بسم الله الرحمن الرحيم
" عندما ينظر النصارى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بعين العقل "
كتبه / " عصام حسنين "
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، ثم أما بعد :
فقد نشرت صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 6 مارس 1985م ، عن " البابا شنودة " ما يلي :
( إنَّ الأقباط في ظل حكم الشريعة يكونون أسعد حالاً وأكثر أمنًا ، ولقد كانوا كذلك في الماضي ،
حينما كان حكم الشريعة هو السائد ... نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل : " لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا " .
إنَّ مصر تجلب القوانين مِن الخارج حتى الآن ، وتطبقها علينا ، ونحن ليس عندنا مثل ما في الإسلام مِن قوانين مفصَّلة ؛
فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ، ولا نرضى بقوانين الإسلام ؟! ) اهـ
( انظر " سماحة الإسلام " , د / عمر عبد العزيز ) .
وليس هذا هو قول " بابا الأرثوذكس " وحده ، وإنما قول ممثلي الطوائف الأخرى ،
فقد نشرت جريدة الدعوة المصرية سنة 1977م بحثًا ميدانيًا لممثلي الطوائف المسيحية ( النصرانية ) في " مصر "
تحت عنوان : " المسيحيون في مصر والحكم بشرع الله " .
# وقد وجهت المجلة سؤالين محددين :
- الأول : إذا كان الإسلام والمسيحية ملتقيين في تحريم الزنا - مثلاً - ومحاربته ،
فهل عندكم مانع في تطبيق حد الزنا وبقية الحدود الإسلامية الأخرى على مَن استوجب إقامتها عليه في المجتمع المصري ؟
وهل ترى في تطبيقها ما يمس حقوق المسيحيين أو يضايقهم ؟
- الثاني : مِن خلال دراستكم للتاريخ ، ماذا ترون في حكم الإسلام بالنسبة للأقليات مِن ناحية العبادة والأموال والأعراض ؟
# فأجاب " الكاردينال إسطفانوس " - بطريرك الأقباط الكاثوليك - :
( الأديان السماوية تشير إلى تحريم القتل أو الزنا ، وتدعو إلى المحبة والمودة ، فالقتل والزنا والسرقة إلى آخر المنكرات
ضد المحبة ؛ لأنَّ الله خلق الإنسان ليكون مستقيمًا غير منحرف ، ويستفيد من التعاليم الإلهية ، ولذلك فالذي يشذ عن نظام الله
وتعاليمه بعد أن تُكفَّل له أسباب العيش ومستلزماته يجب أن تطبق عليه حدود شريعة الله ؛ ليرتدع ويكون عبرة لغيره ،
وحتى لا تعم الفوضى عندما يقتل أحدٌ أخاه ولا يُقتل ، أو يسرق ولا تُقطع يده ، أو يزني ولا يُقام عليه حد الزنا ،
وهذا ما وجدناه في القوانين الوضعية التي تجامل الناس ، وتلتمس لهم مختلف الأعذار مما جعل المجتمع غير آمن على نفسه
أو ماله أو عِرضه ، وأعود فأكرر : إن تطبيق حدود الشريعة الإسلامية ضروري على الشخص وعلى المجتمع
حتى تستقيم الأمور وينصلح حال الناس ، وليس في تطبيقها - أبداً - ما يمس حقوق المسيحيين أو يضايقهم !
ولقد وجدت الديانات الأخرى - والمسيحية بالذات - في كل العصور التي كان الحكم الإسلامي فيها قائمًا بصورته الصادقة ،
ما لم تلقه في ظل أي نظام آخر من حيث الأمان والاطمئنان في دينها ومالها ، وعرضها وحريتها ! ) .
# ويقول القــس " برسوم شحاتة " - وكيل الطائفة الإنجيلية في مصر - ما يلي :
( في كل عهد أو حكم إسلامي التزم المسلمون فيه بمبادئ الدين الإسلامي كانوا يشملون رعاياهم مِن غير المسلمين
- والمسيحيين على وجه الخصوص - بكل أسباب الحرية والأمن والسلام ، فكلما قامت الشرائع الدينية في النفوس بصدق
- بعيدة عن شوائب التعصب الممقوت والرياء المذموم الدخيلين على الدين - كلما سطعت شمس الحريات الدينية ،
والتقى المسلم والمسيحي في العمل الإيجابي ، والوحدة الخلاَّقة ) اهـ من المصدر السابق ص281 ، وما بعدها .
- وهذه شهادتهم الموثقة فمن يغير رأيه منهم الآن فهو مطالب بتفسير منطقي ومقبول لا سيما أن هذا الكلام
كان قبل وجود " أقباط المهجر " وما جرُّوه على العلاقة بين المسلمين والنصارى في مصر من فساد .
- وهذا أيضا ما شهد به المنصفون مِن الغرب ، يقول " جوستاف لوبون " :
( رأينا من آي القرآن التي ذكرناها آنفًا أن مسامحة " محمد " لليهود والنصارى كانت عظيمة إلى الغاية ، وأنه لم يقل بمثلها
مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله : كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص ، وسنرى كيف سار خلفاؤه على سنته ،
وقد اعترف بذلك التسامح بعض علماء أوروبا المرتابون أو المؤمنون القليلون الذين أمعنوا النظر في تاريخ العرب ...
ونقل عن " روبرت سن " في كتابه " تاريخ شارل كن " :
" أن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة على دينهم وروح التسامح نحو اتباع الأديان الأخرى ،
وأنهم مع امتشاقهم الحُسام نشرًا لدينهم ، تركوا مَن لم يرغبوا فيه أحرارًا في التمسك بتعاليمهم الدينية " ) اهـ
( حضارة العرب ص 128 ) .
# ويقول " آرنولد " في كتابه - الدعوة إلى الإسلام - ص51 :
( ومِن هذه الأمثلة التي قدمناها آنفًا عن ذلك التسامح الذي بسطَه المسلمون الظافرون على العرب المسيحيين
في القرن الأول مِن الهجرة ، واستمر في الأجيال المتعاقبة ، نستطيع أن نستخلص بحق أن هذه القبائل المسيحية
التي اعتنقت الإسلام ، إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة ، وأنَّ العرب المسيحيين الذي يعيشون في وقتنا هذا
بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح ) اهـ .
- وقديمًا قال أهل الشام لأبي عبيدة - رضي الله عنه - :
( أنتم - ولستم على ديننا - أرأف بنا من أهل ديننا ) اهـ ( المصدر السابق ص 54 ) .
فكيف يُقابل هذا التسامح الذي يقوم به المسلمون مع غيرهم انطلاقًا مِن شريعتهم بالاستفزاز ؟
أو بالجحود والنكران أو بالمطالبة بحقوق فوق التي لكم : كبناء الكنائس وتعطيل الشريعة ، ولا نستطيع أن نعطيها لكم ؛
لأننا نكون حينئذٍ عاصين لربنا – تبارك وتعالى - ؟!
وكيف تريدون بعد كل هذا أن تمنعونا من ممارسة ديننا بتطبيق شريعة ربنا - تبارك وتعالى - ،
ونحن قد تركنا لكم حرية الاعتقاد والعبادة داخل كنائسكم دون إظهارها ؟
نرجو مِن عقلاء النصارى أن يأخذوا على أيدي سفهائهم ، وأن يلتزموا لنا بما شرطنا عليهم لنلتزم لهم بعدهم ؛ لنعيش في سلام .
وها أنتم رأيتم بأعينكم عندما غاب الأمن كيف عاملكم المسلمون وبخاصة الملتزمون !
وهذا درس عملي بليغ لتُراجعوا مواقفكم ، إذا كنتم كما تقولون : " إن رسالة المسيح رسالة محبة " !
والسلام على من اتبع الهدى ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .