وعد بلفور
مرسل: السبت يناير 08, 2011 4:10 pm
فيما ينشغل العالم بمتابعة يوميات الحرب الاميركية على الارهاب في افغانستان، يغتنم القادة الاسرائيليون هذا الانشغال ليمعنوا في طمس القضية الفلسطينية من خلال ارهابهم اليومي المنظم، الذي يمارسونه في حق الشعب الفلسطيني. ولان ما يجري في العالم هو نتيجة لطمس حقوق الشعوب، تنبغي العودة الى جوهر الصراع، ولا سيما في منطقة الشرق الاوسط في ظل تعنت الكيان الاسرائيلي ورفضه الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والعيش في هذه الدولة.
ففي خضم الاحداث المتلاحقة دولياً، مع ما يحكى عن اعادة تحريك المفاوضات بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية، يبرز التناقض في مواقف المسؤولين الاسرائيليين: فرئيس الوزراء ارييل شارون يقول ان فكرة المفاوضات على اقامة دولة فلسطينية ليست واقعية، رافضاً عودة فلسطينيي الشتات، فيما يعلن وزير خارجيته شمعون بيريس انه يؤيد اقامة دولة فلسطينية، ولكن منزوعة السلاح ومن دون جيش، لضمان التعايش السلمي بين الفلسطينيين والاسرائيليين! وتأتي قضية اللاجئين الفلسطينيين محطة اهتمام مركزية وقد اصبحت مأساة انسانية، مع ما لها من تأثير ديموغرافي عبر المناطق الجغرافية، التي تمس القضية والتي نزح اليها شعب فلسطين منذ بداية القرن العشرين المنصرم في عملية تهجير وافراغ متعمد لارض عربية.
وكان للاحداث التي تمس اللاجئين العديد من الابعاد والحسابات السياسية، بالاضافة الى المؤامرات التي حيكت بأسوأ النيات المرتبة من الصهاينة، ومن يدعمهم في الدول الغربية وغيرها من الدول في المنطقة.
ونظرا الى ما لهذه الوصمة البشعة على البلاد العربية من اثر سلبي، وبالاخص في هذه الاثناء التي يتم فيها تناول موضوع انشاء الدولة الفلسطينية وقضية اللاجئين للمرة الاولى في شكل مباشر، تبدو مسيرة ما يقرب من مئة عام من الاحداث التي دلت على رغبات اكيدة في افراغ تلك القضية من مضمونها، من خلال عمليات التوطين في الدول المجاورة للكيان الصهيوني، فكانت العراق ودول الخليج، بالاضافة الى الاردن وسوريا ولبنان، مطمعاً للصهاينة لتوطين اللاجئين فيها ليطوى، بالتالي، هذا الملف نهائياً.
وعد بلفور وخلفياته
في تشرين الثاني من عام 1917 صدر وعد بلفور، وهو الوعد الذي تعهدت الحكومة البريطانية من خلاله أمرين اثنين:
1- بذل افضل المساعي والجهود من اجل اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
2- عدم السماح بأي اجرء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين نتيجة انشاء الكيان الجديد.
غير انه سرعان ما بدت استحالة التوفيق بين هذين الامرين: انشاء دولة للكيان الصهيوني على الارض الفلسطينية، والوصول الى اهداف هذه الدولة وغاياتها، بما تتضمنه من استيطان وتهويد، والمحافظة في الوقت عينه على الحقوق المدنية والدينية للعرب الفلسطينيين المقيمين على ارضهم، كما نص الوعد المذكور.
ومع تسارع الاحداث، وصولاً الى حرب عام 1948 وما ترتب على هذه الحرب من نتائج خطيرة، برزت قضية اللاجئين الفلسطينيين كإحدى اهم نتائج اعلان الكيان الصهيوني قيام دولته. واعتبرت هذه القضية، مع مرور الزمن، بأبعادها السياسية والانسانية واحدة من اهم مفاصل النزاع العربي مع الكيان الصهيوني، نتيجة الاضرار البالغة التي نجمت منها، سواء على الانسان او الارض الفلسطينيين، وعلى امتداد حقبة زمنية طويلة تقارب نصف قرن.
فاللاجئون، الذين كانوا بضع مئات من الالوف عام ،1948 اصبح عددهم اليوم اكثر من اربعة ملايين، مشتتين في مختلف اصقاع الارض، تجمع بعضهم في مخيمات، وتأقلم بعضهم الآخر في المجتمعات التي عاشوا فيها. ورغم ادعاءات السياسيين والمؤرخين الصهاينة بأن مسؤولية تشريد الفلسطينيين في حرب 1948 تقع على عاتق الدول العربية، لأن اللاجئين تركوا وطنهم بناء على طلب من هذه الدول، الا ان القادة الصهاينة حاولوا البحث دائماً عن مخرج لهذه الازمة من دون الاعتراف بذنب تشريد شعب من ارضه، اضافة الى التأكيد على عدم السماح بعودة هذا الشعب الى موطنه الذي اخرج منه.
وتوافق الموقف الغربي من ايجاد حل لهذه المشكلة مع الموقف الاسرائيلي وسرعان ما بدأت تظهر على الساحة السياسية سيناريوهات ومشاريع هادفة الى ايجاد حل لهذه المشكلة بما يتفق مع الموقف الصهيوني الثابت، وهو عدم عودة اللاجئين.
ومما كتبه الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون الى غولدا مائير، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني، في تموز 1970 في هذا الموضوع: "ان بلادي لن تضغط لحمل اسرائيل على قبول حل لمشكلة اللاجئين". ومنذ ذلك التاريخ وقبله والادارات الاميركية المتعاقبة، ومعها الدول الغربية، تتجاهل حق العودة الذي اقرته الامم المتحدة في قرارها الرقم 194 في عام 1947 والذي كان اعتراف اسرائيل به شرطاً عالمياً كأساس للسماح للكيان الصهيوني بالانضمام الى الامم المتحدة.
كما تبين ميل الدول العربية او خارجها، اذا اقتضت الضرورة في شكل يتناقض مع القرار .194 وتجدر الاشارة هنا الى ان عدداً من هذه المشاريع والافكار المتعلقة بهذه القضية تم بحثها وتداولها حتى قبل قيام دولة الكيان الصهيوني ونشوء مشكلة اللاجئين اصلاً. فقد ادرك المشروع الصهيوني في وقت مبكر من تعامله مع القضية الفلسطينية، اهمية تجزئة القضية والشعب الفلسطيني وتفتيتهما من اجل الوصول الى اهدافه وغاياته في الاستيطان والتهويد. وتضمنت هذه المشاريع مبادئ اساسية مثل: توطين الفلسطينيين في اماكن يفضل ان تكون بعيدة عن موطنهم الاصلي، تقديم قروض لتعويضهم، وايجاد فرص عمل امامهم، ودمجهم في البنية الاجتماعية والاقتصادية للدول المضيفة. وتم التخطيط لذلك كله في اطار عملية "الترانسفير" او الترحيل. وكانت الدول المجاورة (سوريا، الاردن، لبنان، والعراق) هي التي تم طرحها في مشاريع اعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين. ونبدأ بالملف العراقي الذي بذل الكيان الصهيوني وحلفاؤه الجهود تلو الاخرى لتطبيق هذا المشروع هناك.
العراق كوطن بديل
من جملة المشاريع التي طرحت لاستيعاب اللاجئين، مشروع توطين الفلسطينيين المهجرين جميعهم او بعضهم في العراق، اذ ما لبثت هذه الفكرة التي تداولها عدد من زعماء الحركة الصهيونية، ان تحولت الى مشروع، ومن ثم الى مطلب يتقدم به الكيان الصهيوني الى قادة الدول الغربية: بريطانيا وفرنسا في مرحلة مبكرة، والولايات المتحدة لاحقاً، بهدف تلقي المساعدات والدعم من هذه الدول لتنفيذ الترحيل.
ومن الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع، المذكرة التي بعث بها بن غوريون، وزير الكيان الصهيوني، الى اجتماع لجنة الاعمال الصهيونية المنعقدة في بريطانيا بتاريخ 17/12/1937 والتي ناشد خلالها البريطانيين، الذين كانوا يستعمرون العراق، المساعدة على ترحيل الفلسطينيين الى هناك.
ومما جاء في المذكرة:
"سنعرض على العراق عشرة ملايين جنيه فلسطيني في مقابل توطين 100 الف عائلة عربية من فلسطين. لا نعلم ما اذا كان العراق سيقبل هذا الاقتراح، لو كانت المسألة تختص بالعراق وحده فقد يصغي الينا، يحتاج العراق الى استيطان عربي اوسع...".
ومن الوثائق السياسية للكيان الصهيوني التي عبّرت عن المشروع، ما ورد في يوميات يوسف فايتس مدير دائرة الاراضي التابعة للصندوق القومي للكيان الصهيوني، واحد زعماء الاستيطان اليهودي الناشطين، اذ ذكر في يومياته في تاريخ 20/12/1940 ما يأتي:
"يجب ان يكون واضحاً لنا تماماً انه لا توجد هناك حلول وسط، ولا توجد طريقة اخرى سوى ترحيل العرب من هنا الى البلدان المجاورة. يجب ترحيلهم جميعاً، يجب ان لا نبقي على اي قرية او قبيلة، يجب ان يكون الترحيل الى العراق وسوريا وشرق الاردن، يجب رصد الاموال لهذا الغرض... ستكون البلاد قادرة على استيعاب الملايين من اخواننا وتحل بذلك المسألة اليهودية".
تعاظمت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب ،1948 التي نجم عنها تشريد حوالى 940 الف فلسطيني، كما ورد في تقرير الامين العام للامم المتحدة الموجّه الى الدورة الرابعة للجمعية العامة في حزيران ،1949 نتيجة العمليات الارهابية، وقد استمرت عملية اخراج الفلسطينيين مدة عشرين شهراً، ابتداءً من كانون الاول ،1947 نتيجة العمليات الارهابية، وحتى تموز .1949 وكان الاعتقاد السائد لدى المهجّرين ان رحيلهم مؤقت، وانهم سيعودون الي بيوتهم وارضهم خلال اسابيع، خاصة بعد الجهود التي بذلتها الامم المتحدة والهيئات الدولية وضغوطها المتواصلة على الكيان الصهيوني لحمله على السماح بعودة كل اللاجئين او قسم كبير منهم. وتوّجت الجهود الدولية بإصدار القرار 194 عن الامم المتحدة في 11/12/.1948 ويتضمن هذا القرار الحق القانوني للاجئين في العودة. غير ان الكيان الصهيوني اوضح للمجتمع الدولي، وفي شكل قاطع ونهائي، ان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ارضهم لن تتحقق ابداً.
بعد حرب 1948 نشط الكيان الصهيوني، مدعوماً من عدد كبير من الدبلوماسيين الغربيين في الشرق الاوسط، في ابراز البدائل والمشاريع الهادفة الى حل قضية اللاجئين وتوطينهم في الدول العربية وبصورة منتظمة، وتقديم العديد من الخيارات، من ضمنها التوطين في العراق. واوضح رئيس البعثة الدبلوماسية الاميركية في جدة، في تقريره الذي رفعه الى حكومته، رأيه في حل هذه المشكلة، ومما جاء في التقرير:
"... نظراً الى ضرورة استبعاد امكان اعادة اللاجئين الى الكيان الصهيوني، يجب التخطيط لاعادة توطينهم في الدول العربية وبخاصة العراق، وربما في سوريا".
ورأى ديبلوماسيون بريطانيون كبار، ان العراق اولاً، ومن ثم سوريا، هما افضل دولتين عربيتين لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في صورة دائمة ونهائية، اذ قال احد المسؤولين في دائرة شؤون الشرق الأوسط البريطانية في القاهرة: "توجد في العراق وسوريا موارد كافية لتغطية حاجات عدد من السكان يبلغ اضعاف السكان الحاليين في هاتين الدولتين، كما ان سرعة تطوير العراق مرهونة بزيادة عدد سكانه".
غير ان المشاريع والافكار التي قالت باعتبار العراق المكان الامثل لاستقبال اللاجئين وتوطينهم لم تنجح، كما كان يأمل الكيان الصهيوني والديبلوماسيون الغربيون. واقتصر تمركز الاعداد الكبيرة منهم في: الضفة الغربية، الاردن، سوريا، لبنان، لاسباب عدة بينها: قرب هذه المناطق من موطنهم الاصلي، اعتقاد اللاجئين بقرب عودتهم الى موطنهم، اضافة الى الصلات الاجتماعية التي تربط اهالي هذه المناطق بجزء كبير من اللاجئين المشردين، ومبادرات حكومات هذه الدول الهادفة الى التخفيف عن اللاجئين الوافدين اليهم وتقديم المساعدات العاجلة لهم الى ان يتم ايجاد حل لهذه المشكلة وفي شكل عادل.
اما العراق، فلم يصل اليه في البداية سوى عدد قليل من اللاجئين. ففي نهاية شهر تموز 1948 كان يوجد فيه حوالي 200 لاجئ، ومع نهاية شهر تشرين الثاني من العام اياه بلغ عددهم نحو خمسة آلاف. وكان معظم هؤلاء من لاجئي منطقة الكرمل، والتي تضم قرى: جبا، عين غزال، اجزم، وهي مناطق كانت تحت سيطرة الجيش العراقي قبل احتلالها من قوات الكيان الصهيوني خلال مرحلة الهدنة.
ففي خضم الاحداث المتلاحقة دولياً، مع ما يحكى عن اعادة تحريك المفاوضات بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية، يبرز التناقض في مواقف المسؤولين الاسرائيليين: فرئيس الوزراء ارييل شارون يقول ان فكرة المفاوضات على اقامة دولة فلسطينية ليست واقعية، رافضاً عودة فلسطينيي الشتات، فيما يعلن وزير خارجيته شمعون بيريس انه يؤيد اقامة دولة فلسطينية، ولكن منزوعة السلاح ومن دون جيش، لضمان التعايش السلمي بين الفلسطينيين والاسرائيليين! وتأتي قضية اللاجئين الفلسطينيين محطة اهتمام مركزية وقد اصبحت مأساة انسانية، مع ما لها من تأثير ديموغرافي عبر المناطق الجغرافية، التي تمس القضية والتي نزح اليها شعب فلسطين منذ بداية القرن العشرين المنصرم في عملية تهجير وافراغ متعمد لارض عربية.
وكان للاحداث التي تمس اللاجئين العديد من الابعاد والحسابات السياسية، بالاضافة الى المؤامرات التي حيكت بأسوأ النيات المرتبة من الصهاينة، ومن يدعمهم في الدول الغربية وغيرها من الدول في المنطقة.
ونظرا الى ما لهذه الوصمة البشعة على البلاد العربية من اثر سلبي، وبالاخص في هذه الاثناء التي يتم فيها تناول موضوع انشاء الدولة الفلسطينية وقضية اللاجئين للمرة الاولى في شكل مباشر، تبدو مسيرة ما يقرب من مئة عام من الاحداث التي دلت على رغبات اكيدة في افراغ تلك القضية من مضمونها، من خلال عمليات التوطين في الدول المجاورة للكيان الصهيوني، فكانت العراق ودول الخليج، بالاضافة الى الاردن وسوريا ولبنان، مطمعاً للصهاينة لتوطين اللاجئين فيها ليطوى، بالتالي، هذا الملف نهائياً.
وعد بلفور وخلفياته
في تشرين الثاني من عام 1917 صدر وعد بلفور، وهو الوعد الذي تعهدت الحكومة البريطانية من خلاله أمرين اثنين:
1- بذل افضل المساعي والجهود من اجل اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
2- عدم السماح بأي اجرء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين نتيجة انشاء الكيان الجديد.
غير انه سرعان ما بدت استحالة التوفيق بين هذين الامرين: انشاء دولة للكيان الصهيوني على الارض الفلسطينية، والوصول الى اهداف هذه الدولة وغاياتها، بما تتضمنه من استيطان وتهويد، والمحافظة في الوقت عينه على الحقوق المدنية والدينية للعرب الفلسطينيين المقيمين على ارضهم، كما نص الوعد المذكور.
ومع تسارع الاحداث، وصولاً الى حرب عام 1948 وما ترتب على هذه الحرب من نتائج خطيرة، برزت قضية اللاجئين الفلسطينيين كإحدى اهم نتائج اعلان الكيان الصهيوني قيام دولته. واعتبرت هذه القضية، مع مرور الزمن، بأبعادها السياسية والانسانية واحدة من اهم مفاصل النزاع العربي مع الكيان الصهيوني، نتيجة الاضرار البالغة التي نجمت منها، سواء على الانسان او الارض الفلسطينيين، وعلى امتداد حقبة زمنية طويلة تقارب نصف قرن.
فاللاجئون، الذين كانوا بضع مئات من الالوف عام ،1948 اصبح عددهم اليوم اكثر من اربعة ملايين، مشتتين في مختلف اصقاع الارض، تجمع بعضهم في مخيمات، وتأقلم بعضهم الآخر في المجتمعات التي عاشوا فيها. ورغم ادعاءات السياسيين والمؤرخين الصهاينة بأن مسؤولية تشريد الفلسطينيين في حرب 1948 تقع على عاتق الدول العربية، لأن اللاجئين تركوا وطنهم بناء على طلب من هذه الدول، الا ان القادة الصهاينة حاولوا البحث دائماً عن مخرج لهذه الازمة من دون الاعتراف بذنب تشريد شعب من ارضه، اضافة الى التأكيد على عدم السماح بعودة هذا الشعب الى موطنه الذي اخرج منه.
وتوافق الموقف الغربي من ايجاد حل لهذه المشكلة مع الموقف الاسرائيلي وسرعان ما بدأت تظهر على الساحة السياسية سيناريوهات ومشاريع هادفة الى ايجاد حل لهذه المشكلة بما يتفق مع الموقف الصهيوني الثابت، وهو عدم عودة اللاجئين.
ومما كتبه الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون الى غولدا مائير، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني، في تموز 1970 في هذا الموضوع: "ان بلادي لن تضغط لحمل اسرائيل على قبول حل لمشكلة اللاجئين". ومنذ ذلك التاريخ وقبله والادارات الاميركية المتعاقبة، ومعها الدول الغربية، تتجاهل حق العودة الذي اقرته الامم المتحدة في قرارها الرقم 194 في عام 1947 والذي كان اعتراف اسرائيل به شرطاً عالمياً كأساس للسماح للكيان الصهيوني بالانضمام الى الامم المتحدة.
كما تبين ميل الدول العربية او خارجها، اذا اقتضت الضرورة في شكل يتناقض مع القرار .194 وتجدر الاشارة هنا الى ان عدداً من هذه المشاريع والافكار المتعلقة بهذه القضية تم بحثها وتداولها حتى قبل قيام دولة الكيان الصهيوني ونشوء مشكلة اللاجئين اصلاً. فقد ادرك المشروع الصهيوني في وقت مبكر من تعامله مع القضية الفلسطينية، اهمية تجزئة القضية والشعب الفلسطيني وتفتيتهما من اجل الوصول الى اهدافه وغاياته في الاستيطان والتهويد. وتضمنت هذه المشاريع مبادئ اساسية مثل: توطين الفلسطينيين في اماكن يفضل ان تكون بعيدة عن موطنهم الاصلي، تقديم قروض لتعويضهم، وايجاد فرص عمل امامهم، ودمجهم في البنية الاجتماعية والاقتصادية للدول المضيفة. وتم التخطيط لذلك كله في اطار عملية "الترانسفير" او الترحيل. وكانت الدول المجاورة (سوريا، الاردن، لبنان، والعراق) هي التي تم طرحها في مشاريع اعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين. ونبدأ بالملف العراقي الذي بذل الكيان الصهيوني وحلفاؤه الجهود تلو الاخرى لتطبيق هذا المشروع هناك.
العراق كوطن بديل
من جملة المشاريع التي طرحت لاستيعاب اللاجئين، مشروع توطين الفلسطينيين المهجرين جميعهم او بعضهم في العراق، اذ ما لبثت هذه الفكرة التي تداولها عدد من زعماء الحركة الصهيونية، ان تحولت الى مشروع، ومن ثم الى مطلب يتقدم به الكيان الصهيوني الى قادة الدول الغربية: بريطانيا وفرنسا في مرحلة مبكرة، والولايات المتحدة لاحقاً، بهدف تلقي المساعدات والدعم من هذه الدول لتنفيذ الترحيل.
ومن الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع، المذكرة التي بعث بها بن غوريون، وزير الكيان الصهيوني، الى اجتماع لجنة الاعمال الصهيونية المنعقدة في بريطانيا بتاريخ 17/12/1937 والتي ناشد خلالها البريطانيين، الذين كانوا يستعمرون العراق، المساعدة على ترحيل الفلسطينيين الى هناك.
ومما جاء في المذكرة:
"سنعرض على العراق عشرة ملايين جنيه فلسطيني في مقابل توطين 100 الف عائلة عربية من فلسطين. لا نعلم ما اذا كان العراق سيقبل هذا الاقتراح، لو كانت المسألة تختص بالعراق وحده فقد يصغي الينا، يحتاج العراق الى استيطان عربي اوسع...".
ومن الوثائق السياسية للكيان الصهيوني التي عبّرت عن المشروع، ما ورد في يوميات يوسف فايتس مدير دائرة الاراضي التابعة للصندوق القومي للكيان الصهيوني، واحد زعماء الاستيطان اليهودي الناشطين، اذ ذكر في يومياته في تاريخ 20/12/1940 ما يأتي:
"يجب ان يكون واضحاً لنا تماماً انه لا توجد هناك حلول وسط، ولا توجد طريقة اخرى سوى ترحيل العرب من هنا الى البلدان المجاورة. يجب ترحيلهم جميعاً، يجب ان لا نبقي على اي قرية او قبيلة، يجب ان يكون الترحيل الى العراق وسوريا وشرق الاردن، يجب رصد الاموال لهذا الغرض... ستكون البلاد قادرة على استيعاب الملايين من اخواننا وتحل بذلك المسألة اليهودية".
تعاظمت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب ،1948 التي نجم عنها تشريد حوالى 940 الف فلسطيني، كما ورد في تقرير الامين العام للامم المتحدة الموجّه الى الدورة الرابعة للجمعية العامة في حزيران ،1949 نتيجة العمليات الارهابية، وقد استمرت عملية اخراج الفلسطينيين مدة عشرين شهراً، ابتداءً من كانون الاول ،1947 نتيجة العمليات الارهابية، وحتى تموز .1949 وكان الاعتقاد السائد لدى المهجّرين ان رحيلهم مؤقت، وانهم سيعودون الي بيوتهم وارضهم خلال اسابيع، خاصة بعد الجهود التي بذلتها الامم المتحدة والهيئات الدولية وضغوطها المتواصلة على الكيان الصهيوني لحمله على السماح بعودة كل اللاجئين او قسم كبير منهم. وتوّجت الجهود الدولية بإصدار القرار 194 عن الامم المتحدة في 11/12/.1948 ويتضمن هذا القرار الحق القانوني للاجئين في العودة. غير ان الكيان الصهيوني اوضح للمجتمع الدولي، وفي شكل قاطع ونهائي، ان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ارضهم لن تتحقق ابداً.
بعد حرب 1948 نشط الكيان الصهيوني، مدعوماً من عدد كبير من الدبلوماسيين الغربيين في الشرق الاوسط، في ابراز البدائل والمشاريع الهادفة الى حل قضية اللاجئين وتوطينهم في الدول العربية وبصورة منتظمة، وتقديم العديد من الخيارات، من ضمنها التوطين في العراق. واوضح رئيس البعثة الدبلوماسية الاميركية في جدة، في تقريره الذي رفعه الى حكومته، رأيه في حل هذه المشكلة، ومما جاء في التقرير:
"... نظراً الى ضرورة استبعاد امكان اعادة اللاجئين الى الكيان الصهيوني، يجب التخطيط لاعادة توطينهم في الدول العربية وبخاصة العراق، وربما في سوريا".
ورأى ديبلوماسيون بريطانيون كبار، ان العراق اولاً، ومن ثم سوريا، هما افضل دولتين عربيتين لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في صورة دائمة ونهائية، اذ قال احد المسؤولين في دائرة شؤون الشرق الأوسط البريطانية في القاهرة: "توجد في العراق وسوريا موارد كافية لتغطية حاجات عدد من السكان يبلغ اضعاف السكان الحاليين في هاتين الدولتين، كما ان سرعة تطوير العراق مرهونة بزيادة عدد سكانه".
غير ان المشاريع والافكار التي قالت باعتبار العراق المكان الامثل لاستقبال اللاجئين وتوطينهم لم تنجح، كما كان يأمل الكيان الصهيوني والديبلوماسيون الغربيون. واقتصر تمركز الاعداد الكبيرة منهم في: الضفة الغربية، الاردن، سوريا، لبنان، لاسباب عدة بينها: قرب هذه المناطق من موطنهم الاصلي، اعتقاد اللاجئين بقرب عودتهم الى موطنهم، اضافة الى الصلات الاجتماعية التي تربط اهالي هذه المناطق بجزء كبير من اللاجئين المشردين، ومبادرات حكومات هذه الدول الهادفة الى التخفيف عن اللاجئين الوافدين اليهم وتقديم المساعدات العاجلة لهم الى ان يتم ايجاد حل لهذه المشكلة وفي شكل عادل.
اما العراق، فلم يصل اليه في البداية سوى عدد قليل من اللاجئين. ففي نهاية شهر تموز 1948 كان يوجد فيه حوالي 200 لاجئ، ومع نهاية شهر تشرين الثاني من العام اياه بلغ عددهم نحو خمسة آلاف. وكان معظم هؤلاء من لاجئي منطقة الكرمل، والتي تضم قرى: جبا، عين غزال، اجزم، وهي مناطق كانت تحت سيطرة الجيش العراقي قبل احتلالها من قوات الكيان الصهيوني خلال مرحلة الهدنة.