منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By يوسف اليوسف 9
#36113
الأحداث بالحجم العائلي


كان يا ما كان .. كان هنالك قضية اسمها قضية فلسطين .. كانت هذه القضية تشغل الحيز الأكبر من نشرات الأخبار في العالم العربي ، مثلما تشغل الحيز ذاته من مؤتمرات القمم العربية ، وكان الناس حينها يعرفون بالصوت والصورة معظم المسؤولين الفلسطينيين وإلى ما بعد المستوى العاشر لكثرة ما يتداولهم الإعلام ، ويستعرض تصريحاتهم ومواقفهم وحتى عنترياتهم ، بدأت أحداث لبنان العام 75 م .. فقال أحدهم :

المشكلة ما هي قضية فلسطين ... المشكلة لبنان راحت وراها

طوى لبنان مأساته الدامية في الطائف العام 89 م ، وعض على جراحه وتأبط شغبه المألوف ، إذ كثيرا ما جره ساسته إلى حافة الهاوية ، لكنهم سرعان ما يستعيدونه سالما بلا مغانم ، تارة بمصافحة وأخرى بمحاصصة ليظل يمارس لعبة التنس الأرضي على المسرح السياسي إلى ما شاء الله .

في التسعين ابتلعت العراق الكويت ، أعقبتها عاصفة الصحراء ، فيما ظلت قضية فلسطين في ذاكرة المجاميع كعصافير فيروز تغدو وتؤوب ، وبقي العالم العربي يتجرع الأحداث بالحجم العادي مع شيء من البهارات الحارة أحيانا والحارقة أحيانا أخرى في الصومال وفي السودان وفي غير مكان .

في 2001م اهتز العالم على وقع انهيار برجيْ التجارة العالمي في مانهاتن ، ما أفضى إلى غزو أفغانستان والعراق ، وظن الكثيرون أنه الزلزال الأكبر الذي ضرب المنطقة ، لكن وتيرة الأحداث سرعان ما عادت إلى نفس الرتم السابق (حبة حبة) ما بين حرب تموز ، وحرب الضفة ، حتى إن قضية رهين حماس الجندي شاليط وجدت ما يكفي من المساحة لتتصدر الأخبار .. فعادت الوجوه الفلسطينية مجددا إلى الشاشة ، وأصبح خلاف عباس / هنية .. الخبر الأبرز .. نقطة . من أول السطر .

في 17 ديسمبر 2010 م أضرم الشاب محمد بوعزيزي النار في جسده في أحد ميادين ولاية سيدي بوزيد التونسية ، ومنذ تلك اللحظة والعالم يتجرع الأحداث بالحجم العائلي ، إلى أن تسمر الجميع أمام الشاشات لملاحقة ما يجري ، وأصبح بمقدور كل واحد أن يضيف خبرا أو معلومة لأن حجم تدفق الأحداث أكبر من قدرة الفرد على الاحتواء ، تفكك السودان فأصبح سودانين وسط الزحمة فلم يشعر أحد .. لأن المعدة السياسية اعتادت التهام الأحداث بالحجم العائلي ، ولم يعد الحدث الفردي يثير شهيتها .. حتى إن اليابان التي صممت مبانيها لامتصاص الزلازل بالرقصات ، أفاقت على تسونامي جديد لم يشهد له العالم مثيلا ، يأخذ المباني والسيارات والطائرات في طريقه كاللعب الورقية ! ، ليفتح أوسع جدل دولي حول الطاقة النووية بتصدع مفاعل فوكوشيما ، واحتمالاته الكارثية القائمة .

لم يعد توالي الأحداث يسمح لأحد بالتقاط أنفاسه أو إغماض عينيه عن الشاشات .. فكل حدث يتم بالحجم العائلي ، هنا تذكرتُ تشبيهاً استخدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما .. عندما سئل عن تجربته كسيناتور في الكونغرس الأمريكي في السنة الأولى فقال : كنت أشعر أني كمن يحاول أن يشرب الماء من خرطوم سيارة المطافي !..