- الأربعاء يناير 05, 2011 12:22 pm
#31693
الحمد لله الذي أنعم على الناس برسالة الإسلام ، والصلاة والسلام على سيد الأنام سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين ، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ...
يعتبر مبدأ سيادة الدول من المصطلحات المهمة في القانون الدولي العام ، وفي علم السياسة . وإذا كان هذا المفهوم عريقًا في المقدم كما تشير إلى ذلك مؤلفات فلاسفة اليونان، إلا أنه كان غامضًا ثم أخذ يتطور بتطور التاريخ والحضارات والعلوم . وإذا كانت السيادة مطلقة فيما مضى ، فإنها في العصر الحديث – بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، أصبحت مسألة مقيدة نسبيًا .
وكان لتغيير ميزان القوي العالمية أثر على السيادة القومية . فمن ناحية أخرجتها بشكل ثابت من عزلتها القديمة ، فكان على مفهوم السيادة أن يواجه تحديات صعبه أولها : أن الظروف الدولية أصبحت بالنسبة للدول الصغرى والمتوسطة أكثر إلحاحًا لها للانطواء تحت تنظيم دولي يرعى حقوقها ويصون سيادتها ، وثانيها : أن هذه الظروف جعلت في التضحية بجزء من السيادة أمرًا ممكنًا ومقبولاً في سبيل إحلال الأمن والسلام.
فلم يقتصر أثر الحرب العالمية الأولى على تنبيه الأمم إلى ما يتعين عليها من الاضطلاع به من مسئوليات تحتم عليها اتخاذ تدابير عاجلة لمنع وقوع الحروب مرة أخرى ، بل شجعها ذلك على التفكير في استخلاص الدروس التي يحكم أن تستخلص من إمكانات التعاون التي كشفت عنها تلك الحروب. ولكي يتم الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين يجب على الدول أن تعمل على تنظيمها بإحاطتها بجملة من الشروط والقيود مثل نزع السلاح والالتزام بحل المنازعات بالطرق السلمية.
وكان لقيام الأمم المتحدة – بعد الحرب العالمية الثانية – دورًا هامًا في تقييد سيادة الدول في ضوء الحدود المرسومة في الميثاق ، فقد تم تقييد هذه الدول ملتزمة بأن تعمل على تحقيق الغايات المرجوة من هذا الميثاق وساهمت هذه القيود في جعل الميثاق قاعدة دستورية عليا تتمتع بالسمو والصدارة على دساتير الدول الأعضاء.
وفرض الميثاق أوضاعًا تسمح بالتدخل في الشئون الداخلية للدول ، ويكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الفصل السابع من الميثاق ، أو الإشارة إلى مواثيق حقوق الإنسان التي تعطي المجتمع الدولي الحق في التدخل في شئون أي دولة تخرق ما تتضمنه هذه المواثيق فنلاحظ أنه في زمن ما بعد الحرب الباردة ظهر اهتمام عالمي بحقوق الإنسان وحرياته ، على الرغم من ذلك فإن تجاهل قواعد القانون الدولي ، أو التناقض في تطبيق قواعده في أكثر من منطقة في العالم ، سواء بالنسبة لحقوق الإنسان أو حفظ الأمن والسلام العالميين.
ويهدف التنظيم الدولي عمومًا إلى غايتين ، تتمثلان في إحلال وحفظ السلام وترقية التعاون الدولي ، ومن أجل تحقيق هاتين الغايتين يجب أن تنطلق العلاقات الدولية من مبدأ أساسي في القانون الدولي ، هو مبدأ عدم التدخل ، الذي أصبح قاعدة آمرة ، لا يجوز انتهاكها.
بيد أنه مع تطور التنظيم الدولي أخذت حدود تطبيق هذا المبدأ تضيق شيئًا فشيئًا ، لأن المجال الذي ينبغي أن تمتنع الأشخاص الدولية عن التدخل فيه ، يتقلص كلما امتدت يد التنظيم الدولي إليه ، وقد أدى اعتراف القانون الدولي المعاصر بالشخصية القانونية للأفراد في بعض الحالات إلى تقييد سيادة الدولة ، من خلال اهتمام القانون الدولي بحقوق الإنسان.
ففي القرن التاسع عشر، أبدى جانب من الفقه ريبته في شرعية التدخل لإقرار السلام والنظام في أوروبا ، ولكن لم تعد هذه الريبة تراود الفقهاء المحدثين ، فعهد عصبة الأمم ، ومن بعده ميثاق الأمم المتحدة ، كان هدفهما إنشاء أجهزة على أسس سليمة تتبع المنظمة الدولية ومفوضة بسلطات للتدخل لمصلحة سلام الأمم وأمنها . فمهمة الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين وبدون حاجة إلى التنازع مع الاختصاص القومي . ولكن في حالة عجز الأمم المتحدة عن القيام بذلك . فإن الدول لا تتفق على رأى موحد لمشروعية " التدخل الإنساني " وتبين المناقشات في الأمم المتحدة أن مبادئ السلام والحرية لا تتجزأ . وتكمن الصعوبة في الدوافع الحقيقية للدول صاحبة المصلحة والتي تحاول أن تظهر بمظهر الحامي لحقوق الإنسان . وهكذا على الرغم من أن هناك اهتمامًا عامًا ومشتركًا من جانب كل الدول - بسبب القيم المعترف بها- لمبدأ سيادة الدول وما يقتضيه من احترام ومراعاة مبدأ عدم التدخل ، إلا أن كل دولة تميل إلى تفسير مبدأ عدم التدخل بما يتلاءم وموقفها في ميدان العلاقات الدولية . وأحيانًا نجد اختلاف بين الدول حول القيم واجبة الحماية والتصرفات المحظورة .
وعلى الرغم من الأهمية القصوى لعدم التدخل في القانون الدولي العام ، إلا أن من الملاحظ تزايد حالات التدخل في النظام الدولي المعاصر. ونظرًا لأن عالمنًا الإسلامي والعربي خضع لكثير من التدخلات السافرة والمستترة ، فقط تصدينا لتلك المسألة واضعين نصب أعيننا ما ورثناه من الشريعة الإسلامية والفقه الدولي وما أكدته الممارسة الدولية. وانطلاقًا من أن التحليل القانوني يتطلب التجرد ، واستعراض وجهات النظر المتنافرة ، ليتسنى لنا التأييد أو المحاجة بغية الوصول في النهاية إلى ضوابط ثابتة تشكل الطريق الصحيح لحماية حقوق الإنسان وحرياته المنتهكة.
وبعد ...
يعتبر مبدأ سيادة الدول من المصطلحات المهمة في القانون الدولي العام ، وفي علم السياسة . وإذا كان هذا المفهوم عريقًا في المقدم كما تشير إلى ذلك مؤلفات فلاسفة اليونان، إلا أنه كان غامضًا ثم أخذ يتطور بتطور التاريخ والحضارات والعلوم . وإذا كانت السيادة مطلقة فيما مضى ، فإنها في العصر الحديث – بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، أصبحت مسألة مقيدة نسبيًا .
وكان لتغيير ميزان القوي العالمية أثر على السيادة القومية . فمن ناحية أخرجتها بشكل ثابت من عزلتها القديمة ، فكان على مفهوم السيادة أن يواجه تحديات صعبه أولها : أن الظروف الدولية أصبحت بالنسبة للدول الصغرى والمتوسطة أكثر إلحاحًا لها للانطواء تحت تنظيم دولي يرعى حقوقها ويصون سيادتها ، وثانيها : أن هذه الظروف جعلت في التضحية بجزء من السيادة أمرًا ممكنًا ومقبولاً في سبيل إحلال الأمن والسلام.
فلم يقتصر أثر الحرب العالمية الأولى على تنبيه الأمم إلى ما يتعين عليها من الاضطلاع به من مسئوليات تحتم عليها اتخاذ تدابير عاجلة لمنع وقوع الحروب مرة أخرى ، بل شجعها ذلك على التفكير في استخلاص الدروس التي يحكم أن تستخلص من إمكانات التعاون التي كشفت عنها تلك الحروب. ولكي يتم الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين يجب على الدول أن تعمل على تنظيمها بإحاطتها بجملة من الشروط والقيود مثل نزع السلاح والالتزام بحل المنازعات بالطرق السلمية.
وكان لقيام الأمم المتحدة – بعد الحرب العالمية الثانية – دورًا هامًا في تقييد سيادة الدول في ضوء الحدود المرسومة في الميثاق ، فقد تم تقييد هذه الدول ملتزمة بأن تعمل على تحقيق الغايات المرجوة من هذا الميثاق وساهمت هذه القيود في جعل الميثاق قاعدة دستورية عليا تتمتع بالسمو والصدارة على دساتير الدول الأعضاء.
وفرض الميثاق أوضاعًا تسمح بالتدخل في الشئون الداخلية للدول ، ويكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الفصل السابع من الميثاق ، أو الإشارة إلى مواثيق حقوق الإنسان التي تعطي المجتمع الدولي الحق في التدخل في شئون أي دولة تخرق ما تتضمنه هذه المواثيق فنلاحظ أنه في زمن ما بعد الحرب الباردة ظهر اهتمام عالمي بحقوق الإنسان وحرياته ، على الرغم من ذلك فإن تجاهل قواعد القانون الدولي ، أو التناقض في تطبيق قواعده في أكثر من منطقة في العالم ، سواء بالنسبة لحقوق الإنسان أو حفظ الأمن والسلام العالميين.
ويهدف التنظيم الدولي عمومًا إلى غايتين ، تتمثلان في إحلال وحفظ السلام وترقية التعاون الدولي ، ومن أجل تحقيق هاتين الغايتين يجب أن تنطلق العلاقات الدولية من مبدأ أساسي في القانون الدولي ، هو مبدأ عدم التدخل ، الذي أصبح قاعدة آمرة ، لا يجوز انتهاكها.
بيد أنه مع تطور التنظيم الدولي أخذت حدود تطبيق هذا المبدأ تضيق شيئًا فشيئًا ، لأن المجال الذي ينبغي أن تمتنع الأشخاص الدولية عن التدخل فيه ، يتقلص كلما امتدت يد التنظيم الدولي إليه ، وقد أدى اعتراف القانون الدولي المعاصر بالشخصية القانونية للأفراد في بعض الحالات إلى تقييد سيادة الدولة ، من خلال اهتمام القانون الدولي بحقوق الإنسان.
ففي القرن التاسع عشر، أبدى جانب من الفقه ريبته في شرعية التدخل لإقرار السلام والنظام في أوروبا ، ولكن لم تعد هذه الريبة تراود الفقهاء المحدثين ، فعهد عصبة الأمم ، ومن بعده ميثاق الأمم المتحدة ، كان هدفهما إنشاء أجهزة على أسس سليمة تتبع المنظمة الدولية ومفوضة بسلطات للتدخل لمصلحة سلام الأمم وأمنها . فمهمة الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين وبدون حاجة إلى التنازع مع الاختصاص القومي . ولكن في حالة عجز الأمم المتحدة عن القيام بذلك . فإن الدول لا تتفق على رأى موحد لمشروعية " التدخل الإنساني " وتبين المناقشات في الأمم المتحدة أن مبادئ السلام والحرية لا تتجزأ . وتكمن الصعوبة في الدوافع الحقيقية للدول صاحبة المصلحة والتي تحاول أن تظهر بمظهر الحامي لحقوق الإنسان . وهكذا على الرغم من أن هناك اهتمامًا عامًا ومشتركًا من جانب كل الدول - بسبب القيم المعترف بها- لمبدأ سيادة الدول وما يقتضيه من احترام ومراعاة مبدأ عدم التدخل ، إلا أن كل دولة تميل إلى تفسير مبدأ عدم التدخل بما يتلاءم وموقفها في ميدان العلاقات الدولية . وأحيانًا نجد اختلاف بين الدول حول القيم واجبة الحماية والتصرفات المحظورة .
وعلى الرغم من الأهمية القصوى لعدم التدخل في القانون الدولي العام ، إلا أن من الملاحظ تزايد حالات التدخل في النظام الدولي المعاصر. ونظرًا لأن عالمنًا الإسلامي والعربي خضع لكثير من التدخلات السافرة والمستترة ، فقط تصدينا لتلك المسألة واضعين نصب أعيننا ما ورثناه من الشريعة الإسلامية والفقه الدولي وما أكدته الممارسة الدولية. وانطلاقًا من أن التحليل القانوني يتطلب التجرد ، واستعراض وجهات النظر المتنافرة ، ليتسنى لنا التأييد أو المحاجة بغية الوصول في النهاية إلى ضوابط ثابتة تشكل الطريق الصحيح لحماية حقوق الإنسان وحرياته المنتهكة.