منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By سعيد الغامدي3.5
#41311

تلعب الولايات المتحدة الأمريكية على حبل جديد في منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام، يرتبط طرفه الأول في أمريكا، بينما طرفه الآخر في المملكة العربية السعودية.
فبعد سنوات من العمل الدؤوب من قبل أجهزة الأمن الأمريكية؛ لتحرير ملف مؤلف من (900) صفحة خاصة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001م، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها لن تسمح بنشر (28) صفحة خاصة (على حد قول الإدارة الأمريكية) بتورط المملكة العربية السعودية بدعم هذه الهجمات.
ولعل مما يجعل من هذه الصفحات ال(28) ذات أهمية كبيرة، هو عدم السماح بنشرها، أكثر –ربما- من محتوياتها الفعلية.
إذ إن هذه الصفحات السرية تشير بشكل مضمن إلى اتهامات فعلية موجهة للمملكة، في نفس الوقت الذي تمنع فيه أي وسيلة نفي سعودية قد تقلب موازين هذه الاتهامات وتثبت براءة اتهامات غامضة.

يوم الأربعاء الماضي أعلنت الإدارة الأمريكية على لسان رئيسها جورج بوش هذه المرة رفضها التام إذاعة الجزء الخاص باتهامات موجهة إلى السعودية، هذا الإعلان الذي أغضب القيادة السياسية في المملكة، خاصة أنه يضعها في موقف لا تحسد عليه، بين اتهام معلن على لسان رئيس الولايات المتحدة، وبين عدم القدرة على إثبات العكس، مما يعني أن الإدارة الأمريكية حريصة على وضع اسم المملكة في ملف أسمته (الإرهاب).
العالم بأسره تقريباً، بات يستخدم هذه الكلمة ضد أي قوة سياسية أو عسكرية أو دينية، وباتت عملية متداولة، تحرص القوى الكبرى على نعت الدول الأخرى بها؛ لكسب تأييد عالمي، حتى باتت وسائل الإعلام العربية تنقل بلامبالاة هذه الكلمة لتقول وبشكل يومي عن التنظيمات الفلسطينية المقاومة مثلاً: (المنظمات الإرهابية)، مما يعني أن أمريكا قد تستخدم هذا الموقف الدبلوماسي باتهام السعودية (بالإرهاب) في تحقيق أغراض سياسية تأخذ بعداً عالمياً.

بداية توتــر العلاقات السعودية الأمريكية:
بدأ النزاع الأمريكي السعودي يوم السبت الماضي27 يوليو الماضي، بخبر نشرته صحيفة النيويورك تايمز تشير فيه إلى أن قسماً يتألف من 28 صفحة تم حجبه من التقرير يقول: إن مسؤولين سعوديين كباراً قدموا مئات الملايين من الدولارات لجمعيات خيرية ومنظمات أخرى ربما تكون قد ساعدت في تمويل الهجمات، مما زرع الشكوك والتساؤلات، وفتح مجالاً واسعاً للتأويلات والتخمينات في إيجاد روابط ممكنة بين بعض الشخصيات في الحكومية السعودية وبين بعض المشتركين في الهجمات على برجي التجارة العالميين بنيويورك.
وقامت الإدارة الأمريكية بشكل مقصود –على الأغلب- في الإعلان عن " حذف فصل كامل مؤلف من 28 صفحة يتحدث عن تمويل حكومي مزعوم لمنفذي الهجمات".
مما جعل التساؤل المطروح هو: طالما أرادت أمريكا إخفاء هذا الجزء بشكل تام، لماذا كشفت عنه بالإعلان عن حذفه؟ ولماذا هذا الإصرار على حذفه أساساً؟

هذا الإعلان أثار حفيظة الحكومة السعودية التي وجدت نفسها متهمة بدون أي دليل، وغير قادرة عن الدفاع نفسها –على الأقل إعلامياً- لعدم وجود أدلة من الأساس.
حاولت المملكة العربية السعودية اجتياز (الشرك) الأمريكي، ففي البداية أكد السفير السعودي لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان أنه ليس لدى بلاده شيء تخفيه مضيفاً " يمكننا أن نجيب على التساؤلات علانية، لكن لا يمكننا أن نرد على صفحات بيضاء ".
كما سافر الأمير سعود الفيصل (وزير الخارجية السعودي) إلى الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي 29 يوليو، والتقى مع الرئيس الأمريكي في محاولة منه لاحتواء الموقف، إلا أن الرئيس الأمريكي استبق لقاء الوزير السعودي وأعلن مجدداً أن إدارته لن تسمح بنشر هذه الصفحات، مما وأد المحاولة قبل بدئها، ودل دلالة كبيرة على حرص الإدارة الأمريكية إبقاء الاتهام ضد السعودية على ما هو عليه، دون إفساح المجال أمام أي محاولة قد تكون ناجحة.

وجاءت المزاعم الأمريكية بعدم النشر على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت مكليلان الذي أعلن أن الصفحات الـ 28 "الحرجة" من التقرير ستظل سرية بناء على توصية من كبار مسئولي المخابرات وأجهزة الأمن الأمريكية؛ لأن هذا الجزء " يحتوى على معلومات عن تحقيقات جارية" وعمليات لمكافحة ما يسمى (بالإرهاب) ومصادر ووسائل سرية.
مدعياً أن نشر تلك المواد في هذا الوقت الحالي سيعرض أمن الولايات المتحدة للخطر!!!
كما قال بوش: "من غير المنطقي نشرها (المعلومات) في خضم الحرب على (الإرهاب)؛ لأن ذلك سيساعد العدو إذا ما عرف مصادرنا وأساليبنا، وسيجعل النصر في حملة مكافحة (الإرهاب) أكثر صعوبة".!!!

ضغوطات أمريكية داخلية:
وربما لعدم كون هذه الأسباب مقنعة لدرجة كافية لاتهام دولة دون أدلة، طالب السيناتور الديمقراطي بوب غراهام من الرئيس الأميركي نشر الجزء المحذوف من تقرير الكونغرس، مؤكداً على أن هذا الجزء سيسمح للحكومة السعودية بأن تجيب على أي أسئلة ربما تكون قد أثيرت في الصفحات المحجوبة، كما لفت النظر إلى مسألة أخرى مهمة -أمريكياً- حيث قال: "إن نشر ذلك الجزء سيسمح للشعب الأمريكي بأن يقرر بنفسه من هم أصدقاؤنا وحلفاؤنا الحقيقيون في الحرب على (الإرهاب) ".

كما أن أعضاء مجلس الشيوخ، ومن بينهم الجمهوريون الموالون للرئيس بوش والإدارة الحاكمة، بعد اطلاعهم على التقرير بالكامل بما فيه الفصل الخاص بالسعودية لم يقتنعوا بهذا الإجراء الحكومي، حيث قال السيناتور الجمهوري ريتشارد شيلبي: إن 90-95% من الفصل (السري) "لن يؤدي إلى مساس بالأمن القومي في تقديري" حسبما نقلت مصادر إعلامية أمريكية.
كما قالت وكالة الأسوشيتد برس: إن السّيناتور الديموقراطي بوب غراهام طالب لجنة المخابرات الأمريكية أن تبدأ بالإجراءات اللازمة لإذاعة الصفحات ال(28) السرية، مما يعكس حجم الضغط الداخلي الذي تقع تحته الإدارة الأمريكية في نشر هذه الصفحات، في حين تصر هي على إخفائها.

الرد السعودي الرسمي:
الأمير سعود الفيصل لم يستطع تقديم دفاع واضح عن بلده؛ لعدم وجود أدلة واضحة، لذلك اكتفى في ختام لقاء طويل في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي ومسؤولين في إدارته بالقول: "إن السعودية متهمة على أساس تلميحات".
مضيفاً "أنه لا إهانة لمعنى الإنصاف أن تعد 28 صفحة أدلة جوهرية تؤكد جرم بلد هو شريك حقيقي وصديق للولايات المتحدة منذ 60 عاما".
وأكد الأمير سعود الفيصل أن المملكة العربية السعودية اتهمت زورا وبسوء نية بالاشتراك في هجمات سبتمبر بناء على تكهنات مغلوطة مصدرها نوايا خبيثة أسيء إخفاؤها.
على أن الأمير سعود الفيصل صرح برغبة بلاده التعاون مع الإدارة الأمريكية في التحقيقات المستمرة حول هجمات 11 سبتمبر، ربما لأنها الطريقة الوحيدة التي تثبت فيها السعودية عدم ضلوعها في أي إشارة مضمنة أمريكية، حيث أعلن الأمير عن شبه اتفاقية حكومية تسمح لعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة المخابرات المركزية (CIA) أن يستجوبوا السعودي (عمر البيومي)، والذي تتهمه الولايات المتحدة الأمريكية بالضلوع في الهجمات، ولكن بشرط أن يتم استجوابه في السعودية وفي حضور أمني سعودي.

وأكد السبت الماضي 2أغسطس (رئيس قسم الإعلام بسفارة المملكة بواشنطن) نايل الجبير أن المملكة لن تسلم المواطن السعودي عمر البيومي إلى السلطات الأمريكية للتحقيق معه، قائلاً: إنه لا يحق للسلطات الأمريكية تسلم البيومي بعد عودته للمملكة، فيما أشار إلى أن موافقة المملكة على إعادة فتح التحقيق معه ستكون عبر سفارة الولايات المتحدة بالرياض.

بعض الوسائل الإعلامية أشارت إلى احتمال كون عمر بيومي الرابط الفعلي بين عناصر من تنظيم القاعدة وبين الحكومة السعودية التي تنفي هذا الأمر تماماً.
وكان عمر البيومي (العامل في هيئة الطيران المدنية السعودية بجدة) قد اعتقل في بريطانيا في وقت سابق، بعد مغادرته أمريكا حيث كان يدرس في سان دييغو، إلا أن السلطات هناك أفرجت عنه؛ لعدم وجود أدلة أو اتهامات ضده، ودون أن توجه له أي تهمة رسمية.

كما نقلت قناة الجزيرة القطرية عن مسؤول سعودي (طلب عدم نشر اسمه) قوله: إن معظم التعليقات الواردة في التقرير وردت على لسان أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس يسعون لإضعاف مصداقية إدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش قبل انتخابات الرئاسة القادمة عام 2004م.
وقال المسؤول: "إنهم أفراد حانقون على حكومتهم يستعدون لخوض الانتخابات"، وأضاف أن "معظم تلك التعليقات تجيء من ديمقراطيين يستعدون لخوض الانتخابات ونحن هدف سهل بالنسبة لهم".


من محتويات الصفحات السرية:
ذكرت عدد من المصادر الإعلامية معلومات عن محتويات الصفحات السرية الأمريكية منقولة عن مسؤولين اطلعوا عليها، فقد قالت وكالة الأسوشيتدبرس: إن الصفحات الخاصة تتضمن معلومات عن وجود روابط غير مباشرة بين مواطنين سعوديين هما:عمر البيومي، وأسامة باسنان وبعض منفذي الهجوم على نيويورك من جهة و مسؤولين حكوميين سعوديين (...)
مشيرة إلى أن هذه المعلومات توضح سبب التوترات الأخيرة بين السعودية وأمريكا.

وقالت الوكالة: إن التقرير تكلم عن ارتباط البيومي وباسنان بشبكة علاقات مالية معقدة مع مسئولي حكومة سعوديون وبعض منفذي العمليات الهجومية.
كما يحث القسم السري من التقرير إجراء المزيد من التحقيقات مع الرجلين السعوديين حول اتصالاتهم مع منفذي الهجوم بسبب وجود معلومات غير أكيدة وأسئلة مستعصية عن علاقتهم الفعلية بالمهاجمين؛ لمعرفة ما إذا كان لهم يد مباشرة في التخطيط لأحداث 11سبتمبر.
وتضيف الوكالة أن جانباً من الصفحات ال(28) السرية كانت تتكلم عن عمر البيومي المقيم في سان ديجو كشخصية مركزية في شبكة الدعم التي ساعدت منفذي الهجوم.
إلا أنها أكدت على أن عدة أشخاص قرؤوا هذه الصفحات أكدوا على أن المعلومات المستنبطة عن وجود علاقة بين المخابرات السعودية ومنفذي الهجمات كانت معلومات ثانوية (غير أكيدة)،
كما أن الأجزاء غير المصنفة في التقرير تقترح وجود علاقة بين البيومي والمخابرات السعودية،
وتكمل الوكالة: " يقول التقرير: إن أحد أفضل مصادر مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI). في سان ديجو أخبر ال (FBI) أنه يعتقد أن البيومي يجب أن يكون ضابط مخابرات (...)، كما يقول التقرير أيضًا: إنه على الرغم من أن (بيومي) كان طالباً، إلا أن لديه تمويل غير محدود من المملكة العربيّة السّعوديّة ."
وتتابع الوكالة" التحقيقات المشتركة للسيد البيومي والسيد باسنان تركز على أنشطتهم في السنوات الثلاثة الماضية في سان دييجو، واستنتج التقرير أن الرجلين كانا يعرفان بالأحداث التي تمهد (لأحداث 11 سبتمبر) بشكل كبير، وذلك بسبب اتصالات السيد بيومي الواسعة مع اثنين من منفذي الهجوم، وهما: خالد المحضار، ونواف الحازمي بعد أن استقروا في سان دييغو بداية عام 2000م، كما يظهر التقرير أن عدم وجود دليل دقيق بأن السيد باسنان يعرف المنفذين، إلا أن التقرير وصفه كشريك مقرب للسيد البيومي .

كما تتهم الصفحات الخاصة رجل الأعمال السعودي المعروف صالح عبد الله كامل، والذي يرأس شركة دلة البركة دي بي جي.
بالإضافة إلى أسماء وقضايا أخرى أثارتها الصفحات (السرية) ربما كان من الأفضل عدم إثارتها وطرحها؛ لأنها لا تزيد عن كونها تكهنات لم تصل إلى حقائق.

ردود أفعال:

رغم أن طرفا القضية المثارة هي السعودية وأمريكا، إلا أن الدول الأخرى لا بد ستتدخل بطريقة أو بأخرى في هذه الزوبعة، خاصة وأن الدول التي باتت تخطب ود أمريكا بعد الحرب على العراق كثيرة، لذلك بدأت بعض الدول الأوروبية باتخاذ إجراءات متشددة ضد المصالح السعودية، وباتت تزيد من الحسابات الأمنية المتعلقة بالمملكة كما لو أن التقرير انتهى من إدانتها بالفعل، وأقرت هي بذلك.
فعلى سبيل المثال لا الحصر قالت مجلة «دير شبيغل» في عددها الصادر بتاريخ الاثنين الماضي: إن المكاتب الديبلوماسية والمصالح السعودية في ألمانيا لم تكن تخضع من قبل لمراقبة مكتب صيانة الدستور؛ لأن السعودية كانت تعد بلداً شريكاً, وإن المملكة أصبحت بالنسبة للسلطات الألمانية، مثل: سورية، من الدول التي تمثل "تهديداً إسلامياً محدداً".

على الجانب الأخر، نجد الدول العربية والإسلامية (والتي يفهم بعضها اللعبة الأمريكية، بينما يخاف بعضها الآخر من أن يأتيه الدور هو الآخر) وقفت إلى جانب المملكة العربية السعودية إعلامياً.

احتمالات :
على الرغم من أن التقرير الأمريكي حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م تظهر بالدرجة الأولى عجز وأخطاء أجهزة الأمن الأمريكية ذاتها في معرفة ومتابعة منفذي الهجوم الذين كانوا ظاهرين لأعين أجهزة الأمن الأمريكية، مما يلقي باللائمة على هذه الأجهزة بالدرجة الأولى، إلا أن السؤال الذي يثير نفسه بشكل متكرر، لماذا قامت الإدارة الأمريكية بإحداث هذه الزوبعة الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية؟ ولماذا الإصرار على عدم نشر هذا الجزء من التقرير، رغم أن بعض المعلومات بدأت بالتسرب إلى أجهزة الإعلام الأمريكية ثم العالمية؟

ربما تحاول الإدارة الأمريكية تسليط الأضواء إعلامياً والتركيز على هذه القضية بالذات دون غيرها من بقية المعلومات " الهامة والحساسة" من أجل إبعاد الأضواء عن تورط عناصر أجنبية أخرى ثبت معرفتها ومراقبتها للعملية الهجومية برمتها.

وربما أرادت تجنيب تركيز اللوم بالكامل على مسؤولي أجهزة المخابرات والتحقيقات الأمريكيين مما يستدعي تقديم استقالات موظفين وضعت الإدارة الأمريكية ثقتها بهم، مما يؤثر بالتالي على انتخابات الرئاسة القادمة.
وهذا ما أشارت إليه اليوم مجلة (لوبوان) الفرنسية في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، حيث قالت: إن رئيس الاستخبارات الأمريكي جورج تينت قد يدفع الثمن نتيجة ما حدث في الحادي عشر من أيلول والحرب على العراق.

بل ربما ظهرت في المستقبل علاقة ما لهذه التصرفات الأمريكية في اتهام المملكة بأحداث سبتمبر مع أحداث سحب القوات الأمريكية من المملكة التي حصلت بعيد احتلال العراق في نيسان الماضي، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية و(صقور الإدارة الأمريكية) جاؤوا بخطة تدعى " إعادة تشكيل الشرق الأوسط" بالكامل، مع العلم أن المملكة العربية السعودية رفضت استخدام القوات الأمريكية لقواعدها العسكرية في حرب احتلال العراق، ووصول أمريكا إلى منابع النفط العراقية التي قد تغني أمريكا عن النفط السعودي، مما يعني انتهاء الحلف الاستراتيجي القديم القائم على (النفط – الحماية) منذ 60 عاماً بين الدوليتن السعودية وأمريكا.