصاء" في دمشق جعلت من العراق الشريك التجاري الأكبر لسورية على المستوى العالمي بقيمة وصلت نهاية عام 2008 إلى ثلاثة مليارات دولار منها 85 في المئة هي صادرات سورية إلى العراق وأكثر من نصفها مياه وعصائر غازية وطبيعية، أما واردات العراق إلى سورية فمثلت قيمة مازوت خام بنسبة شبه كاملة.
ورغم تدهور العلاقة السياسية وصولا إلى سحب السفراء بين البلدين بعد أغسطس 2009 غير أن العراق ظل الشريك التجاري الأول لسورية في العام نفسه، وبمبلغ وصل إلى أكثر من 2.7 مليار دولار كلها تقريبا صادرات سورية وشكلت ما نسبته أكثر من 26 في المئة من حجم التبادل التجاري السوري الكلي.
ويعتبر المهتمون في الشأن العراقي، ان التفات المالكي تجاه دمشق على المستوى الاقتصادي أملا بتخطي الأزمة السياسية، والتي تم تخطيها فعلا من قبل دمشق، هي محصلة طبيعية لآليات عمل السياسة السورية، التي أثبتت خلال الفترة الأخيرة أن تجاوز أزمة العراق المستعصية في تشكيل الحكومة على مدار أكثر من تسعة أشهر، إنما يتم وفق "الرؤية السورية" وليس وفق أي رؤية أخرى تم الترويج لها سواء كانت إيرانية أو أميركية.
وثبتت هذه القاعدة بعد اتفاق كافة الكتل السياسية العراقية في نوفمبر على تقاسم السلطة في العراق بين كافة الفئات والكتل السياسية التي فازت في الانتخابات الأخيرة بما فيها بالطبع كتلة "العراقية" التي نالت منصب رئاسة "المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية" المزمع تشكيله ورئاسة البرلمان إضافة إلى منصبي نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء وعدد من الحقائب الوزارية.
وقبل الوصول إلى تلك الصيغة في تقاسم السلطة، أعلنت دمشق مراراً عن خلافات مع طهران في الملف العراقي.
ففي حين كانت إيران تدفع باتجاه تشكيل المالكي لحكومة من لون واحد تقريباً (شيعي)، كانت دمشق تؤكد وتحرص على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل أطياف الشعب العراقي من دون النظر إلى من سيترأس هذه الحكومة، الأمر الذي انتهى إليه الوضع اليوم في العراق.
ورغم الإيحاء عبر تقارير صحافية عدة عن وجود اتفاق مصالح مبطن بين طهران وواشنطن كفيل بتتويج المالكي مرة ثانية رئيسا للحكومة، إلا أن هذه المعادلة التي قامت على أساس طائفي لم تستطع أن تمر عبر دمشق، لأن العراق "في هذه المرحلة لا يحتمل أن يكون هناك فريق في الحكومة وفريق في المعارضة فهي مرحلة مهمة ستضع العراق على طريق المستقبل ويجب أن يشترك الجميع في بناء المستقبل" تماما كما أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم في أكتوبر خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروماني في دمشق.
ويرى المراقبون أن طهران كانت تريد حكومة ذات لون واحد بغالبية شيعية مضمونة لها وحليفا ضد أي مفاجآت أميركية مستقبلية، أما واشنطن فتريد الحكومة نفسها، ليس تلبية للرغبات الإيرانية، وإنما لتشكيل حكومة ضعيفة قابلة للضغط وتحمل في باطنها بذور فتنة طائفية يحاول اليمين "الأميركي المتصهين" أن يزرعها في كامل منطقة الشرق الأوسط.
في المقابل، فإن دمشق التي تدفع باتجاه إفشال مشروع الفتنة الطائفية في الشرق الأوسط عموما بالتعاون مع تركيا والسعودية، لن تقبل بالطبع على حدودها الشرقية دولة تعيش هذه الفتنة كما هو الحال الآن على حدوها الغربية مع لبنان.
وبالتالي، فإن الحل كان في استثمار واستغلال "العلاقات الاستراتيجية" مع طهران لتمرير مشروع آخر أكثر شمولية يُدخل كافة مكونات الشعب العراقي إلى مؤسسة السلطة التنفيذية في بغداد، ويبدو أنها نجحت في إقناع طهران بأن استقرار العراق ووحدة شعبه وأرضه هو، على المدى الطويل، يشكل مصلحة قومية لجميع دول المنطقة بما فيها طهران، وما لم يتم انجاز هذا المشروع فإن أزمة الحكم السياسي في العراق سيظل يراوح في مكانه لأشهر طويلة أخرى، وسيبقى بابا مشرعا للتدخل الخارجي وتوتير أجواء المنطقة عموما.
ويعتقد المراقبون أنه وبعيدا عن تشنجات واختناقات السياسة، فإن دمشق تحاول حرق المراحل واستثمار الفرصة المتاحة حاليا على المستوى الاقتصادي بتحويل العلاقات بين البلدين من السلع الاستهلاكية إلى البنية التكاملية وخصوصا على مستوى سكك الحديد والطرق السريعة وشبكات الربط الكهربائي والغاز والنفط والصناعات المتوسطة، لأن هذا التكامل إن تم فسيصبح لاحقا الحامل والحامي الطبيعي من أي نكسات سياسية مستقبلية، وسيشكل البلدان، لموقعهما الجغرافي، نواة تكتل اقتصادي كبير يمتد من أواسط آسيا إلى معظم منطقة الشرق الأوسط والبلقان.
لبنان: والمحافظة على استقراره وفق قاعدة التنسيق "س – س"
تماما مثلما انشغلت دمشق بإعادة الاستقرار إلى الوضع في العراق، انشغلت بذات الدرجة في المحافظة على الاستقرار في لبنان. وعلى خلاف سنوات التوتر والقطيعة مع قوى "14 آذار"، وعلى رأسهم رئيس الوزراء سعد الحريري، نجحت دمشق بعدما استعادة ثقة الرياض وبمساعدة الأشقاء في الدوحة والحلفاء الأتراك في كسب أبرز قيادات قوى ما يعرف بـ "الموالاة" في بيروت، وهما سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
وعلى مدار السنة، كان القصر الجمهوري في دمشق محطة 20 مرة لزعامات لبنانية. فحل فيه الرئيس ميشال سليمان مرتين، وسعد الحريري أربع مرات، ورئيس مجلس النواب نبيه بري مرتين، وجنبلاط ثلاث مرات، وزعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون مرتين، والرئيس اللبناني السابق العماد أميل لحود، وزعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية مرتين، ورئيسا الوزراء السابقان عمر كرامي وسليم الحص.
ولعل من أبرز انجازات السياسة السورية عام 2010 في الملف اللبناني الإعلان الصريح لسعد الحريري عبر صحيفة "الشرق الأوسط" تبرئة سورية من دماء والده وإعلانه أن اتهاماته السابقة لها كان لـ "غايات سياسية"، كما يحسب لدمشق أنها تجاوزت عن كل الاتهامات التي ساقها لها جنبلاط ونجحت في إعادته إلى "خندق الممانعة" وإن لم يعلن ذلك علانية بعد.
ولأن عام 2010 شهد نهاية حقبة اتهام دمشق باغتيال رفيق الحريري، إلا انه شهد أيضا بداية حقبة يتم فيها التجهيز لاتهام أهم حلفائها بهذا الاغتيال ألا وهو "حزب الله"، الأمر الذي اعتبرته دمشق "خطا أحمر" بالنسبة لها، فعملت ومازالت تعمل لوضع نهاية لتعاطي لبنان كدولة مع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري انطلاقا من قناعتها بأنها "محكمة مسيسة ولم تعمل يوما للكشف عن الجهة الحقيقية التي تقف وراء أشهر عملية اغتيال سياسي في العصر الحديث".
وفي هذا السياق، فإن التنسيق السوري - السعودي يعتبر أبرز العناوين على الساحة اللبنانية وعل الزيارة الشهيرة المشتركة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد من دمشق إلى بيروت في يوليو الماضي حملت دلالة رمزية كبرى، وخلقت تفاؤلاً بأن هذا التفاهم السوري - السعودي سينقذ لبنان من الوقوع في أي اضطرابات أمنية أو فوضى سياسية، رغم ادراك دمشق أن لبنان ساحة تلعب وتتواجه فيها الكثير من القوى سواء منها الإقليمية أو الدولية وبعضها لا يريد الخير للبنان، كما أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
وأيضا، وبعيدا عن السياسة، حاولت دمشق العام المنصرم دمج لبنان في رؤيتها تجاه الربط بين البحار الخمس، فانتهى مشروع الربط الكهربائي والغاز معها، كما يتم حاليا الإعداد لعقد قمة رباعية سورية - تركية - لبنانية - أردنية لإنشاء مجلس تعاون استراتيجي عالي المستوى بين الدول الأربع بعد أن تم انجاز هذا المشروع على المستوى الثنائي بين سورية وتركيا، وسط إعلان بأن باب هذا المجلس مشرع أيضا أمام من يريد الانضمام إليه وخصوصا العراق وإيران.