- الأربعاء يناير 05, 2011 4:56 pm
#31703
كذلك, تعرضت تلك المسيرة لصعوبات أخري, كان أبرزها محاولة انقلاب علي التجربة قادها مجموعة من العسكريين( الحرس الوطني) في.1981 إلا أن موقف الملك كارلوس آنذاك كان حاسما في إجهاض تلك المحاولة ونزع الشرعية عنها, وهو ما أدي إلي فشلها في النهاية. وبعد انتهاء مرحلة سواريز في رئاسة الحكومة, خلفته أسماء أخري من داخل الحزب الحاكم لتستكمل نفس المسيرة بنفس توجهها الليبرالي.
وفي العام التالي(1982), أجريت انتخابات جديدة فاز فيها لأول مرة حزب المعارضة الرئيسي بالأغلبية( الحزب الاشتراكي الديمقراطي) وقد تناوب ذلك الحزب مع( حزب الشعب اليميني) علي الحكم, وفقا لما تأتي به نتائج الانتخابات, وهو الأمر السائد إلي الآن. وإذا كان من الممكن تلخيص تلك التجربة في عناصر محددة مميزة لها, فيمكن القول إنها اعتمدت علي نهج الإصلاح الدستوري والقانوني( مباشرة الحقوق السياسية), ووجود حزب حاكم إصلاحي قوي قاد الإصلاحات من داخل النظام القديم, وشخصيات إصلاحية برزت من داخل النظام, كان في مقدمتهم سواريز الذي لعب دورا محوريا في عملية الانتقال, كما لعبت النخبة الحاكمة ـ سواء من السياسيين أو التكنوقراط ـ دورا مساعدا ومكملا لعملية الإصلاح من الداخل. فقد كانت تلك النخبة أكثر انفتاحا علي العالم الخارجي, وأكثر مساندة للإصلاحات الديمقراطية, أي مثلت جيلا جديدا في السياسة, واضطلعت ببداية عمليات الإصلاح الاقتصادي منذ عهد فرانكو, والتي كانت مدخلا للإصلاح السياسي بعد ذلك, أي في حقبة ما بعد فرانكو.
كذلك, أعطيت مساحة أوسع لأحزاب المعارضة التي قامت بدورها بعملية إصلاح داخلية( أي داخل أحزابها) لتتواءم مع التجربة الجديدة, بعيدا عن فكرة الانقلابات أو الثورة أو الأيديولوجيات المتشددة, مثل حالة الحزب الشيوعي الذي لم يكن معترفا به, ثم قام بمراجعة فكرية أدت إلي اندماجه في التجربة السياسية.. إلي جانب ـ بالطبع ـ الدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني والمثقفين في تلك العملية. وكان الإصلاح في النهاية تدريجيا, ليولد نظام جديد من رحم النظام القديم. والواقع أن مرتكز التقاء القوي السياسية( سواء انتمت إلي الحزب الحاكم أو المعارضة) تمثل في الأرضية الليبرالية التي قامت عليها, فالتوجه الليبرالي الذي يمثل أفكار الاعتدال والوسطية والانفتاح كان هو التوجه الغالب في مرحلة الانتقال. فالليبراليون داخل الحزب الحاكم( اليميني), والاشتراكيون الديمقراطيون داخل الحزب الاشتراكي( اليسار) هم الذين شكلوا قوي الإصلاح الحقيقية, بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية. ولكن يجب الالتفات هنا, حتي تكتمل الصورة, إلي أن المحيط الدولي والإقليمي الذي أحاط بالتجربة الإسبانية كان مشجعا ومساندا لهذا التحول. فوجود إسبانيا في جنوب أوروبا المتقدمة اقتصاديا وسياسيا شكل ضغطا مستمرا للحاق بدولها, وإلا بقيت معزولة غريبة في محيطها المباشر. وبالتالي, كانت عملية الانتقال هذه مدفوعة برغبة في الانضمام إلي( السوق الأوروبية المشتركة) والذي أصبح فيما بعد الاتحاد الأوروبي, والحصول علي الامتيازات الاقتصادية الضخمة من ناحية, والاعتراف السياسي بمكانة تلك الدولة علي الصعيدين الإقليمي والدولي من ناحية أخري. ومن المعروف أن إسبانيا الحالية, ذات النظام الديمقراطي الليبرالي والاقتصاد الحر, باتت تلعب دورا قياديا في الاتحاد الأوروبي( والذي ترأسه الآن وفقا لدورية الرئاسة بين الدول الأوروبية التي يتشكل منها الاتحاد) بل وفي علاقات الاتحاد الأوروبي مع الدول المطلة علي الضفة الأخري, أي دول البحر المتوسط, وتمثل ذلك في الشراكة الأوروبية المتوسطية( اتفاقية برشلونة1995).
جزءمن مقالة للدكتوره هالة مصطفى في صحيفة الاهرام.
التحول الديمقراطي لإسبانيا
أن تجربة إسبانيا جديرة بالتأمل, فهي ليست تجربة انقلابية أو ثورية أو فوضوية, بل علي العكس فقد قاد النظام بنفسه عملية إصلاح سياسي طويلة انتهت إلي تكريس نظام ديمقراطي قوي. وقد بدأت تلك العملية بعد تزايد الضغوط والمطالب الداخلية للتغيير في نهاية عهد ملكها الراحل فرانكو, الذي حكم البلاد لمدة37 عاما( أي فور انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية36-1939 وحتي عام1975), عندما قام بتعيين الملك خوان كارلوس خليفة له ليقود عملية إصلاح داخلية, ويمثل مرحلة فارقة علي طريق التغيير السلمي الديمقراطي الآمن, بدأت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين, والتصالح مع أحزاب المعارضة, وتخفيف القبضة الأمنية علي المجتمع. وقد وضع الملك الجديد آنذاك شخصية ليبرالية علي رأس الحكومة( اودولفو سواريز) لتجمع الحكومة ـ التي شكلها في ذلك الوقت ـ وزراء تتوافق عليهم كل من قوي النظام القديم والإصلاحيين من داخل النظام من ناحية وقوي المعارضة من ناحية أخري, أي حكومة توافقية, قوامها القوي الليبرالية من الجانبين. وكان أهم ما حققته تلك الحكومة هو وضع قانون انتخابي جديد, والاستفتاء علي برنامج للإصلاح السياسي في عام1976, وأجريت انتخابات بموجبه في نفسه العام وأسفرت عن فوز الحزب الحاكم الجديد الذي شكله وقاده سواريز( وسمي بحزب الشعب اليميني) بالأغلبية, وفاز معه الحزب الاشتراكي, والحزب الشيوعي, وبعض الأحزاب الصغيرة ووصولهما إلي البرلمان. وتشكلت حكومة تستند إلي غالبية برلمانية برئاسة سواريز, وتنازل الملك في المقابل عن الكثير من صلاحياته لصالح البرلمان المنتخب, والحكومة المنتخبة, والقضاء, من أجل تكريس ملكية دستورية ديمقراطية, وهو ما ظهر في الدستور الجديد الذي وضع عام.1978 ولم يكن ذلك الانتقال سهلا, فقد حدث خلاف حاد بين أركان النظام مثلما حدث بين رئيس الحكومة الليبرالي التوجه, ومسئولي بعض الأجهزة الأمنية التي أرادت الاستمرار في سياستها القمعية القديمة, استقال علي أثرها سواريز, وتبع ذلك إجراء انتخابات في ظل حكومة مؤقتة, حقق فيها الحزب الشعبي اليميني بقيادة الأخير الأغلبية مرة أخري, كما فاز فيها الحزب الاشتراكي والشيوعي, بينما تراجع حزب السلطة القديم الممثل لعهد فرانكو, وتألفت بالتالي حكومة تستند إلي الأغلبية البرلمانية برئاسة سواريز.كذلك, تعرضت تلك المسيرة لصعوبات أخري, كان أبرزها محاولة انقلاب علي التجربة قادها مجموعة من العسكريين( الحرس الوطني) في.1981 إلا أن موقف الملك كارلوس آنذاك كان حاسما في إجهاض تلك المحاولة ونزع الشرعية عنها, وهو ما أدي إلي فشلها في النهاية. وبعد انتهاء مرحلة سواريز في رئاسة الحكومة, خلفته أسماء أخري من داخل الحزب الحاكم لتستكمل نفس المسيرة بنفس توجهها الليبرالي.
وفي العام التالي(1982), أجريت انتخابات جديدة فاز فيها لأول مرة حزب المعارضة الرئيسي بالأغلبية( الحزب الاشتراكي الديمقراطي) وقد تناوب ذلك الحزب مع( حزب الشعب اليميني) علي الحكم, وفقا لما تأتي به نتائج الانتخابات, وهو الأمر السائد إلي الآن. وإذا كان من الممكن تلخيص تلك التجربة في عناصر محددة مميزة لها, فيمكن القول إنها اعتمدت علي نهج الإصلاح الدستوري والقانوني( مباشرة الحقوق السياسية), ووجود حزب حاكم إصلاحي قوي قاد الإصلاحات من داخل النظام القديم, وشخصيات إصلاحية برزت من داخل النظام, كان في مقدمتهم سواريز الذي لعب دورا محوريا في عملية الانتقال, كما لعبت النخبة الحاكمة ـ سواء من السياسيين أو التكنوقراط ـ دورا مساعدا ومكملا لعملية الإصلاح من الداخل. فقد كانت تلك النخبة أكثر انفتاحا علي العالم الخارجي, وأكثر مساندة للإصلاحات الديمقراطية, أي مثلت جيلا جديدا في السياسة, واضطلعت ببداية عمليات الإصلاح الاقتصادي منذ عهد فرانكو, والتي كانت مدخلا للإصلاح السياسي بعد ذلك, أي في حقبة ما بعد فرانكو.
كذلك, أعطيت مساحة أوسع لأحزاب المعارضة التي قامت بدورها بعملية إصلاح داخلية( أي داخل أحزابها) لتتواءم مع التجربة الجديدة, بعيدا عن فكرة الانقلابات أو الثورة أو الأيديولوجيات المتشددة, مثل حالة الحزب الشيوعي الذي لم يكن معترفا به, ثم قام بمراجعة فكرية أدت إلي اندماجه في التجربة السياسية.. إلي جانب ـ بالطبع ـ الدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني والمثقفين في تلك العملية. وكان الإصلاح في النهاية تدريجيا, ليولد نظام جديد من رحم النظام القديم. والواقع أن مرتكز التقاء القوي السياسية( سواء انتمت إلي الحزب الحاكم أو المعارضة) تمثل في الأرضية الليبرالية التي قامت عليها, فالتوجه الليبرالي الذي يمثل أفكار الاعتدال والوسطية والانفتاح كان هو التوجه الغالب في مرحلة الانتقال. فالليبراليون داخل الحزب الحاكم( اليميني), والاشتراكيون الديمقراطيون داخل الحزب الاشتراكي( اليسار) هم الذين شكلوا قوي الإصلاح الحقيقية, بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية. ولكن يجب الالتفات هنا, حتي تكتمل الصورة, إلي أن المحيط الدولي والإقليمي الذي أحاط بالتجربة الإسبانية كان مشجعا ومساندا لهذا التحول. فوجود إسبانيا في جنوب أوروبا المتقدمة اقتصاديا وسياسيا شكل ضغطا مستمرا للحاق بدولها, وإلا بقيت معزولة غريبة في محيطها المباشر. وبالتالي, كانت عملية الانتقال هذه مدفوعة برغبة في الانضمام إلي( السوق الأوروبية المشتركة) والذي أصبح فيما بعد الاتحاد الأوروبي, والحصول علي الامتيازات الاقتصادية الضخمة من ناحية, والاعتراف السياسي بمكانة تلك الدولة علي الصعيدين الإقليمي والدولي من ناحية أخري. ومن المعروف أن إسبانيا الحالية, ذات النظام الديمقراطي الليبرالي والاقتصاد الحر, باتت تلعب دورا قياديا في الاتحاد الأوروبي( والذي ترأسه الآن وفقا لدورية الرئاسة بين الدول الأوروبية التي يتشكل منها الاتحاد) بل وفي علاقات الاتحاد الأوروبي مع الدول المطلة علي الضفة الأخري, أي دول البحر المتوسط, وتمثل ذلك في الشراكة الأوروبية المتوسطية( اتفاقية برشلونة1995).
جزءمن مقالة للدكتوره هالة مصطفى في صحيفة الاهرام.