- الأحد يناير 09, 2011 12:20 pm
#32319
جنوب السودان مقبل على الانفصال عن شماله، وإعلان دولته المستقلة مع بداية العام 2011م، لم تعد هذه المقولة من قبيل التنبؤات، فالواقع الذي عاشه الجنوب ويعيشه حتى الآن يثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن العالم كله
يجب أن يستعد منذ الآن لاستقبال نبأ استقلال جنوب السودان وإعلان دولته نهاية يوم التاسع من يناير/كانون ثان المقبل"موعد إجراء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، وفق مقررات اتفاق نيفاشا للسلام الموقع 9 يناير/كانون ثانٍ 2005 م".
أما لماذا نجزم بأن انفصال الجنوب قادم لا محالة، وتحميه اتفاقية يضمنها العالم كله وليس حكومة السودان فحسب، يستلزم أن نعي ما يلي:
أولًا: تجارب التاريخ أثبتت أن ما من شعب يتعرض للظلم والتهميش والإبعاد عن المشاركة في الحكم، وفي الحصول على قدر ولو بسيطًا من التنمية لسنوات طويلة، ولديه ثروات طبيعية "الجنوب لديه أغلب حقول النفط، 12 معدنًا أبرزها الذهب، غابات التك والماهوجني، مياه النيل والمستنقعات، ثروة حيوانية "يقبل بأن يظل خاضعًا لنظام حكم ديكتاتوري إنْ هو خُيِّر بين الاستمرار في الخضوع أو في الاستقلال وتكوين دولته الخاصة به"مثل شعب البوسنة والهرسك، الجبل الأسود، إقليم أتشيه في إندونيسيا".
ثانيًا: ظل الجنوب يحاول توفيق أوضاعه بالتفاوض مع الحكومة السودانية عشرات السنين دون إحراز أي تقدم.
ثالثًا: كان الدكتور جون جارانج، الرئيس الراحل للحركة الشعبية لتحرير السودان عاملًا مهمًا لاستمرار الوحدة التي كان يدعمها رغم توقيعه اتفاق نيفاشا، وبوفاته فقدت عناصر الوحدة ركيزتها.
رابعًا: تدخلات دول أجنبية لدعم استقلال الجنوب غير أن هذه التدخلات ما كانت لتستطيع تحقيق نتائج ملموسة لولا وجدت التربة الخصبة الملائمة للتدخل، ومنها أن الحكومات السودانية المتعاقبة رفعت راية الجهاد الاسلامي ضد الجنوبيين، مما دفع العالم إلى الاعتقاد بأن النزاع ديني عرقي، وأن الدول العربية آثرت عدم التدخل إرضاء لشمال السودان واتقاء لشبهات التدخل، فوجدت دول مثل النرويج وأمريكا والسويد وبريطانيا وإسرائيل أن الظرف مواتٍ للسيطرة على ثروات غير مستغلة وتهديد دول الجوار.
الدعوة للانفصال
ولننظر إلى الكيفية التي سارت عليها الدعوة لحق تقرير مصير الجنوب علوًا أو انخفاضًا مع ظهور الحركات المسلحة والحرب الأهلية في الجنوب منذ استقلال السودان عن مصر في أول يناير/كانون ثان، 1956م، لنصل إلى قناعة بأن الجنوبيين سئموا نفور الشماليين منهم وتعاملهم معهم بازدراء ونكوصهم عن كل اتفاق معهم .
وكان إغفال الشماليين لإشراك الجنوبيين عقب الاستقلال في عملية سودنة الوظائف التي نقلت الإدارة المدنية من الإدارة المصرية البريطانية المشتركة إلى السودانيين، ولم يحصل الجنوب إلا على 7 وظائف من إجمالي 800 ، وبدأت أولى بذور تمرد الجنوب، بتمرد الفرقة الاستوائية التابعة للقوات المسلحة السودانية يوم 18 أغسطس/آب عام 1955، وتولدت بعد ذلك مشكلة عدم ثقة إثر تراجع السياسيين الشماليين عن تلبية الوعد الذي قطعوه على أنفسهم ، حيث وعدوا الجنوبيين ـ قبل الاستفتاء على استقلال السودان ـ بمنح الجنوب حكمًا فيدراليًا، كما حصل الجنوبيون على ثلاث حقائب وزارية فقط في عهد أول حكومة بعد الاستقلال، رأسها إسماعيل الأزهري، لذلك ظهر الحديث في الجنوب عن إقامة دولة مستقلة، أو حكم ذاتي ضمن دولة فيدرالية، وعلى خلفيته ظهرت في عام 1963، منظمة " الأنيانيا 1".
وكان أن عقدت حكومة ثورة 1964 م، برئاسة سر الختم الخليفة، مؤتمر المائدة المستديرة في مارس/آذار، عام 1965 م، لإيجاد حل لمشكلة الجنوب حضرها 28 ممثلًا للأحزاب الشمالية، و27 ممثلًا للجنوب، ومراقبون من مصر، الجزائر، نيجيريا، كينيا، وغانا، وكانت أهم قراراتها ، إشراك الجنوبيين في الحكم وتنمية مناطقهم، ولم يحدث شيء.
مع مجيء ثورة جعفر نميري في 25 مايو/آيار، عام 1969 م، توصل نظام حكم نميري مع الجنوبيين إلى اتفاقية أديس أبابا في 27 فبراير/شباط، عام 1972 م، وتقضي بالحكم الذاتي للجنوب "مديريات بحر الغزال والاستوائية وأعالي النيل" في إطار جمهورية السودان الديمقراطية، وتعرف باسم المنطقة الجنوبية وعاصمتها مدينة جوبا، ونعم السودان بفترة سلام لأكثر من عشر سنين، غير أن نميري خرق الاتفاقية بإعادة تقسيم جنوب السودان إلى ثلاثة أقاليم جديدة، وفرض قوانين الشريعة الإسلامية، فعادت الحرب الأهلية من جديد بظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون جارانج، الذي رفض طرح نميري بتعيينه نائبًا للرئيس، ومنحه صلاحيات واسعة لإدارة الجنوب وترشيح ستة وزراء جنوبيين للحكومة المركزية على أن يوقف تمرده.
في 24 مارس/آذار، 1986 م، خلال حكومة الصادق المهدي وقّع التجمع الوطني بيان " كوكادام ، ثم سعى الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني لتوقيع اتفاق سلام مع الحركة الشعبية، فالْتقى زعيمه، محمد عثمان الميرغني، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان العقيد جون جارانج في أديس أبابا، ووقعا يوم 16 نوفمبر/تشرين ثان، من عام 1988، مبادرة السلام السودانية، لكن سرعان ما وقع انقلاب الإنقاذ الوطني يوم 30 يونيه/حزيران، عام 1989 م، برئاسة الفريق عمر البشير، ولم تنفذ المبادرة.
ولاحقًا دخلت الإنقاذ - التي قبلت مبادرة الإيجاد التي تنص على حق تقرير مصير الجنوب، ووقعت بروتوكول "مشاكوس" الذي ينص أيضًا على هذا الحق - في اتصالات ولقاءات ومفاوضات منذ 2 يوليو/تموز، 1989، حتى تم توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام برعاية الإيجاد وشركاء الإيجاد، وعلى رأسهم أمريكا، والذي يتضمن قسمة السلطة والثروة وتقرير مصير جنوب السودان بعد فترة انتقالية مدتها 6 سنوات.
يجب أن يستعد منذ الآن لاستقبال نبأ استقلال جنوب السودان وإعلان دولته نهاية يوم التاسع من يناير/كانون ثان المقبل"موعد إجراء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، وفق مقررات اتفاق نيفاشا للسلام الموقع 9 يناير/كانون ثانٍ 2005 م".
أما لماذا نجزم بأن انفصال الجنوب قادم لا محالة، وتحميه اتفاقية يضمنها العالم كله وليس حكومة السودان فحسب، يستلزم أن نعي ما يلي:
أولًا: تجارب التاريخ أثبتت أن ما من شعب يتعرض للظلم والتهميش والإبعاد عن المشاركة في الحكم، وفي الحصول على قدر ولو بسيطًا من التنمية لسنوات طويلة، ولديه ثروات طبيعية "الجنوب لديه أغلب حقول النفط، 12 معدنًا أبرزها الذهب، غابات التك والماهوجني، مياه النيل والمستنقعات، ثروة حيوانية "يقبل بأن يظل خاضعًا لنظام حكم ديكتاتوري إنْ هو خُيِّر بين الاستمرار في الخضوع أو في الاستقلال وتكوين دولته الخاصة به"مثل شعب البوسنة والهرسك، الجبل الأسود، إقليم أتشيه في إندونيسيا".
ثانيًا: ظل الجنوب يحاول توفيق أوضاعه بالتفاوض مع الحكومة السودانية عشرات السنين دون إحراز أي تقدم.
ثالثًا: كان الدكتور جون جارانج، الرئيس الراحل للحركة الشعبية لتحرير السودان عاملًا مهمًا لاستمرار الوحدة التي كان يدعمها رغم توقيعه اتفاق نيفاشا، وبوفاته فقدت عناصر الوحدة ركيزتها.
رابعًا: تدخلات دول أجنبية لدعم استقلال الجنوب غير أن هذه التدخلات ما كانت لتستطيع تحقيق نتائج ملموسة لولا وجدت التربة الخصبة الملائمة للتدخل، ومنها أن الحكومات السودانية المتعاقبة رفعت راية الجهاد الاسلامي ضد الجنوبيين، مما دفع العالم إلى الاعتقاد بأن النزاع ديني عرقي، وأن الدول العربية آثرت عدم التدخل إرضاء لشمال السودان واتقاء لشبهات التدخل، فوجدت دول مثل النرويج وأمريكا والسويد وبريطانيا وإسرائيل أن الظرف مواتٍ للسيطرة على ثروات غير مستغلة وتهديد دول الجوار.
الدعوة للانفصال
ولننظر إلى الكيفية التي سارت عليها الدعوة لحق تقرير مصير الجنوب علوًا أو انخفاضًا مع ظهور الحركات المسلحة والحرب الأهلية في الجنوب منذ استقلال السودان عن مصر في أول يناير/كانون ثان، 1956م، لنصل إلى قناعة بأن الجنوبيين سئموا نفور الشماليين منهم وتعاملهم معهم بازدراء ونكوصهم عن كل اتفاق معهم .
وكان إغفال الشماليين لإشراك الجنوبيين عقب الاستقلال في عملية سودنة الوظائف التي نقلت الإدارة المدنية من الإدارة المصرية البريطانية المشتركة إلى السودانيين، ولم يحصل الجنوب إلا على 7 وظائف من إجمالي 800 ، وبدأت أولى بذور تمرد الجنوب، بتمرد الفرقة الاستوائية التابعة للقوات المسلحة السودانية يوم 18 أغسطس/آب عام 1955، وتولدت بعد ذلك مشكلة عدم ثقة إثر تراجع السياسيين الشماليين عن تلبية الوعد الذي قطعوه على أنفسهم ، حيث وعدوا الجنوبيين ـ قبل الاستفتاء على استقلال السودان ـ بمنح الجنوب حكمًا فيدراليًا، كما حصل الجنوبيون على ثلاث حقائب وزارية فقط في عهد أول حكومة بعد الاستقلال، رأسها إسماعيل الأزهري، لذلك ظهر الحديث في الجنوب عن إقامة دولة مستقلة، أو حكم ذاتي ضمن دولة فيدرالية، وعلى خلفيته ظهرت في عام 1963، منظمة " الأنيانيا 1".
وكان أن عقدت حكومة ثورة 1964 م، برئاسة سر الختم الخليفة، مؤتمر المائدة المستديرة في مارس/آذار، عام 1965 م، لإيجاد حل لمشكلة الجنوب حضرها 28 ممثلًا للأحزاب الشمالية، و27 ممثلًا للجنوب، ومراقبون من مصر، الجزائر، نيجيريا، كينيا، وغانا، وكانت أهم قراراتها ، إشراك الجنوبيين في الحكم وتنمية مناطقهم، ولم يحدث شيء.
مع مجيء ثورة جعفر نميري في 25 مايو/آيار، عام 1969 م، توصل نظام حكم نميري مع الجنوبيين إلى اتفاقية أديس أبابا في 27 فبراير/شباط، عام 1972 م، وتقضي بالحكم الذاتي للجنوب "مديريات بحر الغزال والاستوائية وأعالي النيل" في إطار جمهورية السودان الديمقراطية، وتعرف باسم المنطقة الجنوبية وعاصمتها مدينة جوبا، ونعم السودان بفترة سلام لأكثر من عشر سنين، غير أن نميري خرق الاتفاقية بإعادة تقسيم جنوب السودان إلى ثلاثة أقاليم جديدة، وفرض قوانين الشريعة الإسلامية، فعادت الحرب الأهلية من جديد بظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون جارانج، الذي رفض طرح نميري بتعيينه نائبًا للرئيس، ومنحه صلاحيات واسعة لإدارة الجنوب وترشيح ستة وزراء جنوبيين للحكومة المركزية على أن يوقف تمرده.
في 24 مارس/آذار، 1986 م، خلال حكومة الصادق المهدي وقّع التجمع الوطني بيان " كوكادام ، ثم سعى الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني لتوقيع اتفاق سلام مع الحركة الشعبية، فالْتقى زعيمه، محمد عثمان الميرغني، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان العقيد جون جارانج في أديس أبابا، ووقعا يوم 16 نوفمبر/تشرين ثان، من عام 1988، مبادرة السلام السودانية، لكن سرعان ما وقع انقلاب الإنقاذ الوطني يوم 30 يونيه/حزيران، عام 1989 م، برئاسة الفريق عمر البشير، ولم تنفذ المبادرة.
ولاحقًا دخلت الإنقاذ - التي قبلت مبادرة الإيجاد التي تنص على حق تقرير مصير الجنوب، ووقعت بروتوكول "مشاكوس" الذي ينص أيضًا على هذا الحق - في اتصالات ولقاءات ومفاوضات منذ 2 يوليو/تموز، 1989، حتى تم توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام برعاية الإيجاد وشركاء الإيجاد، وعلى رأسهم أمريكا، والذي يتضمن قسمة السلطة والثروة وتقرير مصير جنوب السودان بعد فترة انتقالية مدتها 6 سنوات.