- الاثنين مايو 30, 2011 1:04 am
#37546
هناك الكثير من البؤس الذي يمكن العثور عليه بين ثنايا الخطاب الذي يتحدث بلغة التهويل والتخويف عن إيران ومشروعها ونفوذها في المنطقة، لكن الوجه الآخر للصورة ما زال يشير إلى أخطاء يصعب تجاوزها في السلوك الإيراني، وهي أخطاء تمنح الطرف المعني باستهدافها لحسابات مختلفة ذخيرة مهمة وفاعلة، في ذات الوقت الذي يصعّب الموقف على الأطراف العاقلة التي تدعو إلى الوحدة ونبذ لغة الشقاق، والتي لا تتعامى عن الوجه الآخر لإيران ممثلا في دعم قوى المقاومة في المنطقة وتحدي المشروع الأميركي الصهيوني.
لا خلاف على أن شيوع الخطاب السلفي التقليدي ما زال يساعد في تصعيد أجواء الشحن المذهبي ضد إيران، وهذا الشيوع لا صلة له بقدرة الخطاب المذكور على الإقناع، بقدر صلته بالدعم والتبني الرسمي من قبل عدد من الأنظمة، وبالطبع لأنه يروج للعلمانية في جانبها الأروع بالنسبة للنخب الحاكمة، أعني تبنيه الضمني لمقولة "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، أي ترك السياسة وإدارة شؤون الناس للحكام من دون مساءلة أو انتقاد، مع ترك النشاط الديني لأهل ذلك الخطاب، أقله حتى حين، لأن ذلك لن يدوم إلا لمرحلة معينة يجري التخلص خلالها من مظاهر الصحوة الدينية بالتدريج.
"
شيوع الخطاب السلفي التقليدي لا زال يساعد في تصعيد أجواء الشحن المذهبي ضد إيران، وهذا الشيوع لا صلة له بقدرة الخطاب المذكور على الإقناع، بقدر صلته بالدعم والتبني الرسمي من قبل عدد من الأنظمة
"
من جانب آخر، ليس من السهل القول إن الهجمة الرسمية العربية على إيران هي فقط محض مجاملة للولايات المتحدة المعنية بشيطنة نظام الملالي تمهيدا لضربه (لحساب الدولة العبرية بالطبع)، إذ إنها تعكس أيضا مخاوف حقيقية من المشروع الإيراني، أكان بسبب دعمه لقوى المقاومة وما يترتب على ذلك من إحراج لأنظمة "الاعتدال" العربية، أم بسبب مخاوف تصعيد مطالب الأقليات الشيعية في المنطقة على نحو يثير بعض الاضطرابات في الدول التي تتواجد فيها، فضلا عن البُعد المصري في القضية ممثلا في مخاوف القاهرة من نفوذ إقليمي لإيران يأكل ما تبقى من نفوذ مصر التي تعيش أزماتها الخاصة من توريث ورفض للإصلاح يتطلب الدفع للولايات المتحدة من جيب قضايا الأمة.
نأتي إلى الجزء الأساسي من هذا المقال ممثلا في الأخطاء التي ارتكبتها وترتكبها إيران وتمنح خصومها ذخيرة لاستهدافها، وتجعل مهمة أصدقائها وكذلك دعاة الحوار واللقاء معها صعبة إلى حد ما. ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى تصريح بالغ الأهمية للجنرال ديفد بتراوس، قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الذي قال مؤخرا لقناة فوكس نيوز إن "الإيرانيين ما زالوا أفضل المجندين للقيادة الوسطى الأميركية التي تضم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في الوقت الذي نطور فيه شراكاتنا".
وأضاف بتراوس قائلا إن القادة الإيرانيين "أثاروا قلقا شديدا لدى الموجودين على الضفة الأخرى للخليج"، وهنا أشار إلى جملة من الأنشطة الإيرانية التي خلط فيها السيئ بالحسن، لكن القاسم المشترك بينها هو إثارة مخاوف عدد من الأنظمة العربية، وربما الشعوب كذلك.
لا داعي في هذا السياق لاستحضار التاريخ كما يفعل دعاة الشحن المذهبي، سواء القديم منه، أم الحديث عبر الإشارة إلى دور إيران في احتلال أفغانستان، لأن طالبان لم تكن على ود مع إيران من جهة، ولأن أي موقف إيراني لم يكن ليمنع الاحتلال، الأمر الذي ينطبق على الموقف من احتلال العراق.
الأهم هو سؤال الحاضر وعلى رأسه ما يتعلق بالدور الإيراني في العراق، وهو دور ما زال يثير الكثير من الإشكالات بسبب إصرار إيران على دولة مذهبية تابعة، من دون أخذ تاريخ البلد ومكوناته الأخرى، فضلا عن حساسيات الوضع العربي في الاعتبار. ولا شك أن الدور السلبي لإيران في الاستهداف الرهيب الذي تعرض له العرب السنة بعد الاحتلال كان مثيرا إلى حد كبير، وإن توفر الكثير من المنطق في الحديث عن الردود العنيفة التي جاءت من قبل قوىً محسوبة على السنة، والتي تجاوزت الدين والأعراف في استسهالها سفك دماء الشيعة العراقيين.
والحق أنه إذا واصلت إيران سياستها الراهنة في العراق، فإن الحساسيات العربية، والسنية عموما حيالها ستتواصل، والأفضل بالطبع أن تبادر إلى دور أكثر إيجابية يتعامل مع العراق بروحية الوحدة ونبذ الطائفية وتفهم انتماء البلد لفضائه العربي، من دون أن يعني ذلك تناقضا مع مصالحها كجارة مسلمة، ولاسيما أن أمرا كهذا قد يساهم في علاقة أفضل بينها وبين العالم العربي.
"
إيران المستهدفة اليوم من قبل الولايات المتحدة في حاجة إلى تعاطف الأمة، وهو ما لن يحدث إذا واصلت نهجها في العراق, ولا شك أن موضوع الحوثيين كان خطأ آخر قارفته إيران
"
هناك إلى جانب الملف العراقي كل ما يتعلق بقصة التشييع، وفي حين سبق أن أبدينا رأينا في المبالغة التي تكتنف الموضوع، وما ينطوي عليه من إساءة للسنة ومذهبهم بتصويره بمظهر الهش، الأمر الذي لا يمكن أن يكون صحيحا بحال، إلا أن ذلك لا ينفي ضرورة أن تبادر إيران إلى لجم أي نشاط على هذا الصعيد يخرج من تحت عباءتها، لأن إطلاق هذا العفريت سيصيبها أكثر من سواها، وهي إن أصرت على دورها كممثلة لمذهب وليس دولة ضمن الفضاء الإسلامي لها مصالحها المعتبرة، فستجرّ على نفسها الكثير من المتاعب. وعموما، فإن أجواء الحشد المذهبي تستحق أن تُخصّ بمزيد من الحذر في أي سلوك مهما كان.
إن إيران المستهدفة اليوم من قبل الولايات المتحدة في حاجة إلى تعاطف الأمة، وهو ما لن يحدث إذا واصلت ذات النهج (لا نبرر تعاطف أي مسلم مع ضربة أميركية أو إسرائيلية توجه إليها). ولا شك أن موضوع الحوثيين كان خطأ آخر قارفته إيران، رغم قناعتنا بأنه ملف شائك يتحمل النظام اليمني وزره الأكبر.
لا خلاف على أن شيوع الخطاب السلفي التقليدي ما زال يساعد في تصعيد أجواء الشحن المذهبي ضد إيران، وهذا الشيوع لا صلة له بقدرة الخطاب المذكور على الإقناع، بقدر صلته بالدعم والتبني الرسمي من قبل عدد من الأنظمة، وبالطبع لأنه يروج للعلمانية في جانبها الأروع بالنسبة للنخب الحاكمة، أعني تبنيه الضمني لمقولة "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، أي ترك السياسة وإدارة شؤون الناس للحكام من دون مساءلة أو انتقاد، مع ترك النشاط الديني لأهل ذلك الخطاب، أقله حتى حين، لأن ذلك لن يدوم إلا لمرحلة معينة يجري التخلص خلالها من مظاهر الصحوة الدينية بالتدريج.
"
شيوع الخطاب السلفي التقليدي لا زال يساعد في تصعيد أجواء الشحن المذهبي ضد إيران، وهذا الشيوع لا صلة له بقدرة الخطاب المذكور على الإقناع، بقدر صلته بالدعم والتبني الرسمي من قبل عدد من الأنظمة
"
من جانب آخر، ليس من السهل القول إن الهجمة الرسمية العربية على إيران هي فقط محض مجاملة للولايات المتحدة المعنية بشيطنة نظام الملالي تمهيدا لضربه (لحساب الدولة العبرية بالطبع)، إذ إنها تعكس أيضا مخاوف حقيقية من المشروع الإيراني، أكان بسبب دعمه لقوى المقاومة وما يترتب على ذلك من إحراج لأنظمة "الاعتدال" العربية، أم بسبب مخاوف تصعيد مطالب الأقليات الشيعية في المنطقة على نحو يثير بعض الاضطرابات في الدول التي تتواجد فيها، فضلا عن البُعد المصري في القضية ممثلا في مخاوف القاهرة من نفوذ إقليمي لإيران يأكل ما تبقى من نفوذ مصر التي تعيش أزماتها الخاصة من توريث ورفض للإصلاح يتطلب الدفع للولايات المتحدة من جيب قضايا الأمة.
نأتي إلى الجزء الأساسي من هذا المقال ممثلا في الأخطاء التي ارتكبتها وترتكبها إيران وتمنح خصومها ذخيرة لاستهدافها، وتجعل مهمة أصدقائها وكذلك دعاة الحوار واللقاء معها صعبة إلى حد ما. ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى تصريح بالغ الأهمية للجنرال ديفد بتراوس، قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الذي قال مؤخرا لقناة فوكس نيوز إن "الإيرانيين ما زالوا أفضل المجندين للقيادة الوسطى الأميركية التي تضم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في الوقت الذي نطور فيه شراكاتنا".
وأضاف بتراوس قائلا إن القادة الإيرانيين "أثاروا قلقا شديدا لدى الموجودين على الضفة الأخرى للخليج"، وهنا أشار إلى جملة من الأنشطة الإيرانية التي خلط فيها السيئ بالحسن، لكن القاسم المشترك بينها هو إثارة مخاوف عدد من الأنظمة العربية، وربما الشعوب كذلك.
لا داعي في هذا السياق لاستحضار التاريخ كما يفعل دعاة الشحن المذهبي، سواء القديم منه، أم الحديث عبر الإشارة إلى دور إيران في احتلال أفغانستان، لأن طالبان لم تكن على ود مع إيران من جهة، ولأن أي موقف إيراني لم يكن ليمنع الاحتلال، الأمر الذي ينطبق على الموقف من احتلال العراق.
الأهم هو سؤال الحاضر وعلى رأسه ما يتعلق بالدور الإيراني في العراق، وهو دور ما زال يثير الكثير من الإشكالات بسبب إصرار إيران على دولة مذهبية تابعة، من دون أخذ تاريخ البلد ومكوناته الأخرى، فضلا عن حساسيات الوضع العربي في الاعتبار. ولا شك أن الدور السلبي لإيران في الاستهداف الرهيب الذي تعرض له العرب السنة بعد الاحتلال كان مثيرا إلى حد كبير، وإن توفر الكثير من المنطق في الحديث عن الردود العنيفة التي جاءت من قبل قوىً محسوبة على السنة، والتي تجاوزت الدين والأعراف في استسهالها سفك دماء الشيعة العراقيين.
والحق أنه إذا واصلت إيران سياستها الراهنة في العراق، فإن الحساسيات العربية، والسنية عموما حيالها ستتواصل، والأفضل بالطبع أن تبادر إلى دور أكثر إيجابية يتعامل مع العراق بروحية الوحدة ونبذ الطائفية وتفهم انتماء البلد لفضائه العربي، من دون أن يعني ذلك تناقضا مع مصالحها كجارة مسلمة، ولاسيما أن أمرا كهذا قد يساهم في علاقة أفضل بينها وبين العالم العربي.
"
إيران المستهدفة اليوم من قبل الولايات المتحدة في حاجة إلى تعاطف الأمة، وهو ما لن يحدث إذا واصلت نهجها في العراق, ولا شك أن موضوع الحوثيين كان خطأ آخر قارفته إيران
"
هناك إلى جانب الملف العراقي كل ما يتعلق بقصة التشييع، وفي حين سبق أن أبدينا رأينا في المبالغة التي تكتنف الموضوع، وما ينطوي عليه من إساءة للسنة ومذهبهم بتصويره بمظهر الهش، الأمر الذي لا يمكن أن يكون صحيحا بحال، إلا أن ذلك لا ينفي ضرورة أن تبادر إيران إلى لجم أي نشاط على هذا الصعيد يخرج من تحت عباءتها، لأن إطلاق هذا العفريت سيصيبها أكثر من سواها، وهي إن أصرت على دورها كممثلة لمذهب وليس دولة ضمن الفضاء الإسلامي لها مصالحها المعتبرة، فستجرّ على نفسها الكثير من المتاعب. وعموما، فإن أجواء الحشد المذهبي تستحق أن تُخصّ بمزيد من الحذر في أي سلوك مهما كان.
إن إيران المستهدفة اليوم من قبل الولايات المتحدة في حاجة إلى تعاطف الأمة، وهو ما لن يحدث إذا واصلت ذات النهج (لا نبرر تعاطف أي مسلم مع ضربة أميركية أو إسرائيلية توجه إليها). ولا شك أن موضوع الحوثيين كان خطأ آخر قارفته إيران، رغم قناعتنا بأنه ملف شائك يتحمل النظام اليمني وزره الأكبر.