By محيسن المحيسن 1 3 4 - الأربعاء ديسمبر 21, 2011 1:07 am
- الأربعاء ديسمبر 21, 2011 1:07 am
#44186
صعود أم إنزواء؟:
الدور السياسي لـ "القبيلة" في الثورات العربية
د. عصام عبد الشافي
تمثل القبيلة العربية حالة تاريخية متمايزة، تتطلب البحث عن جذورها وتطورها التاريخي، دون التسليم بالصورة السلبية عن مفهوم القبيلة، وما تقوم عليه من عصبية. فالقبيلة العربية بلغت مرحلة كبيرة من النضج، وسابقت المدنية في كثير من الدول العربية المعاصرة، حتى أصبحت هذه الدول تتفوق في مستوياتها المعيشية وتطورها الحضاري كثيرا ممن الدول الأوروبية، بعد أن نجحت القبيلة فى التحول إلى حالة من الثورة الاجتماعية، وتصبح عنصراً محورياً في تشكيل الهوية المعاصرة.
ولكن في المقابل، حرصت بعض النظم السياسية العربية على إهمال كل ما من شأنه تعزيز دولة القانون والدستور القائمة على المواطنة والمساواة التامة، بل اتجهت لترسيخ وتعزيز الولاءات القبلية والطائفية والعرقية، بما يضمن بقاءها في السلطة. وأجبرت الكثير من تلك الولاءات على العمل تحت الأرض، حتى جاءت تلك الريح العاصفة، فلم تسقط أوراق هذه النظم، بل اقتلعتها من جذورها، وكشفت عما تحت الأرض.
وأصبحت عواصف الربيع الثوري العربي أشبه بجرافات كاسحة كشفت عن الواقع الحقيقي في المجتمعات العربية، وما تمثله التكوينات الأولية فيها من قبائل وعشائر وعصبيات لم تكتف بدور المشاهد أو المشارك من بعيد، ولكن الساعي نحو تصدر المشهد، وإدارة حركة التغيير، ولكن في اتجاه عكس سير التاريخ، ليصبح الربيع العربي ربيعاً لجذور العرب وأصولهم القبلية والعشائرية والعرقية . فهل تبقي الجذور صامدة، أم تأتي رياح أشد عصفاً تعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، وتصبح هذه الجذور مجرد ركائز للبناء وليس في قمته، في وطن يحكمه الدستور والقانون، ويسوده العدل والمساواة؟.
أولاً- القبيلة في ثورة تونس:
للقبيلة وجودها القوي في تونس، فالشعب التونسي تمتد جذوره للعديد من القبائل، إلا أن أغلبها ينتمي إلى "بني هلال" و"بنى سليم"، الذين تعود جذورهم إلى الجزيرة العربية، ويرجع أصلهم إلى عدنان جد العرب، وأغلبهم جاءوا بعد فتح تونس. ومن أشهر عشائرهم وامتداداتهم المعاصرة:
1- جلاص: الذين يتمركزون بوسط البلاد، وهم بطنان، الأول: جلاص بني يدير القبالة في بوحجلة والشراردة ونصرالله وأولاد حفوز، والثاني: جلاص بني يدير الظهارى.
2- أولاد يعقوب: من أشهر قبائل بني سليم في جنوب تونس، وكانت إليهم رئاسة حكيم، وسائر بطونهم في البلاد التونسية بمنطقة قابس.
3- الصوابر: ومنازلهم بنواحي قابس وقرية الصابرية، ومنهم قسم لا يزال في الحجاز حتى اليوم.
4- بنو يزيد: ويتوزعون بين بني صهب بن جابر، وبني حمدان بن جابر، وبنى الخرجة، وأولاد سنان بن عامر، وأكثر في الحامه بقابس.
5- الكعــوب: وهم بنو كعب بن أحمد، ويتركزون حاليا بالوسط التونسي إلى جانب ولاية قابس.
6- الهمامة: وهي من القبائل القوية في منطقة نفطة وتوزر في جنوب غرب تونس شمال شط الجريد، كما يوجد منهم في بلدة المكناسي بوسط تونس شمال شرق مدينة قفصة.
7- أولاد دباب: ومساكنهم قرب حدود ليبيا مع تونس في تطاوين وما حولها.
هذا بجانب قبائل المثاليث، وقبائل أولاد سليم، وقبائل أولاد سلطان، ويتركزون بالوسط التونسي، وقبائل المرازيق الذين يستقرون في دوز بولاية قابس.
إلا أنه رغم هذا التنوع وتلك الامتدادات، لم يكن للقبائل وجود فاعل أو مؤثر في أحداث الثورة وتطوراتها، بما يعكس درجة كبيرة من تطور قيم المواطنة والولاء للوطن، وتجاهل كل العصبيات التحتية، وهو ما انعكس على سلاسة عملية التحول السياسي، بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي ونظامه.
ثانياً- القبائل والتغيير في ليبيا
المجتمع الليبي مثله مثل معظم الشعوب العربية، مجتمع قبلي بالأساس، فمعظم الليبيين ينحدرون من أصول قبلية، عربية، وأمازيغية، بالإضافة إلى قبائل التبو وقبائل الطوارق وغيرها. ويصل عدد القبائل الليبية لنحو 140 قبيلة وفخذاً. وبحسب الخريطة السكانية الليبية، تنتشر قبائل العواقير والعبيدات الشرق وقبائل مصراتة في بنغازي. أما القذاذفة، فيتوزعون في مناطق الوسط وسرت وسبها وطرابلس، فيما يتمركز المقارحة في منطقة فزان (وسط) والورفلة في الجنوب والزاوية في الشرق. وفي مناطق الشمال الغربي، يعيش أبناء من قبائل الورفلة وترهونة وصقر وبني وليد والزنتان، بينما تعيش في الجنوب الغربي قبائل الطوارق، وفي الجنوب الشرقي قبائل التبو.
وقد حاول نظام القذافي جاهدا إيقاف عملية ذوبان القبيلة في المدينة، من خلال إعادة إحياء النعرات القبلية، وإقامة التحالفات المشبوهة، وإنشاء الروابط القبلية ذات البعد الأمني، وكذلك من خلال عرقلة عملية التمدن، وإضعاف المؤسسات المدنية القائمة، وعدم سماحه بتأسيس منظمات المجتمع المدني المختلفة.
واستغل القذافى البعد القبلي في سياسته للسيطرة علي الحكم في ليبيا، بعد أن غير اسمه من "معمر بومنيار" إلى "معمر القذافى"، لكى يكسب ولاء قبيلته. واستمر في استغلال القبيلة من خلال ضرب القيادات التقليدية للقبائل، ودعم عناصر موالية له. كما قام بإبرام تحالفات مشبوهة من خلال شخصيات محسوبة على قبائل معينة، وتخريج دفعات كبيرة من ضباط الجيش مبنية على قبيلته وعلى قبائل أرادها حليفة له، حيث كان يعتقد أنه يستطيع شراء ولائهم ببعض المزايا التي يحصلون عليها، إلا أن محاولاتهم المتكررة لقلب نظام حكمه أثبتت فشل مسعاه.
ومع اندلاع شرارة الانتفاضة الشعبية في ليبيا في 17 فبراير 2011، بدأت التحذيرات من العامل القبلي ودوره في إذكاء النزاع على السلطة، ولا سيما أن قبيلة القذاذفة، التي يتولى أحد أبنائها (العقيد معمر القذافي) السلطة على مدى 42 عاماً، هي من أصغر القبائل الليبية، بينما كان الملك محمد السنوسي، الذي انتزعت منه ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969 الحكم، ابن أكبر قبيلة (المقارحة). وجاء التهديد الأول بالعامل القبلي على لسان سيف الإسلام القذافي، حين حذّر من عواقب دخول بلاده في دوامة حرب أهلية، وأن القبائل ستتقاتل فيما بينها في الشوارع.
وبدا أن قائد الثورة قد اطمأن إلى أن "المقارحة" لن يقفوا ضده في معركته الأخيرة، فقد قدّم الكثير من التنازلات لإطلاق أحد أبناء هذه القبيلة (عبد الباسط المقرحي) المتهم في قضية لوكيربي، إلى جانب أن القذافي منذ نجاح ثورته عام 1969 وضع بعض أبناء المقارحة في مواقع مهمة، مثل تعيين الرائد الركن عبد السلام جلود مساعداً له، وتسليمه أهم الملفات السياسية في البلاد. وقد أسهم انشقاق جلود في تأييد قبيلة المقارحة للثوار، هذا إلى جانب رئيس جهاز الاستخبارات عبد الله السنوسي، ساعد القذافي اليمنى في إحكام السيطرة الأمنية على البلاد، وهو في الوقت نفسه نسيبه، إذ إنه متزوج من أخت صفية فركاش، الزوجة الثانية للقذافي.
أما قبيلة الورفلة، فقد كانت إلى جانب القذاذفة والمقارحة في حلف أنشأه القذافي في بدايات عهده، لكن هذا الحلف لم يصمد طويلاً، فقد ثارت الورفلة ضد نظام القذافي في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، وقادت عملية عسكرية فاشلة بعد اغتيال حسن إشكال الذي يعدّ أحد قادتها البارزين، ثم عادت الورفلة لتعلن انضمامها إلى انتفاضة الشعب الليبي. وسهّل أحد أبنائها "العقيد البراني أشكال" سقوط طرابلس، عندما فتح المدينة أمام الثوار من موقعه كقائد لكتيبة حماية القذافي.
وخلال ثورة السابع عشر من فبراير، كان العامل القبلي هو الحاسم في إدارة الصراع وتطوراته، وأصبحت خريطة توجهات القبائل ومواقفها من الصراع من أهم أدوات الثوار والدول الداعمة لهم في مواجهة القذافي.
ولكن رغم المخاوف من تصاعد دور القبيلة في الثورة، ومن أن بنية المجتمع الليبي ذات الطابع القبلي وغياب مؤسسات الدولة بالمعنى الحديث لن تجعل مهمة بناء مؤسسات سياسية جديدة صعبة في مرحلة ما بعد نظام القذافي، فإن هناك من يراهن على أن القبائل العربية على مر التاريخ هي التي بنت الدولة والإمبراطورية الإسلامية، وأن الليبيين قادرون بفضل نخبهم الواعية، وبفضل التعاون مع زعماء القبائل والعشائر، على أن يقودوا حملة بناء مؤسسات الدولة، وفق معادلة تفاهم وتعاقد، يتم في إطارها تلبية مطالب العشائر والقبائل، وتحقيق التنمية والعدالة، ورفع مستوى معيشة أبناء القبائل، وأن ما يتردد من مخاوف هي مجرد فزَّاعات يحاول البعض تضخيمها وجعلها سبباً للهجوم على الثورة، والنيل من منجزاتها.
ثالثاً- قبلية بامتدادات جديدة في مصر:
لم يكن للعامل القبلي دور فاعل في الثورة المصرية، سواء من حيث انطلاقتها، أو خلال تطوراتها المختلفة، ولكن الثورة كشفت عن عورات النظام السابق فيما يتعلق بالملف القبلي، حيث كان يستخدمه كأداة من أدوات السيطرة على الأوضاع، وكسب الأصوات الانتخابية. بل إنه اتجه إلى تسليح بعض القبائل ودعمها في مواجهة البعض الآخر، وفي مواجهة القوي المعارضة له، خاصة في محافظات الصعيد. وما إن سقط النظام، حتى وجدت بعض هذه القبائل نفسها بلا غطاء، فاتجهت لاستعراض قوتها في الدفاع عن مكتسباتها ومكانتها التي وصلت إليها في ظل النظام السابق.
ورغم أن خريطة توزيع القبائل في محافظات الصعيد تبدو بسيطة ظاهرياً، باعتبار أنها محصورة في قبائل الهوارة والهمامية والعرب والأشراف، فإنها على أرض الواقع شديدة التعقيد:
1- الهوارة: ليسوا قبيلة واحدة، بل عدة قبائل مختلفة، لا يوجد بينها تناغم أو تجانس منهم: الهمامية، وأولاد يحيي، والبلابيش، والنجمية، والسماعنة، والوشاشات، والقليعات. وكل قبيلة ينتمي إليها العديد من العائلات، التي تحكمها تقاليد صارمة في العلاقات والعادات الموروثة. وتتمركز قبائل هوارة شمال قنا وجنوب سوهاج.
2- الهمامية: تنتشر في قرى الرئيسية، والشاوسية، وهو، والحلفاية، وبهجورة، التابعة لمركز نجع حمادي، وكذلك مدينة فرشوط. أما الأمايوه، فهم موزعون على قرى أبومناع، والجحاريد، ونجع سعيد، وهي تتبع مركز دشنا. ويتمركز هوارة النجمية في نجع حمادي وقرية أولاد نجم، والبلابيش في قري فاو قبلي، والمعيصرة، وفاو بحري، فضلا عن وجودهم في قريتى أبوحزام وحمروم التابعتين لمركز نجع حمادي من الناحية الشرقية للنيل.
3- العرب: موزعون في كل قري شمال قنا وجنوبها، إضافة إلى المناطق المستقلة في جنوب سوهاج، وهم عبارة عن عائلات مختلفة وغير متجانسة، وتنتمي إلي جذور متنوعة. لكن فرضت عليها صراعات الأزمنة البعيدة أن تقف في خندق المواجهات الدامية ضد الهوارة. ويتوقف التمايز بين العائلات العربية على الثراء والوظائف والمشاركة في الصراعات.
4- الأشراف: تتركز في قنا وعدد من القرى التابعة لمركز قفط، والصراع الأزلي لها مع العرب عادة يتجدد بمعارك دموية أثناء الانتخابات البرلمانية، إلى جانب الصراع الذي لا يتوقف مع قرية السمطا، التي تضم 14 نجعا تنتمى إلى العرب بمركز دشنا، وهو الذي تجدد أخيرا بواقعة الاختطاف. ولا يختلف الأشراف عن القبائل الأخرى في ظاهرة الانقسام الداخلي الذي تفجره الطموحات السياسية.
وفي ظل هذه التركيبة، شهدت الأسابيع القليلة الماضية عدداً من الأحداث والصراعات القبلية الدامية، وكانت البداية في محافظة قنا بين قبيلتي العرب والأشراف، إثر قيام بعض المنتمين للعرب في قرية السمطا التابعة لمركز دشنا باختطاف 7 أفراد من الأشراف من قرية الشويخات التابعة لمركز قنا.
ثم اندلع العنف مجدداً في "المعيصرة"، إحدى قري "فاو" التابعة لمركز دشنا، التي شهدت مواجهة مسلحة بين عائلتي "العتامنة وعبدالقادر"، وأسفرت عن مصرع قتيل، وإصابة ثمانية آخرين، ثم انفجرت أحداث دامية أخري بين قريتي أبوحزام وحمردوم بين عائلتي الهمامية والسعدات، بسبب النزاع على حدود الأراضي الزراعية بينهما.
وفي جنوب سوهاج، نشب الصراع بين قبيلتي العرب والهوارة في قريتي أولاد خلف وأولاد يحيى، انتقلت من المشادات الكلامية إلى تشابك بالأيدي والشوم، وانتهت بتبادل إطلاق الرصاص، مما أدى إلى مقتل ثلاثة طلاب، اثنين من قبيلة العرب قرية أولاد خلف، والثالث من الهوارة قرية أولاد يحيى. وسرعان ما تطورت الأحداث إلى توسيع دائرة العنف بأن قام الهوارة بقطع خطوط المياه والتليفونات المؤدية لقرية أولاد خلف، وتشكيل فرق شبابية لقطع الطريق أمام سكان القرية، والاعتراض على دفن الطالبين اللذين لقيا مصرعهما من العرب، لأن مدافنهم داخل حدود قرية أولاد يحيى.
ولم تسلم محافظات سيناء وكذلك مطروح من الصراعات القبلية، على خلفية التنافس السياسي والصراع الانتخابي، في ظل صحوة الولاء والانتماء القبلي، والذي كشف عن ممارسات من الفساد والاستبداد والتسلط من نظام لم يكن يعنيه بقاء الدولة وقوة المجتمع، بقدر ما يعنيه بقاء قادته ورموزه، ليضيف مزيدا من التحديات والأخطار على ثورة مصر الجديدة .
الدور السياسي لـ "القبيلة" في الثورات العربية
د. عصام عبد الشافي
تمثل القبيلة العربية حالة تاريخية متمايزة، تتطلب البحث عن جذورها وتطورها التاريخي، دون التسليم بالصورة السلبية عن مفهوم القبيلة، وما تقوم عليه من عصبية. فالقبيلة العربية بلغت مرحلة كبيرة من النضج، وسابقت المدنية في كثير من الدول العربية المعاصرة، حتى أصبحت هذه الدول تتفوق في مستوياتها المعيشية وتطورها الحضاري كثيرا ممن الدول الأوروبية، بعد أن نجحت القبيلة فى التحول إلى حالة من الثورة الاجتماعية، وتصبح عنصراً محورياً في تشكيل الهوية المعاصرة.
ولكن في المقابل، حرصت بعض النظم السياسية العربية على إهمال كل ما من شأنه تعزيز دولة القانون والدستور القائمة على المواطنة والمساواة التامة، بل اتجهت لترسيخ وتعزيز الولاءات القبلية والطائفية والعرقية، بما يضمن بقاءها في السلطة. وأجبرت الكثير من تلك الولاءات على العمل تحت الأرض، حتى جاءت تلك الريح العاصفة، فلم تسقط أوراق هذه النظم، بل اقتلعتها من جذورها، وكشفت عما تحت الأرض.
وأصبحت عواصف الربيع الثوري العربي أشبه بجرافات كاسحة كشفت عن الواقع الحقيقي في المجتمعات العربية، وما تمثله التكوينات الأولية فيها من قبائل وعشائر وعصبيات لم تكتف بدور المشاهد أو المشارك من بعيد، ولكن الساعي نحو تصدر المشهد، وإدارة حركة التغيير، ولكن في اتجاه عكس سير التاريخ، ليصبح الربيع العربي ربيعاً لجذور العرب وأصولهم القبلية والعشائرية والعرقية . فهل تبقي الجذور صامدة، أم تأتي رياح أشد عصفاً تعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، وتصبح هذه الجذور مجرد ركائز للبناء وليس في قمته، في وطن يحكمه الدستور والقانون، ويسوده العدل والمساواة؟.
أولاً- القبيلة في ثورة تونس:
للقبيلة وجودها القوي في تونس، فالشعب التونسي تمتد جذوره للعديد من القبائل، إلا أن أغلبها ينتمي إلى "بني هلال" و"بنى سليم"، الذين تعود جذورهم إلى الجزيرة العربية، ويرجع أصلهم إلى عدنان جد العرب، وأغلبهم جاءوا بعد فتح تونس. ومن أشهر عشائرهم وامتداداتهم المعاصرة:
1- جلاص: الذين يتمركزون بوسط البلاد، وهم بطنان، الأول: جلاص بني يدير القبالة في بوحجلة والشراردة ونصرالله وأولاد حفوز، والثاني: جلاص بني يدير الظهارى.
2- أولاد يعقوب: من أشهر قبائل بني سليم في جنوب تونس، وكانت إليهم رئاسة حكيم، وسائر بطونهم في البلاد التونسية بمنطقة قابس.
3- الصوابر: ومنازلهم بنواحي قابس وقرية الصابرية، ومنهم قسم لا يزال في الحجاز حتى اليوم.
4- بنو يزيد: ويتوزعون بين بني صهب بن جابر، وبني حمدان بن جابر، وبنى الخرجة، وأولاد سنان بن عامر، وأكثر في الحامه بقابس.
5- الكعــوب: وهم بنو كعب بن أحمد، ويتركزون حاليا بالوسط التونسي إلى جانب ولاية قابس.
6- الهمامة: وهي من القبائل القوية في منطقة نفطة وتوزر في جنوب غرب تونس شمال شط الجريد، كما يوجد منهم في بلدة المكناسي بوسط تونس شمال شرق مدينة قفصة.
7- أولاد دباب: ومساكنهم قرب حدود ليبيا مع تونس في تطاوين وما حولها.
هذا بجانب قبائل المثاليث، وقبائل أولاد سليم، وقبائل أولاد سلطان، ويتركزون بالوسط التونسي، وقبائل المرازيق الذين يستقرون في دوز بولاية قابس.
إلا أنه رغم هذا التنوع وتلك الامتدادات، لم يكن للقبائل وجود فاعل أو مؤثر في أحداث الثورة وتطوراتها، بما يعكس درجة كبيرة من تطور قيم المواطنة والولاء للوطن، وتجاهل كل العصبيات التحتية، وهو ما انعكس على سلاسة عملية التحول السياسي، بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي ونظامه.
ثانياً- القبائل والتغيير في ليبيا
المجتمع الليبي مثله مثل معظم الشعوب العربية، مجتمع قبلي بالأساس، فمعظم الليبيين ينحدرون من أصول قبلية، عربية، وأمازيغية، بالإضافة إلى قبائل التبو وقبائل الطوارق وغيرها. ويصل عدد القبائل الليبية لنحو 140 قبيلة وفخذاً. وبحسب الخريطة السكانية الليبية، تنتشر قبائل العواقير والعبيدات الشرق وقبائل مصراتة في بنغازي. أما القذاذفة، فيتوزعون في مناطق الوسط وسرت وسبها وطرابلس، فيما يتمركز المقارحة في منطقة فزان (وسط) والورفلة في الجنوب والزاوية في الشرق. وفي مناطق الشمال الغربي، يعيش أبناء من قبائل الورفلة وترهونة وصقر وبني وليد والزنتان، بينما تعيش في الجنوب الغربي قبائل الطوارق، وفي الجنوب الشرقي قبائل التبو.
وقد حاول نظام القذافي جاهدا إيقاف عملية ذوبان القبيلة في المدينة، من خلال إعادة إحياء النعرات القبلية، وإقامة التحالفات المشبوهة، وإنشاء الروابط القبلية ذات البعد الأمني، وكذلك من خلال عرقلة عملية التمدن، وإضعاف المؤسسات المدنية القائمة، وعدم سماحه بتأسيس منظمات المجتمع المدني المختلفة.
واستغل القذافى البعد القبلي في سياسته للسيطرة علي الحكم في ليبيا، بعد أن غير اسمه من "معمر بومنيار" إلى "معمر القذافى"، لكى يكسب ولاء قبيلته. واستمر في استغلال القبيلة من خلال ضرب القيادات التقليدية للقبائل، ودعم عناصر موالية له. كما قام بإبرام تحالفات مشبوهة من خلال شخصيات محسوبة على قبائل معينة، وتخريج دفعات كبيرة من ضباط الجيش مبنية على قبيلته وعلى قبائل أرادها حليفة له، حيث كان يعتقد أنه يستطيع شراء ولائهم ببعض المزايا التي يحصلون عليها، إلا أن محاولاتهم المتكررة لقلب نظام حكمه أثبتت فشل مسعاه.
ومع اندلاع شرارة الانتفاضة الشعبية في ليبيا في 17 فبراير 2011، بدأت التحذيرات من العامل القبلي ودوره في إذكاء النزاع على السلطة، ولا سيما أن قبيلة القذاذفة، التي يتولى أحد أبنائها (العقيد معمر القذافي) السلطة على مدى 42 عاماً، هي من أصغر القبائل الليبية، بينما كان الملك محمد السنوسي، الذي انتزعت منه ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969 الحكم، ابن أكبر قبيلة (المقارحة). وجاء التهديد الأول بالعامل القبلي على لسان سيف الإسلام القذافي، حين حذّر من عواقب دخول بلاده في دوامة حرب أهلية، وأن القبائل ستتقاتل فيما بينها في الشوارع.
وبدا أن قائد الثورة قد اطمأن إلى أن "المقارحة" لن يقفوا ضده في معركته الأخيرة، فقد قدّم الكثير من التنازلات لإطلاق أحد أبناء هذه القبيلة (عبد الباسط المقرحي) المتهم في قضية لوكيربي، إلى جانب أن القذافي منذ نجاح ثورته عام 1969 وضع بعض أبناء المقارحة في مواقع مهمة، مثل تعيين الرائد الركن عبد السلام جلود مساعداً له، وتسليمه أهم الملفات السياسية في البلاد. وقد أسهم انشقاق جلود في تأييد قبيلة المقارحة للثوار، هذا إلى جانب رئيس جهاز الاستخبارات عبد الله السنوسي، ساعد القذافي اليمنى في إحكام السيطرة الأمنية على البلاد، وهو في الوقت نفسه نسيبه، إذ إنه متزوج من أخت صفية فركاش، الزوجة الثانية للقذافي.
أما قبيلة الورفلة، فقد كانت إلى جانب القذاذفة والمقارحة في حلف أنشأه القذافي في بدايات عهده، لكن هذا الحلف لم يصمد طويلاً، فقد ثارت الورفلة ضد نظام القذافي في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، وقادت عملية عسكرية فاشلة بعد اغتيال حسن إشكال الذي يعدّ أحد قادتها البارزين، ثم عادت الورفلة لتعلن انضمامها إلى انتفاضة الشعب الليبي. وسهّل أحد أبنائها "العقيد البراني أشكال" سقوط طرابلس، عندما فتح المدينة أمام الثوار من موقعه كقائد لكتيبة حماية القذافي.
وخلال ثورة السابع عشر من فبراير، كان العامل القبلي هو الحاسم في إدارة الصراع وتطوراته، وأصبحت خريطة توجهات القبائل ومواقفها من الصراع من أهم أدوات الثوار والدول الداعمة لهم في مواجهة القذافي.
ولكن رغم المخاوف من تصاعد دور القبيلة في الثورة، ومن أن بنية المجتمع الليبي ذات الطابع القبلي وغياب مؤسسات الدولة بالمعنى الحديث لن تجعل مهمة بناء مؤسسات سياسية جديدة صعبة في مرحلة ما بعد نظام القذافي، فإن هناك من يراهن على أن القبائل العربية على مر التاريخ هي التي بنت الدولة والإمبراطورية الإسلامية، وأن الليبيين قادرون بفضل نخبهم الواعية، وبفضل التعاون مع زعماء القبائل والعشائر، على أن يقودوا حملة بناء مؤسسات الدولة، وفق معادلة تفاهم وتعاقد، يتم في إطارها تلبية مطالب العشائر والقبائل، وتحقيق التنمية والعدالة، ورفع مستوى معيشة أبناء القبائل، وأن ما يتردد من مخاوف هي مجرد فزَّاعات يحاول البعض تضخيمها وجعلها سبباً للهجوم على الثورة، والنيل من منجزاتها.
ثالثاً- قبلية بامتدادات جديدة في مصر:
لم يكن للعامل القبلي دور فاعل في الثورة المصرية، سواء من حيث انطلاقتها، أو خلال تطوراتها المختلفة، ولكن الثورة كشفت عن عورات النظام السابق فيما يتعلق بالملف القبلي، حيث كان يستخدمه كأداة من أدوات السيطرة على الأوضاع، وكسب الأصوات الانتخابية. بل إنه اتجه إلى تسليح بعض القبائل ودعمها في مواجهة البعض الآخر، وفي مواجهة القوي المعارضة له، خاصة في محافظات الصعيد. وما إن سقط النظام، حتى وجدت بعض هذه القبائل نفسها بلا غطاء، فاتجهت لاستعراض قوتها في الدفاع عن مكتسباتها ومكانتها التي وصلت إليها في ظل النظام السابق.
ورغم أن خريطة توزيع القبائل في محافظات الصعيد تبدو بسيطة ظاهرياً، باعتبار أنها محصورة في قبائل الهوارة والهمامية والعرب والأشراف، فإنها على أرض الواقع شديدة التعقيد:
1- الهوارة: ليسوا قبيلة واحدة، بل عدة قبائل مختلفة، لا يوجد بينها تناغم أو تجانس منهم: الهمامية، وأولاد يحيي، والبلابيش، والنجمية، والسماعنة، والوشاشات، والقليعات. وكل قبيلة ينتمي إليها العديد من العائلات، التي تحكمها تقاليد صارمة في العلاقات والعادات الموروثة. وتتمركز قبائل هوارة شمال قنا وجنوب سوهاج.
2- الهمامية: تنتشر في قرى الرئيسية، والشاوسية، وهو، والحلفاية، وبهجورة، التابعة لمركز نجع حمادي، وكذلك مدينة فرشوط. أما الأمايوه، فهم موزعون على قرى أبومناع، والجحاريد، ونجع سعيد، وهي تتبع مركز دشنا. ويتمركز هوارة النجمية في نجع حمادي وقرية أولاد نجم، والبلابيش في قري فاو قبلي، والمعيصرة، وفاو بحري، فضلا عن وجودهم في قريتى أبوحزام وحمروم التابعتين لمركز نجع حمادي من الناحية الشرقية للنيل.
3- العرب: موزعون في كل قري شمال قنا وجنوبها، إضافة إلى المناطق المستقلة في جنوب سوهاج، وهم عبارة عن عائلات مختلفة وغير متجانسة، وتنتمي إلي جذور متنوعة. لكن فرضت عليها صراعات الأزمنة البعيدة أن تقف في خندق المواجهات الدامية ضد الهوارة. ويتوقف التمايز بين العائلات العربية على الثراء والوظائف والمشاركة في الصراعات.
4- الأشراف: تتركز في قنا وعدد من القرى التابعة لمركز قفط، والصراع الأزلي لها مع العرب عادة يتجدد بمعارك دموية أثناء الانتخابات البرلمانية، إلى جانب الصراع الذي لا يتوقف مع قرية السمطا، التي تضم 14 نجعا تنتمى إلى العرب بمركز دشنا، وهو الذي تجدد أخيرا بواقعة الاختطاف. ولا يختلف الأشراف عن القبائل الأخرى في ظاهرة الانقسام الداخلي الذي تفجره الطموحات السياسية.
وفي ظل هذه التركيبة، شهدت الأسابيع القليلة الماضية عدداً من الأحداث والصراعات القبلية الدامية، وكانت البداية في محافظة قنا بين قبيلتي العرب والأشراف، إثر قيام بعض المنتمين للعرب في قرية السمطا التابعة لمركز دشنا باختطاف 7 أفراد من الأشراف من قرية الشويخات التابعة لمركز قنا.
ثم اندلع العنف مجدداً في "المعيصرة"، إحدى قري "فاو" التابعة لمركز دشنا، التي شهدت مواجهة مسلحة بين عائلتي "العتامنة وعبدالقادر"، وأسفرت عن مصرع قتيل، وإصابة ثمانية آخرين، ثم انفجرت أحداث دامية أخري بين قريتي أبوحزام وحمردوم بين عائلتي الهمامية والسعدات، بسبب النزاع على حدود الأراضي الزراعية بينهما.
وفي جنوب سوهاج، نشب الصراع بين قبيلتي العرب والهوارة في قريتي أولاد خلف وأولاد يحيى، انتقلت من المشادات الكلامية إلى تشابك بالأيدي والشوم، وانتهت بتبادل إطلاق الرصاص، مما أدى إلى مقتل ثلاثة طلاب، اثنين من قبيلة العرب قرية أولاد خلف، والثالث من الهوارة قرية أولاد يحيى. وسرعان ما تطورت الأحداث إلى توسيع دائرة العنف بأن قام الهوارة بقطع خطوط المياه والتليفونات المؤدية لقرية أولاد خلف، وتشكيل فرق شبابية لقطع الطريق أمام سكان القرية، والاعتراض على دفن الطالبين اللذين لقيا مصرعهما من العرب، لأن مدافنهم داخل حدود قرية أولاد يحيى.
ولم تسلم محافظات سيناء وكذلك مطروح من الصراعات القبلية، على خلفية التنافس السياسي والصراع الانتخابي، في ظل صحوة الولاء والانتماء القبلي، والذي كشف عن ممارسات من الفساد والاستبداد والتسلط من نظام لم يكن يعنيه بقاء الدولة وقوة المجتمع، بقدر ما يعنيه بقاء قادته ورموزه، ليضيف مزيدا من التحديات والأخطار على ثورة مصر الجديدة .