النزاعات الاقليمية وازمة العراق السياسيه
مرسل: الاثنين يناير 03, 2011 8:25 am
تمر العلاقات الدولية بحزمة من التغيرات الحاملة لقدر من الانفراج بعد توتر السياسة الدولية التي أوصلتها الإدارة الأمريكية السابقة الى طريق الأزمات الدولية ، وبسبب ترابط السياسية الدولية وأساليب رؤيتها للمشاكل الناشئة فان ملامح الانفراج الدولي انعكست على معالجة أزمات منطقتنا العربية.
لغرض متابعة تلك التغيرات وتحليل ركائزها وتأثيراتها على تطور العلاقات الدولية والإقليمية لابد لنا من ملاحقتها وحصرها بالمؤشرات التالية: ـ
المؤشر الأول: ـ أدت سياسة الغطرسة التي انتهجتها الإدارة الجمهورية الى فشل أيديولوجية المحافظين الجدد المتمثلة بـالضربات الاجهاضية، التدخل في الشئون الداخلية، إسقاط الأنظمة السياسية ــ وما نتج عنها من مآزق دولية وتوترات سياسية.
المؤشر الثاني ــ استبدال نهج الهيمنة الأمريكية المرتكزة على التداخلات الدولية وتأجيج النزاعات الإقليمية بتفاهمات بين المراكز الرأسمالية والدول الإقليمية الناهضة على أساس توازن المصالح الدولية / الإقليمية.
المؤشر الثالث: ـ استبدال سياسة التوتر والحروب بدبلوماسية الحوار والتدرج بالعقوبات الاقتصادية / السياسية والتلويح بالقوة بدل استخدامها .
المؤشر الرابع ــ أفضت ألازمة الاقتصادية العالمية الى سعي الولايات المتحدة لإيجاد تفاهمات دولية بهدف الخروج من تلك الأزمة انطلاقا من تشجيع دور الدولة الاقتصادي / الخدمي وما ينتجه ذلك من تطوير شبكة الضمانات الاجتماعية.
المؤشر الخامس ــ تخفيف التنافس بين المراكز الرأسمالية القديمة منها والناهضة انطلاقا من موضوعة توازن المصالح الوطنية بين الدول الرأسمالية.
إن التبدلات المشار إليها استندت على تصفية مخلفات الحرب الباردة والانتقال الى مرحلة التعاون الدولي المنبثق من وحدة العالم الرأسمالي المرتكز على وحدة الشركات الاحتكارية. بمعنى أن العلاقات الدولية تسير نحو التوافق بين كتلها الأساسية رغم أن المنافسة الرأسمالية تتمثل بين التكتلات الاقتصادية الدولية.
لقد انعكست تطورات السياسية الدولية على بنية النزاعات الإقليمية والتي تجلت بكثرة من الميول العامة نحاول إيجازها بالنقاط التالية : ـ
ـــ استبدال استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية المسماة بالدرع الصاروخي ( الموجه ضد إيران ) باستراتيجية أخرى تشارك فيها روسيا الاتحادية والتي باتت اقرب الى التعاون مع حلف الناتو .
ــــ اعتماد الولايات المتحدة نهجا ( متعاطفاً ) مع القضية الفلسطينية تمثل بعدم الاعتراف بشرعية الاستيطان الامر الذي أدى الى ( تعكر ) العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة. ( 1 )
ــ مصالحة الولايات المتحدة الأمريكية مع العالم الإسلامي بعد التخلي عن النزعة الدينية في معالجة القضايا الدولية .
ـــ محاولة حل الملف الإيراني بالطرق الدبلوماسية وإيجاد حلول واقعية تضمن حق الدول في امتلاك الطاقة النووية السلمية .
إن تطورات السياسية الدولية تقودنا الى استنتاج مفاده أن التفاهم بين المراكز الرأسمالية على استقرار العلاقات الدولية ينطلق من الاعتراف الدولي بدور المراكز الإقليمية في معالجة الأزمات الدولية استناداً الى التعاون الدولي / الإقليمي المشترك .
2
استناداً الى تبدلات السياسية الدولية لابد لنا من استعراض تطورات الأمن الإقليمي بادئين بتدقيق مفهوم الأمن العربي الذي بات مفهوماً فارغاً من مضامينه الفعلية معتمدين بذلك على أسباب كثيرة منها : ـ
ـــ غياب الاستراتيجية العربية المتصدية للتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية. ( 2)
ــ غياب الاستقرار السياسي / الاجتماعي بسبب احتكار السلطة وضياع التنمية الوطنية .
ــ كثرة التحالفات العربية مع المراكز الدولية الذي أفضى الى نتيجتين خطيرتين على الأمن الإقليمي والعربي أحداهما محاولة بناء تكتل عربي نفطي تابع للشركات الدولية الاحتكارية على قاعدة التبعية والإلحاق. وثانيهما سلخ الدول العربية الغنية عن مثيلاتها الفقيرة وما ينتج عن ذلك من تعثر بناء الأمن الإقليمي المستند الى مصالح دوله الوطنية.
على أساس تلك المخاطر والانقسامات يواجهنا السؤال التالي : ما هي طبيعة المراكز الإقليمية الناهضة ؟ وما هي اتجاهات تطور مصالحها الوطنية ؟ . وأخيرا ما هي ملامح اصطفافاتها الإقليمية ؟
قبل الاحاطة بمضامين الأسئلة المثارة يتعين علينا تفكيك مفهوم المركز الإقليمي وتحديد ماهية ركائزه الأساسية، وبهذا السياق يمكننا القول أن طبيعة المركز الإقليمي تتحدد بكثرة من القوى والعوامل المترابطة التي تجعله مؤثراً بمسار السياسية الإقليمية والتي يمكن إيجازها بالعوامل التالية: ـ
العامل الأول: ـ القوة الاقتصادية للبلد وما تتضمنه من ثروات طبيعية فضلا عن درجة تطور تنميته البشرية التي تؤهله لخوض المنافسة الإقليمية والدولية على أساس صيانة مصالحه الوطنية.
العامل الثاني: ـ القوة العسكرية والاستراتيجية المنبثقة عنها وبالتحديد الدفاعية منها التي تشكل رادعاً لمطامع القوى الإقليمية والدولية.
العامل الثالث: ـ استقرار نظامه السياسي وتماسك تشكيلته الاجتماعية وتوازن مصالحها الوطنية.
العامل الرابع: ـ موقعه الجغرافي وتأثيراته الاقتصادية، السياسية والثقافية على جواره الإقليمي.
إن محددات المركز الإقليمي المشار إليها تترابط وسمات أخرى تتفرد بها المراكز الإقليمية في الشرق الأوسط نجدها في : ــ
1: ـ روح التوسع والهيمنة لدى المراكز الإقليمية الهادفة الى التمدد الجغرافي / الاقتصادي / السياسي.
2: ـ سيادة النزعة المذهبية في النزاعات الإقليمية وما نتج عن ذلك من نزاع حاد بين المراكز الإقليمية من خلال تشابك المنظمات الإرهابية الأصولية مع الأجهزة والاستخباراتية . ( 3)
بعد استعراضنا لمساند المركز الإقليمي والسمات العامة لتوجهات السياسة الإقليمية يواجهنا السؤال التالي: ما هي طبيعة المشاكل الأساسية التي تواجه الأمن الإقليمي ؟ . وما هي انعكاسات تلك المشاكل على السياسية الرسمية لدول المنطقة ؟.
لإضفاء شرعية ملموسة على الأسئلة المثارة لابد لنا من تعيين مقوضات الأمن الإقليمي والتي يمكن إيجازها بالقضايا التالية: ــ
أولا: وجود قضايا قومية شائكة بسبب التنوع العرقي والمذهبي في دول المنطقة .
ثانيا: ـ سيادة الأيديولوجية المذهبية واستخدامها في السياسية العامة للمراكز الإقليمية.
ثالثاً: ـ الأزمة الديمقراطية العامة المحيطة بالأنظمة والتشكيلات الاجتماعية لأغلب دول المنطقة.
إن تداخل وتشابك القضايا القومية والمذهبية والسياسية أفرزت اصطفافات إقليمية جديدة تمثلت بــ : ــ
أولاً : ـ تراجع النزاع العربي الإسرائيلي بعد تزايد الانقسامات في الصف الفلسطيني .
ثانياً : ـ مناهضة بعض الدول العربية لإيران واعتبار نظامها المذهبي خطراً استراتيجياً على الأمن العربي.
ثانياً: ـ تحول بعض الدول العربية ـــ فلسطين ، لبنان ، اليمن ، العراق ــ الى مناطق فعلية لنزاعات دولية / إقليمية.
3
إن تشابكات السياسية الإقليمية / الدولية والاصطفافات الناتجة عنها تطرح علينا السؤال التالي: كيف تنعكس تلك التداخلات على النزاعات الوطنية في العراق ؟ . وما هي تأثيراتها على مستقبل العراق السياسي ؟ .
لغرض الاحاطة بمضامين الأسئلة المثارة لابد لنا من تدقيق أشكال النزاعات الجارية في العراق والتي أراها في شكلين رئيسين : ـ
أ: ــــ النزاع الأيديولوجي المتمثل بتياري الإسلام السياسي المذهبي وامتداده الإقليمي.
ب: ــ النزاع الاقتصادي الدولي المتمثل بسعي الولايات المتحدة الأمريكية لإلحاق العراق بشركاتها الاحتكارية وتناقض ذلك مع رغبة المراكز الإقليمية في تقاسم السوق العراقية.
على أساس ذلك التحديد دعونا نتوقف عند النزاعات السياسية العراقية وفحص الأشكال المتحكمة فيها عبر موضوعات عامة.
الموضوعة الأولى: ـ تحكم الشكل الأيدلوجي في النزاعات السياسية لتشكيلة العراق الاجتماعية جعل السلطة السياسية هدفا رئيسياً لنشاط الكتل السياسية السائدة.
الموضوعة الثانية: ـ. تحكم العامل الإيديولوجي في منظومة العراق السياسية ــ السلطة، الأحزاب السياسية ــ أضعف الروح الديمقراطية المنبثقة من مصالح العراق الأساسية.
الموضوعة الثالثة: ـ ترابط النزاعات الأيديولوجية والنزاعات الإقليمية الامر الذي أنتج ثلاث مشاريع سياسية تتحكم في توجهات العراق المستقبلية: ـــ
1: ـ مشروع اقتسام السلطة المتجسد في الممارسة السياسية والمبارك دولياً لكثرة من الأسباب منها ـ ضبط النزاعات الإقليمية / الدولية على قاعدة توازن المصالح، ومنها ربط تشكيلة العراق السياسية بالحماية الخارجية ومنها استمرار تدخل القوى الدولية والإقليمية في مسار تطور العراق الاقتصادي / السياسي.
2: ـ مشروع احتكار السلطة الذي تسعى إليه قوى مذهبية أصولية وأخرى قومية معتمدة على أساليب سياسية وأخرى عنفية وتمثل مؤسسات وأجهزة الدولة الديكتاتورية المنهارة المتحالفة مع تيار الإسلام المذهبي حاملا أساسيا لهذا المشروع.
إن غياب المشروع الديمقراطي لدى القوى القومية المناهضة للعملية السياسية واعتمادها العنف المنفلت فضلا عن تحالفها مع الإسلام السلفي جعلت نشاطها السياسي / العنفي عاملا من عوامل تعطيل المصالحة الوطنية المرتكزة على الديمقراطية وتوازن المصالح السياسية / الاقتصادية لقوى التشكيلة العراقية. ( 4 )
3: ـ مشروع الدولة الوطنية / الديمقراطية الذي تكافح من أجله تيارات أساسية منها: ليبرالية ديمقراطية، وأخرى يسارية وثالثة قومية. ورغم كثرة المنادين بهذا المشروع وآفاقه المستقبلية الواعدة الى أن ضعف قاعدته الاجتماعية فضلا عن تعارض بعض فصائله مع مصالح القوى الإقليمية والدولية تجعل منه مشروعا محاصراً في الظروف التاريخية الملموسة.
إن تنازع المشاريع الوطنية الهادفة الى بناء الدولة العراقية ونظامها السياسي والمترابطة مع تناقضات المصالح الدولية والإقليمية يتشابك وكثرة من الخلافات الوطنية الشائكة والتي يمكن حصرها بالقضايا التالية: ـ
ــ الديمقراطية وبناء الدولة العراقية.
ـــ التواجد الأجنبي وقضايا السيادة الوطنية.
ــ المصالحة الوطنية والتداخلات الأجنبية.
إزاء كثرة الخلافات الوطنية و تعارض المشاريع العراقية وترابطاتها الدولية والإقليمية يواجهنا السؤال التالي: ما هي السبل القادرة على إيجاد حلول وطنية تضمن مصالح الكتل السياسية المتعارضة ؟ . وما هي آليات تحقيق الأمن السياسي والاجتماعي للعراقيين.
إن الإجابة على تلك الأسئلة ( الحارقة ) تتطلب قدراً من المسؤولية السياسية والأخلاقية إزاء محنة البلد وأزماته السياسية والتي أراها تتمثل بقضيتين أساسيتين: ـ
ــ القضية الأولى التخلي عن العقلية الإيديولوجية واستبدالها بعقلية سياسية واقعية تنطلق من بناء سلطة عراقية تنبثق من المصالح المشتركة للقوى السياسية المتنازعة على حكم البلاد.
القضية الثانية: ـ التخلي عن العقل الأيديولوجي وشعاراته السياسية يشترط الانتقال الى تمثل مصالح العراق الوطنية بعيداً عن لغة العنف الولاءات الخارجية.
الهوامش
1: ـ أدت معارضة الولايات المتحدة لإسرائيل بشأن الاستيطان الى تراجعات في الدبلوماسية الاسرائيلية منها: ـ
ــ إدانة إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي الإنساني والذي تضمنه تقرير القاضي الدولي كلادستون الى مجلس حقوق الإنسان.
ـــ إلغاء تركيا للمناورات العسكرية مع إسرائيل في تشرين أول من عام 2009.
ــ تفجير إسرائيل لمراصد إستخباراتية في الجنوب اللبناني في 19 تشرين أول بعد افتضاح أمرها.
ــ انقسام اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية الى حركتين أساسيتين تبعاً للموقف من الدولة الفلسطينية منظمة ايباك اليمينية والأخرى «جيه ستريت»، التي ضمت في صفوفها تنظيمات ليبرالية ويسارية من اليهود الأميركيين.
ــ أخيرا قرار الاتحاد الأوربي بجعل القدس عاصمة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية.
2: ـ خشية التوسع الإيراني قامت دولة الإمارات ببناء قاعدة عسكرية فرنسية مشتركة وبهذا السياق عقدت الكويت اتفاقية عسكرية مع فرنسا.
3: ـ تقوم الأجهزة الأمنية للدول المذهبية برعاية وتمويل وإيواء المنظمات الإرهابية والمعارضة السياسية وبهذا المعنى فان التشابك بين الأجهزة المخابراتية والمنظمات الإرهابية لا زال شكلاً أساسياً من أشكال النزاع الدائر في منطقة الشرق الأوسط.
4: ـ أنظر الى إعلان عزت الدوري المتضمن تشكيل "جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني" وشعارها العسكري ( النصر و التحرير الشامل للعراق ). صحيفة إيلاف الالكترونية 3 نوفمبر 2009
لغرض متابعة تلك التغيرات وتحليل ركائزها وتأثيراتها على تطور العلاقات الدولية والإقليمية لابد لنا من ملاحقتها وحصرها بالمؤشرات التالية: ـ
المؤشر الأول: ـ أدت سياسة الغطرسة التي انتهجتها الإدارة الجمهورية الى فشل أيديولوجية المحافظين الجدد المتمثلة بـالضربات الاجهاضية، التدخل في الشئون الداخلية، إسقاط الأنظمة السياسية ــ وما نتج عنها من مآزق دولية وتوترات سياسية.
المؤشر الثاني ــ استبدال نهج الهيمنة الأمريكية المرتكزة على التداخلات الدولية وتأجيج النزاعات الإقليمية بتفاهمات بين المراكز الرأسمالية والدول الإقليمية الناهضة على أساس توازن المصالح الدولية / الإقليمية.
المؤشر الثالث: ـ استبدال سياسة التوتر والحروب بدبلوماسية الحوار والتدرج بالعقوبات الاقتصادية / السياسية والتلويح بالقوة بدل استخدامها .
المؤشر الرابع ــ أفضت ألازمة الاقتصادية العالمية الى سعي الولايات المتحدة لإيجاد تفاهمات دولية بهدف الخروج من تلك الأزمة انطلاقا من تشجيع دور الدولة الاقتصادي / الخدمي وما ينتجه ذلك من تطوير شبكة الضمانات الاجتماعية.
المؤشر الخامس ــ تخفيف التنافس بين المراكز الرأسمالية القديمة منها والناهضة انطلاقا من موضوعة توازن المصالح الوطنية بين الدول الرأسمالية.
إن التبدلات المشار إليها استندت على تصفية مخلفات الحرب الباردة والانتقال الى مرحلة التعاون الدولي المنبثق من وحدة العالم الرأسمالي المرتكز على وحدة الشركات الاحتكارية. بمعنى أن العلاقات الدولية تسير نحو التوافق بين كتلها الأساسية رغم أن المنافسة الرأسمالية تتمثل بين التكتلات الاقتصادية الدولية.
لقد انعكست تطورات السياسية الدولية على بنية النزاعات الإقليمية والتي تجلت بكثرة من الميول العامة نحاول إيجازها بالنقاط التالية : ـ
ـــ استبدال استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية المسماة بالدرع الصاروخي ( الموجه ضد إيران ) باستراتيجية أخرى تشارك فيها روسيا الاتحادية والتي باتت اقرب الى التعاون مع حلف الناتو .
ــــ اعتماد الولايات المتحدة نهجا ( متعاطفاً ) مع القضية الفلسطينية تمثل بعدم الاعتراف بشرعية الاستيطان الامر الذي أدى الى ( تعكر ) العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة. ( 1 )
ــ مصالحة الولايات المتحدة الأمريكية مع العالم الإسلامي بعد التخلي عن النزعة الدينية في معالجة القضايا الدولية .
ـــ محاولة حل الملف الإيراني بالطرق الدبلوماسية وإيجاد حلول واقعية تضمن حق الدول في امتلاك الطاقة النووية السلمية .
إن تطورات السياسية الدولية تقودنا الى استنتاج مفاده أن التفاهم بين المراكز الرأسمالية على استقرار العلاقات الدولية ينطلق من الاعتراف الدولي بدور المراكز الإقليمية في معالجة الأزمات الدولية استناداً الى التعاون الدولي / الإقليمي المشترك .
2
استناداً الى تبدلات السياسية الدولية لابد لنا من استعراض تطورات الأمن الإقليمي بادئين بتدقيق مفهوم الأمن العربي الذي بات مفهوماً فارغاً من مضامينه الفعلية معتمدين بذلك على أسباب كثيرة منها : ـ
ـــ غياب الاستراتيجية العربية المتصدية للتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية. ( 2)
ــ غياب الاستقرار السياسي / الاجتماعي بسبب احتكار السلطة وضياع التنمية الوطنية .
ــ كثرة التحالفات العربية مع المراكز الدولية الذي أفضى الى نتيجتين خطيرتين على الأمن الإقليمي والعربي أحداهما محاولة بناء تكتل عربي نفطي تابع للشركات الدولية الاحتكارية على قاعدة التبعية والإلحاق. وثانيهما سلخ الدول العربية الغنية عن مثيلاتها الفقيرة وما ينتج عن ذلك من تعثر بناء الأمن الإقليمي المستند الى مصالح دوله الوطنية.
على أساس تلك المخاطر والانقسامات يواجهنا السؤال التالي : ما هي طبيعة المراكز الإقليمية الناهضة ؟ وما هي اتجاهات تطور مصالحها الوطنية ؟ . وأخيرا ما هي ملامح اصطفافاتها الإقليمية ؟
قبل الاحاطة بمضامين الأسئلة المثارة يتعين علينا تفكيك مفهوم المركز الإقليمي وتحديد ماهية ركائزه الأساسية، وبهذا السياق يمكننا القول أن طبيعة المركز الإقليمي تتحدد بكثرة من القوى والعوامل المترابطة التي تجعله مؤثراً بمسار السياسية الإقليمية والتي يمكن إيجازها بالعوامل التالية: ـ
العامل الأول: ـ القوة الاقتصادية للبلد وما تتضمنه من ثروات طبيعية فضلا عن درجة تطور تنميته البشرية التي تؤهله لخوض المنافسة الإقليمية والدولية على أساس صيانة مصالحه الوطنية.
العامل الثاني: ـ القوة العسكرية والاستراتيجية المنبثقة عنها وبالتحديد الدفاعية منها التي تشكل رادعاً لمطامع القوى الإقليمية والدولية.
العامل الثالث: ـ استقرار نظامه السياسي وتماسك تشكيلته الاجتماعية وتوازن مصالحها الوطنية.
العامل الرابع: ـ موقعه الجغرافي وتأثيراته الاقتصادية، السياسية والثقافية على جواره الإقليمي.
إن محددات المركز الإقليمي المشار إليها تترابط وسمات أخرى تتفرد بها المراكز الإقليمية في الشرق الأوسط نجدها في : ــ
1: ـ روح التوسع والهيمنة لدى المراكز الإقليمية الهادفة الى التمدد الجغرافي / الاقتصادي / السياسي.
2: ـ سيادة النزعة المذهبية في النزاعات الإقليمية وما نتج عن ذلك من نزاع حاد بين المراكز الإقليمية من خلال تشابك المنظمات الإرهابية الأصولية مع الأجهزة والاستخباراتية . ( 3)
بعد استعراضنا لمساند المركز الإقليمي والسمات العامة لتوجهات السياسة الإقليمية يواجهنا السؤال التالي: ما هي طبيعة المشاكل الأساسية التي تواجه الأمن الإقليمي ؟ . وما هي انعكاسات تلك المشاكل على السياسية الرسمية لدول المنطقة ؟.
لإضفاء شرعية ملموسة على الأسئلة المثارة لابد لنا من تعيين مقوضات الأمن الإقليمي والتي يمكن إيجازها بالقضايا التالية: ــ
أولا: وجود قضايا قومية شائكة بسبب التنوع العرقي والمذهبي في دول المنطقة .
ثانيا: ـ سيادة الأيديولوجية المذهبية واستخدامها في السياسية العامة للمراكز الإقليمية.
ثالثاً: ـ الأزمة الديمقراطية العامة المحيطة بالأنظمة والتشكيلات الاجتماعية لأغلب دول المنطقة.
إن تداخل وتشابك القضايا القومية والمذهبية والسياسية أفرزت اصطفافات إقليمية جديدة تمثلت بــ : ــ
أولاً : ـ تراجع النزاع العربي الإسرائيلي بعد تزايد الانقسامات في الصف الفلسطيني .
ثانياً : ـ مناهضة بعض الدول العربية لإيران واعتبار نظامها المذهبي خطراً استراتيجياً على الأمن العربي.
ثانياً: ـ تحول بعض الدول العربية ـــ فلسطين ، لبنان ، اليمن ، العراق ــ الى مناطق فعلية لنزاعات دولية / إقليمية.
3
إن تشابكات السياسية الإقليمية / الدولية والاصطفافات الناتجة عنها تطرح علينا السؤال التالي: كيف تنعكس تلك التداخلات على النزاعات الوطنية في العراق ؟ . وما هي تأثيراتها على مستقبل العراق السياسي ؟ .
لغرض الاحاطة بمضامين الأسئلة المثارة لابد لنا من تدقيق أشكال النزاعات الجارية في العراق والتي أراها في شكلين رئيسين : ـ
أ: ــــ النزاع الأيديولوجي المتمثل بتياري الإسلام السياسي المذهبي وامتداده الإقليمي.
ب: ــ النزاع الاقتصادي الدولي المتمثل بسعي الولايات المتحدة الأمريكية لإلحاق العراق بشركاتها الاحتكارية وتناقض ذلك مع رغبة المراكز الإقليمية في تقاسم السوق العراقية.
على أساس ذلك التحديد دعونا نتوقف عند النزاعات السياسية العراقية وفحص الأشكال المتحكمة فيها عبر موضوعات عامة.
الموضوعة الأولى: ـ تحكم الشكل الأيدلوجي في النزاعات السياسية لتشكيلة العراق الاجتماعية جعل السلطة السياسية هدفا رئيسياً لنشاط الكتل السياسية السائدة.
الموضوعة الثانية: ـ. تحكم العامل الإيديولوجي في منظومة العراق السياسية ــ السلطة، الأحزاب السياسية ــ أضعف الروح الديمقراطية المنبثقة من مصالح العراق الأساسية.
الموضوعة الثالثة: ـ ترابط النزاعات الأيديولوجية والنزاعات الإقليمية الامر الذي أنتج ثلاث مشاريع سياسية تتحكم في توجهات العراق المستقبلية: ـــ
1: ـ مشروع اقتسام السلطة المتجسد في الممارسة السياسية والمبارك دولياً لكثرة من الأسباب منها ـ ضبط النزاعات الإقليمية / الدولية على قاعدة توازن المصالح، ومنها ربط تشكيلة العراق السياسية بالحماية الخارجية ومنها استمرار تدخل القوى الدولية والإقليمية في مسار تطور العراق الاقتصادي / السياسي.
2: ـ مشروع احتكار السلطة الذي تسعى إليه قوى مذهبية أصولية وأخرى قومية معتمدة على أساليب سياسية وأخرى عنفية وتمثل مؤسسات وأجهزة الدولة الديكتاتورية المنهارة المتحالفة مع تيار الإسلام المذهبي حاملا أساسيا لهذا المشروع.
إن غياب المشروع الديمقراطي لدى القوى القومية المناهضة للعملية السياسية واعتمادها العنف المنفلت فضلا عن تحالفها مع الإسلام السلفي جعلت نشاطها السياسي / العنفي عاملا من عوامل تعطيل المصالحة الوطنية المرتكزة على الديمقراطية وتوازن المصالح السياسية / الاقتصادية لقوى التشكيلة العراقية. ( 4 )
3: ـ مشروع الدولة الوطنية / الديمقراطية الذي تكافح من أجله تيارات أساسية منها: ليبرالية ديمقراطية، وأخرى يسارية وثالثة قومية. ورغم كثرة المنادين بهذا المشروع وآفاقه المستقبلية الواعدة الى أن ضعف قاعدته الاجتماعية فضلا عن تعارض بعض فصائله مع مصالح القوى الإقليمية والدولية تجعل منه مشروعا محاصراً في الظروف التاريخية الملموسة.
إن تنازع المشاريع الوطنية الهادفة الى بناء الدولة العراقية ونظامها السياسي والمترابطة مع تناقضات المصالح الدولية والإقليمية يتشابك وكثرة من الخلافات الوطنية الشائكة والتي يمكن حصرها بالقضايا التالية: ـ
ــ الديمقراطية وبناء الدولة العراقية.
ـــ التواجد الأجنبي وقضايا السيادة الوطنية.
ــ المصالحة الوطنية والتداخلات الأجنبية.
إزاء كثرة الخلافات الوطنية و تعارض المشاريع العراقية وترابطاتها الدولية والإقليمية يواجهنا السؤال التالي: ما هي السبل القادرة على إيجاد حلول وطنية تضمن مصالح الكتل السياسية المتعارضة ؟ . وما هي آليات تحقيق الأمن السياسي والاجتماعي للعراقيين.
إن الإجابة على تلك الأسئلة ( الحارقة ) تتطلب قدراً من المسؤولية السياسية والأخلاقية إزاء محنة البلد وأزماته السياسية والتي أراها تتمثل بقضيتين أساسيتين: ـ
ــ القضية الأولى التخلي عن العقلية الإيديولوجية واستبدالها بعقلية سياسية واقعية تنطلق من بناء سلطة عراقية تنبثق من المصالح المشتركة للقوى السياسية المتنازعة على حكم البلاد.
القضية الثانية: ـ التخلي عن العقل الأيديولوجي وشعاراته السياسية يشترط الانتقال الى تمثل مصالح العراق الوطنية بعيداً عن لغة العنف الولاءات الخارجية.
الهوامش
1: ـ أدت معارضة الولايات المتحدة لإسرائيل بشأن الاستيطان الى تراجعات في الدبلوماسية الاسرائيلية منها: ـ
ــ إدانة إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي الإنساني والذي تضمنه تقرير القاضي الدولي كلادستون الى مجلس حقوق الإنسان.
ـــ إلغاء تركيا للمناورات العسكرية مع إسرائيل في تشرين أول من عام 2009.
ــ تفجير إسرائيل لمراصد إستخباراتية في الجنوب اللبناني في 19 تشرين أول بعد افتضاح أمرها.
ــ انقسام اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية الى حركتين أساسيتين تبعاً للموقف من الدولة الفلسطينية منظمة ايباك اليمينية والأخرى «جيه ستريت»، التي ضمت في صفوفها تنظيمات ليبرالية ويسارية من اليهود الأميركيين.
ــ أخيرا قرار الاتحاد الأوربي بجعل القدس عاصمة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية.
2: ـ خشية التوسع الإيراني قامت دولة الإمارات ببناء قاعدة عسكرية فرنسية مشتركة وبهذا السياق عقدت الكويت اتفاقية عسكرية مع فرنسا.
3: ـ تقوم الأجهزة الأمنية للدول المذهبية برعاية وتمويل وإيواء المنظمات الإرهابية والمعارضة السياسية وبهذا المعنى فان التشابك بين الأجهزة المخابراتية والمنظمات الإرهابية لا زال شكلاً أساسياً من أشكال النزاع الدائر في منطقة الشرق الأوسط.
4: ـ أنظر الى إعلان عزت الدوري المتضمن تشكيل "جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني" وشعارها العسكري ( النصر و التحرير الشامل للعراق ). صحيفة إيلاف الالكترونية 3 نوفمبر 2009