منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

#31740
,, بسم الله الرحمن الرحيم ,,


ربما أن الشهرة التي وصل إليها الدكتاتور موسيليني أو كما كان يسمى بـ «القائد العظيم»، لا تقارن بأي شهرة حظي بها إي قائد أخر. ولكن بالنسبة للعصر الحديث ارتبطت كلمة «القائد» بشخصيتين شهيرتين هما "هتلر"، و "موسيليني"، و أصبحت نظرية «الرجل العظيم» أو «القائد العظيم» مثيرة للريبة لأن أصحابها ينظرون إلى التاريخ باعتباره من صنع الفرد. فالفرد القائد وحده من يصنع الأمة وحضارتها وتاريخها. وعلى هذا يصبح من المهم معرفة ما الذي كان يخطط له هتلر حينما شرع بتأليف كتابه «كفاحي»، وليس من الرجاحة معرفة ما هي المؤثرات و العوامل الاقتصادية ـ الاجتماعية التي جعلت من الألمان في المدن الصغيرة ينضمون إلى الحزب النازي بتلك الأعداد الكبيرة. على هذا الأساس، أي أساس ميزات وصفات القائد العظيم، كتبت العديد من البحوث والدراسات القيمة أضيفت إلى مخزن المعلومات والمعارف السابقة، و أثناء ذلك ظهرت نتائج مرعبة ومثيرة إذ كلما شدد المرء التأكيد على العوامل الشخصية ظهرت إمكانية اكبر في أيجاد المبررات والمسوغات للأفراد الذين هم في القمة أو للقائد العظيم (إن لم يكن قد فعل ذلك هتلر فسوف يأتي شخص ما غيره ليفعل ما فعل...).

«الرواية الرسمية» الفاشية تقدم موسيليني على انه رجل تاريخ حديث، حكيم، رجل حاسم وموسوعي، يمزج بين شخصية يوليوس قيصر وعبقرية ليوناردو دافنشي، ينظر بعيدا نحو المستقبل، يخطط ويشرف على كل تفاصيل تحويل بلده اجتماعيا واقتصاديا إلى حضارة وقوة وان أي شخص يمرّ من تحت نافذة غرفته في قصره سيرى المصابيح مضاءة حتى ساعات الصباح الباكر لأن "موسيليني" كرس نفسه لخدمة بلده ولخدمة أمته. مثل هذه النظرة إلى موسيليني سادت، حتى بعد مرحلة الفاشية، و أغلب السير الذاتية الموثقة التي كتبت حول موسيليني مؤكدة طاقته في العمل وأفكاره التقدمية النفاذة. أما الخط المناهض للفاشية، فإنه يصف موسيليني كلص ومحتال ومزور ورجل أحمق استولى على الحكم في ليلة ظلماء. فمصباح الدكتاتور ربما كان مضاءً ولكن ليس هناك أحد وراء المكتب، إذ من المعروف أن موسيليني كان دائما يمضي ساعات الصباح الأولى عند عشيقته كلاريتا.

يحاول المؤرخ الأسترالي ريشارد بوسوورث، وهو باحث رائد في تاريخ إيطاليا المبكر في القرن العشرين أن يرسم في كتابه صورة حقيقية وواقعية عن حياة موسيليني مفتشا عن الحقيقة في هذين الرأيين حول موسيليني والتوفيق بينهما أو لنقل توجيه هذين الرأيين في الاتجاه الصحيح والواقعي. ولكن مع ذلك، يبدو واضحا تعاطف المؤلف الأخلاقي مع الجانب المناهض للفاشية، إذ يؤكد على العنف والإرهاب اللذين صاحبا كلا من عملية صعود موسيليني إلى السلطة وذلك حينما تمت تصفية حوالي ألفي مواطن إيطالي على يد زمره من الحزب والاستخبارات، وعلى سياسته الخارجية الكولونيالية في شمال أفريقيا، حيث عنف الحرب الحبشية وحملة الإبادة الجماعية في ليبيا.

ويوجه المؤلف الأنظار إلى الأسباب الاقتصادية والسياسية التي ساهمت في نجاح موسيليني، منحيا بعض المسؤوليات عن كاهل القائد «العظيم»، موضحا كيف أن التقاليد السياسية للتحول (إعادة الدورة البراغماتية لنفس السياسيين القدامى في الأحزاب والاتحادات المختلفة) قد سهلت عملية صعود الفاشية إلى السلطة، وكيف أن شبكة المحسوبيات والمعارف التقليديين تكيفت سريعا مع حكم موسيليني فأخذ في تنصيب زمرته وأعوانه في المناصب وعزل الوطنيين.
ورغم أن الموالين يميلون أحيانا إلى الجانب التبريري إلا أن حب موسيليني للقيادة و تهوره وقسوته تبرز الصفات الشنيعة من شخصيته. وبعض الموالين لموسيليني يقولون أن جميع الحجج التي طرحت في السابق حول موسيليني بأنها كانت ترتكز على قواعد خاطئة. «فلو أننا عزونا المسؤولية الحاسمة للأحداث إلى شخصية معينة (موسيليني) عندئذ يقتضي منا القول بأنه كان يقوم بتنفيذ خطة مدروسة طويلة الأمد»، لكن المعروف أن موسيليني لم يكن يملك مثالا محددا بدءا بمثال الاشتراكية الدولية التي نبذها بين ليلة وضحاها خلال الأسابيع الأولى من الحرب العالمية الأولى.

وشخصية موسيليني التي تظهر من خلال صفحات الكتب هي شخصية يمكن الاعتقاد بها وبصفاتها و هي شخصية مزيفة بطريقة ما، إلى حد كبير، قاسية بشكل غير إنساني . ليست عظيمة، لكن بالتأكيد شخصية أساسية أقوى من اغلب الشخصيات التي كانت تحيط به وكان باشطا ً بخصومه: رجل ذو مواهب ثعلبية ماكره في السيطرة على السياسة الداخلية، وهو على درجة كبيرة من العناد وصلابة الرأي في ما يتعلق بالشؤون العالمية.

وبالمقارنة لا بد منها بين شخصية موسيليني مع شخصية هتلر. أنها ذلك النوع من المقارنة التي يصعب على أي من الشخصيات السياسية العالمية أن تفلت منها باستثناء ستالين، ربما. وفي هذا و يعتقد أن موسيليني لم يكن شخصا معاديا للسامية أو ممن تبنوا نظريات عنصرية، وهو في هذا الشأن يختلف عن صديقه وحليفه هتلر. لكن المعروف أن موسيليني كان شغوف بحبه للسلطة والقيادة حتى لو أعدم شعبه ودمر العالم.