منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#42998
أرسى الإسلام أسساً ثابتة في العلاقات الدولية انطلاقاً من فكرته العالمية، فهو ليس ديناً إقليمياً محلياً، ولا تشريعاً زمنياً محلياً، ولا موقتاً··· بل هو دين عام خالد يعم جميع أرجاء العالم··· يستهدف تحقيق الأخوة الإنسانية والزمالة العالمية وكراهة الحرب، وتنمية العلاقات والتعاون بين الدول، ولم يكتف الإسلام بكراهته للحرب بالموقف السلبي، بل خطا خطوات إيجابية لحماية السلام وتثبيت أركانه··· فقد حدد الإسلام منطلقات عدة تمثل إطاراً شاملاً للعلاقات بين الناس من ناحية وبين الدول من ناحية أخرى، فقد أعلن أن الناس كلهم بحسب فطرتهم الأولى >واحد< يدينون لخالق واحد··· قال تعالى: (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا) يونس:19·

وقال سبحانه: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيِّنات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) البقرة:213·

كما أعلن أنهم إخوة في الإنسانية لأنهم مخلوقون من أصل واحد، ولا تفاضل بينهم لشيء وراء هذه الحقيقة الإنسانية إلا بالتقوى، قال تعالى: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات:13·

فلا ينبغي أن تكون هناك انفصالية أو عداوة بسبب جنس أو لون أو ثقافة أو غير ذلك، بل تراعى الأخوة الإنسانية بما يحفظ كرامتها·

وقرر الإسلام أن الأساس في معاملة من يخالف العقيدة هي السلام ـ ما دام الطرف الآخر يدين بالسلام أيضاً ـ وأشاد بنعمة الأمن ووضع ضمانات بإبرام العقود وتوقيع المعاهدات مع الأمر بالوفاء بها والتحذير من الغدر بها والخيانة فيها، كما نهى عن رفض الصلح أو وضع العراقيل في سبيل إتمامه·

مشروعية العلاقات الدولية الأصل في الدولة الإسلامية، أن يخضع لسلطتها كل القاطنين على أرضها، مهما كانت جنسياتهم أو دياناتهم وأرض الدولة الإسلامية، هي حسب التعبير الفقهي السائد، دار الإسلام، ويقابل دار الإسلام، دار الحرب، ودار الإسلام، هي التي تجرى عليها أحكام الإسلام، وتسود فيها قوانينه وتشريعاته، ويخضع سكانها لسلطة الدولة الإسلامية، ويأمن بأمانها سواء أكان السكان من المسلمين أم من غير المسلمين، وغير المسلمين الذين يوجدون في دار الإسلام هم الأجانب·

ويقول >محمد حميد الله<: إن مدلول لفظ أجنبي ما يفتأ يتغير في المجتمع الإنساني تبعاً لاختلاف الزمان والمكان والأمة، فهو مبني أحياناً على أساس القرابة الدموية التي فيها يلحظ اختلاف العنصر، واللون واللسان· وأحياناً على المسكن أو مسقط الرأس وطوراً على فلسفة الحياة أو الحزب أو المذهب والدين·(1)

ويقول: >كل دولة تقوم على التمييز العنصري، لن تفلح في تسيير جميع رعاياها من ذويها ومواطنيها، ومثلها كل دولة تقوم وحدتها على أساس اللون، أو اللسان، فمن العسير انضمام جميع الأهالي فيها في وطنية واحدة، واكتسابهم جنسية واحدة تلغي بينهم كل الفوارق، وليس من فرق كبير بين هذا المذهب، ومذهب من يقول بالوطنية الجغرافية·

أما الدول التي لا تقوم إلا على أساس واحد من المشاركة في الحياة ـ سواء أكان الأجانب الساكنون فيها مؤمنين بفلسفتها تلك أم غير مؤمنين ـ فاكتساب الجنسية فيها أيسر منه في أي دولة أخرى تقوم على أسس عنصرية أو جغرافية(2)، ومن هنا كان الإسلام وسيظل كذلك شامخ الرأس، يعلو ولا يُعلى عليه، لأنه قضى على التمييز العنصري واللوني والجغرافي، وغير ذلك من ألوان التمايز، وترك من تراث الأخوة الإسلامية ما لم يستطع هدمه سيل الأفكار الغربية، ولا تيار الأفكار الشرقية، إذ الإسلام نظام شامل لتطور الحياة من جميع نواحيها، وذلك ما جعل الدين والسياسة فيه يصطبغان صبغة واحدة، بوصفهما فرعين من أصل واحد، أو غصنين من شجرة واحدة، وكانت النتيجة من وراء هذا، أن مدلول الأجانب في الدولة الإسلامية أمسى مرادفاً لغير المسلمين·

أنواع غير المسلمين

غير المسلمين في الدولة الإسلامية ثلاثة أنواع:

1 ـ ذميون

2 ـ مستأمنون

3 ـ معاهدون

1 ـ الذميون

هم الذين يقيمون مع المسلمين إقامة دائمة وجرى بينهم وبين المسلمين اتفاق وصلح على الخضوع لسلطان الدولة الإسلامية، والرضا بجريان أحكامها، ونظامها عليهم، مع بقائهم على عقيدتهم وفي أرضهم وأموالهم، وعلى أن يدفعوا الجزية للدولة الإسلامية·

ويعتبر هؤلاء الذميون مواطنون كغيرهم من المسلمين القاطنين بدار الإسلام لهم ما للمسلمين، وسمُّوا ذميين لأنهم أقاموا مع المسلمين على أساس أن لهم عهداً وذمة يجب عليهم الوفاء بها· والأصل أن المسلمين كانوا إذا دخلوا بلداً وأقاموا فيها كانوا يعلنون من يرضى بالإقامة مع المسلمين على أن يكون له ما لهم وعليهم ما عليهم، عدا ما يتعلق بالدين، يكونون ذميين ما داموا لم يعترضوا على ذلك، ويكون هذا بمثابة عقد بينهم وبين المسلمين، وأنهم بهذا يلتزمون أمرين: الأول: التزام التكليفات المالية على القادرين منهم لكي يسهموا في بناء الدولة الإسلامية ويشتركوا في ميزانها المالي·

الثاني: أن يلتزموا أحكام الإسلام في المعاملات المالية، والخضوع للعقوبات الإسلامية ليكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم·

أما نظام الأسرة من زواج وطلاق، فإنهم يتركون وما يدينون له، وذلك لصلة أحكام الأسرة بأصل الدين، فكان من المحافظة على حريتهم في التدين أن يتركوا في العبادات وأحكام الأسرة إلى دينهم الذي ارتضوا البقاء عليه، ويمثل هؤلاء الذميون الآن، اليهود، والنصارى في البلاد الإسلامية·

2 ـ المستأمون

هم الذين يدخلون دار الإسلام من أهل دار الحرب، أو من أحد أفراد المسلمين الذين لهم ذلك، في أثناء الحرب أو السلم، لغرض خاص يقيم بمقتضاه مدة معينة بحيث لا يمكَّن من الإقامة أكثر منها، وإذا أقام مدة أكثر، ورغب في البقاء بأرض الإسلام، فتجرى عليه أحكام أهل الذمة ولا يمكَّن من العوة إلى دار الحرب·

3 ـ المعاهدون:

فهم المقيمون خارج الدولة الإسلامية، والذين أدعوا المسلمين وعاهدوهم بمقتضى اتفاق ومعاهدة على ألا يثيروا معهم حرباً ولا يظاهروا عليهم عدواً

· وتقوم العلاقة بين الطرفين على أساس من الأمان والسلام واحترام كل منهما لدم الآخر وماله·

وبلاد المعاهدين في الغالب ليست من دار الحرب ولا من دار الإسلام وهم يدخلون دار الإسلام بالأمان المتفق عليه·(3)

والحقيقة أن العلاقات الدولية المعاصرة ترتكز أساساً إن لم يكن كلياً على أساسين اثنين: المصلحة الوطنية والقوة

· 1 ـ المصلحة الوطنية:

هي المفتاح الأساس في السياسة الخارجية، ويرتد هذا المفهوم في جوهره إلى مجموع القيم الوطنية، تلك القيم النابعة من الأمة والدولة في الوقت نفسه، غير أن هذا المفهوم لا يخلو من غموض·

وإذا كان من الصعب بيان المقصود بالمصلحة الوطنية بفكرة مجردة، فإن من المستحيل أن نجد إجماعاً على ما تعنيه في قضية معينة، إن الجدل المتكرر حول السياسة الخارجية يتركز حول التفسيرات المختلفة لمتطلبات المصلحة الوطنية ليس من الضروري أن نعرِّف المصلحة القومية تعريفاً ضيقاً يستبعد الاعتبارات الخلقية والدينية وما على شاكلتها، وإنما تقتضي فاعلية هذه المصلحة، غير أن هذا لايعني أنه ليس بوسعهم ألبتة الاتفاق على شيء ما، بل على على العكس كثيراً ما يتفقون، وإن كان هذا الاتفاق ينطلق أيضاً من مصالحهم الوطنية، فإذا وافق سياسي على تقديم تنازلات فإنه لا يفعل ذلك إلا إذا اقتنع أن عمله سيعطي دولته بعض المزايا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إن فكرة المصلحة الوطنية مبنية على وجود قيم في الجماعة الوطنية، هذه القيم التي يمكن أن تعتبرها من نتاج ثقافتها ومعبراً عن روح تجانسها··· غير أن العلاقة بين هذه القيم وبين الأهداف السياسية المحددة تتطلب شرحاً أكبر· إن القيم تنتمي إلى مجال >ما يجب أن يكون<، وليس من الضروري أن تترجم إلى أهداف سياسية محددة··· إن النظم القيمية يعوزها اليقين بعامة، بل إنها أحياناً تتضمن قيماً متضاربة، وهو ما يثير مشكلة: أي من هذه القيم واجب التطبيق في الحالات المفروضة؟··· وقد تتعقد الأمور أكثر من ذلك، وقد يستهدف الساسة التضليل من وراء تصرفاتهم، بل إنه طبقاً لنظرية فرويد لا يعرفون بالضبط حقيقة الدوافع التي تسيِّرهم، وأخيراً فإن الثقافات المختلفة لا تعطى الأهمية للقيم عينها··· ولقد كان الإنسان يسعى طوال تاريخ الفكر السياسي إلى تصوير قيمة عليا تتخذ معياراً عاماً لتصرفاته، وللأسف فإن مجرد وجود نظريات متناقضة في هذا الموضوع يعني الشك في إمكانية أن تكون أي منها صحيحة كل الصحة، ومعيار المصلحة الوطنية ـ رغم شعبيته ـ شديد الغموض··· وعندما تصطدم قيمتان أو أكثر فيما بينها، فإن الأهمية النسبية لأي منها يجب أن تقدر وترسى··· وهذا التصنيف للقيم ليس سهلاً، لأن التركيز على أهميتها يتراوح من حال إلى أخرى وكثيراً ما تحكمه العواطف···<·

ولابد أن يستنتج القارئ من الشرح السابق صعوبة تعيين المصلحة الحقيقية الوطنية، وأنه ليس من الضروري أن تكون محكومة بمعايير موضعية، كما يستنتج قابليتها للمرونة والتكيف في يد صانع القرار، وسيكون في إمكانه ـ نتيجة لذلك ـ أن يقيِّم مدى أهليته المصلحة الوطنية لأن تكون أساساً قوياً للعلاقات الدولية·

2 ـ القوة

إن مشكلة القوة تدخل جميع أنواع العلاقات الدولية في الحروب والمنافسات· تدخل القوة بمعناها العسكري، وفي التعاون يدخل التهديد بالقوة لقمع أحد الأطراف· يدور عالم السياسة كله حول ممارسة القوة والبحث عنها، غير أن القوة في السياسة الدولية أوضح كثيراً، وأقل قيوداً من القوة في السياسة الداخلية، ولهذا فكثيراً ما تسمَّى السياسة الدولية بسياسة القوة··· ولقد أدى الدور المهم الذي تلعبه القوة في العلاقات الدولية إلى نشوء مدرسة فكرية تفسر العلاقات الدولية على ضوء مفهوم القوة···· ولكن بالرغم من أن القوة تلعب دوراً مهماً في السياسة الدولية، فإنها في الأساس وسيلة لتحقيق قيم وطنية، والسياسة الدولية لا تحددها القوة التي تملكها الدولة فحسب، وإنما تحددها بدرجة أكبر القيم التي تعتنقها هذه الدول، ومفهوم المصلحة والوطنية التي تحكم سلوك الدول لا يقف عند اعتبارات محددة·(4)

هذا هو واقع العلاقات الدولية المعاصرة خصوصاً بعد الأحداث المريرة التي يمر بها العالم في الوقت الحاضر ولا سيما بعد أحداث سبتمبر 2001م وما تبعه من هجوم حاد دائم على الإسلام والمسلمين سواء في ديارهم أو في ديار المسلمين·

وهنا أريد أن أقول لمن يشوهون صورة الإسلام والمسلمين: إن العلاقات الدولية لديكم تعتمد على مبدأ المصلحة الوطنية، والقوة كما ذكرت ذلك سابقاً، ولكن العلاقات الدولية في الإسلام تعتمد على جملة مبادئ يلتزم بها المسلمون في ديارهم أو ديار غير المسلمين، من هذه المبادئ:

1 ـ المساواة في الحقوق الإنسانية: حيث ساوى الإسلام بين الناس جميعاً، واعتبر المساواة أصلاً مقرراً من أصوله، فلا تفاضل بين الناس بكثرة المال مثلاً، أو بالجاه أو بالسلطان وإنما يكون التفاضل بالإنتاج وبالعمل الصالح·

قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات:13·

2 ـ العدالة بين الدولة الإسلامية وغيرها: بالعدل تستقيم الأمور وتسير في مسارها الصحيح، وبه تطمئن النفوس إلى نيل حقوقها، وكل تنسيق اجتماعي أو سياسي لا يقوم على العدل سرعان ما ينهار، مهما كانت القوة المنظمة والداعمة له، فهو الدعامة القوية التي يقوم عليها الحكم والتنسيق السليم لكل بناء، قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) النحل:90·

3 ـ الوفاء بالعهد: والوفاء بالعهد من أهم السمات التي تميَّزت بها الدولة الإسلامية، انطلاقاً من قوله تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) الإسراء:34·

فقد قامت الدولة الإسلامية بالوفاء بما التزمت به لغيرها، سواء كان للدول الأخرى، أو للأفراد، حتى إن القرآن الكريم قدَّم الوفاء بالمعاهدات التي تبرمها الدولة الإسلامية مع غيرها على نصرة المستضعفين في الدين الذين يقيمون في دولة بينها وبين المسلمين معاهدة، قال تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) الأنفال:72·

4 ـ السلام: والسلام والمسالمة هو أصل العلاقة بين الدول الإسلامية وغيرها، والقتال في حال طارئة تقتضيه ظروف معينة·

وفي القرآن الكريم آيات صريحة في إيثار السلام على القتال· قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) البقرة:208· 5 ـ الأخذ بأخف الضررين: بمعنى إذا تترس الأعداء في هجومهم بأفراد من المسلمين أو بأطفال أو نساء أو شيوخ منهم فيجوز لمحاربي الدولة الإسلامية ضرب العدو وما تترس به، لأن ضرر قتل قلة من المسلمين أخف من هزيمة عامتهم(5)·

6 ـ حقوق العباد فيما بينهم مقدمة على حقوق الله: وعلى هذا فلا تقاتل المرأة بغير إذن زوجها ولا الولد بغير إذن والديه، ولا العبد بغير إذن سيده إلا في حال النفير العام، فإنه لا بأس بقتال المرأة والولد والعبد من دون إذن من أولياء أمورهم·(6)

7 ـ مراعاة المصلحة: مصلحة الدولة الإسلامية لها الاعتبار الأول عند إقامة أي علاقة مع الدول الأخرى، وعلى هذا فللدولة الإسلامية أن تطلب إعادة حال السلام مع الدولة المعادية، إما بعقد اتفاق وفق شروط يرتضيها الطرفان، وإما بعقد هدنة وهي التوقف عن القتال لفترة محددة، إذا كان في ذلك مصلحة للدولة، تفوق مصلحتها في مواصلة الحرب·

8 ـ المعاملة بالمثل: والمعاملة بالمثل هو المبدأ الأساس في معاملة الدولة الإسلامية لغيرها لقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة:491م·

وعلى ذلك فللدولة الإسلامية أن تسترق أسرى الأعداء إن هم استرقوا أسرى المسلمين وللدولة الإسلامية كذلك أن تعفى رعايا الدولة المعتدية من الضرائب أو الرسوم أو نحو ذلك إذا فعلت الدولة المعادية برعايا الدولة المسلمة مثل ذلك·

9 ـ الاعتراف بالحقوق التي تثبت للدول جميعاً على قدم المساواة: بقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) الممتحنة:8·

هذه هي مبادى العلاقات الدولية من منظور إسلامي التي يجب أن نلتزم بها في الوقت الحاضر، بقي أن نختتم هذا المقال ببعض الحقائق التالية عن العلاقات الدولية في الإسلام:

1 ـ إن كل المجتمعات البشرية لها علاقات مع بعضها بعضاً ومع غيرها أيضاً، وأن ما يحكم هذه العلاقات لم يكن منضبطاً، فهو لم يكن ينطبق على كل رعايا الدولة، سواء عند الإغريق أو الرومان، أو الهنود أو اليهود، فقد كانت هذه الأقوام متمايزة عن غيرها·

2 ـ حين جاء الإسلام امتداداً للهداية البشرية لم يستثن المسلمون أحداً من غير المسلمين، أو دولة من تطبيق القواعد والأحكام الإسلامية التي تربط علاقات الناس ببعضهم بعضاً، ولم تحرم أحداً من تلك الحقوق التي يتمتع بها المسلم، على عكس المجتمعات السابقة واللاحقة التي لم تأخذ بتعاليم الإسلام·

3 ـ الدولة الإسلامية هي التي تجرى عليها أحكام الإسلام، وتسود فيها أنظمته وتشريعاته ويخضع سكانها لسلطة الدولة الإسلامية·

4 ـ الدولة التي تقوم على أساس التميز العنصري أو اللون أو اللسان، لن تفلح في تسيير دفة الحكم لرعاياها، إذ لابد أن يظل الفارق فيها واضحاً بين عنصر الحاكمين وعناصر المحكومين، ومن هنا كان الإسلام وسيظل كذلك شامخ الرأس يعلو ولا يُعلى عليه لأنه قضى على كل ألوان التميز·

5 ـ إن الإسلام يبيح التعامل مع غير أتباعه، كما يلزم أتباعه الوفاء بالمعاهدات والاتفاقات التي يعقدونها مع غيرهم، وأن الهدنة، والمصالحة مشروعة على أن تكون بقدر الضرورة لأن الصلح الدائم يبطل الجهاد ولا قائل بذلك·

6 ـ الدولة الإسلامية لا تسوِّغ التمثيل بجنود الأعداء، أو تعذيب أسرى الحرب أو تخريب العامر أو قطع الأشجار أو قتل الحيوان إلا لضرورة، كما لا تجيز التعرض لغير المقاتلين من شيوخ ونساء وأطفال ومرضى·

7 ـ السلام والمسالمة هو الأصل في العلاقات بين الدولة الإسلامية وغيرها وأن القتال هو حال طارئة تقتضيه ظروف معينة، لذا فإن الإسلام يرغب في العلاقات السلمية ويحض عليها فهو دين محبة وسلام·

8 ـ الأخذ بأخف الضررين والمعاملة بالمثل ومراعاة المصلحة العامة لها الاعتبار الأول عند إقامة أي علاقة مع الدولة الأخرى·

9 ـ وحيث إن الحرب لم تكن الوسيلة الوحيدة لفض النزاعات بين الدول، فإن الوساطة والتحكيم بوصفها إحدى الطرق السلمية لتسوية الخلافات أمر مشروع وسائغ في الإسلام، بل إنه يشجع عليه ويرغب فيه، وبهذا فإن الإسلام يرقى بالإنسان إلى أسمى درجات الحضارة، يحفظ له وجوده ومقومات حياته .