صفحة 1 من 1

قناة السويس

مرسل: السبت يناير 08, 2011 3:48 pm
بواسطة عبدالعزيز العمر _ 6
قناة السويس عبر التاريخ
قصة قناة السويس جزء من تاريخ مصر و هذا التاريخ يجب ان يعرفه كل مصرى ..
فهناك صفحات مضيئة و ناصعة فى تاريخ مصر كتبت على ضفاف قناة السويس .. من دخان معارك .. و عطر الدماء .. و عبير الاستشهاد و عبق الانتصار و تحمل القناة تحت رمالها حياة اكثر من 120 الف شهيد من شهداء السخرة طويت عظامهم على طول القناة اثناء الحفر .. كان الجوع يمزق احشائهم و العطش يشقق صدورهم .. و السياط تلهب ظهورهم .. و الانهيارات الرملية تدفنهم احياء ..
القصص و الصفحات المضيئة كثيرة فى قناة السويس .. قصة الحفر قصة التأميم و العدوان الثلاثى .. قصة انسحاب المرشدين .. عودة الملاحة انها قصص من العرق و الدم و الكفاح .. اسمها قناة السويس .

• قناة الفراعنة ( قناة سيزوستريس ) :
فى عهد سنوسرت الثالث احد فراعنة الاسرة الثانية عشر ( 1887 – 1849 ) ق.م تحققت على يديه شق قناة تربط البحر المتوسط و البحر الاحمر و ذلك فى سنة 1887 ق.م .. و كانت السفن القادمة من البحر الابيض تسير فى الفرع البيلوزى و هو اول فرع من فروع النيل شرقا .. و كان النيل له سبعة فروع انذاك حتى اتصل الى بوبست " تل بسطة " فى الزقازيق حاليا .. ثم يتجه شرقا الى يتخاو " ابو صوير " فتصل الى البحيرات المرة التى كانت فى ذلك الحين خليجا متصلا بالبحر الاحمر .
و استمرت قناة سنوسرت الثالث تقوم بعملها مدة طويلة حتى امتلأت بالاتربة و الرمال .. و فى سنة 610 ق.م حاول الفرعون نخاو الثانى اعادة الحياة مرة اخرى الى القناة و كرس جهوده و نجح بالفعل فى وصل النيل بالبحيرات المرة و لكن محاولاته لوصل البحيرات المرة بالبحر الاحمر لم يكتب لها النجاح .
• قناة الفرس :
لما حكم مصر دارا بن حتشوشب ملك الفرس فى سنة 510 ق.م اعطى كل اهتمامه للقناة اذ كان الطريق الى فارس يجتاز وادى الطميلات و يسير بمحاذاة القناة التى شقها نخاو الثانى فأصر دارا باستمرار الحفر فيها و تطهيرها , ثم حفر عدة قنوات صغيرة تربط البحيرات المرة بالبحر الاحمر و لكن هذه القنوات لم تكن صالحة للملاحة الا اثناء فيضان النيل .
• قناة الاغريق :
نجح بطليموس الثانى فى سنة 285 قبل الميلاد فى اعادة الملاحة فى القناة و تغلب على كل الصعاب التى اعترضت سابقيه ، فقد امر بطليموس بحفر الجزء الواقع بين البحيرات المرة و البحر الاحمر ليحل محل القنوات الصغيرة ، فأصبحت قناة السويس تصب بجوار ميناء كليسما " الاسم الاغريقى لمدينة السويس " و عادت رياح الاهمال تهب على القناة مرة اخرى عندما بدأ الضعف يدب فى دولة البطالمة حتى اهملت القناة و تجمعت الرواسب و الطمى و الرمال فى اماكن عديدة .
• قناة الرومان :
قام الامبراطور ترجان عام 98 ميلادية بحفر وصلة جديدة عرفت بقناة ترجان ، و كانت الوصلة تبدأ من بابليون " القاهرة " عند فم الخليج حتى العباسية لتصل بالفرع القديم الذى يصل بوبستا بالبحيرات المرة .
غير ان القناة اهملت من جديد فى عهد البيزنطيين ، فقد تركوا التراب يطغى عليها و اصبحت غير صالحة للملاحة على الاطلاق .
• قناة امير المؤمنين :
و بعد الفتح الاسلامى قام عمرو بن العاص بفتح قناة ملاحية تصل بين الفسطاط و القاهرة و مدينة القلزم " السويس " و اطلق عليها اسم قناة امير المؤمنين و استمر الحفر فيها لمدة ستة شهور ، و استمرت هذه القناة حوالى مائة و خمسون عاما و لكن الخليفة العباسى ابو جعفر المنصور امر بردمها فى نهاية القرن الثامن كى لا تستخدم فى نقل المؤن الى اهل مكة و المدينة الذين تمردوا على حكمه .
• قناة السويس فى العصر الحديث :
بدأ التفكير فى حفر قناة السويس منذ حكم محمد على لمصر ، فبعد الثورة الصناعية التى شهدتها اوروبا فى بداية القرن التاسع عشر التنافس على تجارة الهند و بدأ التفكير بالبحث عن طريق بحرى اقصر من طريق رأس الرجاء الصالح .
و كان الانجليز فى مقدمة الدول التى سارعت فى هذا الاتجاه , و رأوا ان طريق مصر اصلح من طرق اخرى كانت محل للدراسة و البحث و قام " واجهرون " بتجربة للمقارنة بين طريق رأس الرجاء الصالح و طريق السويس , و سافر حاملا برقيات ترسل له من محطات مختلفة لبيان الفرق الزمنى بين الطريقتين .
اما الفرنسيون فقد واصلوا جهودهم لتحقيق مشروعهم و اوفدوا الى محمد على سنة 1833 بعثة ( جماعة سان سيمو نيان ) و كان غرضها الاعداد لمشروع القناة و سنة 1846 كون قس يدعى انفنتان جمعية اطلق عليها ( جمعية الدراسات الخاصة بقناة السويس ) و كانت ذات ثلاثة شعب , واحدة فرنسية ، و الثانية انجليزية , و الثالثة المانية . و بفضل جهود الجمعية التى على رأسها المهندس النمساوى " لويجى نيجر يللى " اوشك المشروع ان يتم و استطاعت هذه الجمعية ان تصحح الخطأ الذى وقع فيه " لبير " من ان منسوب سطح البحر الاحمر يعلو سطح البحر المتوسط بعشرة امتار و ثبت انه بالامكان تنفيذ المشروع .
و بعد ذلك اوفدت " جمعية الدراسات الخاصة بقناة السويس " الى محمد على وفدا من المهندسين برئاسة المهندس " نيجر يللى " لعمل ابحاث خاصة بقناة السويس المقترحة ، و عرض الفرنسيون عليه مشروع شق القناة ، و رفض محمد على باشا المشروع الفرنسى و اصر على ضرورة اشراف الحكومة المصرية على تنفيذه و تمويلها له لكى تخلص القناة لمصر ، و اصر على ضمان الدول الكبرى لحيادة مصر .
و بدأ الانجليز يستخدمون الطريق المصرى القديم توفيرا للوقت و عادت التجارة مع الهند سيترتها الاولى عبر الاراضى المصرية و كان هذا الطريق اقرب من طريق رأس الرجاء الصالح و لكنه لم يكن الحل الامثل و هو الذى يأتى بحفر قناة بحرية . و بعد وفاة محمد على باشا , تم عرض موضوع شق القناة على عباس الاول و لكنه رفض شق القناة و بعد اغتيال عباس الاول تولى عرش مصر من بعده الامير محمد سعيد .
و عندما تولى الامير محمد سعيد عرش مصر جائت الفرصة التى كان ينتظرها فرديناند ديليسبس فقد كان ديليسبس يرعى الامير محمد سعيد و هو غلاما فى السادسة عشر من عمره ، ليعالج بدانته و يدربه على الرياضة بعد ان عهد اليه والده محمد على باشا برعايته ، و كان دليسبس من السلك الدبلوماسى . ثم عاد دليسبس الى مصر مرة اخرى و عين قنصلا عاما لفرنسا .
و استغل دليسبس تعيين محمد سعيد واليا على مصر فبادر بالاتصال بجمعية الدراسات الخاصة بقناة السويس فى باريس و حصل منها على توكيل ليعمل بأسمها فى الحصول على امتياز قناة السويس و لما نجحت خطته حصل على الامتياز لنفسه و فى احدى جلساته مع سعيد باشا فى 15 نوفمبر 1854 عرض ديليسبس على الوالى مشروعه و دراساته عن القناة التى تصل بين البحرين مع عرض اهم النقط و الاسانيد و اقتنع سعيد باشا بالمشروع و قال له :
انه مشروع مفهوم و فى وسعك ان تعتمد على .
• الامتياز الاول :
و فى 30 نوفمبر 1854 صدر الامتياز الاول بشق قناة السويس , و اصدره سعيد باشا مؤلفا من اثنى عشر بندا .
و نص البند الاول ان يقوم دليسبس بانشاء الشركة العالمية لقناة السويس البحرية و ان يتولى رئاستها , و حدد هذا البند مهمة الشركة فى حفر برزخ السويس و استغلال طرق الملاحة الكبرى , و انشاء مدخلين احدهم على البحر المتوسط و الاخر على البحر الاحمر , و كذلك انشاء ميناء او ميناءين .
و نص البند الثالث على ان مدة الامتياز هى 99 عام من يوم افتتاح القناة و ترك الامتياز تحديد مساحة الاراضى الممنوحة للشركة للمهندس الفرنسى " لينان " و قام لينان و موجل باعداد مشروع تمهيدى للقناة مرفقا برسوم تفصيلية بعد ان عهد ديليسبس الى المهندسين لينان و موجال بهذه المهمة .
• الامتياز الثانى لقناة السويس :
قامت وزارة الخارجية الفرنسية بصياغة الامتياز ووقعه محمد سعيد باشا فى 5 يناير سنة 1856 و فى هذا الامتياز منح سعيد باشا للشركة امتيازات جديدة فى مسائل عدة كأستغلالها الاراضى و ان تمنح الشركة مجانا الاراضى اللازمة للمشروع و التى لا يملكها الافراد . و نزع ملكية الاراضى المملوكة للأفراد اذا لزم الامر .
و تضمن الامتياز ايضا استغلال مناجم الدولة بالمجان و الاعفاء من الرسوم الجمركية و كان اهم ما فى الامتياز اخراج الشركة من ولاية القضاء المصرى و تعهد الحكومة المصرية بتقديم نسبة كبيرة من العمال للمشروع بطريقة السخرة و كذلك تعهد الحكومة المصرية بأن تشترى الاسهم التى يعجز ديليسبس فى بيعها فى الاسواق العالمية .
• بداية اعمال الحفر ... و مأساة السخرة :
و فى يوم الاثنين 25 ابريل 1859 بدات اول اعمال الحفر حيث وقعت ضربة الفأس الاولى على ثرى مدينة بورسعيد . و من بداية الحفر كان هناك بداية اخرى لأبشع انواع السخرة التى استمرت عشر سنوات و استخدم ديليسبس السخرة فى تشغيل العمال المصريين و تساقط اكثر من عشرون الف منهم تحت وطأة الشمس . و اشرف ديليسبس نفسه على التدابير الخاصة بمواجهة مشكلة العمال المصريين و الاجانب ووضع اعلان دعا فيه المصريين الى العمل و الاشتراك فى حفر القناة و ذكر ديليسبس ان الشركة انشأت قرى لسكن العمال و قامت ببناء المساجد , و قرر ان ماء الشرب متوفر و حدد لهم الاجور على اساس الانتاج و ليس على حساب ايام العمل , و حدد الاجر انه يتراوح بين ستة قروش و ثمانية قروش فى اليوم و كانت البداية مع العمال بشعة فقد هوت السياط على ظهور العمال الابرياء الذين سبقوا الى منطقة الحفر .
و كان لكل فرقة من العمال و التى تتراوح بين العشرين و الخمسين " مقدم " يقف على العمال بالكرباج و يوقظهم فى الصباح مع الفجر بحجة الصلاة , و يمهلهم دقائق من اجل الصلاة ثم يسوقهم الى مكان العمل و يظل قائما عليهم حتى المساء .
و فى ظل هذا النظام القاسى لم تكن هناك عناية بصحتهم فكانوا يمرضون و يساقون ايضا الى العمل رغم المرض و كثيرا منهم سقط فى مكانه من المرض و اذا مات فأنه يروى فى التراب ، ثم يطلب غيره فقد كانوا يموتون من المرض و الجوع و العطش و انتشرت الاوبئة التى بدأت بضربة الشمس و التيفود و الكوليرا ثم وباء الطعون و تساقط ابناء مصر موتى بالآلاف .
و كان العامل يعيش على قطعة الجبن القديم و المش و العسل و البصل لمدة تتراوح بين الشهر و اكثر و بجانب مشكلة الغذاء كانت هناك مشكلة المياه التى تعد من اهم المشاكل التى عانى منها العمال فى قناة السويس و بسبب المياه الملوثة مات اغلب العمال بالدوسناريا الحادة .
اما اكبر مأساة تعرض لها العمال خلال عمليات الحفر ظهور مادة طينية سائلة كانت تحتوى على فوسفور حارق مما ادى الى اصابة الآلاف باللأمراض الغامضة و التى ادت الى وفاتهم على الفور . و فى 18 نوفمبر عام 1862 تم تدفق مياه البحر المتوسط الى بحيرة التمساح و فى 18 مارس عام 1869 تم وصل البحر الابيض بالبحيرات المرة , و فى 15 اغسطس 1869 تم وصل البحر الاحمر بالبحيرات المرة .
و انتهت اعمال حفر القناة فى 18 اغسطس 1869 حين تدفقت مياح البحر الاحمر فى البحيرات المرة لتلتقى بمياه البحر الابيض المتوسط بعد ان تم استخراج 74 مليون متر مكعب من الرمال ناتج حفر القناة .
و قد اودت اعمال الحفر بحياة اكثر من 20 الف عامل مصرى , و بلغ عدد الذين شاركوا فى عمليات شق القناة خلال العشر سنوات ما يزيد على مليون و نصف مصرى من جميع اقاليم مصر .
• حفل افتتاح قناة السويس :
بعد الانتهاء من اعمال الحفر , بدأ الخديوى اسماعيل يستعد لحفل افتتاح قناة السويس و كانت هذه الاحتفالات اشبه بليالى الف ليلة و ليلة . فقد سافر الخديوى اسماعيل الى اوروبا لدعوة ضيوف حفل الافتتاح و تولى بنفسه و بأيم مصر توجيه الدعوة لهم .
و كانت صيغة الدعوة التى وجهها الخديوى اسماعيل الى ملكة انجلترا الملكة فيكتوريا تقول " انه يسره ان تلبى هى و من ترى دعوتهم من الاسرة المالكة حفل الافتتاح و ستلمسون فى مصر التى هى فى الطريق الى املاككم فى الهند و الشرك و مدى ما احرزته مصر من تقدم مادى و معنوى " .
و ارسلت الدعوات الى 6000 مدعو , و اوجينى امبراطورة فرنسا و هنرى امير هولندا و فرنسوا جوزيف امبراطور النمسا و فردريك ولى عهد روسيا و قرينته ابنة الملكة فيكتوريا و غيرهم , بالاضافة الى عدد كبير من رجال الدولة .
و ارسل الخديوى بعثة خاصة الى جنوه و مارسيليا و ليفربول للتعاقد على 500 طاهى و الف خادم ليقوموا بخدمة ضيوفه . و كان اول الضيوف الذين وصلوا الى مصر تلبية لدعوة الخديوى اسماعيل الامبراطورة اوجينى .
و على ضفاف القناة اقيمت ثلاثة سرادقات مكسوة بالحرير , سرادق على اليمين و يضم رجال و علماء الدين الاسلامى و فى مقدمتهم العلامة الشيخ مصطفى العروسى شيخ الجامع الازهر و الشيخ محمد المهدى العباسى مفتى الديار المصريةفى ذلك الوقت , و سرادق على الياسار يضم رجال الدين المسيحى , و فى الوسط السرادق الذى يضم الملوك و الامراء و حاشيتهم و قبل الليلة التى سبقت الاحتفال اجريت تجربة لمرور البواخر فى قناة السويس و اثناء التجربة وقعت كارثة فقد جنحت السفينة المصرية فى وسط القناة و كادت تسد القناة على بعد 30 كم من الجنوب من بورسعيد . و اسرع الخديو اسماعيل الى مكان جنوح السفينة . و لم تنجح عملية تقويم السفينة فأمر الخديو اسماعيل بنسف السفينة و طبقا لتعليمات الخديو قام العمال بأشعال النيران فى السفينة .
و فى صباح يوم 17 نوفمبر سنة 1869 بدأت الاحتفالات بأفتتاح القناة و تحركت المواكب تتقدمه السفينة " الايجل " و عليها الامبراطورة " اوجينى " زوجة نابليون الثالث و خلف السفينة ايجل , سارت الباخرة النسر ثم المحروسة و كان هذا اليوم بداية الملاحة فى قناة السويس .
و عندما مرت الباخرة الايجل بالسفينة الجانحة تصورت الامبراطورة اوجينى ان الخديو اسماعيل قام بأشعال النيران فيها تحية لها و اعجبت الامبراطورة بهذه الفكرة الجميلة و مكثت اوجينى فى ضيافة اسماعيل فترة من الوقت و قد بنى لها اسماعيل استراحة على بحيرة التمساح .
و فى المساء اضيئت الانوار و الزينات و اعد الخديو اسماعيل لضيوفه و ليمة عشاء فى قصره بمدينة الاسماعيلية و ضم هذا العشاء آلاف المدعوين فى مقدمتهم الامبراطورة اوجينى و عدد كبير من ضيوف الخديو .
و يقول المؤرخين ان نفقات الاسابيع الستة التى انفقت ما بين وصول الامبراطورة اوجينى الى القاهرة و اليوم الثلاثين من نوفمبر قد تراوحت ما بين 1.3 مليون و اربعة ملايين من الذهب .