- الخميس ديسمبر 15, 2011 11:10 pm
#42337
فص «طز» وذاب!
نقلت قناة «العربية» على شاشتها بالأمس فقرة عن التلفزيون الليبي لبعض مناصري معمر القذافي، هطلت فيها كلمة «طز» على رؤوس الجميع: «طز في أميركا»، «طز في أوروبا»، «طز في المحكمة الدولية»، «طز في قناة (الجزيرة)»، و«طز في قناة (العربية)»، وقد علمتنا التجارب الماضية أن رواج كلمة «طز» في مواجهة حدث ما، فذلك يعني أن قائليها فقدوا حججهم ومنطقهم، ولم يتبق لديهم سوى رنين مفردة الـ«طز»، هذه الكلمة التركية التي تعني «الملح»، وكانت القوافل المحملة بالملح في العهد التركي حينما تصل إلى نقاط الجمارك يرتفع صوت أصحابها بكلمة «طز»؛ إذ كان الملح السلعة الوحيدة المعفاة من الرسوم الجمركية لضآلة شأنها، فيفتح لهم موظفو الجمارك الأبواب، ويدعون القوافل تمضي في طريقها.
ورحل الأتراك من الدول العربية، ونسوا أن يأخذوا «طزهم» معهم، وتركوها لنا تسرح وتمرح سنوات طويلة، وقد تمكنت هذه الكلمة بحكم العيش و«الطز» والعشرة أن تدخل القاموس العربي الشعبي من أوسع صفحاته، وغدت المفردة التي يصعب أن تجد بديلا لها في الكثير من المواقف الانفعالية، حينما لا تجد شيئا تتوكأ عليه للتقليل من شأن تهديد ما سوى الاستعانة بتلك الـ«طز» التركية، التي غدت شعار استهتارنا العربي بكل شيء، فلقد قالوا لصدام: إن العالم قد أرسل إليك فلذات أكباده لمحاربتك، فأشهر في وجوههم سيف الـ«طز»، ولم يبال. يومها ربما ظن الأميركان أن «طز» في القاموس العربي الشعبي تعني «أسلحة دمار شامل»، ففتشوا عنها بعد الاحتلال طويلا دون أن يعثروا عليها، فلقد كانت فص «طز» وذاب.
اليوم تتكرر إشكاليتنا مع الـ«طز» بعد أن أعاد القذافي توزيعها على ألسنة الحفنة القليلة المتبقية من مناصريه؛ فالرجل، وهو الغريق، لم يتردد في جر كل من حوله من الأبناء والأقارب والمسؤولين إلى أسوأ المصائر: الموت، أو المحاكمات، أو التشرد، ولست أدري أي انتحار جماعي يقدم عليه هؤلاء وهم يربطون مصيرهم بمصير معمر القذافي، على الرغم من يقين الجميع بأن حالة الرجل النفسية والعقلية لم تعد تسمح له بالحد الأدنى من التفكير المنطقي والسليم؟! وفي تقديري أن هؤلاء المقربين يفعلون الصواب لو أجبروا الرجل على التنحي والرحيل، فما تبقى من الوقت أمامهم لا يكفي لأكثر من هذا الخيار، إن كان ثمة وقت قد تبقى.
كفانا الله وإياكم شرور الـ«طز».
محمد صادق دياب
صحيفة الشرق الأوسط
العدد : 11786
6/3/2011
نقلت قناة «العربية» على شاشتها بالأمس فقرة عن التلفزيون الليبي لبعض مناصري معمر القذافي، هطلت فيها كلمة «طز» على رؤوس الجميع: «طز في أميركا»، «طز في أوروبا»، «طز في المحكمة الدولية»، «طز في قناة (الجزيرة)»، و«طز في قناة (العربية)»، وقد علمتنا التجارب الماضية أن رواج كلمة «طز» في مواجهة حدث ما، فذلك يعني أن قائليها فقدوا حججهم ومنطقهم، ولم يتبق لديهم سوى رنين مفردة الـ«طز»، هذه الكلمة التركية التي تعني «الملح»، وكانت القوافل المحملة بالملح في العهد التركي حينما تصل إلى نقاط الجمارك يرتفع صوت أصحابها بكلمة «طز»؛ إذ كان الملح السلعة الوحيدة المعفاة من الرسوم الجمركية لضآلة شأنها، فيفتح لهم موظفو الجمارك الأبواب، ويدعون القوافل تمضي في طريقها.
ورحل الأتراك من الدول العربية، ونسوا أن يأخذوا «طزهم» معهم، وتركوها لنا تسرح وتمرح سنوات طويلة، وقد تمكنت هذه الكلمة بحكم العيش و«الطز» والعشرة أن تدخل القاموس العربي الشعبي من أوسع صفحاته، وغدت المفردة التي يصعب أن تجد بديلا لها في الكثير من المواقف الانفعالية، حينما لا تجد شيئا تتوكأ عليه للتقليل من شأن تهديد ما سوى الاستعانة بتلك الـ«طز» التركية، التي غدت شعار استهتارنا العربي بكل شيء، فلقد قالوا لصدام: إن العالم قد أرسل إليك فلذات أكباده لمحاربتك، فأشهر في وجوههم سيف الـ«طز»، ولم يبال. يومها ربما ظن الأميركان أن «طز» في القاموس العربي الشعبي تعني «أسلحة دمار شامل»، ففتشوا عنها بعد الاحتلال طويلا دون أن يعثروا عليها، فلقد كانت فص «طز» وذاب.
اليوم تتكرر إشكاليتنا مع الـ«طز» بعد أن أعاد القذافي توزيعها على ألسنة الحفنة القليلة المتبقية من مناصريه؛ فالرجل، وهو الغريق، لم يتردد في جر كل من حوله من الأبناء والأقارب والمسؤولين إلى أسوأ المصائر: الموت، أو المحاكمات، أو التشرد، ولست أدري أي انتحار جماعي يقدم عليه هؤلاء وهم يربطون مصيرهم بمصير معمر القذافي، على الرغم من يقين الجميع بأن حالة الرجل النفسية والعقلية لم تعد تسمح له بالحد الأدنى من التفكير المنطقي والسليم؟! وفي تقديري أن هؤلاء المقربين يفعلون الصواب لو أجبروا الرجل على التنحي والرحيل، فما تبقى من الوقت أمامهم لا يكفي لأكثر من هذا الخيار، إن كان ثمة وقت قد تبقى.
كفانا الله وإياكم شرور الـ«طز».
محمد صادق دياب
صحيفة الشرق الأوسط
العدد : 11786
6/3/2011