احترام العهود والمواثيق في الاسلام
مرسل: الخميس يناير 06, 2011 7:29 pm
من خصائص نظام الأخلاق في الإسلام الشمول، ونعني به أن دائرة الأخلاق الإسلامية واسعة جداً فهي تشمل جميع أفعال الإنسان الخاصة بنفسه أو المتعلقة بغيره سواء أكان الغير فرداً أو جماعة أو دولة، فلا يخرج شيء عن دائرة الأخلاق ولزوم مراعاة معاني الأخلاق مما لا نجد له نظيراً في أية شريعة سماوية سابقة ولا في أية شريعة وضعية.
ونذكر هنا على سبيل التمثيل مدى مراعاة الاخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق. ووجه اختيارنا هذه العلاقات هو ما شاع بين الناس، ويؤيده الواقع، ان العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس مراعاة الأخلاق، حتى إن أحدهم قال: لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية. ولهذا كان الخداع والتضليل والغدروالكذب من البراعية في السياسة. إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحاً أيضاً في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد، مطلوباً وجميلاً أيضاً في علاقات الدول.
الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة فالغاية لو كانت نبيلة فالوسيلة يجب أن تكون كذلك، فالسياسة يجب ألا تُنزع عنها أخلاق الإسلام، وإلا كانت همجية وغوغاء لا مكان فيها للشرفاء، فرسولنا – صلى الله عليه وسلم - خير من علم الساسة والقادة فن الأخلاق في سياسة الشعوب، فالسياسة الداخلية تقوم على العدل والإنصاف والمساواة بين الجميع، فلا عنصرية ولا طائفية ولا حزبية سياسة تقوم على الصدق لا كذب ولا تضليل بالشعوب، والسياسة الخارجية تقوم على احترام العهود والمواثيق فلا غدر، ولا خيانة، فأي سياسة تلك بل أي أخلاق هذه. ليست السياسة الإسلامية سياسية (ميكافيلية) ترى أن الغاية تبرر الوسيلة أيًا كانت صفتها، بل هى سياسة مبادئ وقيم، تلتزم بها، ولا تتخلى عنها، ولو فى أحلك الظروف، وأحرج الساعات، سواء فى علاقة الدولة المسلمة بمواطنيها داخليًا، أم فى علاقتها الخارجية بغيرها من الدول والجماعات.
إن الإسلام يرفض كل الرفض الوسيلة القذرة، ولو كانت للوصول إلى غاية شريفة: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا) (من حديث رواه مسلم فى صحيحه)، فالخبيث من الوسائل، كالخبيث من الغايات مرفوض، ولابد من الوسيلة النظيفة للغاية الشريفة. فى علاقة الدولة بمواطنيها يقول الله تعالى مخاطبًا أولى الأمر فى المسلمين: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا) (النساء:58).
إن السياسة الإسلامية فى الداخل يجب أن تقوم على أساس العدل والإنصاف والمساواة بين الجميع فى الحقوق والواجبات والعقوبات، وعلى الصدق مع الشعب ومصارحته بالحقيقة دون تضليل أو تدجيل وكذب عليه، فإن أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (ملك كذاب) كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم فى كتاب الإيمان، من حديث أبى هريرة).
أمثلة من القرآن الكريم والسنة الشريفة:
ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام ان على الدولة الاسلامية ان تلتزم بمعاني الاخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة وفي أقوال الفقهاء، فمن ذلك:
أولاً: قال تعالى: "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ عليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين". أي إذا ظهرت خيانة من عاهدتهم وثبتت دلائلها، فأعلموهم بنقض عهدهم حتى تستووا معهم في العلم، لأن الله تعالى لا يحب الخائنين ولو كانت الخيانة مع قوم كافرين وكانوا في نقض العهد بادين.
ثانياً: كان النبى صلى الله عليه وسلم مثالاً يحتذى فى احترام الاتفاقات، ورعاية العهود، وإن رأى أصحابه فيها أحيانًا ما يعتقدونه إجحافًا بالمسلمين . لقد كان من شروط معاهدة الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، ان من يأت من قريش النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤويه، وبعد الفراغ من كتابة المعاهدة جاء أو جندل من قريش مسلماً معلناً إسلامه يستصرخ المسلمين ان يؤوه ويحموه من قريش، فقال له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "انا عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك وأعطونا، وانا لا نغدر بهم"( سيرة ابن هشام).
ثالثاً: قال الفقهاء: لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب إذا دخل ديارهم بأمان منهم، لان خيانتهم غدر ولا يصلح في دين الإسلام الغدر (المغني). فلما جاء رجل يريد أن ينضم إلى جيش المسلمين فى إحدى الغزوات ضد قريش، وكان الرجل قعد عاهدهم ألا يحارب فى صفهم عدوهم، لم يستجب له النبى صلى الله عليه وسلم، وأمره بالوفاء قائلاً: (نفى لهم، ونستعين الله عليهم) (رواه مسلم وأحمد والطحاوى والحاكم من حديث حذيفة كما فى صحيح الجامع الصغير).
رابعاً: قال فقهاء الحنابلة: "اذا أطلق الكفار الأسير المسلم واستحلفوه أن يبعث اليهم بفدائه أو يعود اليهم لزمه الوفاء"، قال تعالى: "وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم" ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنا لا يصلح في ديننا الغدر"( المغني).
ويقول تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، إن الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هى أربى من أمة، إنما يبلوكم الله به، وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون * ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدةً ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون) (النحل: 91-93).
ففى هاتين الآيتين يأمر الله تعالى باحترام العهود والمواثيق ويضيفها إلى الله تعالى (عهد الله) ويحذر من نكث العهود بعد إبرامها، كفعل تلك المرأة الحمقاء التى تنقض غزلها من بعد إحكامه، وقوة إبرامه، وينادى بأن تكون المعاهدات والاتفاقات بين الأمم مبنية على الإخلاص وحسن النوايا، دون الدخل والغش الذى يقصد به أن تكون أمة هى أربى وأزيد نفعًا من أمة، فتستفيد من المعاهدة على حساب أمة أخرى. وهو ما نشاهده فى معاهدات هذا الزمانفإذا كان بعض الناس يعتقد أن السياسة لا أخلاق لها، فهذا أبعد ما يكون عن سياسة الإسلام، التى تقوم -أول ما تقوم- على العدل والوفاء والصدق والشرف ومكارم الأخلاق.
خامساً: اذا كانت دار الحرب تأخذ من رعايا دار الإسلام الداخلين الى اقليمها ضريبة على أموالهم التي معهم بحيث تستأصل هذه الأموال، أو تأخذ من أموالهم القليلة ضريبة كبيرة لا تتناسب مع أموالهم، فان دار الإسلام لا تقابلهم بالمثل، ويعلل الفقهاء قولهم هذا بأن فعل أهل دار الحرب غدر وظلم، فلا نقابلهم بالغدر والظلم، لأننا نهينا عن التخلق بمثل هذه الأخلاق وان تخلقوا هم بها (المبسوط).
ونذكر هنا على سبيل التمثيل مدى مراعاة الاخلاق في علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول ليتبين لنا مدى حرص الإسلام على التمسك بمعاني الأخلاق. ووجه اختيارنا هذه العلاقات هو ما شاع بين الناس، ويؤيده الواقع، ان العلاقات بين الدول لا تقوم على أساس مراعاة الأخلاق، حتى إن أحدهم قال: لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية. ولهذا كان الخداع والتضليل والغدروالكذب من البراعية في السياسة. إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم، ويعتبر ما هو قبيح في علاقات الأفراد قبيحاً أيضاً في علاقات الدول، ويعتبر ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد، مطلوباً وجميلاً أيضاً في علاقات الدول.
الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة فالغاية لو كانت نبيلة فالوسيلة يجب أن تكون كذلك، فالسياسة يجب ألا تُنزع عنها أخلاق الإسلام، وإلا كانت همجية وغوغاء لا مكان فيها للشرفاء، فرسولنا – صلى الله عليه وسلم - خير من علم الساسة والقادة فن الأخلاق في سياسة الشعوب، فالسياسة الداخلية تقوم على العدل والإنصاف والمساواة بين الجميع، فلا عنصرية ولا طائفية ولا حزبية سياسة تقوم على الصدق لا كذب ولا تضليل بالشعوب، والسياسة الخارجية تقوم على احترام العهود والمواثيق فلا غدر، ولا خيانة، فأي سياسة تلك بل أي أخلاق هذه. ليست السياسة الإسلامية سياسية (ميكافيلية) ترى أن الغاية تبرر الوسيلة أيًا كانت صفتها، بل هى سياسة مبادئ وقيم، تلتزم بها، ولا تتخلى عنها، ولو فى أحلك الظروف، وأحرج الساعات، سواء فى علاقة الدولة المسلمة بمواطنيها داخليًا، أم فى علاقتها الخارجية بغيرها من الدول والجماعات.
إن الإسلام يرفض كل الرفض الوسيلة القذرة، ولو كانت للوصول إلى غاية شريفة: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا) (من حديث رواه مسلم فى صحيحه)، فالخبيث من الوسائل، كالخبيث من الغايات مرفوض، ولابد من الوسيلة النظيفة للغاية الشريفة. فى علاقة الدولة بمواطنيها يقول الله تعالى مخاطبًا أولى الأمر فى المسلمين: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا) (النساء:58).
إن السياسة الإسلامية فى الداخل يجب أن تقوم على أساس العدل والإنصاف والمساواة بين الجميع فى الحقوق والواجبات والعقوبات، وعلى الصدق مع الشعب ومصارحته بالحقيقة دون تضليل أو تدجيل وكذب عليه، فإن أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (ملك كذاب) كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم فى كتاب الإيمان، من حديث أبى هريرة).
أمثلة من القرآن الكريم والسنة الشريفة:
ولهذا كان من المقرر في شرع الإسلام ان على الدولة الاسلامية ان تلتزم بمعاني الاخلاق، وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة وفي أقوال الفقهاء، فمن ذلك:
أولاً: قال تعالى: "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ عليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين". أي إذا ظهرت خيانة من عاهدتهم وثبتت دلائلها، فأعلموهم بنقض عهدهم حتى تستووا معهم في العلم، لأن الله تعالى لا يحب الخائنين ولو كانت الخيانة مع قوم كافرين وكانوا في نقض العهد بادين.
ثانياً: كان النبى صلى الله عليه وسلم مثالاً يحتذى فى احترام الاتفاقات، ورعاية العهود، وإن رأى أصحابه فيها أحيانًا ما يعتقدونه إجحافًا بالمسلمين . لقد كان من شروط معاهدة الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، ان من يأت من قريش النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤويه، وبعد الفراغ من كتابة المعاهدة جاء أو جندل من قريش مسلماً معلناً إسلامه يستصرخ المسلمين ان يؤوه ويحموه من قريش، فقال له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "انا عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك وأعطونا، وانا لا نغدر بهم"( سيرة ابن هشام).
ثالثاً: قال الفقهاء: لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب إذا دخل ديارهم بأمان منهم، لان خيانتهم غدر ولا يصلح في دين الإسلام الغدر (المغني). فلما جاء رجل يريد أن ينضم إلى جيش المسلمين فى إحدى الغزوات ضد قريش، وكان الرجل قعد عاهدهم ألا يحارب فى صفهم عدوهم، لم يستجب له النبى صلى الله عليه وسلم، وأمره بالوفاء قائلاً: (نفى لهم، ونستعين الله عليهم) (رواه مسلم وأحمد والطحاوى والحاكم من حديث حذيفة كما فى صحيح الجامع الصغير).
رابعاً: قال فقهاء الحنابلة: "اذا أطلق الكفار الأسير المسلم واستحلفوه أن يبعث اليهم بفدائه أو يعود اليهم لزمه الوفاء"، قال تعالى: "وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم" ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنا لا يصلح في ديننا الغدر"( المغني).
ويقول تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، إن الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هى أربى من أمة، إنما يبلوكم الله به، وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون * ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدةً ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون) (النحل: 91-93).
ففى هاتين الآيتين يأمر الله تعالى باحترام العهود والمواثيق ويضيفها إلى الله تعالى (عهد الله) ويحذر من نكث العهود بعد إبرامها، كفعل تلك المرأة الحمقاء التى تنقض غزلها من بعد إحكامه، وقوة إبرامه، وينادى بأن تكون المعاهدات والاتفاقات بين الأمم مبنية على الإخلاص وحسن النوايا، دون الدخل والغش الذى يقصد به أن تكون أمة هى أربى وأزيد نفعًا من أمة، فتستفيد من المعاهدة على حساب أمة أخرى. وهو ما نشاهده فى معاهدات هذا الزمانفإذا كان بعض الناس يعتقد أن السياسة لا أخلاق لها، فهذا أبعد ما يكون عن سياسة الإسلام، التى تقوم -أول ما تقوم- على العدل والوفاء والصدق والشرف ومكارم الأخلاق.
خامساً: اذا كانت دار الحرب تأخذ من رعايا دار الإسلام الداخلين الى اقليمها ضريبة على أموالهم التي معهم بحيث تستأصل هذه الأموال، أو تأخذ من أموالهم القليلة ضريبة كبيرة لا تتناسب مع أموالهم، فان دار الإسلام لا تقابلهم بالمثل، ويعلل الفقهاء قولهم هذا بأن فعل أهل دار الحرب غدر وظلم، فلا نقابلهم بالغدر والظلم، لأننا نهينا عن التخلق بمثل هذه الأخلاق وان تخلقوا هم بها (المبسوط).