منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#31951

سياسة الإسلام في الضمان الاجتماعي





«… فمن ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً فعليّ» حديث شريف (1).

الضمان الاجتماعي في الإسلام صبابة الإنسانية في قمتها، ولذا فإن الإسلام حيث ينطلق من زاوية الإنسانية، يصب هذا الضمان بما توافق الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبتأكيد لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام، حتى اليوم ضماناً اجتماعياً بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام إنه يقول: إن كل من يموت وعليه ديون، فعلى إمام المسلمين أداء ديونه، وكل من يموت وله مال، فالمال كله لورثته، ليس لإمام المسلمين منه شيء..فهل سمعت ضماناً اجتماعياً كهذا، حتى في أعمق الحضارات؟ بالتأكيد، لا..

زخم النصوص

وفي نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير من ذلك، وهو إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى اهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الاجتماعي المهم، حيث تكرر نقل ذلك عن نبي الإسلام صلي الله عليه و آله وأئمة العترة الطاهرة عليهم السلام. اقرأ معي النصوص الشريفة التالية:

في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله : روى الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام عن جده رسول الله صلي الله عليه و آله أنه قال: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعليعليه السلام أولى به من بعدي».

فقيل له: ما معنى ذلك؟.

فقال: قول النبي صلي الله عليه و آله: «من ترك ديناً، أو ضياعاً فعلي، ومن ترك مالاً فلورثته»(2).

قال الإمام الصادق عليه السلام بعد نقل هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله: «وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلي الله عليه و آله وأنهم آمنوا على أنفسهم وعلى عيالاتهم»(3.

وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) قال: إن النبي صلي الله عليه و آله كان لا يصلي على رجل عليه دين،فأتى بجنازة،فقال صلي الله عليه و آله: هل على صاحبكم دين؟ فقالوا: نعم، ديناران، فقال صلي الله عليه و آله: صلوا على صاحبكم.

فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله صلي الله عليه و آله.

قال: فصلى عليه، فلما فتح الله على رسوله، قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً فعلي»(4).

وأخرج علي بن إبراهيم في تفسيره، بسنده المذكور عن رسول اللهصلي الله عليه و آله أنه كان يقول: «ما من غريم ذهب بغريمه إلى والٍ من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته إلا برئ هذا المعسر من دينه، وصار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من أموال المسلمين»(5).

وفي أحاديث الأئمة الطاهرين عليهم السلام :

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «من مات وترك ديناً، فعلينا دينه، وإلينا عياله، ومن مات وترك مالاً، فلورثته»(6).

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ما كان رسول اللهصلي الله عليه و آله ينزل من منبره، إلا قال:

«من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فعليّ»(7).

وأخرج الكليني والطوسي (قدس سرهما) في كتابي الحديث، عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنه قال: «من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله، كان كالمجاهد في سبيل الله عزوجل، فإن غلب عليه، فليستدن على الله عزوجل وعلى رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره»(8).

وأخرجا أيضاً بأسانيدهما، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون»(9).

وأخرج الطوسي (رحمة الله عليه) بسنده عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: أنه قال لـه (عطاء): جعلت فداك، إن عليّ ديناً إذا ذكرته فسد عليَّ ما أنا فيه.

فقال عليه السلام: «سبحان الله! وما بلغك أن رسول الله صلي الله عليه و آله كان يقول في خطبته: من ترك ضياعاً فلأهله ضياعه، ومن ترك ديناً فعلي دينه، ومن ترك مالاً فلأهله، فكفالة رسول الله صلي الله عليه و آله ميتاً ككفالته حياً، وكفالته حياً ككفالته ميتاً».

فقال الرجل: نفّست عني جعلني الله فداك(10).

وأخرج العياشي في تفسيره، عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه سئل، فقال لـه رجل من أهل الجزيرة: جعلت فداك، إن الله تبارك وتعالى يقول:

(فنظرة إلى ميسرة…)(11) فأخبرني عن هذه (النظرة) التي ذكرها الله، لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر لابد لـه من أن ينتظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفق على عياله، وليس لـه غلة ينظر إدراكها، ولا دين ينتظر محله، ولا مال غائب ينتظر قدومه.

قال عليه السلام: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين»(12).

وروى الشيخ الصدوق رحمة الله في (معاني الأخبار) بسنده المذكور عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:

«صعد النبي صلي الله عليه و آله المنبر، فقال: من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ وإليَّ، ومن ترك مالاً فلورثته، فصار بذلك أولى بهم من آبائهم وأمهاتهم، وصار أولى بهم منهم بأنفسهم، وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام بعده، جرى ذلك لـه مثل ما جرى لرسول الله صلي الله عليه و آله»(13).

وأخرج الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في (مجالسه) بسنده المذكور عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه كان يقول:

«صعد رسول الله صلي الله عليه و آله المنبر، فتغيرت وجنتاه والتمع لونه، ثم أقبل بوجهه فقال: يا معشر المسلمين! إني إنما بعثت أنا والساعة كهاتين ـ إلى أن قال: ـ أيها الناس من ترك مالاً فلأهله وورثته، ومن ترك كلاً أو ضياعاً، فعليّ وإليّ»(14).

وعن أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال:

«ومن كان لـه على رجل مال أخذه ولم ينفقه في إسراف أو في معصية، فعسر عليه أن يقضيه، فعلى من لـه المال أن ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه، وإذا كان الإمام العادل قائماً، فعليه أن يقضي عنه دينه، لقول رسول الله صلي الله عليه و آله: من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فعليّ وإليّ وعلى الإمام ما ضمنه الرسول صلي الله عليه و آله»(15).

هذا واحد من بنود (الضمان الاجتماعي) في الإسلام، ويظهر منه عمق الإنسانية في الإسلام، وفي هذا النظام بالذات.

بالعكس تماماً مما تعمله عدة من أنظمة العالم المتحضر المتمدن، من جعل الضريبة على الإرث، على من مات وترك أموالاً.

ولو مات شخص وعليه ديون، فليس على النظام الحاكم من دينه شيء أبداً، أترى كم يساهم مثل هذه الأنظمة في تشتيت المجتمع وتحطيم الديون بين الأفراد والجماعات، إذ الدائن لا يملك ضماناً لو أعطى ديناً لفقير معدم، لأنه لو مات فمن الذي سيتكفل ديونه؟

فمن تراه يقرض المحتاجين والمعوزين؟.

فهل هناك ضمان اجتماعي كما في الإسلام؟