صفحة 1 من 1

دور التدخلات الخارجية في أزمة جنوب السودان

مرسل: الأحد يناير 09, 2011 7:35 am
بواسطة فهد مهدي القحطاني-

دور التدخلات الخارجية في أزمة جنوب السودان
د. حمدي عبدالرحمن *


يمكن القول إن حالة جنوب السودان وما تطرحه من تدخلات دولية وخارجية واضحة تمثل صورة مصغرة للمشهد الإفريقي العام في عصر الهيمنة الأمريكية، بيد أنها تضيف مع ذلك ملامح ودلالات أخري، نظرا لارتباطها المباشر بمنظومة الأمن القومي العربي والإسلامي، وبحسبانها نقطة التقاء وتمازج بين عوالم حضارية متعددة: العروبة والإفريقانية والإسلام. إن إنسان السودان -كما يقول حسن مكي -هو 'اختزال الإنسان إفريقيا، حيث أصبح السودان مستودعا للأجناس الإفريقية ولغاتها وعاداتها وأديانها وتقاليدها، وانعكس ذلك علي الشخصية السودانية التي هي جماع الشخصية الإفريقية العربية، وأصبح السودان بذلك أرض السماحة الاجتماعية والتعايش السياسي والديني ..'.

لقد اتسمت معظم سنوات ما بعد الاستقلال في السودان بعدم الاستقرار السياسي وانتشار الحروب الأهلية. ولم تتوقف الأعمال العدائية إلا في الفترة من 1972-1983، وذلك نتيجة توقيع اتفاقية أديس أبابا بين الحكومة السودانية وحركات التمرد الجنوبية. وخلال فترة الصراع الأولي 1955-1972، طالبت حركة التمرد الرئيسية، أنيانيا، والتي تعني سم الثعبان، بالحكم الذاتي للجنوب، ومعارضة سياسات الأسلمة والتعريب التي انتهجتها الحكومات السودانية المتعاقبة بعد الاستقلال.

ويلاحظ أن الدعوة لتحرير جنوب السودان قد اتخذت أبعادا سياسية وعسكرية مهمة في مواجهة السياسات الحكومية، وهو ما أفضي إلي تأسيس أحزاب وحركات سياسية جنوبية متعددة مثل الاتحاد الوطني الإفريقي السوداني (سانو)، وجبهة تحرير أزانيا (ألف)، وهي فصيل منشق عن حزب سانو، وحزب الوحدة السوداني، ورابطة السودان الجنوبي التي تأسست في لندن بتمويل من بعض رجال الأعمال البريطانيين، وأخيرا حركة تحرير جنوب السودان، وهي الجناح العسكري لحركة أنيانيا.

واندلعت أحداث المرحلة الثانية من الصراع في جنوب السودان عام 1983 بعد قيام الرئيس جعفر النميري بإعلان تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية علي عموم السودان. أفضي ذلك إلي تنامي مشاعر الوطنية المعادية في أنحاء الجنوب ومناطق جبال النوبة، الأمر الذي قاد إلي تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة الراحل جون جارانج. ولا يخفي أن الصراع في هذه المرحلة كان أشد قسوة، حيث خلف وراءه ملايين القتلي والنازحين والمشردين. وقد ظل هدف تحرير الجنوب من هيمنة الشمال هدفا قائما في المرحلة الثانية من عمر الحرب الأهلية في جنوب السودان.

وقد دأبت أطراف الصراع الأساسية في جنوب السودان علي كسب دعم وتأييد الأطراف والقوي الخارجية بغية تحقيق مصالحها وأهدافها النهائية. وعليه، فإننا نحاول في هذا المقال توضيح وبلورة العمليات والسياسات التي أفضت إلي تدويل الحرب الأهلية في الجنوب من خلال إبراز الأدوار والسياسات الخارجية الفاعلة في مسار الصراع ومآلاته.