- الجمعة مايو 13, 2011 10:09 pm
#35331
تهاوت أنظمة الحداثة العربية بثورات تستهدف الأساس الثقافي الذي قامت عليه.. ثورات لم تفجرها المعارضة، بل فجرها الإنسان الطيب الذي أذعن لها فنكلت به وأفقرته وشردته وجعلته موزعا بين المنافي والمعتقلات والإحباط، ما يعني أنها حداثة لا إنسانية، وعليها أن تعيد نقد وإصلاح نفسها إن كانت تريد الوصول إلى ما وصلت إليه الحداثة الغربية.. تلك الحداثة التي يحدوها العلم وتؤججها التجربة..
الحداثة الغربية مرت (كما في المقال السابق) بعصر للنهضة (عصر اعتناق العلم التجريبي والتخلي عن عقلانية اليونان)، ثم عصر التنوير ومواجهة الكنيسة بالاختراع والاكتشاف، ثم عصر الحداثة المبهر، ثم فلسفة ما بعد الحداثة المحبطة مع الاحتفاظ بالإبداع المادي الذي لا يختلف عليه اثنان. أما نحن العرب فندعي أننا في عصر الحداثة منذ نصف قرن، وفجأة صرنا نتسمى بالتنويريين؟ ما هذا.. أين ما بعد الحداثة؟ لم ارتدت حداثتنا للتنوير؟ الجواب هو: أننا لم نتقدم حتى ننتكس.. نحن كما وصفنا (محمد الجابري) ننزلق للوراء منذ مائة عام.. كل الذي مضى من كتابات عن نهضة وتنوير وحداثة مجرد وهم.. مفردات إنشائية لا رصيد لها.. حداثة بدأت بالشعراء والأدباء وانتهت بالأدباء والشعراء.. يملأ الحداثي خطابه بالمصطلحات الغربية معتقدا أنه سيقلب عالمه (في تقمص تعيس لزمزمة المشعوذ).
حداثة الغرب إنجاز علمي تجريبي شيدت عليه الفلسفات والنظريات الاجتماعية والسياسية بل والأدبية. أما الحداثة العربية فاكتفت بالإنشاء. خذ قائمة بأسماء النهضويين والتنويريين والحداثيين العرب.. كلهم أدباء.. ليس بينهم أمثال (جاليلو أو كيث إل مور أو بيل غيتس). حداثتنا لم تفهم الغرب حتى.
لم تحل أساطير الكتاب المقدس دون تطويع إسرائيل الدول الغربية الحداثية العظمى لفكرها الغيبي الديني الدموي، لأنها تسلح (شعب الله المختار) بالبحث العلمي.. إسرائيل العبرية تترجم للغتها الميتة 15 ألف كتاب سنويا، بينما معدل ما تترجمه الدولة العربية الحداثية الواحدة 15 كتابا! إسرائيل تبني مستوطنات ليهود لم يصلوا إسرائيل ولم يصبحوا مواطنين بعد، بينما تبدع الحداثة العربية في نشر مدن الصفيح والبؤس.
أين الحداثيون العرب من الفلك من الكيمياء من الفيزياء، أين تشجيع البحث العلمي؟ لم تكن شعوبهم تنتظر أن يقتحموا لها الميتافيزياء.. كانت ترجوهم مشكورين أن يتواضعوا وينزلوا للعالم المادي المحسوس؟ لكنهم يشعرون بشيء ضد الإبداع..
إحدى الدول العربية كانت قبل أن تتحول إلى حداثية تتلقى البعثات الدراسية من اليابان، وبعد أن تحولت إلى حداثية صار يهرب منها عشرة آلاف طبيب سنويا، بل قبل 30 عاما، عرضت عليها الهند الاشتراك في مشروع فضائي مستقبلي، فرفضت بحجة أن الهند آنذاك متخلفة عنها. لست أنا من يقول ذلك.. اسألوا د. فاروق الباز من وكالة (ناسا). ابحثوا عن فاروق نفسه ود. أحمد زويل وغيرهم... أين حطت رواحلهم هربا من الحداثة العربية؟، هل قدمت لنا الحداثة العربية الاشتراكية العظمى مبدعا غير طارق التائب وزنقه زنقه؟، هل أخذت حداثة البعث براءة اختراع بغير إذابة المعارضين بالأسيد والتوريث؟ هل قدمت حداثة بورقيبة غير ملاحقة الحجاب والمصلين والرئاسة مدى الحياة؟ الحداثة العربية حداثة إنشائية.. ظاهرة صوتيه، ولو كان الصوت يصعد بأمة لرفرف اللبنانيون خلف وديع الصافي وفيروز بين المريخ والزهرة بعيدا عن أرض (الحداثة) التي خاضت حربا دينية 20 عاما بالسواطير؟ (تصوروا حداثيين يقودون حربا دينية!) بل بعيداً عن حزب الله الذي يجتاح بيروت كلما شعر بحالة إبداع (لا أدري ما حاله اليوم؟ يقال: يرثى لها).
الحداثة العربية لم تكتف بكونها ظاهرة إنشائية، بل تعدتها إلى أن تكون ظاهرة طائفية بامتياز، وهو موضوع المقال التالي إن شاء الله.
الحداثة الغربية مرت (كما في المقال السابق) بعصر للنهضة (عصر اعتناق العلم التجريبي والتخلي عن عقلانية اليونان)، ثم عصر التنوير ومواجهة الكنيسة بالاختراع والاكتشاف، ثم عصر الحداثة المبهر، ثم فلسفة ما بعد الحداثة المحبطة مع الاحتفاظ بالإبداع المادي الذي لا يختلف عليه اثنان. أما نحن العرب فندعي أننا في عصر الحداثة منذ نصف قرن، وفجأة صرنا نتسمى بالتنويريين؟ ما هذا.. أين ما بعد الحداثة؟ لم ارتدت حداثتنا للتنوير؟ الجواب هو: أننا لم نتقدم حتى ننتكس.. نحن كما وصفنا (محمد الجابري) ننزلق للوراء منذ مائة عام.. كل الذي مضى من كتابات عن نهضة وتنوير وحداثة مجرد وهم.. مفردات إنشائية لا رصيد لها.. حداثة بدأت بالشعراء والأدباء وانتهت بالأدباء والشعراء.. يملأ الحداثي خطابه بالمصطلحات الغربية معتقدا أنه سيقلب عالمه (في تقمص تعيس لزمزمة المشعوذ).
حداثة الغرب إنجاز علمي تجريبي شيدت عليه الفلسفات والنظريات الاجتماعية والسياسية بل والأدبية. أما الحداثة العربية فاكتفت بالإنشاء. خذ قائمة بأسماء النهضويين والتنويريين والحداثيين العرب.. كلهم أدباء.. ليس بينهم أمثال (جاليلو أو كيث إل مور أو بيل غيتس). حداثتنا لم تفهم الغرب حتى.
لم تحل أساطير الكتاب المقدس دون تطويع إسرائيل الدول الغربية الحداثية العظمى لفكرها الغيبي الديني الدموي، لأنها تسلح (شعب الله المختار) بالبحث العلمي.. إسرائيل العبرية تترجم للغتها الميتة 15 ألف كتاب سنويا، بينما معدل ما تترجمه الدولة العربية الحداثية الواحدة 15 كتابا! إسرائيل تبني مستوطنات ليهود لم يصلوا إسرائيل ولم يصبحوا مواطنين بعد، بينما تبدع الحداثة العربية في نشر مدن الصفيح والبؤس.
أين الحداثيون العرب من الفلك من الكيمياء من الفيزياء، أين تشجيع البحث العلمي؟ لم تكن شعوبهم تنتظر أن يقتحموا لها الميتافيزياء.. كانت ترجوهم مشكورين أن يتواضعوا وينزلوا للعالم المادي المحسوس؟ لكنهم يشعرون بشيء ضد الإبداع..
إحدى الدول العربية كانت قبل أن تتحول إلى حداثية تتلقى البعثات الدراسية من اليابان، وبعد أن تحولت إلى حداثية صار يهرب منها عشرة آلاف طبيب سنويا، بل قبل 30 عاما، عرضت عليها الهند الاشتراك في مشروع فضائي مستقبلي، فرفضت بحجة أن الهند آنذاك متخلفة عنها. لست أنا من يقول ذلك.. اسألوا د. فاروق الباز من وكالة (ناسا). ابحثوا عن فاروق نفسه ود. أحمد زويل وغيرهم... أين حطت رواحلهم هربا من الحداثة العربية؟، هل قدمت لنا الحداثة العربية الاشتراكية العظمى مبدعا غير طارق التائب وزنقه زنقه؟، هل أخذت حداثة البعث براءة اختراع بغير إذابة المعارضين بالأسيد والتوريث؟ هل قدمت حداثة بورقيبة غير ملاحقة الحجاب والمصلين والرئاسة مدى الحياة؟ الحداثة العربية حداثة إنشائية.. ظاهرة صوتيه، ولو كان الصوت يصعد بأمة لرفرف اللبنانيون خلف وديع الصافي وفيروز بين المريخ والزهرة بعيدا عن أرض (الحداثة) التي خاضت حربا دينية 20 عاما بالسواطير؟ (تصوروا حداثيين يقودون حربا دينية!) بل بعيداً عن حزب الله الذي يجتاح بيروت كلما شعر بحالة إبداع (لا أدري ما حاله اليوم؟ يقال: يرثى لها).
الحداثة العربية لم تكتف بكونها ظاهرة إنشائية، بل تعدتها إلى أن تكون ظاهرة طائفية بامتياز، وهو موضوع المقال التالي إن شاء الله.