- الاثنين يناير 10, 2011 2:11 am
#32528
اقدم معاهدة سلام مكتوبة في العالم
: مصر قصة حضارة .. أقدم معاهدة سلام فى التاريخ
رحلتنا مع التاريخ المصرى تصل بنا اليوم إلى عصر الفراعنة العظام، عصر الرعامسة، لنتعرف على أقدم معاهدة سلام مكتوبة فى التاريخ الإنسانى.
وعصر الرعامسة فى التاريخ المصرى القديم يطلق على الفترة الممتدة من سنة 1293 إلى سنة 1069 قبل الميلاد، التى حكم فيها البلاد فراعنة الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين.
وقد اشتق وصف تلك الحقبة بعصر الرعامسة من أسم رعمسو الذى تسمى به عدد من فراعنة مصر فى ذلك العصر، ومعناه بالعربية «الإله رع هو الذى خلقه»، والاسم المصرى القديم رعمسو هو الذى ننطقه اليوم رمسيس، وهو النطق الإغريقى للاسم والذى أصبح شائعا بين الناس، وينحدر ملوك الرعامسة من نسل الوزير والقائد العسكرى رعمسو بن سيتى والذى أصبح فيما بعد الملك رمسيس الأول.
وقد تولى رمسيس الأول عرش مصر فى سنة 1293 قبل الميلاد، خلفا لزميله ورفيق سلاحه حور محب آخر فراعنة الأسرة الثامنة عشرة الذى قضى على العبادة الآتونية فى مصر.
وقد تميز عصر الرعامسة بطابع خاص فى الثقافة والفنون والعمارة، وتبلور هذا الطابع واكتمل فى عصر رمسيس الثانى أعظم ملوك الرعامسة، وأشهر فراعنة مصر على الإطلاق، الذى حكم مصر ما بين سنتى 1279 و 1213 قبل الميلاد.
ويجمع عصر الرعامسة فى الثقافة والأدب بين إحياء الأعمال الكلاسيكية الخاصة بالدولة القديمة والدولة الوسطى من ناحية وإثراء الأدب المكتوب باللغة المصرية الحديثة من ناحية أخرى. ومن أهم الأعمال الأدبية التى ترجع إلى تلك الحقبة وأشهرها تعاليم الحكيم أنى، وقصص الوعظ والإرشاد كقصة الحقيقة والكذب، والنصوص الدينية الأسطورية كنص صراع حور وست. وفى العمارة ظهر أسلوب جديد يمكن أن نطلق عليه هندسة المنشآت الضخمة، ومن أبرز أمثلته: معبدا أبوسمبل إلى الجنوب من أسوان.
ولما كان ملوك الرعامسة الأوائل من القادة العسكريين فقد كان من الطبيعى أن يشهد عصرهم حروبا عسكرية كبيرة، وطموحا لإحياء الإمبراطورية المصرية التى ظهرت فى عصر التحامسة، عندما قررت مصر الانطلاق خارج حدودها شرقا لتأمين البلاد بعد التجربة المريرة مع الغزاة الهكسوس.
وكانت تلك الإمبراطورية التى امتدت إلى حدود العراق شرقا والأناضول شمالا قد تراجعت فى عصر إخناتون وخلفائه بسبب الصراعات الدينية، لكن حكام الأسرة التاسعة عشرة حاولوا إعادة بناء هذه الإمبراطورية مرة أخرى.
وقد اصطدم التوسع المصرى فى فلسطين وسوريا بدول كبرى فى المنطقة من أهمها دولة الحيثيين التى كانت تشغل منطقة الأناضول. ومملكة الحيثيين كانت تتكون من مجموعة من الشعوب الهندو ـ أوروبية، وكانت تسعى إلى مد نفوذها جنوبا إلى سوريا وبلاد الرافدين، فاصطدمت هناك بالمصالح المصرية ودارت حروب طاحنة بين الجانبيين على أرض سوريا.
وفى عصر رمسيس الثانى بن سيتى الأول تصاعدت النزاعات بين المملكتين: مصر ومملكة الحيثيين، وخاض الفرعون الشاب معارك متوالية ضد خصومه منذ السنوات الأولى لحكمه، وخلال تلك المعارك نجح رمسيس الثانى فى تحرير فينيقيا لبنان الحالية من سيطرة الحيثيين وحقق عدة انتصارات مظفرة.
ولم تقتصر معارك الفرعون العظيم على حروبه ضد الحيثيين بل خاض معارك مظفرة على الجبهتين الجنوبية والغربية أمن فيها حدود مصر من كل الجهات، وقد سجل رمسيس الثانى معاركه وانتصاراته فى نصوص محفورة على جدران معابده ومنشآته، ويقول فى نص مؤرخ بالسنة الثانية من حكمه، اكتشف على صخور أسوان:
«السنة الثانية الشهر الحادى عشر اليوم السادس والعشرون فى عهد جلالة رعمسو الثانى محبوب آمون رع ملك الآلهة، وخنوم رب إقليم الشمال يعيش الإله الطيب منتو صاحب القوى البأس مثل ابن نوت المحارب من أجل الأسد القوى القلب، من هزم عشرات الألوف، والجدار العظيم لجيشه فى يوم الواقعة، ومن نفذ خوفه فى كل الأراضى، ومن تبتهج مصر عندما يكون الحاكم فى وسط الأراضى الأجنبية، وقد وسع حدودها إلى الأبد ناهبا الأسيويين ومستوليا على مدنهم، ومن حطم أجانب الشمال، ومن سقطت التمحو الليبية خوفا منه، والآسيويون يرجون نفس الحياة منه، ومن يرسل جيش مصر للقيام بحملات، وقلوبهم ملأى بخططه عندما يجلسون فى ظل سيفه، ولا يخافون أية بلاد، ومضى الوجه البحرى الليل نائما فى سلام، انه ملك يقظ دقيق الخطة، لا يخيب ما يقوله وصوته عظيم فى حرب بلاد النوبة وقوته تصد الأقواس التسعة، بابل وخيتا وتأتى إليه خاضعة لشهرته...»
ورغم انتصارات رمسيس المتعددة والتى سجلتها النصوص الجدارية، تظل حروبه مع الحيثيين هى الأهم والأكثر شهرة فى تاريخه الحربى، وقد وصلت معارك رمسيس مع الحيثيين إلى ذروتها فى معركة قادش الشهيرة التى يقول عنها المؤرخون إن رمسيس «خسرها منتصرا»!
ففى العام الخامس من حكم رمسيس حشد الملك الحيثى مواتاللى جيوشه قرب مدينة قادش وتصدى له رمسيس الثانى بفرقة عسكرية واحدة من جيشه، بعد أن تعرض لخديعة من بعض عملاء جيش الأعداء، وكادت المعركة تنتهى بهزيمة نكراء لرمسيس الثانى لولا استماتته فى المقاومة مع حرسه الخاص الذى نجح فى تشتيت العربات العسكرية للحيثيين حتى وصلت الإمدادات المصرية، انتهت المعركة دون انتصار حاسم أو هزيمة قاطعة لأى من الطرفين، واستمرت المناوشات العسكرية والمؤامرات السياسية بين الدولتين لأكثر من خمسة عشر عاما حتى استشعر الطرفان خطرا جديدا يهددهما معا، إنه الخطر الآشورى.
عندئذ اتجه رمسيس الثانى وخاتوسيل ملك الحيثيين إلى عقد معاهدة سلام دائم بين البلدين أنهت سلسلة من الحروب الطويلة والممتدة استمرت عشرات السنوات، وقد خلد رمسيس الثانى هذه المعاهدة على لوحتين باللغة المصرية القديمة فى معبدى الكرنك والرمسيوم بالأقصر، كما حفظ لنا القدر جزءا من الأرشيف الدبلوماسى لدولة خيتا وهو مدون على ألواح طينية بالخط المسمارى، ومن بين تلك الألواح نصوص تلك المعاهدة.
فماذا تقول نصوص هذه المعاهدة؟
«السنة الحادية والعشرون، الشهر الأول من فصل الشتاء اليوم الواحد والعشرون فى حكم جلالة ملك الوجه القبلى والوجه البحرى رعمسيس مرى آمون معطى الحياة أبدا ومخلدا محبوب آمون رع.... فى هذا اليوم أتى رسول ملك خيتا العظيم خاتو سيل إلى الفرعون ليرجو الصلح من جلالته... وقد ابتدأ بهذا اليوم بإبرام صلح طيب وإخاء حسن بيننا أبدا... ولن يعتدى رئيس خيتا العظيم على أرض مصر أبدا بأخذ أى شىء منها، ولن يعتدى حاكم مصر العظيم على أرض خيتا لأخذ أى شىء منها أبدا... وإذا أتى عدو آخر لأراضى حاكم مصر العظيم وأرسل إلى رئيس خيتا العظيم قائلا تعال معى مساعدا عليه فإن على رئيس خيتا العظيم أن يذبح عدوه... وإذا أتى عدو آخر على أرض خيتا وأرسل ملك خيتا العظيم إلى ملك مصر العظيم قائلا تعال إلى لمساعدتى عليه فعلى الملك العظيم ملك مصر أن يرسل جنوده وعرباته...».
وتتوالى نصوص المعاهدة وموادها فى قرابة عشرين فقرة تنظم العلاقات السلمية الجديدة بين الدولتين، تكشف هذه المعاهدة التى تعتبر من أقدم المعاهدات السلمية فى تاريخ الإنسانية، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، عن خصائص العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم القديم، كما تكشف جوانب من تاريخ مصر الدبلوماسى فى عصر الدولة الحديثة، فالمعاهدة جاءت بعد فترة طويلة من النزاعات بين مصر والحيثيين لترسخ سلاما دائما بين البلدين بعد أن فشلت الحروب فى حسم الصراع بينهم، وهى تعكس القدرات السياسية لرمسيس الثانى بعد أن كشفت معاركه الحربية عن قدراته العسكرية... كما أن نصوص المعاهدة تعرفنا ببعض المفاهيم الإنسانية فى هذه الفترة المبكرة، كمنح الأمان للاجئين السياسيين من الطرفين، مع التأكيد على حقهم فى العودة إل
المواثيق و المعاهدات من شأنها ان تنظم العلاقات بين الدول والحرص على احترام وتقديس حياة الشعوب وتأمين حمايتها في الحرب والسلم وهذه معادلة حرصت على اتباعها الدول في عهدنا الحالي والامبراطوريات في العهد القديم. وتعد معاهدة (قادش) اقدم اتفاقية سلام عرفها التاريخ وقد ابرمت بين امبراطوريتي الحثيين والفراعنة المتنازعتين حيث تضمنت بنودا قانونية وعسكرية ودبلوماسية نظمت العلاقات بينهما مع مباركة دينية ولمسة دبلوماسية ماكرة. وحول اهمية هذه المعاهدة التاريخية قال استاذ تاريخ (الحثيين ولغات العهد القديم) في جامعة انقرة البروفسور جيم كاراسو في حديث لوكالة الانباء الكويتية (كونا) انها تعتبر الاساس لجميع المعاهدات التي توالت بعدها على مر 33 عصرا من ابرامها " اذ انها جمعت بين تطبيق القوانين (التشريعات) وضمان حق الشعوب وتأكيد اقامة سلام عادل وشامل وتعزيز اواصر العلاقات العسكرية و الدبلوماسية". واوضح كاراسو ان المعاهدة وقعت بين الحثيين والفراعنة الذين كانوا في حالة حرب دائمة في الجبهات الشمالية وتحديدا في مدينة قادش قرب محافظة حمص السورية في عام 1296 قبل الميلاد حيث تولى قيادة الحثيين فيها الملك (حاتسولي) فيما تولى قيادة المصريين الفرعون (رمسيس الثاني). واضاف ان الروايات اختلفت حول المنتصر في هذه المعركة "بيد ان (رمسيس الثاني) قد اضطر في نهاية المطاف الى الانسحاب من سورية الشمالية والوسطى حيث توصل الطرفان في عام 1280 قبل الميلاد الى عقد الصلح و توقيع المعاهدة التي نسبت لهذه المعركة". وقال الاكاديمي التركي ان هذه المعاهدة نقشت على لوائح من الفضة باللغتين الفرعونية الهيروغليفية والبابلية المسمارية و انه عثر عليها اثناء عمليات تنقيب اجريت في شمال الاناضول في مدينة (بوغازكالة) في محافظة تشورم. وذكر كاراسو ان بنود المعاهدة اكدت "اهمية اقامة علاقات جيدة بين الدولتين والسعي الى احلال سلام اساسه احترام سيادة اراضي الدولتين والتعهد بعدم تحضير الجيوش لمهاجمة الطرف الاخر واقامة تحالف وانشاء قوة دفاعية مشتركة واحترام الرسل والمبعوثين بين الدولتين لاهمية دورهم لتفعيل السياسة الخارجية واخيرا اللجوء الى لعنة الالهة كضمانة لهذه المعاهدة و معاقبة الناكث بها". وأوضح كاراسو ان اهمية هذه المعاهدة تكمن في انها اول معاهدة مكتوبة في التاريخ وقد اتخذت مثالا للمعاهدات التي تلتها في العصور الوسطى لما تضمنه نصها من مقدمات وبنود وخاتمة. وتعرض هذه المعاهدة حاليا في متحف الاثار في مدينة اسطنبول و توجد نسخة عنها في مقر الامم المتحدة في نيويورك. واعرب السكرتير العام للامم المتحدة السابق كوفي عنان عن الامتنان للحكومة التركية لاهدائها نسخة مطابقة لهذه المعاهدة في مؤتمر تحالف الحضارت الذي عقد في منتصف شهر ديسمبر الماضي في مدينة اسطنبول املا بان يسهم هذا الميثاق القديم في الهام الشعوب في وقتنا الحاضر باقامة تحالفات مبنية على الحضارات والثقافات والمعتقدات والمجتمعات في مختلف انحاء العالم.
: مصر قصة حضارة .. أقدم معاهدة سلام فى التاريخ
رحلتنا مع التاريخ المصرى تصل بنا اليوم إلى عصر الفراعنة العظام، عصر الرعامسة، لنتعرف على أقدم معاهدة سلام مكتوبة فى التاريخ الإنسانى.
وعصر الرعامسة فى التاريخ المصرى القديم يطلق على الفترة الممتدة من سنة 1293 إلى سنة 1069 قبل الميلاد، التى حكم فيها البلاد فراعنة الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين.
وقد اشتق وصف تلك الحقبة بعصر الرعامسة من أسم رعمسو الذى تسمى به عدد من فراعنة مصر فى ذلك العصر، ومعناه بالعربية «الإله رع هو الذى خلقه»، والاسم المصرى القديم رعمسو هو الذى ننطقه اليوم رمسيس، وهو النطق الإغريقى للاسم والذى أصبح شائعا بين الناس، وينحدر ملوك الرعامسة من نسل الوزير والقائد العسكرى رعمسو بن سيتى والذى أصبح فيما بعد الملك رمسيس الأول.
وقد تولى رمسيس الأول عرش مصر فى سنة 1293 قبل الميلاد، خلفا لزميله ورفيق سلاحه حور محب آخر فراعنة الأسرة الثامنة عشرة الذى قضى على العبادة الآتونية فى مصر.
وقد تميز عصر الرعامسة بطابع خاص فى الثقافة والفنون والعمارة، وتبلور هذا الطابع واكتمل فى عصر رمسيس الثانى أعظم ملوك الرعامسة، وأشهر فراعنة مصر على الإطلاق، الذى حكم مصر ما بين سنتى 1279 و 1213 قبل الميلاد.
ويجمع عصر الرعامسة فى الثقافة والأدب بين إحياء الأعمال الكلاسيكية الخاصة بالدولة القديمة والدولة الوسطى من ناحية وإثراء الأدب المكتوب باللغة المصرية الحديثة من ناحية أخرى. ومن أهم الأعمال الأدبية التى ترجع إلى تلك الحقبة وأشهرها تعاليم الحكيم أنى، وقصص الوعظ والإرشاد كقصة الحقيقة والكذب، والنصوص الدينية الأسطورية كنص صراع حور وست. وفى العمارة ظهر أسلوب جديد يمكن أن نطلق عليه هندسة المنشآت الضخمة، ومن أبرز أمثلته: معبدا أبوسمبل إلى الجنوب من أسوان.
ولما كان ملوك الرعامسة الأوائل من القادة العسكريين فقد كان من الطبيعى أن يشهد عصرهم حروبا عسكرية كبيرة، وطموحا لإحياء الإمبراطورية المصرية التى ظهرت فى عصر التحامسة، عندما قررت مصر الانطلاق خارج حدودها شرقا لتأمين البلاد بعد التجربة المريرة مع الغزاة الهكسوس.
وكانت تلك الإمبراطورية التى امتدت إلى حدود العراق شرقا والأناضول شمالا قد تراجعت فى عصر إخناتون وخلفائه بسبب الصراعات الدينية، لكن حكام الأسرة التاسعة عشرة حاولوا إعادة بناء هذه الإمبراطورية مرة أخرى.
وقد اصطدم التوسع المصرى فى فلسطين وسوريا بدول كبرى فى المنطقة من أهمها دولة الحيثيين التى كانت تشغل منطقة الأناضول. ومملكة الحيثيين كانت تتكون من مجموعة من الشعوب الهندو ـ أوروبية، وكانت تسعى إلى مد نفوذها جنوبا إلى سوريا وبلاد الرافدين، فاصطدمت هناك بالمصالح المصرية ودارت حروب طاحنة بين الجانبيين على أرض سوريا.
وفى عصر رمسيس الثانى بن سيتى الأول تصاعدت النزاعات بين المملكتين: مصر ومملكة الحيثيين، وخاض الفرعون الشاب معارك متوالية ضد خصومه منذ السنوات الأولى لحكمه، وخلال تلك المعارك نجح رمسيس الثانى فى تحرير فينيقيا لبنان الحالية من سيطرة الحيثيين وحقق عدة انتصارات مظفرة.
ولم تقتصر معارك الفرعون العظيم على حروبه ضد الحيثيين بل خاض معارك مظفرة على الجبهتين الجنوبية والغربية أمن فيها حدود مصر من كل الجهات، وقد سجل رمسيس الثانى معاركه وانتصاراته فى نصوص محفورة على جدران معابده ومنشآته، ويقول فى نص مؤرخ بالسنة الثانية من حكمه، اكتشف على صخور أسوان:
«السنة الثانية الشهر الحادى عشر اليوم السادس والعشرون فى عهد جلالة رعمسو الثانى محبوب آمون رع ملك الآلهة، وخنوم رب إقليم الشمال يعيش الإله الطيب منتو صاحب القوى البأس مثل ابن نوت المحارب من أجل الأسد القوى القلب، من هزم عشرات الألوف، والجدار العظيم لجيشه فى يوم الواقعة، ومن نفذ خوفه فى كل الأراضى، ومن تبتهج مصر عندما يكون الحاكم فى وسط الأراضى الأجنبية، وقد وسع حدودها إلى الأبد ناهبا الأسيويين ومستوليا على مدنهم، ومن حطم أجانب الشمال، ومن سقطت التمحو الليبية خوفا منه، والآسيويون يرجون نفس الحياة منه، ومن يرسل جيش مصر للقيام بحملات، وقلوبهم ملأى بخططه عندما يجلسون فى ظل سيفه، ولا يخافون أية بلاد، ومضى الوجه البحرى الليل نائما فى سلام، انه ملك يقظ دقيق الخطة، لا يخيب ما يقوله وصوته عظيم فى حرب بلاد النوبة وقوته تصد الأقواس التسعة، بابل وخيتا وتأتى إليه خاضعة لشهرته...»
ورغم انتصارات رمسيس المتعددة والتى سجلتها النصوص الجدارية، تظل حروبه مع الحيثيين هى الأهم والأكثر شهرة فى تاريخه الحربى، وقد وصلت معارك رمسيس مع الحيثيين إلى ذروتها فى معركة قادش الشهيرة التى يقول عنها المؤرخون إن رمسيس «خسرها منتصرا»!
ففى العام الخامس من حكم رمسيس حشد الملك الحيثى مواتاللى جيوشه قرب مدينة قادش وتصدى له رمسيس الثانى بفرقة عسكرية واحدة من جيشه، بعد أن تعرض لخديعة من بعض عملاء جيش الأعداء، وكادت المعركة تنتهى بهزيمة نكراء لرمسيس الثانى لولا استماتته فى المقاومة مع حرسه الخاص الذى نجح فى تشتيت العربات العسكرية للحيثيين حتى وصلت الإمدادات المصرية، انتهت المعركة دون انتصار حاسم أو هزيمة قاطعة لأى من الطرفين، واستمرت المناوشات العسكرية والمؤامرات السياسية بين الدولتين لأكثر من خمسة عشر عاما حتى استشعر الطرفان خطرا جديدا يهددهما معا، إنه الخطر الآشورى.
عندئذ اتجه رمسيس الثانى وخاتوسيل ملك الحيثيين إلى عقد معاهدة سلام دائم بين البلدين أنهت سلسلة من الحروب الطويلة والممتدة استمرت عشرات السنوات، وقد خلد رمسيس الثانى هذه المعاهدة على لوحتين باللغة المصرية القديمة فى معبدى الكرنك والرمسيوم بالأقصر، كما حفظ لنا القدر جزءا من الأرشيف الدبلوماسى لدولة خيتا وهو مدون على ألواح طينية بالخط المسمارى، ومن بين تلك الألواح نصوص تلك المعاهدة.
فماذا تقول نصوص هذه المعاهدة؟
«السنة الحادية والعشرون، الشهر الأول من فصل الشتاء اليوم الواحد والعشرون فى حكم جلالة ملك الوجه القبلى والوجه البحرى رعمسيس مرى آمون معطى الحياة أبدا ومخلدا محبوب آمون رع.... فى هذا اليوم أتى رسول ملك خيتا العظيم خاتو سيل إلى الفرعون ليرجو الصلح من جلالته... وقد ابتدأ بهذا اليوم بإبرام صلح طيب وإخاء حسن بيننا أبدا... ولن يعتدى رئيس خيتا العظيم على أرض مصر أبدا بأخذ أى شىء منها، ولن يعتدى حاكم مصر العظيم على أرض خيتا لأخذ أى شىء منها أبدا... وإذا أتى عدو آخر لأراضى حاكم مصر العظيم وأرسل إلى رئيس خيتا العظيم قائلا تعال معى مساعدا عليه فإن على رئيس خيتا العظيم أن يذبح عدوه... وإذا أتى عدو آخر على أرض خيتا وأرسل ملك خيتا العظيم إلى ملك مصر العظيم قائلا تعال إلى لمساعدتى عليه فعلى الملك العظيم ملك مصر أن يرسل جنوده وعرباته...».
وتتوالى نصوص المعاهدة وموادها فى قرابة عشرين فقرة تنظم العلاقات السلمية الجديدة بين الدولتين، تكشف هذه المعاهدة التى تعتبر من أقدم المعاهدات السلمية فى تاريخ الإنسانية، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، عن خصائص العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم القديم، كما تكشف جوانب من تاريخ مصر الدبلوماسى فى عصر الدولة الحديثة، فالمعاهدة جاءت بعد فترة طويلة من النزاعات بين مصر والحيثيين لترسخ سلاما دائما بين البلدين بعد أن فشلت الحروب فى حسم الصراع بينهم، وهى تعكس القدرات السياسية لرمسيس الثانى بعد أن كشفت معاركه الحربية عن قدراته العسكرية... كما أن نصوص المعاهدة تعرفنا ببعض المفاهيم الإنسانية فى هذه الفترة المبكرة، كمنح الأمان للاجئين السياسيين من الطرفين، مع التأكيد على حقهم فى العودة إل
المواثيق و المعاهدات من شأنها ان تنظم العلاقات بين الدول والحرص على احترام وتقديس حياة الشعوب وتأمين حمايتها في الحرب والسلم وهذه معادلة حرصت على اتباعها الدول في عهدنا الحالي والامبراطوريات في العهد القديم. وتعد معاهدة (قادش) اقدم اتفاقية سلام عرفها التاريخ وقد ابرمت بين امبراطوريتي الحثيين والفراعنة المتنازعتين حيث تضمنت بنودا قانونية وعسكرية ودبلوماسية نظمت العلاقات بينهما مع مباركة دينية ولمسة دبلوماسية ماكرة. وحول اهمية هذه المعاهدة التاريخية قال استاذ تاريخ (الحثيين ولغات العهد القديم) في جامعة انقرة البروفسور جيم كاراسو في حديث لوكالة الانباء الكويتية (كونا) انها تعتبر الاساس لجميع المعاهدات التي توالت بعدها على مر 33 عصرا من ابرامها " اذ انها جمعت بين تطبيق القوانين (التشريعات) وضمان حق الشعوب وتأكيد اقامة سلام عادل وشامل وتعزيز اواصر العلاقات العسكرية و الدبلوماسية". واوضح كاراسو ان المعاهدة وقعت بين الحثيين والفراعنة الذين كانوا في حالة حرب دائمة في الجبهات الشمالية وتحديدا في مدينة قادش قرب محافظة حمص السورية في عام 1296 قبل الميلاد حيث تولى قيادة الحثيين فيها الملك (حاتسولي) فيما تولى قيادة المصريين الفرعون (رمسيس الثاني). واضاف ان الروايات اختلفت حول المنتصر في هذه المعركة "بيد ان (رمسيس الثاني) قد اضطر في نهاية المطاف الى الانسحاب من سورية الشمالية والوسطى حيث توصل الطرفان في عام 1280 قبل الميلاد الى عقد الصلح و توقيع المعاهدة التي نسبت لهذه المعركة". وقال الاكاديمي التركي ان هذه المعاهدة نقشت على لوائح من الفضة باللغتين الفرعونية الهيروغليفية والبابلية المسمارية و انه عثر عليها اثناء عمليات تنقيب اجريت في شمال الاناضول في مدينة (بوغازكالة) في محافظة تشورم. وذكر كاراسو ان بنود المعاهدة اكدت "اهمية اقامة علاقات جيدة بين الدولتين والسعي الى احلال سلام اساسه احترام سيادة اراضي الدولتين والتعهد بعدم تحضير الجيوش لمهاجمة الطرف الاخر واقامة تحالف وانشاء قوة دفاعية مشتركة واحترام الرسل والمبعوثين بين الدولتين لاهمية دورهم لتفعيل السياسة الخارجية واخيرا اللجوء الى لعنة الالهة كضمانة لهذه المعاهدة و معاقبة الناكث بها". وأوضح كاراسو ان اهمية هذه المعاهدة تكمن في انها اول معاهدة مكتوبة في التاريخ وقد اتخذت مثالا للمعاهدات التي تلتها في العصور الوسطى لما تضمنه نصها من مقدمات وبنود وخاتمة. وتعرض هذه المعاهدة حاليا في متحف الاثار في مدينة اسطنبول و توجد نسخة عنها في مقر الامم المتحدة في نيويورك. واعرب السكرتير العام للامم المتحدة السابق كوفي عنان عن الامتنان للحكومة التركية لاهدائها نسخة مطابقة لهذه المعاهدة في مؤتمر تحالف الحضارت الذي عقد في منتصف شهر ديسمبر الماضي في مدينة اسطنبول املا بان يسهم هذا الميثاق القديم في الهام الشعوب في وقتنا الحاضر باقامة تحالفات مبنية على الحضارات والثقافات والمعتقدات والمجتمعات في مختلف انحاء العالم.