By عمر البجادي (4) - الجمعة يناير 07, 2011 7:57 pm
- الجمعة يناير 07, 2011 7:57 pm
#31979
المشكلة القبرصية بين الإرادات المتعددة
هناك مشكلات دولية خلقت لتظل فترة طويلة عصية على الحل المنطقي، على رغم أن حلها بالغ السهولة إذا احتكمنا إلى قواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولعل في مقدمة تلك القضايا قضية فلسطين وقضية قبرص. ولكن بالنظر لتصارع الإرادات المحلية والإقليمية والدولية تتحول المشكلات السهلة الحل إلى مشكلات بالغة التعقيد.
فقضية قبرص هي احتلال يرجع إلى عصر الانطلاقة الاستعمارية وبناء قواعد بحرية على خطوط انطلاق إمبراطوريات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في طريق الوصول لجوهرة التاج البريطاني الهند من ناحية، ولإحكام السيطرة على البحار والممرات المائية لسيدة البحار التي لم تكن تغرب الشمس عن امبراطوريتها آنذاك.
وعندما جاء أوان حركات التحرر الوطنية وتغيرت موازين القوى قررت بريطانيا العظمى منح قبرص استقلالها، وبالنظر إلى التكوين الديمغرافي لجزيرة قبرص وبهدف تجنب الصراع بين الطائفتين القبرصية التركية، والقبرصية اليونانية، فإن دولتين هما بريطانيا باعتبارها القوة التي كانت تحتل قبرص، وتركيا لاعتبارات تاريخية وثقافية وعرقية أصبحتا هما الضامنتان لاستقلال قبرص وسيادتها ووحدتها، كما أن الزعيم القبرصي مكاريوس كان من أبرز قادة الحركة التي ناضلت ضد الحرب الباردة وضد الاحلاف العسكرية وضد الافتئات على سيادة الشعوب والتدخل في شئونها الداخلية، وسعت لإقامة سلام دائم وفقا لمنطق العدالة والحرية والمساواة، وهي الشعارات التي رفعها العالم الأوروبي خصوصا منذ الثورة الفرنسية، وكذلك وفقا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو أحد المبادئ التي طرحها الرئيس الأميركي السابق ودور ويلسون في غمار الحرب العالمية الأولى والتي أدت إلى تفكيك كثير من الامبراطوريات القديمة وقيام دول عدة خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشبه جزيرة البلقان.
إلا أن تطورات مشكلة قبرص عكست توجهات مغايرة فقام عسكريون قبارصة من الطائفة اليونانية بانقلاب مغامر أطاحوا من خلاله بالرئيس الأسقف مكاريوس، وأعلنوا نيتهم الانضمام لليونان، ووقفت حركة عدم الانحياز ضد هذا العمل الذي أطاح بحكومة شرعية تنتمي إلى حركة عدم الانحياز، وانتهى الأمر نتيجة عوامل كثيرة فعادة الرئيس الشرعي مكاريوس للبلاد، ولكن المشكلة لم تنته عند ذلك الحد بل وقع صراع دموي بين الطائفتين التركية واليونانية في الجزيرة، وأدى ذلك للتدخل وهكذا عانت جزيرة قبرص من ثلاثة أنواع من الصراع، الأول: صراع طائفي في داخل الجزيرة، والثاني: صراع إقليمي تركي يوناني، والثالث: صراع دولي بين دول عدم الانحياز ودول أعضاء في منظمة حلف الشمال الاطلنطي (الناتو). وعلى رغم عضوية كل من تركيا واليونان في الحلف فإنه لم يستطع حل النزاع بينهما.
ولعل ذلك كان نتيجة عاملين رئيسي، أولهما: عدم تركيز حلف الناتو عل حل المشكلات بين أعضائه، وإنما تجنب حلها، وجعل تركيزه الرئيس على الصراع ضد الاتحاد السوفياتي وكتلته الاشتراكية، وثانيهما: أن قبرص كانت مشكلة لدولة من دول عدم الانحياز تنتمي للدول النامية وليست على الأرض الأوروبية المباشرة، بل ربما يمكن القول تجاوزا إنها في منطقة تماس بين الشرق الأوسط وأوروبا، ومن هنا لم تتحرك الدول الأوروبية أو القوى الكبرى بفعالية لحل المشكلة، وتركت ذلك الحل في إطار عمل الأمم المتحدة ومساعيها الحميدة. وكما هو معروف فإن المنظمة الدولية لم تستطع حل أية مشكلة تتصارع فيها الإرادات المحلية مع الإقليمية مع الدولية، إلا في حالة اتفاق الإرادات وتبلور الرغبة في الوصول إلى حلول توافقية، كما حدث في شبه جزيرة البلقان بعد تفكك دولة يوغوسلافيا وبروز عدة دول على أنقاضها.
وهكذا بقيت مشكلة قبرص مثل مشكلة فلسطين في إطار مساعي الأمم المتحدة وقراراتها بلا حل ولا حتى أفق للحل، لأنه كلما تقدمت المساعي والمقترحات خطوة للأمام سرعان ما تتراجع خطوات لاعتبارات كثيرة، ولكن أهمها عدم توافر الإرادة المحلية والإقليمية للوصول إلى حل وبقيت المشكلة تمثل ثلاثة أنواع من التعقيدات:
الأول: طموحات كل من الطائفتين القبرصية والتركية في الجزيرة واختلاف طبيعة تكوينهما وانتمائهما العقيدي والثقافي. فالجزيرة كانت بوتقة تلاقي الحضارتين المسيحية الأوروبية والإسلامية العثمانية، وكان يمكن أن يكون هذا التلاقي نموذجا لتعايش الحضارات، والوئام بين الطوائف والحوار السلمي في ضوء مبدأ الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والعرقية والثقافية ولكن هذا مازال متعثرا.
الثاني: الاختلاف التركي اليوناني في تلك المنطقة الحساسة استراتيجيا، على رغم عضوية الدولتين في حلف الناتو. هذا الاختلاف ذابت بعض ثلوجه بتقارب تركي يوناني في أواخر القرن الماضي وتغير السياسات الدولية والإقليمية، مما أدى لبروز آمال لتسوية مشكلة قبرص، ولكن تلك الآمال سرعان ما تلاشت.
الثالث: عدم توافر الإرادات المحلية والإقليمية الفاعلة للدفع نحو الحل ويتجلى ذلك في مثالين أولهما، طرح الأمم المتحدة خطة للتسوية في أوائل القرن الحادي والعشرين أجري على ضوئها استفتاء شعبي في جزيرة، كانت نتيجته أن 65 في المئة من سكان قبرص الشمالية التركية وافقوا على الحل المقترح، في حين أن 75 في المئة من سكان قبرص الجنوبية اليونانية رفضوا الحل. بعبارة أخرى، أن الشعب القبرصي في القطاع الجنوبي لم يكن مستعدا لقبول الحل الوسط الذي اقترحته الأمم المتحدة وقبلته القيادة القبرصية في القطاعين بشرط طرحه للاستفتاء، أما المثال الثاني فكان التوجه لضم قبرص للاتحاد الأوروبي، واستخدام ذلك كأداة لتشجيع التصالح بين الطائفتين، ولكن سرعان ما تراجع الاتحاد الأوروبي عمليا عن هذا الشرط هذا وقام بضم قبرص إلى الاتحاد الأوروبي من دون حدوث تقدم في تسوية المشكلة القبرصية بين الشمال والجنوب، واعتبر القبارصة الأتراك أن هذا التطور يعكس تناقضا في مواقف الاتحاد الأوروبي وتراجعا عن توجهاته الأصلية وانحيازا للقبارصة اليونانيين.
وهكذا ظلت مشكلة قبرص تراوح مكانها بلا حل، وبلا أمل في الحل. ونتساءل ما هي دلالات هذا الجمود تجاه مساعي تسوية المشكلة القبرصية، في حين إن مشكلات أخرى أمكن حلها كما حدث في الدول التي قامت على أنقاض يوغوسلافيا الاتحادية السابقة.
الدلالة الأولى: أن أوروبا لم تتصالح تصالحا جوهريا وحضاريا مع الحضارة الإسلامية، ومن ثم بقيت نقطة التماس بين الحضارتين بلا حل وستظل كذلك حتى نصل إلى مرحلة المصالحة الحضارية الحقيقة.
الدلالة الثانية: أن الإدارة المحلية القبرصية والإدارة الإقليمية لم تقم بما ينبغي عليها القيام به بين طائفتين تنتميان إلى تلك المنطقة الاستراتيجية المهمة، إذ انه بالنظر للتقارب التركي اليوناني فإنه من المفترض أن تلعب هاتان الدولتان دورا أكبر في حث الاطراف القبرصية على تقديم تنازلات من أجل الوصول لتوافق حقيقي.
الدلالة الثالثة: أن حل المشكلة القبرصية اليوم في القرن العشرين أصبح أكثر تعقيدا بعد مرور ما يقارب خمسين عاما على قيام جمهورية قبرص التركية، ومن ثم ترسخ قناعة الاجيال في الشمال والجنوب حول مفهوم الانفصال أو مفهوم الاستقلال وعدم القدرة على إيجاد حل وسط توافقي بين المفهومين المتعارضين. إذا فإن الأمر يحتاج لبلورة مفهوم جديد يمثل التوافق وليس التناقض والتصارع.
الدلالة الرابعة: أنه بالنظر إلى أن السياسة الدولية هي سياسة مصالح، وهذه المصالح تعكس إرادات وتوجهات وايديولوجيات. وبالنظر إلى أن مشكلة قبرص حاليا تعيش حالة من الاستقرار القلق فإنها لا تهدد السلم والأمن الدوليين، ومن ثم يمكن التعايش الدولي والإقليمي معها، وهذا ما يجعل أفق الحل القريب محدودا لضعف العوامل الدافعة لتحقيق التوافق بين الطائفتين في قبرص.
تلك نظرة على مشكلة بسيطة يمكن حلها وفقا لمبادئ القانون الدولي وحق الشعوب في مصيرها، ولكنها أصبحت أكثر تعقيدا وصعوبة نتيجة العوامل المتعددة التي أشرنا إليها وخصوصا عدم الرغبة في الوصول لحل توافقي من الأطراف المختلفة بما في ذلك المحلية والإقليمية بل وربما الدولية.
هناك مشكلات دولية خلقت لتظل فترة طويلة عصية على الحل المنطقي، على رغم أن حلها بالغ السهولة إذا احتكمنا إلى قواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولعل في مقدمة تلك القضايا قضية فلسطين وقضية قبرص. ولكن بالنظر لتصارع الإرادات المحلية والإقليمية والدولية تتحول المشكلات السهلة الحل إلى مشكلات بالغة التعقيد.
فقضية قبرص هي احتلال يرجع إلى عصر الانطلاقة الاستعمارية وبناء قواعد بحرية على خطوط انطلاق إمبراطوريات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في طريق الوصول لجوهرة التاج البريطاني الهند من ناحية، ولإحكام السيطرة على البحار والممرات المائية لسيدة البحار التي لم تكن تغرب الشمس عن امبراطوريتها آنذاك.
وعندما جاء أوان حركات التحرر الوطنية وتغيرت موازين القوى قررت بريطانيا العظمى منح قبرص استقلالها، وبالنظر إلى التكوين الديمغرافي لجزيرة قبرص وبهدف تجنب الصراع بين الطائفتين القبرصية التركية، والقبرصية اليونانية، فإن دولتين هما بريطانيا باعتبارها القوة التي كانت تحتل قبرص، وتركيا لاعتبارات تاريخية وثقافية وعرقية أصبحتا هما الضامنتان لاستقلال قبرص وسيادتها ووحدتها، كما أن الزعيم القبرصي مكاريوس كان من أبرز قادة الحركة التي ناضلت ضد الحرب الباردة وضد الاحلاف العسكرية وضد الافتئات على سيادة الشعوب والتدخل في شئونها الداخلية، وسعت لإقامة سلام دائم وفقا لمنطق العدالة والحرية والمساواة، وهي الشعارات التي رفعها العالم الأوروبي خصوصا منذ الثورة الفرنسية، وكذلك وفقا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو أحد المبادئ التي طرحها الرئيس الأميركي السابق ودور ويلسون في غمار الحرب العالمية الأولى والتي أدت إلى تفكيك كثير من الامبراطوريات القديمة وقيام دول عدة خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشبه جزيرة البلقان.
إلا أن تطورات مشكلة قبرص عكست توجهات مغايرة فقام عسكريون قبارصة من الطائفة اليونانية بانقلاب مغامر أطاحوا من خلاله بالرئيس الأسقف مكاريوس، وأعلنوا نيتهم الانضمام لليونان، ووقفت حركة عدم الانحياز ضد هذا العمل الذي أطاح بحكومة شرعية تنتمي إلى حركة عدم الانحياز، وانتهى الأمر نتيجة عوامل كثيرة فعادة الرئيس الشرعي مكاريوس للبلاد، ولكن المشكلة لم تنته عند ذلك الحد بل وقع صراع دموي بين الطائفتين التركية واليونانية في الجزيرة، وأدى ذلك للتدخل وهكذا عانت جزيرة قبرص من ثلاثة أنواع من الصراع، الأول: صراع طائفي في داخل الجزيرة، والثاني: صراع إقليمي تركي يوناني، والثالث: صراع دولي بين دول عدم الانحياز ودول أعضاء في منظمة حلف الشمال الاطلنطي (الناتو). وعلى رغم عضوية كل من تركيا واليونان في الحلف فإنه لم يستطع حل النزاع بينهما.
ولعل ذلك كان نتيجة عاملين رئيسي، أولهما: عدم تركيز حلف الناتو عل حل المشكلات بين أعضائه، وإنما تجنب حلها، وجعل تركيزه الرئيس على الصراع ضد الاتحاد السوفياتي وكتلته الاشتراكية، وثانيهما: أن قبرص كانت مشكلة لدولة من دول عدم الانحياز تنتمي للدول النامية وليست على الأرض الأوروبية المباشرة، بل ربما يمكن القول تجاوزا إنها في منطقة تماس بين الشرق الأوسط وأوروبا، ومن هنا لم تتحرك الدول الأوروبية أو القوى الكبرى بفعالية لحل المشكلة، وتركت ذلك الحل في إطار عمل الأمم المتحدة ومساعيها الحميدة. وكما هو معروف فإن المنظمة الدولية لم تستطع حل أية مشكلة تتصارع فيها الإرادات المحلية مع الإقليمية مع الدولية، إلا في حالة اتفاق الإرادات وتبلور الرغبة في الوصول إلى حلول توافقية، كما حدث في شبه جزيرة البلقان بعد تفكك دولة يوغوسلافيا وبروز عدة دول على أنقاضها.
وهكذا بقيت مشكلة قبرص مثل مشكلة فلسطين في إطار مساعي الأمم المتحدة وقراراتها بلا حل ولا حتى أفق للحل، لأنه كلما تقدمت المساعي والمقترحات خطوة للأمام سرعان ما تتراجع خطوات لاعتبارات كثيرة، ولكن أهمها عدم توافر الإرادة المحلية والإقليمية للوصول إلى حل وبقيت المشكلة تمثل ثلاثة أنواع من التعقيدات:
الأول: طموحات كل من الطائفتين القبرصية والتركية في الجزيرة واختلاف طبيعة تكوينهما وانتمائهما العقيدي والثقافي. فالجزيرة كانت بوتقة تلاقي الحضارتين المسيحية الأوروبية والإسلامية العثمانية، وكان يمكن أن يكون هذا التلاقي نموذجا لتعايش الحضارات، والوئام بين الطوائف والحوار السلمي في ضوء مبدأ الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والعرقية والثقافية ولكن هذا مازال متعثرا.
الثاني: الاختلاف التركي اليوناني في تلك المنطقة الحساسة استراتيجيا، على رغم عضوية الدولتين في حلف الناتو. هذا الاختلاف ذابت بعض ثلوجه بتقارب تركي يوناني في أواخر القرن الماضي وتغير السياسات الدولية والإقليمية، مما أدى لبروز آمال لتسوية مشكلة قبرص، ولكن تلك الآمال سرعان ما تلاشت.
الثالث: عدم توافر الإرادات المحلية والإقليمية الفاعلة للدفع نحو الحل ويتجلى ذلك في مثالين أولهما، طرح الأمم المتحدة خطة للتسوية في أوائل القرن الحادي والعشرين أجري على ضوئها استفتاء شعبي في جزيرة، كانت نتيجته أن 65 في المئة من سكان قبرص الشمالية التركية وافقوا على الحل المقترح، في حين أن 75 في المئة من سكان قبرص الجنوبية اليونانية رفضوا الحل. بعبارة أخرى، أن الشعب القبرصي في القطاع الجنوبي لم يكن مستعدا لقبول الحل الوسط الذي اقترحته الأمم المتحدة وقبلته القيادة القبرصية في القطاعين بشرط طرحه للاستفتاء، أما المثال الثاني فكان التوجه لضم قبرص للاتحاد الأوروبي، واستخدام ذلك كأداة لتشجيع التصالح بين الطائفتين، ولكن سرعان ما تراجع الاتحاد الأوروبي عمليا عن هذا الشرط هذا وقام بضم قبرص إلى الاتحاد الأوروبي من دون حدوث تقدم في تسوية المشكلة القبرصية بين الشمال والجنوب، واعتبر القبارصة الأتراك أن هذا التطور يعكس تناقضا في مواقف الاتحاد الأوروبي وتراجعا عن توجهاته الأصلية وانحيازا للقبارصة اليونانيين.
وهكذا ظلت مشكلة قبرص تراوح مكانها بلا حل، وبلا أمل في الحل. ونتساءل ما هي دلالات هذا الجمود تجاه مساعي تسوية المشكلة القبرصية، في حين إن مشكلات أخرى أمكن حلها كما حدث في الدول التي قامت على أنقاض يوغوسلافيا الاتحادية السابقة.
الدلالة الأولى: أن أوروبا لم تتصالح تصالحا جوهريا وحضاريا مع الحضارة الإسلامية، ومن ثم بقيت نقطة التماس بين الحضارتين بلا حل وستظل كذلك حتى نصل إلى مرحلة المصالحة الحضارية الحقيقة.
الدلالة الثانية: أن الإدارة المحلية القبرصية والإدارة الإقليمية لم تقم بما ينبغي عليها القيام به بين طائفتين تنتميان إلى تلك المنطقة الاستراتيجية المهمة، إذ انه بالنظر للتقارب التركي اليوناني فإنه من المفترض أن تلعب هاتان الدولتان دورا أكبر في حث الاطراف القبرصية على تقديم تنازلات من أجل الوصول لتوافق حقيقي.
الدلالة الثالثة: أن حل المشكلة القبرصية اليوم في القرن العشرين أصبح أكثر تعقيدا بعد مرور ما يقارب خمسين عاما على قيام جمهورية قبرص التركية، ومن ثم ترسخ قناعة الاجيال في الشمال والجنوب حول مفهوم الانفصال أو مفهوم الاستقلال وعدم القدرة على إيجاد حل وسط توافقي بين المفهومين المتعارضين. إذا فإن الأمر يحتاج لبلورة مفهوم جديد يمثل التوافق وليس التناقض والتصارع.
الدلالة الرابعة: أنه بالنظر إلى أن السياسة الدولية هي سياسة مصالح، وهذه المصالح تعكس إرادات وتوجهات وايديولوجيات. وبالنظر إلى أن مشكلة قبرص حاليا تعيش حالة من الاستقرار القلق فإنها لا تهدد السلم والأمن الدوليين، ومن ثم يمكن التعايش الدولي والإقليمي معها، وهذا ما يجعل أفق الحل القريب محدودا لضعف العوامل الدافعة لتحقيق التوافق بين الطائفتين في قبرص.
تلك نظرة على مشكلة بسيطة يمكن حلها وفقا لمبادئ القانون الدولي وحق الشعوب في مصيرها، ولكنها أصبحت أكثر تعقيدا وصعوبة نتيجة العوامل المتعددة التي أشرنا إليها وخصوصا عدم الرغبة في الوصول لحل توافقي من الأطراف المختلفة بما في ذلك المحلية والإقليمية بل وربما الدولية.