- الأحد إبريل 17, 2011 4:04 pm
#34147
تعتبر المشكلة الصومالية من أعقد وأصعب المشكلات السياسية في القرن الأفريقي؛ حيث حولت المتابعين لها عن بعد حيارى ومدهوشين حيال ما يجري في الساحة الصومالية المضطربة أحياناًً، والهادئة أحياناً أخرى منذ سقوط نظام (محمد سياد بري) عام 1991م. وعادة هناك من يعشق أن تقوم الدنيا ولا تقعد، ويفضل الإثارة والمشاكل بدل السكون والطمأنينة، وخاصة في هذا العصر الذي يشهد أضخم تطور تكنولوجي؛ لهذا وذاك فلا غرو أن نجد بعض المتابعين يميلون ودون تردد إلى مشاهدة المسلسل السياسي الصومالي المثير للجدل والغموض هو عنصر القوة وسيد الموقف في المسلسل؛ والسبب في ذلك أن ليست له بداية ولا نهاية، رغم اكتمال عنصر الإثارة والحبكة فيه.
إن اندلاع الحرب الأهلية في هذا القطر من العالم لم يأت مصادفة وبدون مقدمات، بل كان هناك سيناريو خفي أحكمت خطوطه ومفاصله من قِبَل أعدائه المعروفين للصومال، وفي الوقت الذي سقطت فيه حكومة مقديشو عام 1991م فإن الرئيس الإثيوبي آنذاك (منغستو هيلا ماريام) قد قدم كلمته التاريخية أمام البرلمان، وكان ملخصها أنه حقق للأمة الإثيوبية ما لم يحققه رئيس إثيوبي من قَبْل وهو إسقاط الحكومة الصومالية لتتحول الساحة الصومالية بعد ذلك إلى بحر من الدماء، وتغير لون مياه نهري جوبا وشيبلى إلى لون دم، والحكاية ليست بعيدة عمّا حدث في منطقة البلقان، ولكن الفرق هنا يتجلى في طبيعة الصراع وأهدافه ووسائله.
ما يحدث هنا في الصومال وما وقع في منطقة البلقان دمار وخراب وفقدان هوية وحالة من اليأس والإحباط باستخدام الترسانة السوفييتية المدمرة والتي لم تفرق بين صغير ولا كبير، ورغم كل ذلك فلم تتضح معالم خطة (حلف النيتو) الموجهة لمنطقة البلقان، وعندما أتحدث عن سيناريو خفي، ومؤامرة خبيثة تستهدف تمزيق وحدة الصومال قد يتبادر إلى ذهن بعض القراء بأنني لا زلت أعيش في مرحلة الحرب الباردة والتي كثر فيها الحديث عن نظرية المؤامرة، وإلقاء اللوم على الجهات الخارجية، وغض الطرف عن المشاكل الداخلية التي تنخر في الجسم الصومالي للقضاء عليه في اللحظة المناسبة.
وأعتقد أن العوامل الداخلية المتشابكة قد أدت الدور الحاسم في إسقاط نظام (محمد سياد بري)؛ حيث اختلطت الأوراق السياسية والعسكرية والأمنية في الصومال ما بعد 1977م، ورغم كل ذلك فليس من الإنصاف في شيء أن نحمّل المسؤولية كاملة على طاقم الحكومة المركزية الصومالية السابقة والعوامل الداخلية الأخرى أيضاً، ونغفل العوامل الخارجية التي وفرت الوسائل الممكنة للمعارضة الصومالية ما قبل 1991م لإسقاط النظام القائم آنذاك.
وهناك عامل آخر أشد خطورة من العوامل الأخرى والتي لم يتحدث عنها كثير ممن تناول الأزمة الصومالية وهو عدم الالتزام الواضح بالنظام الإسلامي.
إن ما يجري الآن في الساحة الصومالية وفي أماكن كثيرة أخرى من العالم الإسلامي من تناقضات سياسية، ومن حروب أهلية وتمرد وانتشار الأوبئة والمجاعة والجفاف والتصحر الذي يضرب أجزاءً كبيرة من العالم الإسلامي إنما يرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف، وصوره المثالية التي يجب على الأمة المسلمة في كل مكان وزمان أن تطبقها وتنزلها في حياتها اليومية، وتجعلها المصدر الأساس الذي تلجأ إليه في جميع الأوقات لتكون خير أمة أخرجت للناس؛ تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؛ وذلك تحقيقاً لقوله ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وقوله ـ تعالى ـ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].
ولكن الأمور تغيرت عندما سيطرت مجموعة قليلة من العسكريين بزعامة (اللواء محمد سياد بري) على مقاليد الحكم عام 1969م؛ حيث باشرت بنفسها في تهيئة المناخ والظروف لإحلال الأيديولوجية الماركسية محل القيم والنظم الإسلامية النبيلة، وبالذات عام 1974م؛ ومن هذا الوقت بدأ العَدّ التنازلي والانهيار الداخلي بصورة تدريجية، وفي الوقت الذي رفض الشارع الصومالي تلك الأفكار الرجعية والتي تتصادم مع تقاليده وقيمه لجأ النظام العسكري البائد إلى استخدام قوته العسكرية المفرطة غير المسوغة لتنفيذ الأيديولوجية الشيوعية في القرن الأفريقي؛ باعتبار أن قيادة مقديشو وقتذاك رأت بنفسها أنها الأقدر على تنفيذ الأيديولوجية، وسياسة الاتحاد السوفييتي السابق في أفريقيا؛ ولذلك أنزلت تلك البرامج العفنة في ربوع الصومال، وكأنها وحْي أنزل من السماء؛ وفي سبيل تحقيق ذلك أعدمت قوات الأمن الصومالي عام 1971م (12) من العلماء الصوماليين البارزين رمياً بالرصاص أمام الجماهير، وكان يوماً مشهوداً {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْـحَمِيد} [البروج: 8]؛ فكانت العاقبة ذهاب النظام بكامله وأيديولوجيته الفاسدة، ويعتبر ذلك درساً بليغاً وقاسياً لكل السياسيين الصوماليين في الوقت الراهن.
ونطرح الآن السؤال التالي: مَنْ الذي يملك مفتاح حل الأزمة الصومالية العويصة؟! وللإجابة عن هذا السؤال المحير في حد ذاته نقول أولاً: إن المشكلة الصومالية ليست كما يتصوره بعض المحللين السياسيين الذين يرون أن القضية لا تعدو كونها مجرد صراع قبلي فقط للسيطرة على الكلأ والمرعى والأراضي الصالحة للزراعة ومنابت الشجر ومراكز القرار السياسي في البلد مثل العاصمة لتحقيق أغراض قبلية في المقام الأول، كما لا يوجد صراع سياسي بين الفرقاء الصوماليين بمفهومه الأيديولوجي، وقد أشرنا في افتتاحية هذا المقال أن هناك من يلقي اللوم فقط على التدخلات الخارجية الرامية إلى تأجيج الحرب الأهلية في البلد لتحقيق أغراض استراتيجية معينة.
ولكن كلا الفريقين قد جانبهم الصواب؛ لأن القضية الصومالية أكبر من كل ذلك، فليست مجرد صراع قبلي أولاً، بل هناك عوامل متداخلة ومتشابكة أدت في مجملها إلى ما نحن فيه الآن من الفوضى العارمة، ومنها ـ على سبيل المثال ـ الاستعمار الأوروبي الذي قسم الأمة الصومالية إلى أجزاء وفتات في بداية القرن الماضي المنصرم، أضف إلى ذلك السياسية الخاطئة التي انطلقت من عقلية الحزب الواحد الذي حكم البلد ردحاً من الزمن (1969 - 1991م).
تلك السياسات المخفقة أدت في مجملها إلى انهيار الاقتصاد الوطني في البلد، وتعميق النعرات القبلية، وخاصة ما بعد 1977م، ولم يختصر الأمر إلى هذا الحد، بل لجأت الحكومة السابقة إلى استخدام أساليب هدامة غير حضارية، وخاصة في المجال الأمني؛ حيث قامت بتصفية حسابات طالت جميع شرائح المجتمع الصومالي من سياسيين وعسكريين ومدنيين، بالإضافة إلى المرتكزات الأساسية التي انطلقت منها السياسة الخارجية الصومالية تجاه تعاملها مع التوازنات الدولية في العالم إبّان حكومة (محمد سياد برّى) السابق؛ حيث لم تكن واقعية في ما أعتقد، كما أنها لم تكن ترعى المصالح العليا للوطن، ومما يبرهن ذلك كونها هرولت في بداية مشوارها إلى (موسكو) ـ موطن ومركز إشعاع وتصدير سرطان الاشتراكية إلى العـالم الثالث ـ لتأخذ أفكار الثورة الاشتراكية البلشيفية كما هي، ودون أن تلجأ إلى غربلتها وإنتاجها من جديد، وخاصة الجانب الثقافي والأيديولوجي منها، وفي الوقت الذي خدرت القيادة الصومالية شعبها بهذه الأفكار الاشترايكة البالية المستوردة من الاتحاد السوفييتي السابق تلقت القيادة الصومالية نفسها المتحمسة لهذا المشروع ضربة قاضية من حليفتها الاستراتيجية موسكو؛ حيث اتخذت الأخيرة قراراً يقضي بإيقاف امداد الصومال بقطع الغيار والذخائر إبّان (حرب أوجادين) عام 1977م التي اندلعت بين الصومال وأثيوبيا الاشتراكيتين، وفي الوقت نفسه قدم الاتحاد السوفييتي إمدادات عسكرية هائلة إلى (أديس أبابا) تمثلت بالدبابات والمدفعية الثقيلة، وقد أثار ذلك حفيظة القيادة الصومالية آنذاك، واتخذت أثناء ذلك وبصورة مفاجئة قراراً سياسياً حاسماً يقضي بطرد خبراء الاتحاد السوفييتي البالغ عددهم (7000)، وبعد أن طوت مقديشو صفحة العلاقات الاستراتيجية مع الاتحاد السوفييتي السابق اتجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بوساطة سعودية، وكانت المملكة العربية السعودية قلقة من الوجود العسكري السوفييتي آنذاك في الصومال قبل أن يحصل الطلاق البائن بين مقديشو وموسكو، وفي الفترة من 12 إلى 14 يوليو 1977م قام الرئيس الصومالي (محمد سياد بري) السابق بزيارة مفاجئة إلى جدة لإجراء مناقشات مع القادة السعوديين، وبعد أقل من أسبوعين عرضت إدارة كارتر ـ في 26 يونيو 1977م ـ الحلول محل الاتحاد السوفييتي كمصدر للأسلحة المطلوبة للصومال، وتخيلت القيادة الصومالية أن واشنطون ستصبح البديل الأمثل القادر على ملء الفراغ الكبير الذي خلفه الاتحاد السوفييتي، بيد أن تلك الوعود قد تحولت إلى سراب؛ حيث سلكت إدارة البيت الأبيض نفس الطريق الذي سلكته موسكو، ولم تقدم شيئاً للحكومة الصومالية، وكان رد فعل ذلك مرارة صومالية شديدة عبّر عنها الرئيس الصومالي (سياد بري) السابق أثناء زيارة ثانية له إلى جدة لترتيب الحصول على مساعدة سعودية، وفي 4 سبتمبر 1977م اتهم الرئيس الصومالي السابق (محمد سياد بري) الولايات المتحدة بالنفاق لسحب تعهدها بالمساعدة.
وهنا يكمن خطر الشعارات الجوفاء التي يرفعها قادة الانقلابيين في العالم الإسلامي، وذلك بعد سيطرتهم على مقاليد الحكم؛ حيث يطلقون التصريحات تلو التصريحات عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية مفادها أنهم ثوريون ومخلصون لوطنهم، وليس لهم من الوطنية إلا الزيّ في المناسبات المحلية، والعبارة، بترديدهم شعارات لا معنى لها كالببغاء، نعم! إذا كانت الثورة والانتفاضة تأتي من الشعب مثل: الثورة الفرنسية، والانتفاضات الشعبية في العالم الإسلامي ضد الاستعمار الأوروبي في بدايات القرن العشرين المنصرم، ولكن في واقع الأمر الانقلابات العسكرية ما هي إلا وسيلة راديكالية ماكرة يلجأ إلى استخدامها من يلهث وراء تحيقيق المصالح الشخصية فقط، وما يحدث الآن في العالم الإسلامي خير شاهد على ذلك؛ حيث نرى التراجع الكبير الذي أصاب القيادات السياسية التي رفعت في بداية عهدها الشعارات الثورية والاستقلالية، ولكن اليوم انضمت إلى صفوف الدول الانبطاحية.
إن المشكلة الصومالية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، ولا يعرف حتى الآن من الذي يملك العصا السحرية لاحتواء هذه الأزمة، ويعيد المياه الجارفة إلى مجارها الطبيعي، ولكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، مع ما تحمل في طياتها من الموجات المتلاطمة والتي قد تزحزح الجدار العازل المعنوي بين القبائل الصومالية ذات الأهداف والمصير المشترك، والمدهش ـ أيضاً ـ الذي لا يتصوره بعضهم أن المجتمع الصومالي ـ ورغم تلك المحنة التي ألَمَّت به ـ لا يزال يواصل حياته اليومية العادية على هذه البقعة الجغرافية من العالم، وفي ظل غياب المؤسسات الدستورية، ومع كل ذلك فإن الاقتصاد الصومالي ـ من القطاع الخاص ـ قد قطع شوطاً كبيراً، وخاصة في مجال الاتصالات والتجارة، ويعتقد من لا يتابع مجريات الأحداث في الصومال عن قرب أن الشعب الصومالي يعيش تحت رحمة المدافع وقعقعة السلاح، ولا يدري أن أغلب المناطق في البلد ما عدا العاصمة (مقديشو) والمناطق القريبة لها تنعم بالأمن والاستقرار، كما تشهد الساحة الصومالية نهضة تنموية تتمثل بفتح الجامعات والمعاهد العليا والمدارس، بالإضافة إلى شركات الطيران والاتصالات وجميع ما يحتاجه الإنسان المدني في العصر الحديث، ولكن رغم كل ذلك فإن ما ينقص الساحة الصومالية في الوقت الراهن، والذي ذاع صيته هو غياب السيادة الصومالية وهو ما نركز عليه في مقالنا هذا؛ حيث سنلقي الضوء على المشاكل السياسية فقط، ودور المجتمع الدولي في إيجاد حل ناجع لهذه المشكلة العويصة.
وإذا ألفتنا النظر إلى القضايا الأخرى المشابهة للقضية الصومالية في قارة أفريقيا السمراء وغيرها نجد أنها وجدت الحل المناسب؛ حيث تم احتواؤها سواء عن طريق دول القارة، أو عن طريق المجتمع الدولي.
وما حدث في البحيرات العظمى في وسط أفريقيا والحرب الأهلىه المريرة التي اندلعت في سيراليون في الفترة ما بين عام 1991م إلى عام 2001م، والتصادم المسلح الذي انفجر في ليبيريا للسيطرة على مقاليد الحكم، بالإضافة إلى الصراع العسكري المرير الذي وقع بين إرتيريا وإثيوبيا عام 1998م؛ كل هذه القضايا الساخنة وغيرها قد تمت معالجتها واحتواؤها، ولكن لماذا المشكلة الصومالية لم تجد حتى الآن حلاً منطقياً؟ ولماذا نسمع كل يوم إعلان مبادرة ترمي إلى إنهاء الصراع السياسي في الصومال؟ وهل يعني ذلك أن المجتمع الدولي تخلى عن الصومال؟ وما هو دور الدول العربية والإسلامية والأفريقية في وقف الصراع السياسي في الصومال؟.
ولمعرفة المزيد من الإيضاح حول هذه الأسئلة المطروحة حول الساحة الصومالية نحاول أن نلقي الضوء على جميع القضايا المتشابكة والمتداخلة بالتحليل والنقد للوصول إلى نتائج قد تقودنا في نهاية المطاف إلى معرفة المواقف المتباينة الصادرة من الجهات المعنية بالملف الصومالي الساخن.
أولاً: دور الدول العربية والإسلامية حيال القضية الصومالية:
تزامن انهيار النظام الصومالي عام 1991م مع حدوث تغيرات جذرية في المنظومة السياسية الدولية ليس على العالم الإسلامي فحسب، بل حتى على العالم ككل؛ وذلك بإعلان شهادة الوفاة لـ (لاتحاد السوفييتي) واختفائه عن الساحة الدولية؛ حيث سطع بعد ذلك في الفضاء الدولي المضطرب اسم الولايات المتحدة الأمريكية، وتناقلت وسائل الإعلام الدولية التصريحات الصادرة من البيت الأبيض الموجهة إلى جميع دول العالم لإقناعها الدخول في حظيرة واشنطون طوعاً أو كرهاً، وكرست أمريكا هيمنتها على الكوكب الأرضي لكي تنفرد بقيادة العالم، وتجعل نفسها شرطي العالم؛ هذا الحدث الكبير ربما كان إيذاناً بدخول مرحلة جديدة لم تتضح حتى الآن صورته الكاملة، ولم تضع قيادة الصقور في البيت الأبيض استراتيجية سياسية واضحة المعالم تجاه ما أعلنته من (النظام العالمي الجديد عام 1990م) الذي غير وبصورة دراماتيكية الخريطة السياسية في النظام الدولي والذي تحول فيما بعد إلى نظام العولمة (أمركة العالم)، ومنها على سبيل المثال: غزو العراق على الكويت، وانهيار أنظمة اشتراكية في العالم الثالث كان آخره نظام بلغراد.
ونتيجة لهذه الأحداث المأساوية وغيرها احتلت (القضية الصومالية) ذيل قائمة جدول الأعمال في اجتماعات دول العالم الإسلامي؛ فأصبح الشغل الشاغل وحديث الساعة التركيز على الخلافات السياسية الداخلية، ومحاولة تعميق النزاع السياسي بين الدول العربية؛ فبدلاً من أن تهتم الدول العربية بـ (الملف الصومالي)، وتجعله في قائمة أولوياتها السياسية مثل القضايا الأخرى المعروفة أبرزت العواصم العربية نوعاً من الفتور الدبلوماسي؛ لأنها مفقودة الحركة الدينامية النشطة المصحوبة بالمسؤولية التاريخية تجاه الأمة الصومالية؛ هذا الإهمال الواضح أدى إلى أن تبتعد الدول العربية رويداً رويداً من مواقع القرار السياسي الأفريقي الذي استأثر ودون منافسة بـ (الملف الصومالي) وبمباركة من الدول العربية بوعي ودون وعي. وليت الأمر اختصر على الشأن الصومالي، بل انتقلت العدوى إلى مشكلة جنوب السودان أيضاً؛ فبعد أن اتخذت القيادة السودانية قرارها الحاسم القاضي بإعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير والذي جاء في إطار اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1996م؛ بسبب الظروف السياسية والعسكرية التي واجهت حكومة الخرطوم من دول الجيران ـ آنذاك ـ المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية استقيظت الدول العربية من كبوتها وغفلتها العميقة؛ حيث لم تقف مع السودان عسكرياً وسياسياً قبل ذلك الوقت، وندمت الدول العربية بتقصيرها تجاه السودان الذي يتعرض الآن إلى تمزيق وحدته، ولات حين مناص؛ حيث لاينفع الندم في (عصر العولمة) والتكتلات الدولية؛ فبدأت بعض العواصم العربية المعنية بـ (الملف السوداني) الشقيق تحركاتها الدبلوماسية من هنا وهناك، ليس من حيث حفظ وحدة الأراضي السودانية ـ سلة غذاء العالم العربي كما يقولون ـ ولكن لحفظ مصالحها الاستراتيجية، ولن تستطيع أن تحقق مصالحها بالطريقة البهلوانية مهما بذلت من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف الزحف الصهيوني على العالم الإسلامي.
إن الدور العربي قد اختصر بمبادرات ثنائية وبجهود فردية لم تثمر الحد الأدنى المعروف في الأبجديات السياسية في قاموس رأب الصدع، وحلحلة القضايا الشائكة ذات الطابع الدولي مثل: قضية الصومال؛ فكانت المبادرة المصرية في بداية عام 1998م، ويقال إن القاهرة استطاعت في بداية الأمر أن تزيل الحاجز النفسي بين الفرقاء الصوماليين؛ حيث تقاطر الفرقاء الصوماليون إلى مصر للجلوس معاً حول مائدة الحوار الوطني، ولكن تدخل الحكومة الإثيوبية في هذاالشأن أفسد مناخ التفاوض؛ لأن الخطوط الساخنة كانت مفتوحة بين السفارة الإثيوبية في القاهرة وبين بعض رؤساء الفصائل الصومالية، ومع كل ذلك فإن الدول العربية المعنية بـ (الملف الصومالي) تصدر التصريحات المهينة التالية: «نعتقد أن إثيوبيا كدولة مهمة وجارة للصومال لا يمكن إغفال دورها الحيوي الهام في دعم جهود المصالحة الصومالية».
والغريب هنا عدم مقدرة مصر استخدام الوسائل الممكنة لإقناع الفرقاء الصوماليين التخلي عن (الأساليب الراديكالية) التي تطيل أمد الصراع السياسي في البلد، ولكن الأغرب من كل ذلك انقياد الفرقاء الصوماليين لإثيوبيا ومشاوراتهم المستمرة معها رغم معرفتهم أنها تصب الزيت على النار لتأجيج الصراع السياسي في البلد بين الحين والآخر، في حين رفضت الفصائل الصومالية المتناحرة مقترحات جمهورية مصر عام 1998م الرامية إلى إقامة حكومة وطنية ذات قاعدة عريضة، ورغم ما بذلت مصر من جهود إلا أن الوفود الصومالية التي شاركت في هذا المؤتمر رجعت إلى ثكناتها الملتهبة.
ومن عجائب الدنيا في ميزان القوى والتأثير في الشأن الصومالي الذي يخص الأمة الإسلامية في المقام الأول نجد أن الدول العربية عاجزة أن تعلن موقفها السياسي الواضح تجاه ما يحدث في الصومال، وتوجه في الوقت نفسه رسالة سياسية قوية إلى الجهات الأفريقية المعادية للصومال، وهذه الرسالة لا بد أن تحمل في طياتها بنوداً تدعو إلى وقف التلاعب في الملف الصومالي، وإذا لم تنفذ (كينيا وإثيوبيا) مطالب الدول العربية فإن بإمكانها أن تلجأ إلى استخدام أوراقها الاقتصادية من الاستثمارات الهائلة التي تتدفق إلى (أديس أبابا، ونيروبي) من كل حدب وصوب، ونتساءل الآن أين غيرة وكبرياء الدول الإسلامية حيال ما يجري في الصومال؟ لماذا لا تستخدم ـ وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ـ قوتها الاستثمارية الهائلة والتي تذهب إلى الكيان الإثيوبي المحتل للأراضي الصومالية لتحجيم دور الرجل المريض (ملس زناوى) المغلوب على أمره في الشأن الصومالي، ووقف خطواته الرامية إلى تأجيج الصراع السياسي والقبلي في الصومال، ويستخدم في تحقيق ذلك كل الوسائل المتاحة لديه؟.
وخلاصة القول: فإن الاهتمام العربي والإسلامي حيال الأزمة الصومالية وتعاملها معها برز إلى السطح منذ بداية عام 1998م؛ حيث وصلت القضية الصومالية في مواقع اتخاذ القرار السياسي في الدول العربية؛ وذلك بعد إنهاء المقاطعات السياسية بين الدول العربية نتيجة غزو العراق على الكويت وتداعياتها المريرة، ولكن أحداث 11 سبتمبر خلطت الأوراق العربية من جديد؛ ومن هول ما أصاب (حركة طالبان) الإمارة الإسلامية في أفغانستان 2001م، وتصفية (النظام البعثي) في العراق 2003م، وتوجيه الإنذارت القوية إلى جميع دول العالم الثالث بما في ذلك الدول العربية وبدون استثناء من الدول الصديقة والمارقة كما يحلو لأمريكا؛ فإن الدول العربية اختصر دورها بإصدار البيانات المقتضبة التي تدعو إلى وقف الصراع السياسي في البلد ووضع حد للفوضى العارمة من التصادم المسلح، كما عبرت الدول العربية تأييدها الكامل ووقوفها خلف (مبادرة الإيغاد) الحالية في كينيا، ولتحقيق هذا الغرض فإن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد (عمرو موسى) قد قام بزيارة مهمة في شهر مارس 2004م إلى نيروبي لتحريك الجمود الذي طرأ في مؤتمر المصالحة الصومالي، ويسعى السيد (عمرو موسى) إلى تقريب وجهات النظر المتباعدة ـ دائماً ـ بين الفرقاء الصوماليين، وهي خطوة متقدمة في حد ذاتها ترمي على ما أعتقد إلى إحياء الدور العربي المفقود في الصومال والسودان علماً بأن محادثات السلام بين الخرطوم (والحركة الشعبية لتحرير السودان) كانت مستمرة في منتجع مشاكوس إبّان زيارة السيد (عمرو موسى)؛ ولذلك فإن الأمين العام لجامعة الدول العربية أراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد، وفي يوم 5/6/2004م وجه السيد (عمرو موسى) أثناء مشاركته حفل توقيع برتكول السلام الدائم بين الحكومة السودانية (والحركة الشعبية لتحرير السودان) خطاباً سياسياً إلى زعماء الفصائل الصومالية المشاركة في مؤتمر المصالحة الصومالي في كينيا دعا فيه إلى وضع حد للفوضى السياسية العارمة فـي الصـومال، وتقـديم المصـلحة العـامة علـى المصلـحة الخاصـة بإقامة حكومة وطنية؛ بيد أن هذا الخطاب وغيره من البيانات المكررة والتي أصدرتها (الجامعة العربية) ودولها أيضاً لا تخرج عن كونها مجرد بيانات لا قيمة لها، مثلها مثل البيانات الأدبية التي تصدر سنوياً من القمم العربية، والتي تدور في حلقة مفرغة حيث لا تقدم ولا تأخر.
ثانياً: احتكار الدول الأفريقية ملف الصومال يأجج الصراع السياسي في البلد:
إن الدول الأفريقية تعاني في حد ذاتها من مشاكل سياسية واقتصادية وصحية وأمنية وغيرها من القضايا الساخنة ذات الوزن الثـقيل؛ حيث لم تستطع الدول الأفريقية البعيدة عن الصومال جغرافياً أن تلتفت ولو من طرف خفي إلى حلحلة الأزمة الصومالية؛ لأنها ربما وصلت في مرحلة يرثى لها، وهي مرحلة (اللهم سلم)! ومع كل هذا وذاك فإن دول غرب أفريقيا قد استطاعت أن تحل مشكلة سيراليون، وليبيريا بمساعدة من الأمم المتحدة، وغيرها من القضايا الأخرى، كما اهتمت جميع الدول الأفريقية القوية منها والضعيفة بمشكلة البحيرات العظمى: بورندي وروندا والكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً)، بالإضافة إلى ذلك فإن منظمة الوحدة الأفريقية استطاعت وبصورة أدهشت الجميع نزع فتيل الأزمة العسكرية بين (أسمرا، وأديس أبابا) عام 1998م؛ حيث وقَّع البلدان اتفاقية وقف اطلاق النار في الجزائر والتي مهدت الطريق فيما بعد لإرسال قوات الأمم المتحدة متعددة الجنسيات إلى المناطق المتنازعة عليها بين الدولتين، ولكن الأمر الغريب للغاية أن تهمل الدول الأفريقية الملف الصومالي إلى هذه الدرجة رغم احتكارها له؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن الصومال كانت من الدول القوية في أفريقيا والتي انضمت إلى جامعة الدول العربية فيما بعد عام 1974م، مع الوضع في الاعتبار أن الدول الأفريقية سواء الدول الفرنكفونية، أو الدول الأنجلو الأمريكية قد انتقل إليها فيروس الكراهية لما هو عربي، وهذا معروف لدى الجميع؛ وسبب الكراهية هذه تنبع من مصدرين:
1 ـ المناهج الدراسية لكثير من الدول الأفريقية تكرس في نشر العداوة بين الأفارقة والعرب بحجة أن العرب استعمروا الأفارقة من قَبْل، كما لعب أثرياء العرب حسب رأي الأفارقة دوراً بارزاً في تجارة الرق بالأفارقة؛ حيث كان النشاط التجاري مزدهراً قبيل مجيء الاستعمار الأوروبي، وكان تدخل الدول الأوروبية في القارة إنقاذاً للأفارقة من الهجمة العربية التي أرادت أن تستعبد الأفارقة.
وعندما كنت طالباً في المرحلة الجامعية في السودان تناقشت مع زملاء لي من غرب أفريقيا وشرقها ووسطهاحول هذا الموضوع فأكدوا لي وجود مثل تلك الأفكار الهابطة، وحمَّلوا المسؤولية الكبيرة على الاستعمار الأوروبي والنشاط الصهيوني في أفريقيا الذي يسعى دائماً وبكل السبل إلى تغييب الأغلبية الإسلامية المنتشرة في أفريقيا من هنا وهناك، بالإضافة إلى غياب دور الدول الإسلامية والعربية ـ إن صح التعبير ـ في المجال الثقافي والتعليمي مقارنة بما تقدمه الدول الأخرى للأفارقة.
2 ـ القيادة السياسية الأفريقية وبمختلف مشاربها وطرقها قد تلقت دروسها السياسية من العواصم الغربية (لندن ـ باريس ـ روما ـ مدريد ـ واشنطون) سواء عن جامعاتها المفتوحة للأفارقة أو الكورسات (الدورات) التدريبية الخفية مثل: التدريبات الإسعافية المكثفة التي يتلقاها ـ الآن ـ مجموعة من القادة العراقيين الجدد في لندن وواشنطون لنشر قيم الديمقراطية في العراق والعكس هو الصحيح. تلك المجموعة السياسية من قادة أفريقيا والتي تدور في محوري الفرنكفونية، والأنجلو أمريكي لا شك أنها تلقت كمية من المعلومات الخاطئة المتعلقة بالعالم الإسلامي وفي حميع المجالات بغية تعكير وتقطيع العلاقات الثقافية والعلمية والتجارية بين الدول الأفريقية والدول العربية، وإخفاء الحقائق الغائبة عن الدول الأفريقية المرتبطة بالدور الإيجابي الذي لعبه المسلمون في أفريقيا سواء في مجال نشر الإسلام وثقافته السامية، أو التبادل التجاري المشروع أيضاً، ومساعدة الأفارقة من جهة أخرى.
وتختصر علاقة الدول الأفريقية بالدول العربية والإسلامية في المجال السياسي بما يحقق مصالح الدول الأفريقية فقط تلك الظروف السياسية الصعبة التي سيطرت على فضاء أفريقيا ردحاً من الزمن والصراع السياسي بينها وبين الدول العربية ألقت بظلالها على القضية الصومالية العويصة.
وبناءً على ذلك فإن الدول الأفريقية احتكرت وبصورة لا رجعة عنها الملف الصومالي بدعم من كوفي أنان (الأفريقي الأمين العام للأمم المتحدة)، وبمباركة من الدكتور (سالم أحمد سالم) الأفريقي أيضاً الأمين العام للاتحاد الأفريقي ولم تثمر حتى الآن المحاولات الجادة التي بذلتها دولة جيبوتي الشقيقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ حيث أطلقت مبادرتها عام 2000م الرامية إلى إحياء الأمل في الصومال الذي مزقته الحرب الأهلية، وقد نجحت تلك المبادرة في تأسيس حكومة انتقالية بقيادة الدكتور (عبده قاسم صلاد حسن)، ولكن في نهاية المطاف لم تستطع الحكومة المذكورة أن تتأقلم مع المناخ السياسي في البلد الذي يعتمد الكثافة النارية بدل الحوار الهادئ، بالإضافة إلى معارضة أغلب رؤساء الفصائل الذين يفرضون قبضتهم الحديدية، وسيطرتهم الكاملة على الساحة الصومالية فاصطدمت الحكومة الجديدة بهذا الجدار العنيد؛ حيث تحولت بعد ذلك إلى شذر مذر.
وتجدر الإشارة هنا أن الاتحاد الأفريقي الذي أعلن ميلاده أثناء انعقاد القمة الأفريقية في (ديربان) عام 2002م لم يأت بشيء جديد، وخاصة في مجال احتواء الأزمات السياسية في القارة، ومحاربة الفقر، والأمراض الفتاكة، ولا غرو إذاً ـ إن قلنا ـ: إن الكيان الجديد هو مجرد واجهة فقط تستخدمه الولايات المتحدة لمحاربة ما يسمى (الجماعات الإرهابية) والتي وجدت ملاذاً آمناً في أفريقيا حسبما تزعمه أمريكا، أضف إلى ذلك أن العواصم الأفريقية تعشق دائماً بهذا التغيير الشكلي.
وانطلاقاً من هذا فإن الدول الأفريقية متمثلة في (الاتحاد الأفريقي) وفي شخصية أمينه العام الدكتور (سالم أحمد سالم) أعطى الشرعية والضوء الأخضر لمنظمة (الإيغاد) وخاصة نيروبي، وأديس أبابا للنظر في المشكلة الصومالية العويصة وليس حلها؛ فكانت المبادرات تلو المبادرات، وكانت تنتقل بين تلك العواصم المذكورة، ولكن كلها باءت بالإخفاق الذريع، وآخرها المبادرة الكينية والتي انطلقت شرارتها الأولى في بداية 15 اكتوبر من عام 2002م، ولا يزال زخمها الإعلامي مستمراً حتى الآن.
ولست من الذين يرفضون الدور الأفريقي الإيجابي ـ إن وجد ـ تجاه المسألة الصومالية، وبخاصة من الدول التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية طيبة مع الصومال، ولكن أن يفرضوا سيطرتهم الكاملة عليه دون تقديم مقترحات منطقية وواقعية، وفي الوقت نفسه تخرج الشعب الصومالي من النفق المظلم، هذا ما أرفضه جملة وتفصيلاً، وعندما تحتكر بعض الدول الأفريقية؛ المعادية للصومال (ملف الصومال) وكأنه شأن داخلي للأفارقة فمن حقنا أن نقول وبصوت عالٍ: متى أصبح الذئب راعياً؟.
وفي نهاية عام 1997م وبداية عام 1998م عندما استضافت القاهرة الفرقاء الصوماليين لكسر الحاجز النفسي بينهم على الأقل في بداية الأمر، وإحياء الدور العربي المفقود لاستعادة مركزه في القرن الأفريقي إعلامياً على الأقل فإن عواصم أفريقية معروفة وقفت بشدة ضد تحركات مصر، وفي هذا الوقت بالذات نشرتُ مقالاً في صحيفة (الرأي العام) السودانية أوضحتُ فيه أن المسألة الصومالية ذات بُعْد إسلامي وعربي وأفريقي؛ إشارة إلى أن أبوابها مفتوحة لكل من عنده مفتاح الصندوق الأسود الضائع في أدغال أفريقيا والصحراء العربية لحل المشكلة الصومالية، ولكن من الصعب جداً أن تفهم القيادة الأفريقية عقلية الشخص الصومالي مهما حاولت أن تقترب منه، وبخاصة أثناء الجلسات الخاصة في الفنادق ذات النجوم الخمسة في ساعات مبكرة من الليل، وقد يقول قائل: إن هناك محادثات صومالية جارية ـ الآن ـ في (كينيا)، وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى إنشاء حكومة انتقالية، بيد أن الأمر ليس في يد (نيروبي) ولا الدول الأفريقية الأخرى الأعضاء في منظمة (الإيغاد)، ولكن القضية برمتها في يد أمريكا، وكينيا ما هي الإ وسيلة تستخدمها (واشنطون) لتنفيذ أجندتها الخاصة في شرق أفريقيا، وما الدور الشكلي الذي لعبته كينيا في المحادثات الثنائية بين حكومة الخرطوم و (الحركة الشعبية لتحرير السودان) بقيادة (جون غاران) والذي توصل الطرفان فيه إلى اتفاق تاريخي بعد جولات ساخنة وباردة أحياناً بين الجانبين خير دليل وشاهد على ما نقول.
ومن المفارقات العجيبة ـ أيها القارىء ـ في دنيا السياسة ما يسمى (المصالحة الصومالية) والتي يرتفع زخمها السياسي بين الحين والآخر منذ انهيار الحكومة الصومالية عام يناير 1991م إلى هذه اللحظة، وقد حطمت تلك المبادرات الأرقام القياسية في تاريخ رأب الصدع، وحلحلة الأزمة السياسية في الصومال منذ انهيار الحكومة المركزية الصومالية، وما أن تنتهي مبادرة تستمر لفترة وجيزة ـ قد تصل في بعض الأحيان إلى عام ـ حتى يلوح في الأفق مبادرة أخرى تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية في البلد، ولكن القاسم المشترك الوحيد لجميع تلك المبادرات هو الإخفاق الذريع.
ثالثاً: دور الولايات المتحدة الأمريكية في المشكلة الصومالية:
لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً مزدوجاً حيال الأزمة الصومالية منذ شرارتها الأولى؛ ففي بدايات انهيار الحكومة المركزية في البلد كانت عناصر مخابراتها تنسق مع المعارضة الصومالية المسلحة والدول المعادية المجاورة للصومال للتخلص من نظام (محمد سياد بري) بغية القضاء على جميع الأنظمة التي ارتبطت بعلاقات استراتيجية مع الاتحاد السوفييتي السابق في القرن الأفريقي، وبعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية في بداية عام 1991م حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تلتفت إلى القضية الصومالية بغية تأجيجها، وليس احتواؤها مثل: أفغانستان، والعراق؛ وتحقيقاً لهذا الغرض الاستراتيجي لجأت (واشنطون، والأمم المتحدة) لإصدار قرار دولي يسمح لها أن تقود حملة عسكرية دولية تحت شعار (إعادة الأمل) في الصومال عام 1993م، ولكن في حقيقة الأمر أن (واشنطون) أعدت خطة سياسية وأمنية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وذلك عندما قصفت طائراتها الحربية الأحياء الشعبية في (مقديشو) وبصورة عشوائية أسفرت عن موت الآلاف من المدنيين الأبرياء والذين راحو ضحية الحرية والديمقراطية الأمريكية، والتي بشرت بها أمريكا للشعب الصومالي بإعادة الحكومة الصومالية والتخلص من الفوضى العارمة التي أكلت الأخضر واليابس، بيد أن الصورة صارت واضحة ومعكوسة عندما وقف الجنرال (محمد فارح عيديد) ضد الهيمنة والغطرسة الأمريكية، ونفذت قواته الخاصة عمليات نوعية استهدفت صفوف القوات الأمريكية، كما أبلت القوى الإسلامية الوطنية بلاءً حسناً أيضاً.
وفي الوقت الذي كانت (قيادة البينتاجون) متحمسة إلى تنفيذ تلك المجازر البشعة وبصورة محكمة في (مقديشو) فإن الخط الساخن كان مفتوحاً بين (الجنرال عيديد) وبين المخابرات الإيطالية لإخفاق خطط الولايات المتحدة الأمريكية الموجهة إلى الصومال؛ ويتضح من كل ذلك التناقض الدولي وتضارب المصالح بين أمريكا وبين الاتحاد الأوروبي حيال الأزمة الصومالية، ومع ذلك فإن هناك قواسم مشتركة بينهم وهو إهانة وإذلال الشعب الصومالي.
وفي الوقت الحالي فإن أمريكا يصب جل اهتمامها تجاه تعاملها مع المشكلة الصومالية في الجانب الأمني فقط؛ وذلك لحفظ مصالحها الاستراتيجية؛ ولتحقيق هذا الهدف الحيوي فإن سفنها الحربية تجوب في المحيط الهندي والبحر الأحمر الصومالي لمراقبة السفن التجارية المتجهة إلى الصومال ذهاباً واياباً، كما تحوم طائراتها الحربية من طراز أباتشي فوق سماء الصومال في أي وقت تشاء، وفي أي مكان لاكتشاف ما يسمونه معسكرات تنظيم القاعدة المتسللين إلى القرن الأفريقي لتنفيذ عمليات إرهابية ربما في أفريقيا، وبخاصة ضد المصالح الأمريكية.
ومن جهة أخرى فإن المخابرات الأمريكية مصممة أيضاً أن تكشف معسكرات التدريب والمعاقل التابعة (للاتحاد الإسلامي) ومن يتعاطف معه من الصوماليين؛ وذلك حسب المزاعم الأمريكية المضللة للرأي العام الدولي، والكل يعرف أن (الاتحاد الإسلامي) لا يوجد في الصومال على الإطلاق، ولكن يوجد في (إقليم أوجادين) المعروف والذي يخضع للسيطرة الإثيوبية؛ لذا فإن الدجل السياسي الأمريكي الموجه إلى الصومال يجب أن يتوقف؛ لأن الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها أنه ليس هناك شيء يختفي في الصومال لا في سمائه، ولا في أرضه، ولا حتى في البحر؛ لأنه بلد مفتوح على مصراعيه أولاً، ومن جهة أخرى فإنه يخضع إلى رقابة محلية من قِبَل القبائل والبطون المسيطرة على الأوضاع هناك؛ لهذا أو ذاك فلن تكون هناك صعوبة لمعرفة ما يجري في الساحة الصومالية؛ لأنها مكشوفة ظاهراً وباطناً ـ ناهيك عن القوى الهائلة الأمريكية حسبما تدعي والتي بإمكانها اكتشاف الأماكن الحصينة المشتبه إن وجد ـ.
ومهما حاولت جهات صومالية معادية للاتجاهات الإسلامية أن تغرر المخابرات الأمريكية لتبيع عليها معلومات مضطربة وغير صحيحة تتعلق بـ (الجماعات الإسلامية) في الصومال فإن الحقيقة وحدها هي التي تبقى، وينتظرهم درس قاسٍٍ بفقدهم المصداقية أمام الشعب الصومالي، ومثلهم كمثل الدكتور/ أحمد جلبي العراقي الذي باع وطنه وشعبه بثمن بخس، ويبدو أن الولايات المتحدة تريد أن تقول للعالم أجمع: أن قوتها التكنولوجية التي تتمتع بها بإمكانها أن تحول السراب ماءً لمساعدة الأهالي الصوماليين المتضررين جراء التصحر والجفاف الذي ضرب بلدهم.
فبدلاً من أن تساهم أمريكا على الأقل في إنجاح المفاوضات ـ الجارية الآن في كينيا ـ بين الفرقاء الصوماليين لوضع حد لمعاناة الشعب الصومالي الذي يعاني عدة مشاكل أساسية في جميع مجالات الحياة اليومية فإنها تزرع الرعب والهلع في أوساط الأهالي البائسين؛ حيث تصطاد الشباب الصومالي العزّل الذين لا ذنب لهم، وأيضاً بعض الرموز الإسلامية مستخدمة في تحقيق ذلك قادة الميليشيات المسلحة الذين همهم الأول قتل مواطنيهم وتشريدهم.
ومهمــا يكـن من أمر فإن واشنطون بدأت تهــتم بـ (الملف الصومالي) الساخن بعد الحادي عشر من سبتمبر لتصدير أزمتها الداخلية الأمنية، ولتخلق طوقاً أمنياً في أفريقيا عبر المنطقة الاستراتيجية التي يحتلها الصومال، وغيرها من المناطق الحساسة ذات الأهمية القصوى للولايات المتحدة الأمريكية، وانطلاقاً من ذلك فإن أمريكا تتعاطى مع المسألة الصومالية ليس من حيث أنها تملك العصا السحرية لاحتوائها بإقامة حكومة عميلة لها، ولكنها تريد أن تستعرض عضلاتها العسكرية والأمنية فوق أشلاء المدنيين العزل الذين تضرروا أصلاً من الإرهاب اليومي الذي تمارسه الفصائل المتناحرة في مقديشو؛ فزادت القوات الأمريكية المتواجدة الآن في الصومال الوضع سوءاً.
إن ما يطلبه الشعب الصومالي فقط من أمريكا هو أن توقف هجمتها الشرسة التي تشنها عليه منذ الحادي عشر من سبتمبر، وبخاصة في المجال الاقتصادي، وتوقف تعاونها مع رؤساء الفصائل الذين يعيثون في البلد الفساد باستخدامهم الأسلوب الراديكالي لتحقيق مآربهم الشخصية.
إن السيطرة الأمريكية في المجال الأمني على القرن الأفريقي، وبخاصة الصومال يهدف إلى إيصال الرسالة الآتية إلى الشعب الصومالي والتي مفادها: (ها نحن قد رجعنا مرة أخرى إليكم لننتقم منكم؛ لأنكم أزهقتم وقتلتم أرواح الجنود الأمريكين في عام 1993م البالغ عددهم 18)، وكان ذلك عندما أرسلت الأمم المتحدة ما يسمى (قوات حفظ السلام الدولية تحت شعار إعادة الأمل) في الصومال، ولكن الأهداف الأخرى الخفية للولايات المتحدة هي التي أجهضت جهود الأمم المتحدة الرامية وقتذاك إلى إعادة الأمن والاستقرار في البلد، وأعتقد أن النقطة الأساسية التي أرادت (واشنطون) تحقيقها هي القضاء على الاتجاهات الإسلامية المباركة، والتي أصبحت آنذاك حديث الساعة شكلاً ومضموناً وتطبيقاً؛ حيث تحول الشارع الصومالي إلى شارع إسلامي دون مزايدات، كما اختفت الأفكار الماركسية المستورة من أوروبا الشرقية والتي ماتت تحت أنقاض (جدار بارلين)، وقد تحول الآن إلى جزء من التاريخ السحيق، وانتهت أيضاً الشعارات البراقة من الوطنية، والديمقراطية والتي سيطرت على المجتمع الصومالي ردحاً من الزمن، وفي خلال سنتين من تاريخ انهيار الحكومة الوطنية الصومالية حدث انقلاب حقيقي ـ وبصورة داراماتيكية ـ نحو العودة الحميدة إلى الإسلام؛ هذا الحدث الكبير أزعج الإدارة الأمريكية وبعض الدول المجاورة للصومال المعروفة بعدائها للإسلام والمسلمين؛ فكان قرار الأمم المتحدة تحت شعار (إعادة الأمل) في الصومال، بيد أن هذا الشعار ظاهره الرحمة وباطنه العذاب كما أسلفنا سابقاً.
ولذلك فإن التواجد الأمريكي الكثيف في الصومال ـ في الوقت الراهن ـ يهدف وبلا شك إلى تأجيج الصراع السياسي والقبلي في البلد من جديد للقضاء على آمال الشعب الصومالي الذي يتلمس الطريق في هذه الظروف بالغة التعقيد للخروج من أزمته السياسية العويصة ـ تمهيداً لاحتلاله وبناء قواعد عسكرية فيه ـ هذا هو السيناريو الأمريكي المكشوف والموجه إلى الصومال والذي يرمي إلى أفغنة القضية الصومالية، وهي الخطة الأمريكية نفسها الموجهة للشعب العراقي.
وهذا التحليل السياسي ينطلق من المعطيات الموجودة في القرن الأفريقى وليس رجماً بالغيب؛ ولذلك فإن عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية لمؤتمرات المصالحة الصومالية والذي بلغ أكثر من خمسة عشر مؤتمراً منذ انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م وإلى الآن ـ عام 2004م ـ يمثل خرقاً صارخاً للقانون الدولي، والآن تريد (قيادة البنتاجون) أن تحصل من رؤساء الفصائل، وغيرهم من المشاركين في المداولات الجارية في مؤتمر المصالحة الصومالي في كينيا بضمانات كافية أهمها القضاء على (الجماعات الإسلامية) في الصومال، وبما أن هذه الشريحة تمثل رقماً صعباً لا يمكن تجاهله فإن أي حكومة جديدة سواء كانت أمريكية التوجه والميول، أو غيرها فليس بمقدورها أن تطيع أمريكا، أو غيرها لتنفذ مثل هذه الوعود الشيطانية ضد المدنيين الأبرياء في الصومال، وأي محاولة كهذه فستلقى مقاومة شرسة قد تقضي على الحكومة الجديدة من قِبَل جميع الشرائح الصومالية؛ لأن الطبيعة التركيبية القبلية للمجتمع الصومالي تؤيد ذلك.
والإصرار الأمريكي الواضح الرامي إلى تفكيك الجسد الصومالي من جديد، وفرض هيمنته عليه ليس غريباً على الإطلاق سياسياً وعقدياً؛ إذ إن الشعب الصومالي كله مسلم، ويرفض الصلف الأمريكي وهيمنته عليه، فإذا كان تدخل (واشنطون) في الشأن الصومالي عام 1993م للقضاء على الاتجاهات الإسلامية، وبخاصة الاتجاه السلفي فقط، وليس مساعدة الشعب الصومالي لإقامة حكومته المركزية فإن تدخلها اليوم في القضية هو السيناريو نفسه، وهناك دلائل تؤكد صدق ذلك نذكر بعضاً منها:
1 ـ طرد المنظمات والهيئات الإسلامية الخيرية مثل: مؤسسة الحرمين الخيرية والتي تقدم خدمات إنسانية للأرامل واليتامى الذين فقدوا آباءهم نتيجة الحرب الأهلية في البلد، وقد تحقق للولايات المتحدة الأمريكية هذا المطلب؛ حيث تم قفل مكاتب مؤسسة الحرمين الخيرية في الصومال، وبدأت هيئات تنصيرية تقدم طلبها لمساعدة هؤلاء اليتامى المحتاجين.
2 ـ فتح مكاتب أمنية في طول البلد وعرضه لإلقاء القبض على العناصر التي قد تهدد أمنها في القرن الأفريقي، ويتم ذلك عبر التنسيق المحكم مع القوى السياسية المسيطرة على الأوضاع في البلد.
وقد نفذت أمريكا عبر مكاتبها الأمنية المنتشرة في البلد ـ وباستخدام العملاء الصوماليين كآلة تنفيذ ـ عدة عمليات إرهابية ضد الشعب الصومالي الأعزل، وتتمثل تلك العمليات تنفيذ عمليات اغتيال في مقديشو، وكانت آخر عملية وقعت في شهر 7/2004م، كما يتعرض شباب الصحوة الإسلامية في البلد إلى مضايقات متكررة، وفي بعض الأحيان يقتادون إلى السجون الخاصة لها دون أي برهان يعتمدون عليه لتنفيذ مخططهم هذا.
وبما أن زعماء القبائل لهم كلمتهم وقوتهم السياسية في أوساط المجتمع المدني الصومالي فقد تدخلوا في عدة حالات أسفرت عن الإفراج عن بعض الشباب الصوماليين الذين احتجزتهم تلك المكاتب المتناثرة والتي تبث الرعب والهلع في نفوس المواطنين.
3 ـ التنسيق الأمني والمخابراتي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإثيوبيا وزعماء المقاطعات الصومالية لمحاربة ما سموه بـ (الإرهاب الدولي) (الإسلام).
هذه العلاقة بين تلك المجموعات الثلاثة المذكورة ليست علاقة عادية وإنما هي علاقة عضوية متينة تضاهي علاقة (واشنطون) بالمنظومة الأمنية المتمثلة: في إسرائيل، وتركيا، والآن في العراق لتطويق الأمة الإسلامية وتركيعها، فإذا كانت الطائرات الحربية الأمريكية من طراز أباتشي تضرب وبصورة يومية على الشعب الفلسطيني والعراقي فإنها أيضاً ضربت وبصورة عشوائية على الشعب الصومالي عام 1993م إبّان تدخل الأمم المتحدة في الشأن الصومالي، كما ساعدت تلك الطائرات القوات الإثيوبية عام 1994م ضد الشعب الصومالي في (إقليم أوجادين) المحتل، وذلك أثناء الحملة العسكرية ضد المقاومة الإسلامية المسلحة فيه، واستمرت تلك الحملة أربعين يوماً، فإذا كانت أمريكا قد أدت هذه المهمة في بدايات العقد الماضي والوقت الراهن أيضاً فإن قوتها الخاصة لمحاربة ما يسمى بـ (الإرهاب) تجوب في شوارع مدينة (جكجكا) عاصمة (إقليم أوجادين) والمناطق الأخرى التابعة له، وبالذات حول بئر الغاز الطبيعي الواقع قرب مدينة (شيلاب) ولنهب الثروة البترولية الهائلة الكامنة في الأراضي الصومالية المفقودة، ويبدو أن الأمر لا يختلف عما يجري في العراق، ولايُنسى أيضاً الضربات الأمريكية الخاطفة لمصنع الشفا في السودان، واليوم فإن غطرسة أمريكا تتجه نحو الخرطوم من جديد بسبب الأحداث الجارية في (دارفور) التي تعتبر هذا شأناً داخلياً لم تصل إلى مرحلة التدخل الدولي، ويبدو أن الإرهاب الأمريكي الأمني (العسكري والاقتصادي) يمشي جنباً إلى جنب لإذلال الشعوب الإسلامية.
4 ـ من أهداف مكتب المخابرات الأمريكية في الصومال هو إطالة أمد الصراع السياسي والقبلي في البلد؛ حيث تتدخل أمريكا وبصورة مكشوفة في المحادثات الجارية بين الفرقاء الصوماليين، وفي مؤتمرهم الخامس عشر الذي تجري مداولاته في كينيا منذ 15/أكتوبر 2002م بغية عرقلة سيره، وهي لا يهمها وقف الفوضى السياسية الجارية في الصومال؛ لأنها هي التي ساهمت في إسقاط النظام السابق، كما أجهضت أيضاً حكومة (عبده قاسم صلاد حسن).
ولذلك فإنها تريد على ما أعتقد أن يبقى الصوماليون على ما هم عليه حتى تتفرغ قيادة البيت الأبيض من الجمهوريين الراديكاليين غزو الصومال واحتلاله، وأعتقد أن (قيادة البنتاجون) مشغولة في اختيار الزمن المناسب لتنفيذ هذا الفلم الذي أعدته مسبقاً، ولكن ومهما مكروا مكراً، وفكر بوش وقدَّر في جنح الظلام أو على عدسة الكاميرا فإن مخططهم هذا سوف لن يكتب له النجاح بإذن الله؛ لأن الشعب الصومالي بطبيعته يكره أمريكا، ويلقنها الدروس القاسية، ويصعب أيضاً أن نفرق بين من ينتمي إلى الاتجاهات الإسلامية تنظيمياً وبين الآخرين؛ لأن الجميع يشتركون في شيء واحد وهو الإسلام، بالإضافة إلى الشبكة الاجتماعية المعقدة وهي القبيلة التي تحمي أفرادها، والحالة كهذه يجب على الكتل الشيطانية المعادية للصومال أن تعيد حساباتها من جديد، وتتخلى عن عنجهيتها وصلفها.
إن اندلاع الحرب الأهلية في هذا القطر من العالم لم يأت مصادفة وبدون مقدمات، بل كان هناك سيناريو خفي أحكمت خطوطه ومفاصله من قِبَل أعدائه المعروفين للصومال، وفي الوقت الذي سقطت فيه حكومة مقديشو عام 1991م فإن الرئيس الإثيوبي آنذاك (منغستو هيلا ماريام) قد قدم كلمته التاريخية أمام البرلمان، وكان ملخصها أنه حقق للأمة الإثيوبية ما لم يحققه رئيس إثيوبي من قَبْل وهو إسقاط الحكومة الصومالية لتتحول الساحة الصومالية بعد ذلك إلى بحر من الدماء، وتغير لون مياه نهري جوبا وشيبلى إلى لون دم، والحكاية ليست بعيدة عمّا حدث في منطقة البلقان، ولكن الفرق هنا يتجلى في طبيعة الصراع وأهدافه ووسائله.
ما يحدث هنا في الصومال وما وقع في منطقة البلقان دمار وخراب وفقدان هوية وحالة من اليأس والإحباط باستخدام الترسانة السوفييتية المدمرة والتي لم تفرق بين صغير ولا كبير، ورغم كل ذلك فلم تتضح معالم خطة (حلف النيتو) الموجهة لمنطقة البلقان، وعندما أتحدث عن سيناريو خفي، ومؤامرة خبيثة تستهدف تمزيق وحدة الصومال قد يتبادر إلى ذهن بعض القراء بأنني لا زلت أعيش في مرحلة الحرب الباردة والتي كثر فيها الحديث عن نظرية المؤامرة، وإلقاء اللوم على الجهات الخارجية، وغض الطرف عن المشاكل الداخلية التي تنخر في الجسم الصومالي للقضاء عليه في اللحظة المناسبة.
وأعتقد أن العوامل الداخلية المتشابكة قد أدت الدور الحاسم في إسقاط نظام (محمد سياد بري)؛ حيث اختلطت الأوراق السياسية والعسكرية والأمنية في الصومال ما بعد 1977م، ورغم كل ذلك فليس من الإنصاف في شيء أن نحمّل المسؤولية كاملة على طاقم الحكومة المركزية الصومالية السابقة والعوامل الداخلية الأخرى أيضاً، ونغفل العوامل الخارجية التي وفرت الوسائل الممكنة للمعارضة الصومالية ما قبل 1991م لإسقاط النظام القائم آنذاك.
وهناك عامل آخر أشد خطورة من العوامل الأخرى والتي لم يتحدث عنها كثير ممن تناول الأزمة الصومالية وهو عدم الالتزام الواضح بالنظام الإسلامي.
إن ما يجري الآن في الساحة الصومالية وفي أماكن كثيرة أخرى من العالم الإسلامي من تناقضات سياسية، ومن حروب أهلية وتمرد وانتشار الأوبئة والمجاعة والجفاف والتصحر الذي يضرب أجزاءً كبيرة من العالم الإسلامي إنما يرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف، وصوره المثالية التي يجب على الأمة المسلمة في كل مكان وزمان أن تطبقها وتنزلها في حياتها اليومية، وتجعلها المصدر الأساس الذي تلجأ إليه في جميع الأوقات لتكون خير أمة أخرجت للناس؛ تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؛ وذلك تحقيقاً لقوله ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وقوله ـ تعالى ـ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].
ولكن الأمور تغيرت عندما سيطرت مجموعة قليلة من العسكريين بزعامة (اللواء محمد سياد بري) على مقاليد الحكم عام 1969م؛ حيث باشرت بنفسها في تهيئة المناخ والظروف لإحلال الأيديولوجية الماركسية محل القيم والنظم الإسلامية النبيلة، وبالذات عام 1974م؛ ومن هذا الوقت بدأ العَدّ التنازلي والانهيار الداخلي بصورة تدريجية، وفي الوقت الذي رفض الشارع الصومالي تلك الأفكار الرجعية والتي تتصادم مع تقاليده وقيمه لجأ النظام العسكري البائد إلى استخدام قوته العسكرية المفرطة غير المسوغة لتنفيذ الأيديولوجية الشيوعية في القرن الأفريقي؛ باعتبار أن قيادة مقديشو وقتذاك رأت بنفسها أنها الأقدر على تنفيذ الأيديولوجية، وسياسة الاتحاد السوفييتي السابق في أفريقيا؛ ولذلك أنزلت تلك البرامج العفنة في ربوع الصومال، وكأنها وحْي أنزل من السماء؛ وفي سبيل تحقيق ذلك أعدمت قوات الأمن الصومالي عام 1971م (12) من العلماء الصوماليين البارزين رمياً بالرصاص أمام الجماهير، وكان يوماً مشهوداً {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْـحَمِيد} [البروج: 8]؛ فكانت العاقبة ذهاب النظام بكامله وأيديولوجيته الفاسدة، ويعتبر ذلك درساً بليغاً وقاسياً لكل السياسيين الصوماليين في الوقت الراهن.
ونطرح الآن السؤال التالي: مَنْ الذي يملك مفتاح حل الأزمة الصومالية العويصة؟! وللإجابة عن هذا السؤال المحير في حد ذاته نقول أولاً: إن المشكلة الصومالية ليست كما يتصوره بعض المحللين السياسيين الذين يرون أن القضية لا تعدو كونها مجرد صراع قبلي فقط للسيطرة على الكلأ والمرعى والأراضي الصالحة للزراعة ومنابت الشجر ومراكز القرار السياسي في البلد مثل العاصمة لتحقيق أغراض قبلية في المقام الأول، كما لا يوجد صراع سياسي بين الفرقاء الصوماليين بمفهومه الأيديولوجي، وقد أشرنا في افتتاحية هذا المقال أن هناك من يلقي اللوم فقط على التدخلات الخارجية الرامية إلى تأجيج الحرب الأهلية في البلد لتحقيق أغراض استراتيجية معينة.
ولكن كلا الفريقين قد جانبهم الصواب؛ لأن القضية الصومالية أكبر من كل ذلك، فليست مجرد صراع قبلي أولاً، بل هناك عوامل متداخلة ومتشابكة أدت في مجملها إلى ما نحن فيه الآن من الفوضى العارمة، ومنها ـ على سبيل المثال ـ الاستعمار الأوروبي الذي قسم الأمة الصومالية إلى أجزاء وفتات في بداية القرن الماضي المنصرم، أضف إلى ذلك السياسية الخاطئة التي انطلقت من عقلية الحزب الواحد الذي حكم البلد ردحاً من الزمن (1969 - 1991م).
تلك السياسات المخفقة أدت في مجملها إلى انهيار الاقتصاد الوطني في البلد، وتعميق النعرات القبلية، وخاصة ما بعد 1977م، ولم يختصر الأمر إلى هذا الحد، بل لجأت الحكومة السابقة إلى استخدام أساليب هدامة غير حضارية، وخاصة في المجال الأمني؛ حيث قامت بتصفية حسابات طالت جميع شرائح المجتمع الصومالي من سياسيين وعسكريين ومدنيين، بالإضافة إلى المرتكزات الأساسية التي انطلقت منها السياسة الخارجية الصومالية تجاه تعاملها مع التوازنات الدولية في العالم إبّان حكومة (محمد سياد برّى) السابق؛ حيث لم تكن واقعية في ما أعتقد، كما أنها لم تكن ترعى المصالح العليا للوطن، ومما يبرهن ذلك كونها هرولت في بداية مشوارها إلى (موسكو) ـ موطن ومركز إشعاع وتصدير سرطان الاشتراكية إلى العـالم الثالث ـ لتأخذ أفكار الثورة الاشتراكية البلشيفية كما هي، ودون أن تلجأ إلى غربلتها وإنتاجها من جديد، وخاصة الجانب الثقافي والأيديولوجي منها، وفي الوقت الذي خدرت القيادة الصومالية شعبها بهذه الأفكار الاشترايكة البالية المستوردة من الاتحاد السوفييتي السابق تلقت القيادة الصومالية نفسها المتحمسة لهذا المشروع ضربة قاضية من حليفتها الاستراتيجية موسكو؛ حيث اتخذت الأخيرة قراراً يقضي بإيقاف امداد الصومال بقطع الغيار والذخائر إبّان (حرب أوجادين) عام 1977م التي اندلعت بين الصومال وأثيوبيا الاشتراكيتين، وفي الوقت نفسه قدم الاتحاد السوفييتي إمدادات عسكرية هائلة إلى (أديس أبابا) تمثلت بالدبابات والمدفعية الثقيلة، وقد أثار ذلك حفيظة القيادة الصومالية آنذاك، واتخذت أثناء ذلك وبصورة مفاجئة قراراً سياسياً حاسماً يقضي بطرد خبراء الاتحاد السوفييتي البالغ عددهم (7000)، وبعد أن طوت مقديشو صفحة العلاقات الاستراتيجية مع الاتحاد السوفييتي السابق اتجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بوساطة سعودية، وكانت المملكة العربية السعودية قلقة من الوجود العسكري السوفييتي آنذاك في الصومال قبل أن يحصل الطلاق البائن بين مقديشو وموسكو، وفي الفترة من 12 إلى 14 يوليو 1977م قام الرئيس الصومالي (محمد سياد بري) السابق بزيارة مفاجئة إلى جدة لإجراء مناقشات مع القادة السعوديين، وبعد أقل من أسبوعين عرضت إدارة كارتر ـ في 26 يونيو 1977م ـ الحلول محل الاتحاد السوفييتي كمصدر للأسلحة المطلوبة للصومال، وتخيلت القيادة الصومالية أن واشنطون ستصبح البديل الأمثل القادر على ملء الفراغ الكبير الذي خلفه الاتحاد السوفييتي، بيد أن تلك الوعود قد تحولت إلى سراب؛ حيث سلكت إدارة البيت الأبيض نفس الطريق الذي سلكته موسكو، ولم تقدم شيئاً للحكومة الصومالية، وكان رد فعل ذلك مرارة صومالية شديدة عبّر عنها الرئيس الصومالي (سياد بري) السابق أثناء زيارة ثانية له إلى جدة لترتيب الحصول على مساعدة سعودية، وفي 4 سبتمبر 1977م اتهم الرئيس الصومالي السابق (محمد سياد بري) الولايات المتحدة بالنفاق لسحب تعهدها بالمساعدة.
وهنا يكمن خطر الشعارات الجوفاء التي يرفعها قادة الانقلابيين في العالم الإسلامي، وذلك بعد سيطرتهم على مقاليد الحكم؛ حيث يطلقون التصريحات تلو التصريحات عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية مفادها أنهم ثوريون ومخلصون لوطنهم، وليس لهم من الوطنية إلا الزيّ في المناسبات المحلية، والعبارة، بترديدهم شعارات لا معنى لها كالببغاء، نعم! إذا كانت الثورة والانتفاضة تأتي من الشعب مثل: الثورة الفرنسية، والانتفاضات الشعبية في العالم الإسلامي ضد الاستعمار الأوروبي في بدايات القرن العشرين المنصرم، ولكن في واقع الأمر الانقلابات العسكرية ما هي إلا وسيلة راديكالية ماكرة يلجأ إلى استخدامها من يلهث وراء تحيقيق المصالح الشخصية فقط، وما يحدث الآن في العالم الإسلامي خير شاهد على ذلك؛ حيث نرى التراجع الكبير الذي أصاب القيادات السياسية التي رفعت في بداية عهدها الشعارات الثورية والاستقلالية، ولكن اليوم انضمت إلى صفوف الدول الانبطاحية.
إن المشكلة الصومالية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، ولا يعرف حتى الآن من الذي يملك العصا السحرية لاحتواء هذه الأزمة، ويعيد المياه الجارفة إلى مجارها الطبيعي، ولكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، مع ما تحمل في طياتها من الموجات المتلاطمة والتي قد تزحزح الجدار العازل المعنوي بين القبائل الصومالية ذات الأهداف والمصير المشترك، والمدهش ـ أيضاً ـ الذي لا يتصوره بعضهم أن المجتمع الصومالي ـ ورغم تلك المحنة التي ألَمَّت به ـ لا يزال يواصل حياته اليومية العادية على هذه البقعة الجغرافية من العالم، وفي ظل غياب المؤسسات الدستورية، ومع كل ذلك فإن الاقتصاد الصومالي ـ من القطاع الخاص ـ قد قطع شوطاً كبيراً، وخاصة في مجال الاتصالات والتجارة، ويعتقد من لا يتابع مجريات الأحداث في الصومال عن قرب أن الشعب الصومالي يعيش تحت رحمة المدافع وقعقعة السلاح، ولا يدري أن أغلب المناطق في البلد ما عدا العاصمة (مقديشو) والمناطق القريبة لها تنعم بالأمن والاستقرار، كما تشهد الساحة الصومالية نهضة تنموية تتمثل بفتح الجامعات والمعاهد العليا والمدارس، بالإضافة إلى شركات الطيران والاتصالات وجميع ما يحتاجه الإنسان المدني في العصر الحديث، ولكن رغم كل ذلك فإن ما ينقص الساحة الصومالية في الوقت الراهن، والذي ذاع صيته هو غياب السيادة الصومالية وهو ما نركز عليه في مقالنا هذا؛ حيث سنلقي الضوء على المشاكل السياسية فقط، ودور المجتمع الدولي في إيجاد حل ناجع لهذه المشكلة العويصة.
وإذا ألفتنا النظر إلى القضايا الأخرى المشابهة للقضية الصومالية في قارة أفريقيا السمراء وغيرها نجد أنها وجدت الحل المناسب؛ حيث تم احتواؤها سواء عن طريق دول القارة، أو عن طريق المجتمع الدولي.
وما حدث في البحيرات العظمى في وسط أفريقيا والحرب الأهلىه المريرة التي اندلعت في سيراليون في الفترة ما بين عام 1991م إلى عام 2001م، والتصادم المسلح الذي انفجر في ليبيريا للسيطرة على مقاليد الحكم، بالإضافة إلى الصراع العسكري المرير الذي وقع بين إرتيريا وإثيوبيا عام 1998م؛ كل هذه القضايا الساخنة وغيرها قد تمت معالجتها واحتواؤها، ولكن لماذا المشكلة الصومالية لم تجد حتى الآن حلاً منطقياً؟ ولماذا نسمع كل يوم إعلان مبادرة ترمي إلى إنهاء الصراع السياسي في الصومال؟ وهل يعني ذلك أن المجتمع الدولي تخلى عن الصومال؟ وما هو دور الدول العربية والإسلامية والأفريقية في وقف الصراع السياسي في الصومال؟.
ولمعرفة المزيد من الإيضاح حول هذه الأسئلة المطروحة حول الساحة الصومالية نحاول أن نلقي الضوء على جميع القضايا المتشابكة والمتداخلة بالتحليل والنقد للوصول إلى نتائج قد تقودنا في نهاية المطاف إلى معرفة المواقف المتباينة الصادرة من الجهات المعنية بالملف الصومالي الساخن.
أولاً: دور الدول العربية والإسلامية حيال القضية الصومالية:
تزامن انهيار النظام الصومالي عام 1991م مع حدوث تغيرات جذرية في المنظومة السياسية الدولية ليس على العالم الإسلامي فحسب، بل حتى على العالم ككل؛ وذلك بإعلان شهادة الوفاة لـ (لاتحاد السوفييتي) واختفائه عن الساحة الدولية؛ حيث سطع بعد ذلك في الفضاء الدولي المضطرب اسم الولايات المتحدة الأمريكية، وتناقلت وسائل الإعلام الدولية التصريحات الصادرة من البيت الأبيض الموجهة إلى جميع دول العالم لإقناعها الدخول في حظيرة واشنطون طوعاً أو كرهاً، وكرست أمريكا هيمنتها على الكوكب الأرضي لكي تنفرد بقيادة العالم، وتجعل نفسها شرطي العالم؛ هذا الحدث الكبير ربما كان إيذاناً بدخول مرحلة جديدة لم تتضح حتى الآن صورته الكاملة، ولم تضع قيادة الصقور في البيت الأبيض استراتيجية سياسية واضحة المعالم تجاه ما أعلنته من (النظام العالمي الجديد عام 1990م) الذي غير وبصورة دراماتيكية الخريطة السياسية في النظام الدولي والذي تحول فيما بعد إلى نظام العولمة (أمركة العالم)، ومنها على سبيل المثال: غزو العراق على الكويت، وانهيار أنظمة اشتراكية في العالم الثالث كان آخره نظام بلغراد.
ونتيجة لهذه الأحداث المأساوية وغيرها احتلت (القضية الصومالية) ذيل قائمة جدول الأعمال في اجتماعات دول العالم الإسلامي؛ فأصبح الشغل الشاغل وحديث الساعة التركيز على الخلافات السياسية الداخلية، ومحاولة تعميق النزاع السياسي بين الدول العربية؛ فبدلاً من أن تهتم الدول العربية بـ (الملف الصومالي)، وتجعله في قائمة أولوياتها السياسية مثل القضايا الأخرى المعروفة أبرزت العواصم العربية نوعاً من الفتور الدبلوماسي؛ لأنها مفقودة الحركة الدينامية النشطة المصحوبة بالمسؤولية التاريخية تجاه الأمة الصومالية؛ هذا الإهمال الواضح أدى إلى أن تبتعد الدول العربية رويداً رويداً من مواقع القرار السياسي الأفريقي الذي استأثر ودون منافسة بـ (الملف الصومالي) وبمباركة من الدول العربية بوعي ودون وعي. وليت الأمر اختصر على الشأن الصومالي، بل انتقلت العدوى إلى مشكلة جنوب السودان أيضاً؛ فبعد أن اتخذت القيادة السودانية قرارها الحاسم القاضي بإعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير والذي جاء في إطار اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1996م؛ بسبب الظروف السياسية والعسكرية التي واجهت حكومة الخرطوم من دول الجيران ـ آنذاك ـ المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية استقيظت الدول العربية من كبوتها وغفلتها العميقة؛ حيث لم تقف مع السودان عسكرياً وسياسياً قبل ذلك الوقت، وندمت الدول العربية بتقصيرها تجاه السودان الذي يتعرض الآن إلى تمزيق وحدته، ولات حين مناص؛ حيث لاينفع الندم في (عصر العولمة) والتكتلات الدولية؛ فبدأت بعض العواصم العربية المعنية بـ (الملف السوداني) الشقيق تحركاتها الدبلوماسية من هنا وهناك، ليس من حيث حفظ وحدة الأراضي السودانية ـ سلة غذاء العالم العربي كما يقولون ـ ولكن لحفظ مصالحها الاستراتيجية، ولن تستطيع أن تحقق مصالحها بالطريقة البهلوانية مهما بذلت من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف الزحف الصهيوني على العالم الإسلامي.
إن الدور العربي قد اختصر بمبادرات ثنائية وبجهود فردية لم تثمر الحد الأدنى المعروف في الأبجديات السياسية في قاموس رأب الصدع، وحلحلة القضايا الشائكة ذات الطابع الدولي مثل: قضية الصومال؛ فكانت المبادرة المصرية في بداية عام 1998م، ويقال إن القاهرة استطاعت في بداية الأمر أن تزيل الحاجز النفسي بين الفرقاء الصوماليين؛ حيث تقاطر الفرقاء الصوماليون إلى مصر للجلوس معاً حول مائدة الحوار الوطني، ولكن تدخل الحكومة الإثيوبية في هذاالشأن أفسد مناخ التفاوض؛ لأن الخطوط الساخنة كانت مفتوحة بين السفارة الإثيوبية في القاهرة وبين بعض رؤساء الفصائل الصومالية، ومع كل ذلك فإن الدول العربية المعنية بـ (الملف الصومالي) تصدر التصريحات المهينة التالية: «نعتقد أن إثيوبيا كدولة مهمة وجارة للصومال لا يمكن إغفال دورها الحيوي الهام في دعم جهود المصالحة الصومالية».
والغريب هنا عدم مقدرة مصر استخدام الوسائل الممكنة لإقناع الفرقاء الصوماليين التخلي عن (الأساليب الراديكالية) التي تطيل أمد الصراع السياسي في البلد، ولكن الأغرب من كل ذلك انقياد الفرقاء الصوماليين لإثيوبيا ومشاوراتهم المستمرة معها رغم معرفتهم أنها تصب الزيت على النار لتأجيج الصراع السياسي في البلد بين الحين والآخر، في حين رفضت الفصائل الصومالية المتناحرة مقترحات جمهورية مصر عام 1998م الرامية إلى إقامة حكومة وطنية ذات قاعدة عريضة، ورغم ما بذلت مصر من جهود إلا أن الوفود الصومالية التي شاركت في هذا المؤتمر رجعت إلى ثكناتها الملتهبة.
ومن عجائب الدنيا في ميزان القوى والتأثير في الشأن الصومالي الذي يخص الأمة الإسلامية في المقام الأول نجد أن الدول العربية عاجزة أن تعلن موقفها السياسي الواضح تجاه ما يحدث في الصومال، وتوجه في الوقت نفسه رسالة سياسية قوية إلى الجهات الأفريقية المعادية للصومال، وهذه الرسالة لا بد أن تحمل في طياتها بنوداً تدعو إلى وقف التلاعب في الملف الصومالي، وإذا لم تنفذ (كينيا وإثيوبيا) مطالب الدول العربية فإن بإمكانها أن تلجأ إلى استخدام أوراقها الاقتصادية من الاستثمارات الهائلة التي تتدفق إلى (أديس أبابا، ونيروبي) من كل حدب وصوب، ونتساءل الآن أين غيرة وكبرياء الدول الإسلامية حيال ما يجري في الصومال؟ لماذا لا تستخدم ـ وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ـ قوتها الاستثمارية الهائلة والتي تذهب إلى الكيان الإثيوبي المحتل للأراضي الصومالية لتحجيم دور الرجل المريض (ملس زناوى) المغلوب على أمره في الشأن الصومالي، ووقف خطواته الرامية إلى تأجيج الصراع السياسي والقبلي في الصومال، ويستخدم في تحقيق ذلك كل الوسائل المتاحة لديه؟.
وخلاصة القول: فإن الاهتمام العربي والإسلامي حيال الأزمة الصومالية وتعاملها معها برز إلى السطح منذ بداية عام 1998م؛ حيث وصلت القضية الصومالية في مواقع اتخاذ القرار السياسي في الدول العربية؛ وذلك بعد إنهاء المقاطعات السياسية بين الدول العربية نتيجة غزو العراق على الكويت وتداعياتها المريرة، ولكن أحداث 11 سبتمبر خلطت الأوراق العربية من جديد؛ ومن هول ما أصاب (حركة طالبان) الإمارة الإسلامية في أفغانستان 2001م، وتصفية (النظام البعثي) في العراق 2003م، وتوجيه الإنذارت القوية إلى جميع دول العالم الثالث بما في ذلك الدول العربية وبدون استثناء من الدول الصديقة والمارقة كما يحلو لأمريكا؛ فإن الدول العربية اختصر دورها بإصدار البيانات المقتضبة التي تدعو إلى وقف الصراع السياسي في البلد ووضع حد للفوضى العارمة من التصادم المسلح، كما عبرت الدول العربية تأييدها الكامل ووقوفها خلف (مبادرة الإيغاد) الحالية في كينيا، ولتحقيق هذا الغرض فإن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد (عمرو موسى) قد قام بزيارة مهمة في شهر مارس 2004م إلى نيروبي لتحريك الجمود الذي طرأ في مؤتمر المصالحة الصومالي، ويسعى السيد (عمرو موسى) إلى تقريب وجهات النظر المتباعدة ـ دائماً ـ بين الفرقاء الصوماليين، وهي خطوة متقدمة في حد ذاتها ترمي على ما أعتقد إلى إحياء الدور العربي المفقود في الصومال والسودان علماً بأن محادثات السلام بين الخرطوم (والحركة الشعبية لتحرير السودان) كانت مستمرة في منتجع مشاكوس إبّان زيارة السيد (عمرو موسى)؛ ولذلك فإن الأمين العام لجامعة الدول العربية أراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد، وفي يوم 5/6/2004م وجه السيد (عمرو موسى) أثناء مشاركته حفل توقيع برتكول السلام الدائم بين الحكومة السودانية (والحركة الشعبية لتحرير السودان) خطاباً سياسياً إلى زعماء الفصائل الصومالية المشاركة في مؤتمر المصالحة الصومالي في كينيا دعا فيه إلى وضع حد للفوضى السياسية العارمة فـي الصـومال، وتقـديم المصـلحة العـامة علـى المصلـحة الخاصـة بإقامة حكومة وطنية؛ بيد أن هذا الخطاب وغيره من البيانات المكررة والتي أصدرتها (الجامعة العربية) ودولها أيضاً لا تخرج عن كونها مجرد بيانات لا قيمة لها، مثلها مثل البيانات الأدبية التي تصدر سنوياً من القمم العربية، والتي تدور في حلقة مفرغة حيث لا تقدم ولا تأخر.
ثانياً: احتكار الدول الأفريقية ملف الصومال يأجج الصراع السياسي في البلد:
إن الدول الأفريقية تعاني في حد ذاتها من مشاكل سياسية واقتصادية وصحية وأمنية وغيرها من القضايا الساخنة ذات الوزن الثـقيل؛ حيث لم تستطع الدول الأفريقية البعيدة عن الصومال جغرافياً أن تلتفت ولو من طرف خفي إلى حلحلة الأزمة الصومالية؛ لأنها ربما وصلت في مرحلة يرثى لها، وهي مرحلة (اللهم سلم)! ومع كل هذا وذاك فإن دول غرب أفريقيا قد استطاعت أن تحل مشكلة سيراليون، وليبيريا بمساعدة من الأمم المتحدة، وغيرها من القضايا الأخرى، كما اهتمت جميع الدول الأفريقية القوية منها والضعيفة بمشكلة البحيرات العظمى: بورندي وروندا والكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً)، بالإضافة إلى ذلك فإن منظمة الوحدة الأفريقية استطاعت وبصورة أدهشت الجميع نزع فتيل الأزمة العسكرية بين (أسمرا، وأديس أبابا) عام 1998م؛ حيث وقَّع البلدان اتفاقية وقف اطلاق النار في الجزائر والتي مهدت الطريق فيما بعد لإرسال قوات الأمم المتحدة متعددة الجنسيات إلى المناطق المتنازعة عليها بين الدولتين، ولكن الأمر الغريب للغاية أن تهمل الدول الأفريقية الملف الصومالي إلى هذه الدرجة رغم احتكارها له؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن الصومال كانت من الدول القوية في أفريقيا والتي انضمت إلى جامعة الدول العربية فيما بعد عام 1974م، مع الوضع في الاعتبار أن الدول الأفريقية سواء الدول الفرنكفونية، أو الدول الأنجلو الأمريكية قد انتقل إليها فيروس الكراهية لما هو عربي، وهذا معروف لدى الجميع؛ وسبب الكراهية هذه تنبع من مصدرين:
1 ـ المناهج الدراسية لكثير من الدول الأفريقية تكرس في نشر العداوة بين الأفارقة والعرب بحجة أن العرب استعمروا الأفارقة من قَبْل، كما لعب أثرياء العرب حسب رأي الأفارقة دوراً بارزاً في تجارة الرق بالأفارقة؛ حيث كان النشاط التجاري مزدهراً قبيل مجيء الاستعمار الأوروبي، وكان تدخل الدول الأوروبية في القارة إنقاذاً للأفارقة من الهجمة العربية التي أرادت أن تستعبد الأفارقة.
وعندما كنت طالباً في المرحلة الجامعية في السودان تناقشت مع زملاء لي من غرب أفريقيا وشرقها ووسطهاحول هذا الموضوع فأكدوا لي وجود مثل تلك الأفكار الهابطة، وحمَّلوا المسؤولية الكبيرة على الاستعمار الأوروبي والنشاط الصهيوني في أفريقيا الذي يسعى دائماً وبكل السبل إلى تغييب الأغلبية الإسلامية المنتشرة في أفريقيا من هنا وهناك، بالإضافة إلى غياب دور الدول الإسلامية والعربية ـ إن صح التعبير ـ في المجال الثقافي والتعليمي مقارنة بما تقدمه الدول الأخرى للأفارقة.
2 ـ القيادة السياسية الأفريقية وبمختلف مشاربها وطرقها قد تلقت دروسها السياسية من العواصم الغربية (لندن ـ باريس ـ روما ـ مدريد ـ واشنطون) سواء عن جامعاتها المفتوحة للأفارقة أو الكورسات (الدورات) التدريبية الخفية مثل: التدريبات الإسعافية المكثفة التي يتلقاها ـ الآن ـ مجموعة من القادة العراقيين الجدد في لندن وواشنطون لنشر قيم الديمقراطية في العراق والعكس هو الصحيح. تلك المجموعة السياسية من قادة أفريقيا والتي تدور في محوري الفرنكفونية، والأنجلو أمريكي لا شك أنها تلقت كمية من المعلومات الخاطئة المتعلقة بالعالم الإسلامي وفي حميع المجالات بغية تعكير وتقطيع العلاقات الثقافية والعلمية والتجارية بين الدول الأفريقية والدول العربية، وإخفاء الحقائق الغائبة عن الدول الأفريقية المرتبطة بالدور الإيجابي الذي لعبه المسلمون في أفريقيا سواء في مجال نشر الإسلام وثقافته السامية، أو التبادل التجاري المشروع أيضاً، ومساعدة الأفارقة من جهة أخرى.
وتختصر علاقة الدول الأفريقية بالدول العربية والإسلامية في المجال السياسي بما يحقق مصالح الدول الأفريقية فقط تلك الظروف السياسية الصعبة التي سيطرت على فضاء أفريقيا ردحاً من الزمن والصراع السياسي بينها وبين الدول العربية ألقت بظلالها على القضية الصومالية العويصة.
وبناءً على ذلك فإن الدول الأفريقية احتكرت وبصورة لا رجعة عنها الملف الصومالي بدعم من كوفي أنان (الأفريقي الأمين العام للأمم المتحدة)، وبمباركة من الدكتور (سالم أحمد سالم) الأفريقي أيضاً الأمين العام للاتحاد الأفريقي ولم تثمر حتى الآن المحاولات الجادة التي بذلتها دولة جيبوتي الشقيقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ حيث أطلقت مبادرتها عام 2000م الرامية إلى إحياء الأمل في الصومال الذي مزقته الحرب الأهلية، وقد نجحت تلك المبادرة في تأسيس حكومة انتقالية بقيادة الدكتور (عبده قاسم صلاد حسن)، ولكن في نهاية المطاف لم تستطع الحكومة المذكورة أن تتأقلم مع المناخ السياسي في البلد الذي يعتمد الكثافة النارية بدل الحوار الهادئ، بالإضافة إلى معارضة أغلب رؤساء الفصائل الذين يفرضون قبضتهم الحديدية، وسيطرتهم الكاملة على الساحة الصومالية فاصطدمت الحكومة الجديدة بهذا الجدار العنيد؛ حيث تحولت بعد ذلك إلى شذر مذر.
وتجدر الإشارة هنا أن الاتحاد الأفريقي الذي أعلن ميلاده أثناء انعقاد القمة الأفريقية في (ديربان) عام 2002م لم يأت بشيء جديد، وخاصة في مجال احتواء الأزمات السياسية في القارة، ومحاربة الفقر، والأمراض الفتاكة، ولا غرو إذاً ـ إن قلنا ـ: إن الكيان الجديد هو مجرد واجهة فقط تستخدمه الولايات المتحدة لمحاربة ما يسمى (الجماعات الإرهابية) والتي وجدت ملاذاً آمناً في أفريقيا حسبما تزعمه أمريكا، أضف إلى ذلك أن العواصم الأفريقية تعشق دائماً بهذا التغيير الشكلي.
وانطلاقاً من هذا فإن الدول الأفريقية متمثلة في (الاتحاد الأفريقي) وفي شخصية أمينه العام الدكتور (سالم أحمد سالم) أعطى الشرعية والضوء الأخضر لمنظمة (الإيغاد) وخاصة نيروبي، وأديس أبابا للنظر في المشكلة الصومالية العويصة وليس حلها؛ فكانت المبادرات تلو المبادرات، وكانت تنتقل بين تلك العواصم المذكورة، ولكن كلها باءت بالإخفاق الذريع، وآخرها المبادرة الكينية والتي انطلقت شرارتها الأولى في بداية 15 اكتوبر من عام 2002م، ولا يزال زخمها الإعلامي مستمراً حتى الآن.
ولست من الذين يرفضون الدور الأفريقي الإيجابي ـ إن وجد ـ تجاه المسألة الصومالية، وبخاصة من الدول التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية طيبة مع الصومال، ولكن أن يفرضوا سيطرتهم الكاملة عليه دون تقديم مقترحات منطقية وواقعية، وفي الوقت نفسه تخرج الشعب الصومالي من النفق المظلم، هذا ما أرفضه جملة وتفصيلاً، وعندما تحتكر بعض الدول الأفريقية؛ المعادية للصومال (ملف الصومال) وكأنه شأن داخلي للأفارقة فمن حقنا أن نقول وبصوت عالٍ: متى أصبح الذئب راعياً؟.
وفي نهاية عام 1997م وبداية عام 1998م عندما استضافت القاهرة الفرقاء الصوماليين لكسر الحاجز النفسي بينهم على الأقل في بداية الأمر، وإحياء الدور العربي المفقود لاستعادة مركزه في القرن الأفريقي إعلامياً على الأقل فإن عواصم أفريقية معروفة وقفت بشدة ضد تحركات مصر، وفي هذا الوقت بالذات نشرتُ مقالاً في صحيفة (الرأي العام) السودانية أوضحتُ فيه أن المسألة الصومالية ذات بُعْد إسلامي وعربي وأفريقي؛ إشارة إلى أن أبوابها مفتوحة لكل من عنده مفتاح الصندوق الأسود الضائع في أدغال أفريقيا والصحراء العربية لحل المشكلة الصومالية، ولكن من الصعب جداً أن تفهم القيادة الأفريقية عقلية الشخص الصومالي مهما حاولت أن تقترب منه، وبخاصة أثناء الجلسات الخاصة في الفنادق ذات النجوم الخمسة في ساعات مبكرة من الليل، وقد يقول قائل: إن هناك محادثات صومالية جارية ـ الآن ـ في (كينيا)، وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى إنشاء حكومة انتقالية، بيد أن الأمر ليس في يد (نيروبي) ولا الدول الأفريقية الأخرى الأعضاء في منظمة (الإيغاد)، ولكن القضية برمتها في يد أمريكا، وكينيا ما هي الإ وسيلة تستخدمها (واشنطون) لتنفيذ أجندتها الخاصة في شرق أفريقيا، وما الدور الشكلي الذي لعبته كينيا في المحادثات الثنائية بين حكومة الخرطوم و (الحركة الشعبية لتحرير السودان) بقيادة (جون غاران) والذي توصل الطرفان فيه إلى اتفاق تاريخي بعد جولات ساخنة وباردة أحياناً بين الجانبين خير دليل وشاهد على ما نقول.
ومن المفارقات العجيبة ـ أيها القارىء ـ في دنيا السياسة ما يسمى (المصالحة الصومالية) والتي يرتفع زخمها السياسي بين الحين والآخر منذ انهيار الحكومة الصومالية عام يناير 1991م إلى هذه اللحظة، وقد حطمت تلك المبادرات الأرقام القياسية في تاريخ رأب الصدع، وحلحلة الأزمة السياسية في الصومال منذ انهيار الحكومة المركزية الصومالية، وما أن تنتهي مبادرة تستمر لفترة وجيزة ـ قد تصل في بعض الأحيان إلى عام ـ حتى يلوح في الأفق مبادرة أخرى تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية في البلد، ولكن القاسم المشترك الوحيد لجميع تلك المبادرات هو الإخفاق الذريع.
ثالثاً: دور الولايات المتحدة الأمريكية في المشكلة الصومالية:
لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً مزدوجاً حيال الأزمة الصومالية منذ شرارتها الأولى؛ ففي بدايات انهيار الحكومة المركزية في البلد كانت عناصر مخابراتها تنسق مع المعارضة الصومالية المسلحة والدول المعادية المجاورة للصومال للتخلص من نظام (محمد سياد بري) بغية القضاء على جميع الأنظمة التي ارتبطت بعلاقات استراتيجية مع الاتحاد السوفييتي السابق في القرن الأفريقي، وبعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية في بداية عام 1991م حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تلتفت إلى القضية الصومالية بغية تأجيجها، وليس احتواؤها مثل: أفغانستان، والعراق؛ وتحقيقاً لهذا الغرض الاستراتيجي لجأت (واشنطون، والأمم المتحدة) لإصدار قرار دولي يسمح لها أن تقود حملة عسكرية دولية تحت شعار (إعادة الأمل) في الصومال عام 1993م، ولكن في حقيقة الأمر أن (واشنطون) أعدت خطة سياسية وأمنية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وذلك عندما قصفت طائراتها الحربية الأحياء الشعبية في (مقديشو) وبصورة عشوائية أسفرت عن موت الآلاف من المدنيين الأبرياء والذين راحو ضحية الحرية والديمقراطية الأمريكية، والتي بشرت بها أمريكا للشعب الصومالي بإعادة الحكومة الصومالية والتخلص من الفوضى العارمة التي أكلت الأخضر واليابس، بيد أن الصورة صارت واضحة ومعكوسة عندما وقف الجنرال (محمد فارح عيديد) ضد الهيمنة والغطرسة الأمريكية، ونفذت قواته الخاصة عمليات نوعية استهدفت صفوف القوات الأمريكية، كما أبلت القوى الإسلامية الوطنية بلاءً حسناً أيضاً.
وفي الوقت الذي كانت (قيادة البينتاجون) متحمسة إلى تنفيذ تلك المجازر البشعة وبصورة محكمة في (مقديشو) فإن الخط الساخن كان مفتوحاً بين (الجنرال عيديد) وبين المخابرات الإيطالية لإخفاق خطط الولايات المتحدة الأمريكية الموجهة إلى الصومال؛ ويتضح من كل ذلك التناقض الدولي وتضارب المصالح بين أمريكا وبين الاتحاد الأوروبي حيال الأزمة الصومالية، ومع ذلك فإن هناك قواسم مشتركة بينهم وهو إهانة وإذلال الشعب الصومالي.
وفي الوقت الحالي فإن أمريكا يصب جل اهتمامها تجاه تعاملها مع المشكلة الصومالية في الجانب الأمني فقط؛ وذلك لحفظ مصالحها الاستراتيجية؛ ولتحقيق هذا الهدف الحيوي فإن سفنها الحربية تجوب في المحيط الهندي والبحر الأحمر الصومالي لمراقبة السفن التجارية المتجهة إلى الصومال ذهاباً واياباً، كما تحوم طائراتها الحربية من طراز أباتشي فوق سماء الصومال في أي وقت تشاء، وفي أي مكان لاكتشاف ما يسمونه معسكرات تنظيم القاعدة المتسللين إلى القرن الأفريقي لتنفيذ عمليات إرهابية ربما في أفريقيا، وبخاصة ضد المصالح الأمريكية.
ومن جهة أخرى فإن المخابرات الأمريكية مصممة أيضاً أن تكشف معسكرات التدريب والمعاقل التابعة (للاتحاد الإسلامي) ومن يتعاطف معه من الصوماليين؛ وذلك حسب المزاعم الأمريكية المضللة للرأي العام الدولي، والكل يعرف أن (الاتحاد الإسلامي) لا يوجد في الصومال على الإطلاق، ولكن يوجد في (إقليم أوجادين) المعروف والذي يخضع للسيطرة الإثيوبية؛ لذا فإن الدجل السياسي الأمريكي الموجه إلى الصومال يجب أن يتوقف؛ لأن الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها أنه ليس هناك شيء يختفي في الصومال لا في سمائه، ولا في أرضه، ولا حتى في البحر؛ لأنه بلد مفتوح على مصراعيه أولاً، ومن جهة أخرى فإنه يخضع إلى رقابة محلية من قِبَل القبائل والبطون المسيطرة على الأوضاع هناك؛ لهذا أو ذاك فلن تكون هناك صعوبة لمعرفة ما يجري في الساحة الصومالية؛ لأنها مكشوفة ظاهراً وباطناً ـ ناهيك عن القوى الهائلة الأمريكية حسبما تدعي والتي بإمكانها اكتشاف الأماكن الحصينة المشتبه إن وجد ـ.
ومهما حاولت جهات صومالية معادية للاتجاهات الإسلامية أن تغرر المخابرات الأمريكية لتبيع عليها معلومات مضطربة وغير صحيحة تتعلق بـ (الجماعات الإسلامية) في الصومال فإن الحقيقة وحدها هي التي تبقى، وينتظرهم درس قاسٍٍ بفقدهم المصداقية أمام الشعب الصومالي، ومثلهم كمثل الدكتور/ أحمد جلبي العراقي الذي باع وطنه وشعبه بثمن بخس، ويبدو أن الولايات المتحدة تريد أن تقول للعالم أجمع: أن قوتها التكنولوجية التي تتمتع بها بإمكانها أن تحول السراب ماءً لمساعدة الأهالي الصوماليين المتضررين جراء التصحر والجفاف الذي ضرب بلدهم.
فبدلاً من أن تساهم أمريكا على الأقل في إنجاح المفاوضات ـ الجارية الآن في كينيا ـ بين الفرقاء الصوماليين لوضع حد لمعاناة الشعب الصومالي الذي يعاني عدة مشاكل أساسية في جميع مجالات الحياة اليومية فإنها تزرع الرعب والهلع في أوساط الأهالي البائسين؛ حيث تصطاد الشباب الصومالي العزّل الذين لا ذنب لهم، وأيضاً بعض الرموز الإسلامية مستخدمة في تحقيق ذلك قادة الميليشيات المسلحة الذين همهم الأول قتل مواطنيهم وتشريدهم.
ومهمــا يكـن من أمر فإن واشنطون بدأت تهــتم بـ (الملف الصومالي) الساخن بعد الحادي عشر من سبتمبر لتصدير أزمتها الداخلية الأمنية، ولتخلق طوقاً أمنياً في أفريقيا عبر المنطقة الاستراتيجية التي يحتلها الصومال، وغيرها من المناطق الحساسة ذات الأهمية القصوى للولايات المتحدة الأمريكية، وانطلاقاً من ذلك فإن أمريكا تتعاطى مع المسألة الصومالية ليس من حيث أنها تملك العصا السحرية لاحتوائها بإقامة حكومة عميلة لها، ولكنها تريد أن تستعرض عضلاتها العسكرية والأمنية فوق أشلاء المدنيين العزل الذين تضرروا أصلاً من الإرهاب اليومي الذي تمارسه الفصائل المتناحرة في مقديشو؛ فزادت القوات الأمريكية المتواجدة الآن في الصومال الوضع سوءاً.
إن ما يطلبه الشعب الصومالي فقط من أمريكا هو أن توقف هجمتها الشرسة التي تشنها عليه منذ الحادي عشر من سبتمبر، وبخاصة في المجال الاقتصادي، وتوقف تعاونها مع رؤساء الفصائل الذين يعيثون في البلد الفساد باستخدامهم الأسلوب الراديكالي لتحقيق مآربهم الشخصية.
إن السيطرة الأمريكية في المجال الأمني على القرن الأفريقي، وبخاصة الصومال يهدف إلى إيصال الرسالة الآتية إلى الشعب الصومالي والتي مفادها: (ها نحن قد رجعنا مرة أخرى إليكم لننتقم منكم؛ لأنكم أزهقتم وقتلتم أرواح الجنود الأمريكين في عام 1993م البالغ عددهم 18)، وكان ذلك عندما أرسلت الأمم المتحدة ما يسمى (قوات حفظ السلام الدولية تحت شعار إعادة الأمل) في الصومال، ولكن الأهداف الأخرى الخفية للولايات المتحدة هي التي أجهضت جهود الأمم المتحدة الرامية وقتذاك إلى إعادة الأمن والاستقرار في البلد، وأعتقد أن النقطة الأساسية التي أرادت (واشنطون) تحقيقها هي القضاء على الاتجاهات الإسلامية المباركة، والتي أصبحت آنذاك حديث الساعة شكلاً ومضموناً وتطبيقاً؛ حيث تحول الشارع الصومالي إلى شارع إسلامي دون مزايدات، كما اختفت الأفكار الماركسية المستورة من أوروبا الشرقية والتي ماتت تحت أنقاض (جدار بارلين)، وقد تحول الآن إلى جزء من التاريخ السحيق، وانتهت أيضاً الشعارات البراقة من الوطنية، والديمقراطية والتي سيطرت على المجتمع الصومالي ردحاً من الزمن، وفي خلال سنتين من تاريخ انهيار الحكومة الوطنية الصومالية حدث انقلاب حقيقي ـ وبصورة داراماتيكية ـ نحو العودة الحميدة إلى الإسلام؛ هذا الحدث الكبير أزعج الإدارة الأمريكية وبعض الدول المجاورة للصومال المعروفة بعدائها للإسلام والمسلمين؛ فكان قرار الأمم المتحدة تحت شعار (إعادة الأمل) في الصومال، بيد أن هذا الشعار ظاهره الرحمة وباطنه العذاب كما أسلفنا سابقاً.
ولذلك فإن التواجد الأمريكي الكثيف في الصومال ـ في الوقت الراهن ـ يهدف وبلا شك إلى تأجيج الصراع السياسي والقبلي في البلد من جديد للقضاء على آمال الشعب الصومالي الذي يتلمس الطريق في هذه الظروف بالغة التعقيد للخروج من أزمته السياسية العويصة ـ تمهيداً لاحتلاله وبناء قواعد عسكرية فيه ـ هذا هو السيناريو الأمريكي المكشوف والموجه إلى الصومال والذي يرمي إلى أفغنة القضية الصومالية، وهي الخطة الأمريكية نفسها الموجهة للشعب العراقي.
وهذا التحليل السياسي ينطلق من المعطيات الموجودة في القرن الأفريقى وليس رجماً بالغيب؛ ولذلك فإن عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية لمؤتمرات المصالحة الصومالية والذي بلغ أكثر من خمسة عشر مؤتمراً منذ انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م وإلى الآن ـ عام 2004م ـ يمثل خرقاً صارخاً للقانون الدولي، والآن تريد (قيادة البنتاجون) أن تحصل من رؤساء الفصائل، وغيرهم من المشاركين في المداولات الجارية في مؤتمر المصالحة الصومالي في كينيا بضمانات كافية أهمها القضاء على (الجماعات الإسلامية) في الصومال، وبما أن هذه الشريحة تمثل رقماً صعباً لا يمكن تجاهله فإن أي حكومة جديدة سواء كانت أمريكية التوجه والميول، أو غيرها فليس بمقدورها أن تطيع أمريكا، أو غيرها لتنفذ مثل هذه الوعود الشيطانية ضد المدنيين الأبرياء في الصومال، وأي محاولة كهذه فستلقى مقاومة شرسة قد تقضي على الحكومة الجديدة من قِبَل جميع الشرائح الصومالية؛ لأن الطبيعة التركيبية القبلية للمجتمع الصومالي تؤيد ذلك.
والإصرار الأمريكي الواضح الرامي إلى تفكيك الجسد الصومالي من جديد، وفرض هيمنته عليه ليس غريباً على الإطلاق سياسياً وعقدياً؛ إذ إن الشعب الصومالي كله مسلم، ويرفض الصلف الأمريكي وهيمنته عليه، فإذا كان تدخل (واشنطون) في الشأن الصومالي عام 1993م للقضاء على الاتجاهات الإسلامية، وبخاصة الاتجاه السلفي فقط، وليس مساعدة الشعب الصومالي لإقامة حكومته المركزية فإن تدخلها اليوم في القضية هو السيناريو نفسه، وهناك دلائل تؤكد صدق ذلك نذكر بعضاً منها:
1 ـ طرد المنظمات والهيئات الإسلامية الخيرية مثل: مؤسسة الحرمين الخيرية والتي تقدم خدمات إنسانية للأرامل واليتامى الذين فقدوا آباءهم نتيجة الحرب الأهلية في البلد، وقد تحقق للولايات المتحدة الأمريكية هذا المطلب؛ حيث تم قفل مكاتب مؤسسة الحرمين الخيرية في الصومال، وبدأت هيئات تنصيرية تقدم طلبها لمساعدة هؤلاء اليتامى المحتاجين.
2 ـ فتح مكاتب أمنية في طول البلد وعرضه لإلقاء القبض على العناصر التي قد تهدد أمنها في القرن الأفريقي، ويتم ذلك عبر التنسيق المحكم مع القوى السياسية المسيطرة على الأوضاع في البلد.
وقد نفذت أمريكا عبر مكاتبها الأمنية المنتشرة في البلد ـ وباستخدام العملاء الصوماليين كآلة تنفيذ ـ عدة عمليات إرهابية ضد الشعب الصومالي الأعزل، وتتمثل تلك العمليات تنفيذ عمليات اغتيال في مقديشو، وكانت آخر عملية وقعت في شهر 7/2004م، كما يتعرض شباب الصحوة الإسلامية في البلد إلى مضايقات متكررة، وفي بعض الأحيان يقتادون إلى السجون الخاصة لها دون أي برهان يعتمدون عليه لتنفيذ مخططهم هذا.
وبما أن زعماء القبائل لهم كلمتهم وقوتهم السياسية في أوساط المجتمع المدني الصومالي فقد تدخلوا في عدة حالات أسفرت عن الإفراج عن بعض الشباب الصوماليين الذين احتجزتهم تلك المكاتب المتناثرة والتي تبث الرعب والهلع في نفوس المواطنين.
3 ـ التنسيق الأمني والمخابراتي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإثيوبيا وزعماء المقاطعات الصومالية لمحاربة ما سموه بـ (الإرهاب الدولي) (الإسلام).
هذه العلاقة بين تلك المجموعات الثلاثة المذكورة ليست علاقة عادية وإنما هي علاقة عضوية متينة تضاهي علاقة (واشنطون) بالمنظومة الأمنية المتمثلة: في إسرائيل، وتركيا، والآن في العراق لتطويق الأمة الإسلامية وتركيعها، فإذا كانت الطائرات الحربية الأمريكية من طراز أباتشي تضرب وبصورة يومية على الشعب الفلسطيني والعراقي فإنها أيضاً ضربت وبصورة عشوائية على الشعب الصومالي عام 1993م إبّان تدخل الأمم المتحدة في الشأن الصومالي، كما ساعدت تلك الطائرات القوات الإثيوبية عام 1994م ضد الشعب الصومالي في (إقليم أوجادين) المحتل، وذلك أثناء الحملة العسكرية ضد المقاومة الإسلامية المسلحة فيه، واستمرت تلك الحملة أربعين يوماً، فإذا كانت أمريكا قد أدت هذه المهمة في بدايات العقد الماضي والوقت الراهن أيضاً فإن قوتها الخاصة لمحاربة ما يسمى بـ (الإرهاب) تجوب في شوارع مدينة (جكجكا) عاصمة (إقليم أوجادين) والمناطق الأخرى التابعة له، وبالذات حول بئر الغاز الطبيعي الواقع قرب مدينة (شيلاب) ولنهب الثروة البترولية الهائلة الكامنة في الأراضي الصومالية المفقودة، ويبدو أن الأمر لا يختلف عما يجري في العراق، ولايُنسى أيضاً الضربات الأمريكية الخاطفة لمصنع الشفا في السودان، واليوم فإن غطرسة أمريكا تتجه نحو الخرطوم من جديد بسبب الأحداث الجارية في (دارفور) التي تعتبر هذا شأناً داخلياً لم تصل إلى مرحلة التدخل الدولي، ويبدو أن الإرهاب الأمريكي الأمني (العسكري والاقتصادي) يمشي جنباً إلى جنب لإذلال الشعوب الإسلامية.
4 ـ من أهداف مكتب المخابرات الأمريكية في الصومال هو إطالة أمد الصراع السياسي والقبلي في البلد؛ حيث تتدخل أمريكا وبصورة مكشوفة في المحادثات الجارية بين الفرقاء الصوماليين، وفي مؤتمرهم الخامس عشر الذي تجري مداولاته في كينيا منذ 15/أكتوبر 2002م بغية عرقلة سيره، وهي لا يهمها وقف الفوضى السياسية الجارية في الصومال؛ لأنها هي التي ساهمت في إسقاط النظام السابق، كما أجهضت أيضاً حكومة (عبده قاسم صلاد حسن).
ولذلك فإنها تريد على ما أعتقد أن يبقى الصوماليون على ما هم عليه حتى تتفرغ قيادة البيت الأبيض من الجمهوريين الراديكاليين غزو الصومال واحتلاله، وأعتقد أن (قيادة البنتاجون) مشغولة في اختيار الزمن المناسب لتنفيذ هذا الفلم الذي أعدته مسبقاً، ولكن ومهما مكروا مكراً، وفكر بوش وقدَّر في جنح الظلام أو على عدسة الكاميرا فإن مخططهم هذا سوف لن يكتب له النجاح بإذن الله؛ لأن الشعب الصومالي بطبيعته يكره أمريكا، ويلقنها الدروس القاسية، ويصعب أيضاً أن نفرق بين من ينتمي إلى الاتجاهات الإسلامية تنظيمياً وبين الآخرين؛ لأن الجميع يشتركون في شيء واحد وهو الإسلام، بالإضافة إلى الشبكة الاجتماعية المعقدة وهي القبيلة التي تحمي أفرادها، والحالة كهذه يجب على الكتل الشيطانية المعادية للصومال أن تعيد حساباتها من جديد، وتتخلى عن عنجهيتها وصلفها.