الأخوة الأسلامية
لا القومية ولا العالمية .. بل الأخوة الإسلامية
يجد مبدأ القومية من زعماء الأمم وقادة الشعوب من يناصره ويقدسه ويبثه بكل وسيلة فى نفوس الناس, ويضع المناهج والبرامج لينشأ الجيل القادم جيلا مقدسا لقوميته معتزا بعصبيته , فهتلر ينادى فى أمته: ألمانيا فوق الجميع , ومصطفى كامل ينادى فى أمته : تركيا فوق الجميع وموسيلينى ينادى بأمته: ايطاليا فوق الجميع ولا يقفون عند النداء بل يستخدمون التاريخ والذكريات والقوة إذا احتاج الأمر فى تثبيت هذا المبدأ فى نفوس شعوبهم .
ويرتفع مع هذا صوت الفلاسفة وعلماء الاجتماع وبعض السياسيين يوضحون للناس خطر التمسك بمبدأ القومية وضرورة التشبع بمبدأ العالمية ونسيان فكرة الوطن الخاص والعنصرية الجنسية . ومصر التى تعودت تقليد الغرب والاعجاب بنظمه وبرامجه تقف على مفترق هاتين الطريقين فتارة تسمع فى جرائدها من يحبذ القومية وأخرى تسمع من يهيب بها إلى العالمية ويدلى كل منهما بأدلته وبراهينه.
اسمعوا أيها القوم أما مبدأ العالمية فهو وإن كان مبدأ الانسانية والسلام والخير العام إلا أن أمم الغرب وحكومات الاستعمار جعلته شبكة تصطاد بها ضعاف العقول وتكسر به حدة المقاومة عند الشعوب المظلومة حتى تكون لقمة سائغة لها ومادامت الأمم الغربية تعتقد فى أن أمم الشرق الحطة والجهالة والذلة والمهانة وتترفع عن الاختلاط بهاوتظن أنها من طينة غير طينتها وكل ما تريده منها أن تمتص دمها وتنتفع بخيراتها وتستخدم أبناءها فى قضاء شهواتها السياسية ومآربها الاستعمارية , مادمت أمة على هذة الروح الفاسدة مع ما بينها هى نفسها من التباغض والتحاقد, فإن مبدأ العالمية عند الشرقيين من أخطر المبادىء على حياة أممهم .
وأما مبدأ القومية فهو مبدأ خطر كذلك لا ينتج إلا الشرور والآثام والحروب والتخاصم والتنافس والتزاحم فإذا كانت كل أمة تدعى أنها سيدة الجميع وتعمل للوصول إلى هذة السيادة فمتى تهدأ الثورات أو يسود السلام ؟ وها نحن نرى نتائج تمسك أمم بهذا المبدأ فى مؤتمراتهم التى لم يفلح واحد منها حتى الآن, ذلك إلى أنه غير طبيعى لأن العالم يسير إلى الوحدة والاتصال وكل ما صادم الطبيعة لابد أن يزول .
فكلا المبدأين بالنسبة لمصر وللشرقيين ضار غير ملائم لهم , فالعالمية مع جمالها النظرى قضاء عليهم والقومية مبدأ خاطىء من أساسه فإذا وفقنا إلى تربية النشء وتكوين نفوس الأمة على مبدأ يضمن لنا حب الخير العام والسلام والعمل لفائدة الأمم جميعا, وذلك كل ما فى العالمية من جمال ويضمن لنا – مع هذا – التمسك بعزتنا والدفاع عن حوزتنا والذود عن أوطاننا ومقدساتنا – وذلك كل ما فى القومية من فائدة – كنا قد وصلنا إلى خير كثير وأخذنا من كلا المبدأين فائدته وتجنبنا ضرره وبرئنا من وصمة التقليد وفضلنا الغرب الذى تلعب به الأهواء والشهوات ودللنا بعملنا هذا على أسمى معنى من معانى الاستقلال النفسى.
ولا أدرى لماذا نذهب بعيدا وهذا المبدأ بين أيدينا أرشدنا إليه العزيز الحكيم فى كتابه الكريم وهو الذى يعلم مصالح عباده ويرشد خلقه إلى أقوم السبل فى حياتهم المادية والروحية معا ذلك المبدأ الذى يجب أن ينشأ عليه أبناؤنا وتتربى عليه نفوسنا هو مبدأ "الأخوة الاسلامية" الأخوة الاسلامية التى قررها القرآن الكريم فى قوله تعالى: ( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) الحجرات 10 , وقررها النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه" رواه الستة إلا النسائى وورد بها كثير من الآيات والأحاديث. إننا إذا تمسكنا بهذا المبدأ قويت رابطتنا النفسية وقويت رابطتنا بالأمم الشرقية وعصمتنا العقيدة من الاستكانة للغاصب والخنوع للذل والاستعباد.
وقد يقول قائل: إن الأمة الواحدة من أمم الاسلام تضم عناصر مختلفة تدين بغير دين الاسلام فلا يوجد بين أفرادها إلا الجنسية القومية.
والجواب على ذلك: إن سماحة الاسلام تجعل بره وصلته تتسع لأبناء قومنا وإن كانوا على غير ديننا كما قال تعالى: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة 8 , بل إن تعاليم الاسلام تقضى على أبنائه أن يكونوا مع أهل التعاقد معهم سواسية لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
إننا إذا جعلنا مبدأ الأخوة الاسلامية هو مبدأ التربية عندنا وأساس مناهجنا ونظمنا خدمنا أنفسنا وخدمنا العالم الذى يسير إلى الاسلام بخطوات واسعة وخدمنا الحضارة والمدنية اللتين لن تجدا دينا يتمشى معهما ويكمل ما نقص من مظاهرهما غير الاسلام وبنينا الجيل القادم على أقوى دعامة وأمتن أساس فلنكن شجعانا فى التحرر من نير التقليد الأجنبى ولو مرة واحدة.[[