صفحة 1 من 1

العلاقات الدولية في مفهومها التجريبي

مرسل: الجمعة يناير 07, 2011 10:29 pm
بواسطة عبدالعزيز السعيد 380
العلاقات الدولية في مفهومها التجريبي:
بعد هذه المقدمة الشرعية الموجزة، تبدأ مناقشتنا السياسية لهذه المقولة بالحديث عن أسس العلاقات الدولية وفقًا للعلم التجريبي. تنوعت المناهج الحديثة التي تطرقت لموضوع العلاقات الدولية ما بين مناهج قانونية ودبلوماسية ومثالية وواقعية وغيرها من المناهج التي حاولت وضع نظرية عامة للعلاقات الدولية، إلا أن أقرب تلك المناهج للواقع هو المنهج الواقعي الذي يدرس العلاقات الدولية باعتبار ما هي عليه، وليس باعتبار ما يجب أن تكون عليه، ولولا تأثر هذا المنهج بعقلية غربية منحازة لقلنا: إن هذا المنهج هو أقرب إلى المنهج التجريبي المستند على التأمل والملاحظة والذي دعا إليه الإسلام.

ويستند المنهج الواقعي في تفسير العلاقات الدولية إلى المنطق القائل: إن القوة هي القاعدة المحورية في العلاقات الدولية، وأنه إذا كانت صراعات القوة تغلَّف أحيانًا ببضع الشكليات القانونية أو الدواعي والمبررات الأخلاقية، فإن هذا الغلاف الخارجي يجب ألا يخدعنا عن هذه الحقيقة الأساسية التي تتحكم في توازن العلاقات الدولية برمتها.
ويرافق هذا المنهج منهج آخر، يعرف بمنهج المصالح القومية، يعتبر أن السعي نحو تحقيق المصلحة القومية للدولة هو الهدف النهائي والمستمر لسياستها الخارجية، بمعنى آخر، فإن المصلحة القومية تشكل عامل الارتكاز الأساسي في تخطيط السياسة الخارجية لأية دولة في العالم، كبيرة كانت أو صغيرة.
ولعل هذين المنهجين الأولى بهما أن يكونا مكملين لبعضهما، وليسا منفصلين، فإن القوة وإن كانت مفتاح الأساس للعلاقات الدولية للمنهج الواقعي, إلا أن هذه القوة لابد لها من غاية تسير نحوها, وهي ما يعرف بالمصلحة القومية أو الوطنية، وبذلك تكون العلاقات الدولية في الحضارة المعاصرة مبنية على أصلين: المصلحة الوطنية والقوة. يقول جوزيف فرانكل في كتابه العلاقات الدولية: 'المصلحة الوطنية هي 'المفتاح الأساسي' في السياسة الخارجية، ويرتد هذا المفهوم في جوهره إلى مجموع القيم الوطنية، تلك القيم النابعة من الأمة والدولة في نفس الوقت، غير أن هذا المفهوم لا يخلو من غموض.. إن الجدل المتكرر حول السياسة الخارجية يتركز حول التفسيرات المختلفة لمتطلبات المصلحة الوطنية'. [ص 52].
ويقول عن القوة: 'إن مشكلة القوة تدخل جميع أنواع العلاقات الدولية، في الحروب والمنافسات تدخل القوة بمعناها العسكري، وفي التعاون يدخل التهديد بالقوة لقمع أحد الأطراف، يدور عالم السياسة كله حول ممارسة القوة والبحث عنها، غير أن القوة في السياسة الدولية أوضح بكثير وأقلُّ قيودًا من القوة في السياسة الداخلية. ولهذا فكثيرًا ما تسمى السياسة الدولية بسياسة القوة.. ولقد أدى الدور المهم الذي تلعبه القوة في العلاقات الدولية إلى نشوء مدرسة فكرية تفسر العلاقات الدولية على ضوء مفهوم القوة.. ولكن على الرغم من أن القوة تلعب دورًا مهمًا في السياسة الدولية، فإنها في الأساس وسيلة لتحقيق قيم وطنية'. [ص 93].
لا نريد أن نطيل الحديث من أجل إثبات أن القوة والمصلحة هما معيار العلاقات الدولية، حيث يكاد هذا الأمر أن يكون واضحًا جليًا لكل ذي عينين، خاصة أنه مع استصحاب هذين الأصلين يسهل علينا فهم كثير من الأحداث الدولية، فالحروب لا تنشأ إلا لمحاولة ضبط ميزان القوى بين دولتين تقودهما مصالح متعارضة، والتحالف لا يأتي إلا بين دول تقاطعت مصالحها ووفقًا لقوة كل دولة تكون درجة التحالف التي يبدأ من التبعية ويصل إلى الندية، وهكذا نستطيع أن نفهم كثيرًا من الأحداث والمستجدات في ضوء مفهومي القوة والمصلحة.