صفحة 1 من 1

العوامل الموثرة غلى قوة الدوله

مرسل: الأحد يناير 09, 2011 9:19 pm
بواسطة سليمان الركف 410
أ. العوامل الطبيعية
تتضمن دراسة خصائص بيئات الدولة الطبيعية من حيث الموقع، ومظاهر السطح، والمساحة، والشكل، والمناخ من وجهة نظر الجغرافيا السياسية.
(1) الموقع
يعتبر الموقع الجغرافي أحد العوامل المهمة التي تؤثر في الجغرافيا السياسية للدولة لتأثيره على اتجاهات سكانها والسلوك السياسي لحكومتها. وتحلل الجغرافيا السياسية الموقع وأثره في الدولة من ثلاث اتجاهات هي:
(أ) الموقع الفلكي
ويعني موقع مكانها الدولة بالنسبة لدوائر العرض وخطوط الطول. وهو يعكس مدى ملاءمة الدولة للحياة البشرية والتقدم الحضاري، إذ تتركز الدول المتقدمة في العروض المعتدلة. ولا يعنى هذا أن الحضارات نشأت أول ما نشأت في تلك العروض، ولكنها نشأت في الأقاليم المدارية وشبه المدارية حيث تتوافر السهول الفيضية والمياه، وكانت الصحراء حول هذه السهول الفيضية تعتبر بمثابة الدرع الواقي للحضارة في المناطق السهلية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى المناطق المعتدلة في الشمال عن طريق الاستعمار الوافد من الشمال وهيمنته على تلك الأقاليم الحضارية.
وترتب على ذلك أن رأى هنتنجتون Huntington، أن البيئة الاستوائية محكوم عليها بالتأخر نتيجة لارتفاع درجة الحرارة والرطوبة طول العام، مما لا يشجع الإنسان على بذل مجهود للتقدم، أمّا المناطق المعتدلة فيشجع مناخها على بذل المجهود للتقدم، وبالتالي فالعناصر السوداء، التي تتفق في توزيعها مع النطاق الاستوائي تعيش في الماضي، والأجناس الصفراء تعيش الحاضر، والأجناس البيضاء صاحبة المدنية تعيش في المستقبل.
(ب) الموقع بالنسبة لليابس والماء
ويُقصد به موقع الدولة بالنسبة للقارات، والبحار، والمحيطات، وهو يحدد شخصية الدولة، ويسهم في رسم سياستها وإستراتيجيتها، وتطل معظم دول العالم على بحار أو محيطات، ومنها مالا يطل على أي بحار أو محيطات، وتعرف بالدول الداخلية أو الحبيسة.
ويؤدي الموقع الساحلي للدولة إلى غناها الاقتصادي، واحتكاكها الحضاري، وبالتالي قوتها، وتقدمها، وينعكس هذا على سكانها، الذين يتميزون بما يعرف بالنظرة العالمية ويظهر هذا في سعة أفقهم، وتفتح أذهانهم، وانطلاقهم الحضاري. ويرجع ذلك إلى أن البيئات الساحلية ترتبط دائماً بالعالم الخارجي، وتيارات الحضارة، ومحاور التقدم، إضافة إلى أنها تتطلع دائماً إلى كل جديد ولا تعرف العزلة، في حين أن سكان الدول الداخلية كثيراً ما ينعزلون عن مثل هذه المؤثرات والتيارات. وكل هذه الظروف تؤثر بدورها في الجغرافيا السياسية للدولة، فمثلاً، أدى الموقع البحري دوراً كبيراً في بناء إمبراطورية سياسية واقتصادية كبيرة في بريطانيا. حقاً، قامت الثورة الصناعية في إنجلترا على المواد الخام المحلية ورأس المال الإنجليزي، لكن لا شك أن موقعها البحري ساعدها على السيطرة على مستعمرات تستورد منها المواد الغذائية والمواد الخام، كما أصبحت هذه المستعمرات سوقاً لتصريف المنتجات البريطانية، وأنشأت بريطانيا أسطولاً تجارياً يساعد في ذلك، وأسطولاً حربياً يؤمن الطريق للأسطول التجاري.
ولتوضيح أثر الموقع البحري نُقارن بين السويد والنرويج، إذ أن كليهما متجاوران في شبه جزيرة اسكنديناوه. لكن النرويج تتسم بطبيعتها الجبلية وفقرها في الموارد الزراعية، لكنها ذات ساحل بحري طويل كثير المرافئ والموانئ الطبيعية الصالحة للملاحة، لذلك فهي دولة بحرية من الطراز الأول، ولها أسطول تجاري ضخم، وتزدهر بها حرفة صيد الأسماك. في حين أن السويد المجاورة لها تمتلك أراضي زراعية خصبة مستوية، وساحلها على بحر البلطيق متجمد فترة طويلة من السنة. لذلك فهي لم تتجه صوب البحر.
ويؤثر الموقع البحري والبري كذلك في نوع الدفاع الذي تعتمد عليه الدولة. وبغض النظر عن سلاح الطيران، الذي يوجد بكل من الدول البحرية والقارية، فيُلاحظ أن الدول البحرية تركز اهتمامها بصورة أكبر على بناء الأسطول التجاري والحربي والغواصات، في حين أن الدول القارية تركز على إعداد الجيش البري، ومثال ذلك: دفاع بريطانيا والدفاع الروسي.
(ج) الموقع بالنسبة للدول المجاورة
كلما كانت حدود الدول بعيدة عن بعضها البعض وخاصة في الدول الجزرية، كلما أدى هذا إلى تقليل المنازعات والحروب بينها، حيث تعرقل البحار عمليات الغزو وتعوقها، وأفضل مثال على ذلك بريطانيا التي لم تغزها أي قوة منذ عهد وليم الفاتح. أمّا طول الحدود البرية فيعتبر عامل خطر يُهدد الدولة. ونتيجة لهذا أُنشئت الدول الحاجزة بين القوات المتنازعة، مثال ذلك أفغانستان، التي كانت تفصل بين المصالح الروسية في الشمال والمصالح البريطانية في المحيط الهندي. وإذا كانت الحدود البرية الطويلة تفصل بين دول صديقة، فيعتبر هذا ميزة، كما هو الحال بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية. إذ تنساب المواد الخام الآتية من كندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تسافر السلع المصنوعة، ورأس المال، والخبرة من الثانية إلى الأولى عبر هذه الحدود، ويؤدي هذا التعاون بدوره إلى القوة والتقدم الاقتصادي، ولكن قد يحدث العكس فالدول الكبيرة التي تجاور دولاً صغيرة تحاول أن تستولي عليها، مثال ذلك: ما حدث بين روسيا (الشاسعة المساحة، والكثيرة السكان، والقوية عسكرياً) ودول شرق أوروبا، إذ استولت عليها وأدخلتها في فلكها لأنها صغيرة المساحة، ومتوسطة السكان، وضعيفة عسكرياً إذا ما قورنت باتحاد السوفيت (سابقاً).


(2) المساحة
تتباين دول العالم من حيث المساحة، فمنها ما يشغل مساحة شاسعة مثل الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل، والصين، والهند. ومنها ما يشغل مساحة صغيرة مثل سويسرا، والدانمارك، لبنان. ومنها ما يمثل وحدات سياسية قزمية تشغل مساحة ضئيلة مثل دولة الفاتيكان.
وتتمثل أهمية المساحة في إعطاء الفرصة لتنوع الموارد الاقتصادية وتباينها، كما تتمثل أهميتها من الناحية الحربية في إمكان الدفاع في العمق Defense in Depth، فالدولة ذات المساحة الصغيرة لا تلبث أن تُسلم أمام جحافل الجيوش الغازية، كما حدث في بعض دول أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، فقد سلمت كل من بلجيكا، وهولندا، والنمسا، وتشيكوسلوفاكيا خلال فترة قصيرة عندما اجتاحتها الجيوش الألمانية، بينما استطاع الاتحاد السوفيتي (سابقاً) أن يصمد أمام الغزو الألماني ومن قبله غزو نابليون بفضل اتساع مساحته إذ طبق مبدأ الدفاع في العمق، الذي يقوم على تسليم الأرض لكسب الوقت Selling Space to GainTime، فقد اتبع الاتحاد السوفيتي هذا الموقف الاخلائى عندما غزاه نابليون حتى أطال بينه وبين خطوط تموينه، وأدخله في بيئة طبيعية قاسية يجهلها مما أضطره إلى التقهقر ثانية. وقد سار الاتحاد السوفيتي على نفس السياسة مع الألمان سنة 1941، وقد فطن الألمان لهذه السياسة، ولذلك حاولوا تدمير الجيش الأحمر برجاله ومعداته عن طريق الالتفاف حوله لكنهم لم ينجحوا في ذلك. إلاّ أن التقدم التقني في معدات الحرب أفقد المساحة الكبيرة أهميتها العسكرية، إذ يمكن نشر الميكروبات والغازات السامة فيها قبل انسحاب الجيوش إليها.
وتكفل المساحة الكبيرة امتيازاً عسكرياً آخر، ذلك أنه إذا هُزمت دولة كبيرة فإنه من الصعب احتلال إقليمها الواسع والسيطرة عليه لا سيما إذ كانت كثيفة السكان. مثال ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية يستحيل عليها أن تحتل الصين الشعبية لو أنها انتصرت عليها لأن ذلك سوف يتطلب إيجاد قوات أكثر مما تمتلك أمريكا. وتُحقق وسائل الإنذار المبكر الآن الغرض منها بفاعلية عالية، في حالة كبر مساحة الدولة، لأنها تُتيح الوقت الكافي لاتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة.
ولمساحة الدولة أيضاً تأثير كبير ومباشر على قدرتها في أن تستخدم القوة في الدفاع عن نفسها. فالمساحة الكبيرة تساعد على أن تكفل للدولة وسائل الإقناع التي تأتي من القدرة على الدفاع عن النفس. أمّا الدول ذات المساحة الصغيرة فهي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام الأعداء. مثال ذلك، هولندا التي استسلمت للألمان في مدة أربعة أيام، علماً بأن الجيش الهولندي لم يكن أقل بسالة من الجيش الألماني. وتعمد الدولة الصغيرة إلى الأخذ بزمام المبادرة في الهجوم وذلك كي تبعد المعركة عن أراضيها. ومن أفضل الأمثلة على ذلك الصراع العربي الإسرائيلي الذي تبادر فيه إسرائيل باستمرار بشن الهجوم على الدول العربية المجاورة لتنقل المعركة إلى أراضي الدول المجاورة حتى لا تتأثر طاقاتها الإنتاجية، والخدمية، وسكانها المدنيون، ولتكسب مجالاً أرضياً أوسع يُمكنها من المناورة العسكرية. وقد حدث هذا في عدوان 1956، وعدوان 1967.

(3) الشكل
كلما كانت الدولة مندمجة من حيث الشكل Shape، كلما كان ذلك أفضل من الناحية السياسية لها. ويعتبر الشكل الدائري[1][1] أو القريب منه الشكل المثالي للدولة، فتكون كل أطراف الدولة على أبعاد متساوية تقريباً، لذا يترتب على الشكل الدائري للدولة أن يكون طول حدودها قصيراً بالنسبة لمساحتها، ومن ثم يقل عدد المواضع التي يحتمل أن تُغزى منها الدولة. كما يصبح في إمكان الدولة الدفاع عن هذه الحدود وحمايتها. ويساعد الشكل الدائري على سرعة نقل الجيوش والمعدات إلى أي مكان في الدولة يتعرض لغزو خارجي، كما أنه يوفر لجيوش الدولة المساحة الكافية، التي يمكن أن تتقهقر فيها إذا استدعت الظروف ذلك، وذلك لأنه يعمل على تيسير إنشاء شبكة نقل ومواصلات جيدة في الدولة. ويساعد الشكل المثالي على انصهار سكان الدولة في بوتقة واحدة مما يؤدي إلى زيادة نمو الشعور القومي لديهم، وهو عامل حاسم في رسم سياسة الدولة، ومن أفضل الأمثلة على الشكل المثالي أو القريب منه دول أورجواي، وبولندا، والمجر، وبلجيكا.
ويرتبط بشكل الدولة موقع العاصمة بالنسبة للدولة. ويعد الموقع المتوسط في جسم الدولة أفضل موقع للعاصمة، ويُعرف بالموقع المركزي Central********، حيث تحتل العاصمة الوسط الهندسي للدولة، وذلك حتى يسهل الدفاع عنها من جهة، ويسهل اتصالها بمختلف أنحاء الدولة من ناحية أخرى. ومن أمثلة المواقع المثالية للعواصم الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، والقاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية، والخرطوم عاصمة السودان، وبغداد عاصمة العراق، وبرن عاصمة سويسرا، ومدريد عاصمة أسبانيا، ووارسو عاصمة بولندا.
وقد نقلت بعض الدول عواصمها من مواقع ساحلية غير متوسطة داخل الدولة، وذلك لكسب مزايا تتعلق بالشكل الجغرافي الصحيح للدولة، وهذا ما حدث في البرازيل عندما نقلت عاصمتها من ريو دي جانيرو إلى برازيليا، وفي تركيا عندما نُقلت عاصمتها من استنبول إلى أنقرة.
(4) الحدود
الحدود السياسية PoliticalBoundaries، وهي بمثابة الهيكل الخارجي لرقعة الدولة. ولكل دولة في الوقت الحاضر حدودها السياسية، وهي عبارة عن خطوط محددة على الخرائط السياسية، وواضحة المعالم في الطبيعة. وهذه الحدود تكفلها المعاهدات والمواثيق الدولية.
وتمثل البحار والمحيطات أكثر الحدود الطبيعية، وهي حدود فاصلة يمكن أن تحمي الدولة من الغزو، خاصة إذ كانت لديها السيادة البحرية على حدودها. وتأتي الصحاري بعد البحار والمحيطات في الأهمية، ذلك لأنها تؤدي وظيفة الحماية كالبحار إلى حد ما. أمّا الجبال فتمثل حدوداً طبيعية منيعة. وهي تؤدي دورها بوصفها حدوداً سياسية في بعض المناطق، فجبال اسكنديناوه تُشكل الحدود بين السويد والنرويج، وجبال الألب تفصل بين النمسا وإيطاليا، وجبال البرانس تمثل الحدود بين فرنسا وأسبانيا. وكذلك تقوم الأنهار في بعض الحالات بوظيفة الحدود السياسية، كما هو الحال في شط العرب الذي يفصل بين العراق وإيران، ونهر السانت لورنس الذي يمثل الحدود بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية في بعض المواضع، ونهر الدانوب الذي يفصل بين رومانيا وبلغاريا، ونهر الراين الذي يفصل بين فرنسا وألمانيا.
أما الحدود الاصطناعية فمنها الحدود الفلكية، التي تتفق مع دوائر العرض وخطوط الطول، مثل الحدود بين مصر وكل من ليبيا والسودان. ومنها الحدود الهندسية التي تُرسم على شكل خطوط مستقيمة ولا يراعى في تخطيطها أي ظاهرة طبيعية، مثل الحدود بين المملكة العربية السعودية وجيرانها.
(5) المناخ
يعتبر المناخ من أهم العوامل التي تؤثر في قوة الدولة وظروفها السياسية، لأنه يؤثر في مجهود الإنسان وبالتالي فيما يبلغه من رقي وتقدم.
وقد أثر المناخ على الأوضاع السياسية للكثير من الدول بدرجة كبيرة، إذ أن ملاءمة المناخ في جنوب أفريقيا، حيث يسود مناخ البحر المتوسط، شجع الاستعمار على أن يتخذ في هذه المنطقة شكل الاستعمار الاستيطاني، وأغرى الأوروبيين بالهجرة إلى هذا الإقليم. إما المناخ الاستوائي فلم يشجع الاستعمار الأوروبي على الاستيطان في الدول الأفريقية، التي يسود فيها مثل غانا، والكنغو، ونيجيريا، وتوجو، وداهومي، لذا كان الاستعمار في هذه الجهات استعماراً استغلالياً.
ويمكن الاستدلال من التاريخ على أن المناخ كان له أثر كبير على سير العمليات الحربية. ويؤكد ذلك أن القيادة الألمانية كانت على بينة من أن غزو بولندا يجب أن يتم في الأيام الأولى من شهر سبتمبر، حتى تتجنب الأوحال، التي يمكن أن تتعرض لها الدبابات الألمانية بسبب سقوط الأمطار بعد هذا التاريخ. كذلك اختار الألمان شهر أبريل لغزو النرويج، حيث يشتد هبوب العواصف، وبالتالي يمكن اتخاذها ستاراً لتغطية الوحدات الصغيرة. وعبر الجيش المصري إلى شبه جزيرة سيناء في حرب 1973 عصراً، لتكون الشمس خلف ظهره ولا تكون في مواجهته، إضافة إلى إجراء بعض الدراسات الدقيقة لحركة الأمواج، والتيارات، والمد والجزر في قناة السويس، ودراسة حركة الرياح.
(6) التضاريس
تؤثر التضاريس على القوة النسبية للدول المختلفة وعلى النواحي الإنتاجية والعسكرية فيها، وكلها عوامل تؤثر على النواحي السياسية للدولة. وتعمل التضاريس والمناخ على تحديد الإمكانات الاقتصادية المتاحة، التي يتوقف عليها رقي الدولة وتقدمها. إذ أنه كلما ازدادت مساحة السهول، وتوافرت المياه، كلما عظم الإنتاج الزراعي، ويؤدي هذا بدوره إلى تركز السكان وتكاثرهم، وقد تمتلك الدولة سهولاً واسعة مثل براري كندا، وسهول سيبريا، لكن عدم مناسبة الظروف المناخية في هذه المناطق يعرقل التقدم الاقتصادي فيها، مما يؤدي إلى تضاؤل أهمية هذه السهول.
وتعمل السهول على تيسير عملية غزو الدول التي تمتلكها، ذلك لكونها مناطق مفتوحة يسهل عبورها، في حين تمثل الجبال عامل حماية طبيعياً يقي الدولة من الاعتداءات الخارجية. وتفضل الدولة أن تولد في المناطق الجبلية، لتكون في عزلة عن غيرها، حتى تقضي فترة نموها الأولى، وعندما يشتد ساعدها وتنتقل إلى طور الشباب، ويمكنها الدفاع عن نفسها، يصبح من المناسب لها أن تنزل إلى المناطق السهلية لتتوسع فيها وتسيطر عليها. ومن أفضل الأمثلة على ذلك تركيا التي ولدت في هضبة آسيا الصغرى، وبعد أن بلغت مرحلة الشباب واشتد ساعدها، نزلت إلى السهول المجاورة وكونت الإمبراطورية العثمانية، التي امتدت من ساحل البحر الأسود إلى ساحل بحر إيجه فسواحل البحر المتوسط.
وتمثل الجبال ملجأً للدول في وقت الأزمات فتحتمي بها، ومن أمثلة ذلك ما حدث للعرب في أسبانيا، إذ تمكنوا من هزيمة الأسبان في القرن الثامن، مما أدى إلى هروب بعض المسيحيين من المناطق السهلية الجنوبية ولجأوا إلى الجزاء الشمالية الجبلية. وكذلك تركت العناصر الصربية سهول نهر الدانوب في الحرب العالمية الأولى ولجأت إلى الجبال حيث ولدت دولتهم.
ويوجد في الوقت الحاضر عدد قليل من الدول الجبلية بما تحمله الكلمة من معنى، ومن أمثلتها نيبال، وسويسرا، وأندروا، التي توجد في موقع منعزل بجبال البرانس الواقعة بين أسبانيا وفرنسا، وسيكم، وبواتان، الواقعتان في أودية تنحصر بين سلاسل جبال الهيملايا وتلال سواليك.


ثانيا / العوامل البشــــــرية

1ـ العامل السكاني :
إن أهمية السكان في قوة الدولة تحظى بقبول عام من علماء العلاقات الدولية و نقصد بالسكان هنا العنصر البشري ووزنه كعامل من عوامل قوة الدولة و هنا يجب أن نراعي العوامل الكمية و الكيفية في العامل الديمغرافي .
أ ـ العوامل الكمية :تتجلى أهمية العامل السكاني في تشكيل القوة العسكرية اللازمة للحرب ، كما أن بعض الدول الاستعمارية حاولت الاعتماد على مستعمراتها في توفير القدرات البشرية اللازمة لآلتها العسكرية ، كذلك تؤثر الكثافة السكانية على الأهمية العسكرية من حيث أن الدول ذات الكثافة الضئيلة هي موضوع مطامع خارجية أما الدول ذات الكثافة العالية هي مؤمنة لحد ما من هذه الأطماع ، تتجلى أيضا أهمية التعداد السكاني في المستوى الاقتصادي حيث أن العامل البشري عنصر أساسي في عملية الإنتاج كما أن السوق الاستهلاكية هي الضمان الأكيد لازدهار الإنتاج الوطني ، و من جهة أخرى يشكل الضغط السكاني عاملا فعالا من عوامل النزاع الدولي بل كثيرا ما يحاول المحللون رد أسباب التوتر الاجتماعي بشتى صوره إلى الضغط الكمي للسكان .
ب ـ العوامل الكيفية : قد يؤثر في قيمة الكم السكاني كارتفاع نسبة الإناث بالنسبة للذكور وكذلك الحال بالنسبة لسلم الأعمار فقد يتوافق تباين نسبة الشباب الذكور من العدد الكلي للسكان مع درجات القوة الاقتصادية للدولة و كذا مع درجات القوة الإستراتيجية كذلك .
درجة التجانس الاجتماعي لعناصر الكم البشري: أي تحقيق الوحدة الداخلية ترتبط بدرجات التجانس الاجتماعي .
التقدم الثقافي و الاجتماعي : السكان المثقفون و المتقدمون تكنولوجيا قادرون على تحمل مسؤوليات الدولة.

2ـ العامل الاقتصادي:
رفض التجاريون التمييز بين التفوق التجاري و التفوق السياسي حيث يكون ميزان القوى مرهون بالميزان التجاري فللأوضاع الاقتصادية المقام الأول اتجاهات السياسة الخارجية للدول و يؤكد الباحثون على أن هناك ارتباط بين الحرب كظاهرة بين الدول و بين الظاهرة الاقتصادية ، فالحرب هي آثار حتمي للظاهرة الاقتصادية من حيث :
أ ـ حروب القحط:ففي الجماعات البدائية تبدو حالة القحط الناجم عن تخلف الموارد الطبيعية عن تمكين الجماعة من الاستمرار في الحياة و هكذا تبدو هذه الحالة و كأنها الوضع المحتم للحرب من أجل الاستعلاء على موارد الآخرين.
ب ـ حروب الوفرة: أما في الجماعات الصناعية فالدافع للصراع كان السعي في الحصول على المزيد من الموارد الأولية من أجل المزيد من الإنتاج.
ج ـ حروب الأسواق و التسويق : هي تلك الحروب التي تلجأ إليها الدول من أجل الحصول على الحق في أن تتاجر بحرية في منطقة معينة .


3ـ العوامل العسكرية،التكنولوجية و التنظيمية:
3ـ 1 ـ العامل العسكري :
ينظر الكثيرون إلى درجة الاستعداد العسكري على أنه المظهر الرئيسي لقوة الدولة و يرتبط مستوى الاستعداد العسكري بعدة عوامل:
1ـ التقدم التكنولوجي في إنتاج الأسلحة و في وسائل جمع المعلومات .
2ـ القدرة على التخطيط الاستراتيجي و الذي يتفق و طبيعة مشكلة الأمن القومي التي تواجهها الدولة .
3ـ مدى كفاءة القيادات المسؤولة عن عمليات التخطيط الاستراتيجي .
4ـ مدى كفاءة التدريب و كذا مستوى القدرة القتالية للقوات المسلحة في الدولة .
5ـ مدى القدرة على حشد طاقات الدولة و إمكانياتها بالسرعة الواجبة و في الظروف التي تضطرها لإجراء تعبئة شاملة لقواتها .


3 ـ 2 ـ العامل التكنولوجي:
أدخل العامل التكنولوجي ثورة كلية على العلاقات الدولية حيث أضحى أهم ميزان في العلاقات الدولية بين عالم متقدم و آخر متخلف ، كما أدخلت الثورة التكنولوجية أساليب جديدة في الإنتاج و ساهمت في زيادة القدرة الاقتصادية للدول و طورت أساليب الزراعة و ضاعفت من مردوديتها و بصفة عامة تهيأ التكنولوجيا أكفا الوسائل لاستغلال الإمكانيات الطبيعية ، المادية و البشرية المتاحة للدولة كما أن التقدم التكنولوجي يزيد من القوة العسكرية حيث أصبحت تقاس بمدى قدرة الدول في إنتاج الأسلحة و في جمع المعلومات .كما تنعكس على العامل السكاني من حيث ترقية كيفه و كذا من حيث أنها تضبط أكثر فأكثر القياسات الكمية للسكان و تساعد في عملية الإحصاء ، ومن ناحية أخرى أثر العامل التكنولوجي على الدبلوماسية و أضحت ميكانيزمات اتخاذ القرارات على مستوى الدول و المنظمات أكثر وضوحا .

3 ـ 3 ـ العامل التنظيمي:
إذا كان العامل التنظيمي يعني مباشرة المؤسسات الدستورية للدولة فإنه في الوقت نفسه يتوزع على مجموعة من المتغيرات مرتبط بالجوانب المعنوية للدولة .
أ ـ العامل الإيديولوجي : هي منظومة من التصورات و الأفكار و الأوهام و المفاهيم التي تميز مجتمع ما . و لا يجوز للمحلل إغفال العنصر الإيديولوجي كعنصر تفسيري للظواهر الدولية فالإيديولوجية هي المحرك الرئيسي للسياسات الخارجية للدول لأنها تمثل اختلاف البيئات و الأفكار و المعتقدات المؤثرة على صناعة و اتخاذ القرار .
ب ـ الروح الوطنية للدولة : الوحدة الوطنية هي تكامل الجماعة المشكلة للدولة تكاملا يسقط عنها أسباب التصادم المؤدي إلى الضعف ، و الوحدة الوطنية تتجسد أساسا في الدولة و هي الطريق المؤدي لرفع الروح المعنوية للدولة التي بدورها تشكل أحد الركائز التي ترتكز عليها قوة الدولة .
ج ـ الاعتبارات المتعلقة بكفاءة الأجهزة السياسية و الدعائية و الدبلوماسية للدولة : تتوقف كفاءة الأجهزة السياسية للدولة على الاستقرار السياسي و على شكل النظام السياسي كدبلوماسية الدولة التي يقع عليها عبء تجميع هذه العوامل الطبيعية و الاجتماعية في كل واحد متكامل لكي تتحرك به في الطريق إلى تحقيق أهدافها الخارجية و ذلك بالأسلوب الدبلوماسي في زمني السلم و الحرب .
د ـ شخصية و سلوك رجل الدولة : هو عامل يقوم أحيانا بدور بارز في تقرير الأهداف القومية للدولة و شخصية القادة السياسيين ، و المسؤولين ، كما يؤثر أيضا في قوة الدولة حيث نجد أن التغير في أنماط القيادات السياسية الحاكمة ينتج في أغلب الأحيان تغيرات هامة في الاتجاهات الخارجية للدولة و في بعض الحالات يكون نفوذ القائد السياسي و تأثيره على السياسة الخارجية مطلقا .