- السبت ديسمبر 24, 2011 5:29 pm
#45692
من هو مكيافيلي ؟
هو « نيقولا ميكافيلي » إيطالي، ولد في «فلورنسا » وعاش ما بين عام (1469- 1527م). كان أبوه محاميًا متوسط الحال. حصل على وظيفة صغيرة في حكومة «فلورنسا » سنة (1498م). ثم ترقى وتقلب في وظائف بعثات دبلوماسية ذات أهمية للحكومة، ثم أصبح المستشار الثاني للجمهورية. وعندما استولت أسرة «مديتشي » على الحكم سنة (1512م) سجن لأنه كان معارضًا لهم، ثم نُفي في العام التالي، وسمح له بأن يحيا حياة التقاعد في الريف قرب «فلورنسا ». وتفرّغ للكتابة والتأليف، أشهر مؤلفاته :
1 – كتاب «الأمير » وقد أصدره سنة (1513م) وأهداه إلى «لورنزو » وكان هدفه أن يسترضي به «الميديتشيين ». دعا فيه إلى قيام دولة إيطالية موحدة بحاكم قوي، دون اعتبار القيم الخلقية، ولكنه لم ينجح في استرضائهم .
2 – كتاب «المطارحات » وهو أكبر من كتاب الأمير .
3 – كتاب «فن الحرب » أصدره سنة (1520م) تحدث فيه عن الجيش الضروري لمثل الحكم الذي وصفه في كتابه «الأمير ».
4 – كتاب في تاريخ فلورنسا، حلل فيه تطور المدينة حتى سنة (1492م) وله بعض الروايات .
أثرت آراؤه وأفكاره التي بثها في كتبه في العلم السياسي. وتجمعها الفكرة التي أمست من قواعد السياسة في معظم دول العالم العلمانية، وهي «الغاية تبرر الوسيلة ».
( 2 )
ما يهمنا مناقشته من آرائه وأفكاره :
عُني «ميكافيلي » بأن يكشف من التاريخ القديم ومن الأحداث المعاصرة له: كيف تُنال الإمارات، وكيف يُحتفظ بها، وكيف تُفقد ([1]) .
وانتهى إلى رأي في السياسة يتلخص كما سبق بالعبارة التالية: «الغاية تبرر الوسيلة » مهما كانت هذه الوسيلة منافية للدين والأخلاق .
وقد استند في رأيه هذا إلى الواقع المنحرف للأكثرية من الناس، لا إلى مبادئ الحق والعدل والخير والفضيلة .
رأى أن أكثر الحكام لم يكونوا شرعيين، ولم يكونوا متلزمين المبادئ الأخلاقية الفاضلة، وبذلك استطاعوا أن يصلوا إلى الحكم، وأن يضمنوا استقرار الحكم في أيديهم إلى حين.
بخلاف الحكام الشرعيين، والذين كانوا يلتزمون المبادئ الأخلاقية الفاضلة المستندة إلى الحق والعدل والخير، فإنهم لم يحققوا لأنفسهم النجاح المطلوب، ولا المحافظة على الحكم، كمحافظة الساسة الخائنين الغدارين المرائين المنافقين الكذابين .
حتى البابوات فقد رأى أنهم قد كانوا في الكثير من الحالات يضمنون الانتخاب لنفسهم بوسائل فاسدة، لا تتفق مع الفضائل الخلقية .
وأنكر «ميكافيلي » في كتابه « الأمير » بصراحة تامة الأخلاق المعترف بصحتها، فيما يختص بسلوك الحكام، فالحاكم يهلك إذا كان سلوكه متقيدًا دائمًا بالأخلاق الفاضلة، لذلك يجب أن يكون ماكرًا مكر الذئب، ضاريًا ضراوة الأسد .
وفي الفصل الثامن من كتابه «الأمير » ذكر أنه ينبغي للأمير أن يحافظ على العهد حين يعود ذلك عليه بالفائدة فقط. أما إذا كانت المحافظة على العهد لا تعود عليه بالفائدة فيجب عليه حينئذٍ أن يكون غدارًا .
ويقول :
« بيد أنه من الضروري أن يكون الأمير قادرًا على إخفاء هذه الشخصية ([2]). وأن يكون دعيًا كبيرًا، ومرائيًا عظيمًا، والناس يصلون في السذاجة وفي الاستعداد للخضوع للضراوات الحاضرة، إلى الحد الذي يجعل ذلك الذي يخدع يجد دائمًا أولئك الذين يتركون أنفسهم ينخدعون. وسأنوه فقط بمثل حديث واحد، فالإسكندر السادس لم يفعل شيئًا إلا أن يخدع الناس، ولم يخطر بباله أن يفعل شيئًا آخر، ووجد الفرصة لذلك، ولم يكن من هو أقدر منه على إعطاء التأكيدات، وتوثيق الأشياء بأغلظ الإيمان، ولم يكن أحد يرعى ذلك أقل منه، ومع ذلك فقد نجح في خُدعاته، إذ كان يعرف هذه الأمور معرفة طيبة ».
واستنتج «ميكافيلي » من هذا أنه لا يلزم الأمير أن يكون متحليًا بفضائل الأخلاق المتعارف عليها، ولكن يجب عليه أن يتظاهر بأنه يتصف بها. وينبغي له أن يبدو فوق كل شيء متدينًا ([3]) .
وفلسفة «ميكافيلي » تعتمد على دراسة النجاحات البشرية في وصول الناس إلى غاياتهم، ولو كانت هذه النجاحات هي من قبيل نجاحات الأشرار. وما دامت أمثلة الآثمين الناجحين أكثر عددًا من أمثلة القديسيين الناجحين، وكانت وسائل الآثمين وسائل آثمة منافية لفضائل الأخلاق، فإن الغاية في السياسة تبرر الوسائل المنافية لفضائل الأخلاق، من أجل تحقيق النجاح المطلوب، ومن أجل الوصول إلى الغاية المقصودة، وهي الظفر بالحكم والاستئثار به .
فآراء «ميكافيلي » في تبرير الوسائل المنافية لفضائل الأخلاق تدور حول السياسة، وأخلاق الحكام، وذوي السلطة .
وأخذ معظم أرباب السياسة في الشرق والغرب، بهذا الاتجاه الميكافيلي وفق أقصى صوره المنحرفة .
وهذا الاتجاه المنحرف الشاذ، المعاكس لاتجاه الكمال الإنساني، إذا أُخذ على إطلاقه، هو طريق كل المنحرفين الظالمين المجرمين المفسدين في الأرض، قبل مكيافيلي وبعده في السياسة، وفي غيرها .
وأخذ هذا الاتجاه المستهين بفضائل الأخلاق الإنسانية لتحقيق غايات الأفراد والجماعات، يسودُ سلوك الناس في الشرق والغرب، ويغزو الأجيال في كل الأمم والشعوب، حتى غدا شمول الانحراف في الأخلاق نذير دمار عام شامل لكل الشعوب التي أخذت تنعدم فيها فضائل الأخلاق الفردية والجماعية .
وقد مال الفيلسوف الإنجليزي الملحد «برتراند رسل » إلى تأييد أفكار «مكيافيلي » فقال:
« وفلسفته السياسية علمية تجريبية، مؤسسة على خبرته الخاصة بالشؤون العامة، ومعنية بتقديم الوسائل على الغايات المحدودة، بغض النظر عن التساؤل عن ضرورة النظر في كون الغايات حسنة أو سيئة، وعندما يسمح لنفسه أحيانًا بأن يشير إلى الغايات التي يرومها، فإنها تكون بحيث تستطيع جميعنا أن نطريها، وكثير من القدح المألوف اللاحق باسمه يرجع إلى استنكار المنافقين الذين يكرهون الإقرار بفعل الشر » ([4]) .
( 3 )
كشف الزيف :
الكاشف الأول: يرجع الخطأ في الفكرة الباطلة التي انتهى إليها «مكيافيلي » في السياسة، إلى اعتبار النسبة الغالبة من السلوك الإنساني هي المقياس الذي يبرر به السلوك، وإلى إهمال جانب الحق والعدل والخير، وإغضاء النظر عن الشر الذي يشتمل عليه السلوك، وإلى اعتبار سلوك مع الناس ذوي المشاعر والآلام والحقوق المساوية لحقوق صاحب السلوك، كسلوكه مع الأشياء غير ذات الحياة ([5]) .
مع أنّ الواجب يقضي بأن تراعى حقوق الناس ومشاعرهم الإنسانية، ومنها آلامهم.
إنه إذا كانت الوسيلة المفضلة لخرق جبل في أماكن خالية من السكان هي أن نفجر في مكان الخرق المطلوب متفجرات قوية، لأن ذلك أسرع وأسهل، وأقل تكلفة، فهل يصح قياسًا عليه أن يكون مثل هذا التفجير هو الوسيلة المفضلة لفتح طريق داخل مدينة مليئة بالعمارات السكنية، وآهلة بالسكان، دون مراعاة للواجب الذي تفرضه حقوق الناس، ودون اكتراث بالشر الذي ينجم عن هذا العمل، ودون اعتبار لآلام الناس الذين يتعرضون لشرور هذا التفجير ؟
وهل يصح أن يعتبر ذلك أمرًا علميًا وتجريبيًا محققًا للمطلوب بأسرع وقت، وأسهل عمل، وأقل تكلفة، كما زعم «برتراند رسل » إذْ أيد آراء «مكيافيلي » بأنها عملية وتجريبية، مؤسسة على خبرته الخاصة بالشؤون العامة .
إن أسس سلوك الإنسان مع الناس ومع الأحياء، غير أسس سلوك الإنسان مع الأشياء غير الحية، التي ليس لها أفكار ولا مشاعر وآلام ولذات ومطالب حياة .
والمنهج العلمي الذي يطبق على الأشياء غير الحية، لا يصح تطبيقه من كل الوجوه على الأحياء، وعلى الناس بشكل خاص، لأن الأحياء بوجه عام لها حقوق تجب مراعاتها، ولأن الناس بوجه خاص لهم حقوق زائدة على حقوق الأحياء الأخرى، فيجب وضع هذه الحقوق في الاعتبار لدى اتخاذ مناهج علمية تطبق على الأحياء عمومًا، وعلى الناس خصوصًا.
الكاشف الثاني : إن اعتبار تفوق المستهينين بفضائل الأخلاق، والمرتكبين لرذائلها، في الوصول إلى الحكم وفي تثبيته، على المتلزمين بفضائل الأخلاق المجتنبين لرذائلها، هو المبرر العلمي لاتخاذ وسائل غير أخلاقية من أجل الوصول إلى الحكم وتثبيته، مطابق تمامًا لاعتبار وسائل الغش، والخديعة، واللصوصية، وأكل أموال الناس بالباطل، هي الوسائل المفضلة للوصول إلى الثراء الفاحش، والاستمتاع بلذات الحياة، وتدعيم الرأسمالية المفرطة .
فهل هذا مقبول من وجهة نظر الآخذين بآراء «ميكافيلي » من الشيوعيين والاشتراكيين؟
ومطابق تمامًا لاعتبار وسائل القتل الجماعي، وسلب أموال الأغنياء، وإقامة الثورات المدمرة، واستعباد الشعوب، من أجل وصول الأحزاب الشيوعية والاشتراكية إلى السلطة، واستئثارها بكل شيء، وتسلطها على كل شيء، بما في ذلك الحريات الإنسانية، والحقوق الإنسانية الأخرى .
فهل هذا مقبول من وجهة نظر الآخذين بآراء «ميكافيلي » من الرأسماليين والديمقراطيين؟
إذا كان الأول غير مقبول أخلاقيًا لدى الشيوعيين والاشتراكيين، وكان الثاني غير مقبول أخلاقيًا لدى الرأسماليين والديمقراطيين، مع أن الأول والثاني كليهما يمكن تبريرهما بأن الغاية تبرر الوسيلة، وفق مذهب «ميكافيلي » المتبع لدى المذهبين المتناقضين في العالم: «الرأسمالية وديمقراطياتها – والشيوعية وديكتاتوريتها ».
فإن الحكم المنطقي يقضي بداهة بأن كلا من الرأسماليين المكيافيليين، والشيوعيين الميكافيليين، متناقضون مع أنفسهم .
وذلك لأن الرذائل الخلقية التي تقتضيها المكيافيلية مقبولة عند كل من الفريقين ومرفوضة معًا .
إنها مقبولة إذا كانوا يمارسونها هم ضد غيرهم، ومرفوضة إذا كان غيرهم يمارسها ضدهم. وهذا تناقض منطقي بدهي، لا يلتزم به من يحاكم الأمور بعقله، ولكن يكابر فيه من يحاكم الأمور بأهوائه وشهواته ومصالحه الخاصة، كلما كان له هوى أو شهوة أو مصلحة، لا تقام عليها حجج علمية ضد الآخرين الذين لهم أيضًا أهواء أو شهوات أو مصالح خاصة تقف في الطرف المقابل .
ويكفي هذا التناقض مع الذات لإسقاط «المكيافيلية ». إذ التناقض في أي مذهب، أو أية فكرة، هو من أقوى البراهين لإبطال المذهب أو الفكرة ونقضهما .
الكاشف الثالث : يتساءل كل من له عقل، بل كل من لديه مقدار يسير منه، عن التفسير المنطقي لهذا الرأي المنحرف الذي يعتبر عنه بأن الغاية تبرر الوسيلة، والذي لا يستطيع إنسان في الدنيا أن يقبله على إطلاقه، مهما بلغت به الجريمة، ومهما بلغ به الشذوذ الفكري والنفسي .
من المعروف في الحياة أن لكل إنسان، ولكل مجموعة بشرية، مطالب نفسية، وحاجات جسدية، وأنه لابد لتحقيق أي مطلب من مطالب النفس، وأية حاجة من حاجات الجسد، من اتخاذ وسيلة إلى ذلك .
فهل يصح في عقل أي إنسان عاقل اتخاذ أية وسيلة في الدنيا، مهما كان شأنها عظيمًا، لأية حاجة مهما كان شأنها حقيرًا تافهًا ؟
وحينما يروج صغار العقول أو المجرمون آراء «مكيافيلي » هذه التي تقول: «إن الغاية تبرر الوسيلة، ويدعون هذا الكلام يسير على إطلاقه، دون قيود المنطق السليم، والحق الثابت، والفضيلة المثلى، فإنهم لابد أن يتصرفوا في حياتهم تصرف المجانين، أو يكونوا شياطين مجرمين، يخادعون الناس بهذه الآراء التي يطلقون عليها زورًا وتزييفًا اسم «نظرية » ليفعلوا كل جريمة، دون أن يسميهم الناس مجرمين .
لقد ستروا أنفسهم المجرمة بطلاء مما أسموه «نظرية مكيافيلي ».
وفي محاكمة هذا الكلام الفاسد، إذا أخذ على إطلاقه، لابد أن نضع على سبيل التطبيق الفلسفي مجموعة من مطالب النفس، وحاجات الجسد، ونفرض أنها غايات، ثم نضع في مقابل ذلك مجموعة مما يمكن أن يكون وسائل لهذه الغايات، ونفرض أنها وسائل .
إنه من البدهي عند ذلك أن تبدو لنا أمثلة تطبيقية غريبة ومضحكة جدًا، أخف منها ما يجري داخل مستشفيات الأمراض العقلية .
إنه يلزم من تعميم الفكرة المكيافيلية، أن لا يكون من المستغرب أن يحرق المكيافيلي مجموعة من أوراق النقد ذات الأرقام العالية، والقيمة الكبيرة، ليغلي عليها ما يصلح فيه كأسًا من الشاي، أو فنجانًا من القهوة، فغايته التي هي شرب الشاي أو القهوة، تبرر له وسيلة إحراق الأوراق النقدية الكبيرة، وخسارة الألوف، مقابل شراب لا يساوي بضعة فلوس.
ويلزم من هذا المذهب أن لا يرى الميكافيليون مانعًا من إلقاء مخطوطات علمية عظيمة نادرة، في نهر كبير، لتكون بمثابة جسر مؤقت تعبرُ عليه جيوش الغزاة .
وليس من المهم بعد ذلك أن تخسر الإنسانية ذخائر المنجزات العلمية والفكرية الحضارية، التي خلفتها القرون الأولى، فالغاية تبرر الوسيلة .
وأن لا يروا مانعًا من تجويع الألوف من البشر، وسرقة خيراتهم، ليستمتع مجرم واحد بمظاهر الترف والرفاهية، فالغاية تبرر الوسيلة .
وأن لا يروا مانعًا من أن يقطع إنسان يد آخر، ليجعل من عظم ساعدها عصبًا لمكنسته. وأن يسلخ جلد إنسان حي ليصنع منه طبلاً أو دفًا، يتسلى بالنقر عليه في جلسات السمر. وأن يحرق مدينة كاملة ليتمتع بمشاهدة لهيب نار عظمى عن بعد، ثم يدين بها براء ويعاقبهم بهذه الجريمة النكراء، كما فعل «نيرون » إمبراطور روما. وأن يقذف إلى حلبة المصارعة وحشًا ضاربًا جائعًا، وإنسانًا بريئًا ليتمتع بمشاهدة ظفر الغالب منهما ومصرع المغلوب، وقد مارست روما في أوج سلطان إمبراطوريتها من ذلك الشيء الكثير .
كل هذا ونظائره ينبغي أن يكون مقبولاً لدى «المكيافيليين » لأن الغاية تبرر الوسيلة.
أليست هذه الأعمال الجنونية أو الإجرامية وسائل لغايات؟ فإذا كانت الغايات مطلقًا تبرر أية وسيلة دون قيد أو شرط، فما أجدر الميكافيلي الذي يأخذ بهذه الفكرة الفاسدة، أن ينحدر إلى أخس مرتبة يمكن أن تتصور في الوجود، ويرد إلى أسفل سافلين .
وينبغي عندئذ أن يخلع الثوب الإنساني الذي فضله الخالق به، ويلبس ثوب أخس الأحياء شراسة ودناءة .
( 4 )
المكيافيلية اليهودية :
إذا كانت الميكافيلية العامة تقول: « إن الغاية تبرر الوسيلة » في شؤون السياسة فقط، دون أن نضع لفكرتها هذه أي قيد من قيود المنطق السديد، والحق الثابت، والخير الجلي، والفضيلة والجمال، فإن الميكافيلية اليهودية تأخذ بهذه الفكرة نفسها، في مختلف الشؤون السياسية، والمالية، والعلمية، والدينية، وغيرها من الشؤون التي تحقق لليهودي غاية من غاياته مهما كانت حقيرة. ولو كانت الوسيلة إلى تحقيقها إهدار أي حق لفرد أو جماعة أو أمة، باستثناء اليهود، ولو كانت الوسيلة ارتكاب أية رذيلة خلقية، أو جريمة قذرة، أو نشــــر الكفـر بالله، وبث الإلحادية في شعوب الأرض. والمكيافيلية الشيوعية بنت الميكافيلية اليهودية.
( 5 )
موقف الإسلام بين الوسائل والغايات :
لكن الإسلام يتربع على قمة المجد في مراعاة الحق والعدل والخير والفضيلة والجمال.
وهو يأمر المسلمين بالتزام ما أمر الله به، ويكلفهـــم أن يراعـــوا ذلك مع الناس جميعًا، دون تفريق بين الأفراد، وبين الأمم والشعوب، سواء منهم من دان بالإسلام ومن لم يدن به.
وموقف الإسلام بين الوسائل والغايات تحدده أروع مبادئ تلتزم بالحق والعدل والخير والفضيلة، ولا تقترب من أضدادها وتلتزم بكل ما أمر الله به من خير، ونهى عنه من شرّ.
وتفسح صدرها لاتخاذ بعض الوسائل التي يوجب المنطق السليم اتخاذها، ارتكابًا لأخف الضررين، ووسيلة لدفع أشدهما، وذلك حينما يتعذر اتخاذ وسيلة أخرى لا ضرر فيها مطلقًا .
وقاعدة الإسلام في ذلك تحددها البنود التالية :
البند الأول: يجب أولا أن تكون غايات الإنسان في حياته مقيدة بما أذن الله به في شريعته لعباده .
فما كل غاية تبدو للإنسان يجوز له أن يجعلها إحدى غاياته، ما لم تكن غاية مأذونًا بها شرعًا .
البند الثاني : يجب ثانيًا أن يكون سعي الإنسان إلى غاياته المأذون بها شرعًا، ضمن الوسائل التي ليس فيها إهدار لحق أو عدل أو فضيلة أو واجب، وليس فيها ارتكاب لمحرم من المحرمات الشرعية، وليس فيها إسراف ولا تبذير وبذل ذي قيمة عالية وسيلة لتحقيق ذي قيمة حقيرة .
البند الثالث : إذا تعارض في حياة الإنسان – ضمن قواعد الحق والعدل والفضيلة والواجب – واجبان، ولم يمكن بحالٍ من الأحوال أو وجه من الوجوه تحقيقهما معًا .
أو تعارض محرمان، ولم يمكن بحالٍ من الأحوال أو وجه من الوجوه تركهما معًا .
أو تعارض ضرران، ولم يمكن بحال من الأحوال أو وجه من الوجوه دفعهما معًا .
فقاعدة الإسلام عند وجود هذا التعارض الذي لم يمكن تفاديه بوسيلة من الوسائل المأذون بها شرعًا بوجه عام، تتلخص بما يلي :
أولاً : ترك أدنى الواجبين لتحقيق آكدهما، فيؤثر المسلم القيام بآكدهما، وأكثرهما وجوبًا، ويترك الواجب الأدنى .
كمن كان في صلاة مفروضة فداهم العدو بلاده غازيًا، ولو تأخر حتى أنهى صلاته لأعطاه فرصه سانحة للظفر بالمسلمين، فالواجب والحالة هذه أن ينصرف من الصلاة لجهاد العدو، لأن واجب الجهاد في هذه الحالة أقوى من واجب إتمام الصلاة، بالنظر إلى النتائج التي تتحقق بكل منهما .
وكما لو تعارض في حياة أمة واجب التنمية الاقتصادية، وواجب صيانة الدين والخلق والفضيلة، والعلم الضروري لهذه الأصول، فالواجب والحالة هذه أن تحرص الأمة على صيانة هذه الأمور، ولو أفضى ذلك إلى التقصير بتحقيق واجب التنمية الاقتصادية، على أن الله عز وجل سوف ييسر للأمة وسائل هذه التنمية المطلوبة، مكافأة لها على ما ألتزمت به من واجب أجل في شريعته لهم .
وكما لو تعارض في حياة الأمة الإسلامية واجب إعلاء كلمة الله في الأرض، وواجب صيانة أنفسها من القتل أو القرح، وصيانة غيرها من مضار القتال، ولم تجد الوسائل الأخرى لتحقيق الواجب الإلهي الذي هو حق الله على عباده جميعًا، فالواجب والحال هذه أن تعرض أنفسها وغيرها لمضار القتال الذي يرجى تحقيق الغاية الدينية العظمى به، لأن الكفر بالله وسيادة حكم الطاغوت سيودي بالإنسانية إلى ما هو شر من المضار التي قد تحدث بالجهاد المقدس.
ثانيًا : ارتكاب أخف المحرمين لدفع الوقوع بأشدهما، فيؤثر المسلم ارتكاب المحرم الأخف، ليدفع ارتكاب المحرم الأشـد، إذا لم يجد وسيلة أخرى مباحة، يجتنب بها المحرمين معًا.
كما لو هدد إنسان بالقتل المحقق إذا لم يرتكب مثلاً جريمة السرقة، فالواجب والحالة هذه أن يختار أخف المحرمين وهي السرقة، ليدفع عن نفسه القتل الذي يعتبر التمكين منه أشد حرمة، إذ القتل أشد تحريمًا من السرقة .
وكما لو تعرضت حياة إنسان بريء للقتل على يد ظالم، ولم يكن دفع ذلك عنه إلا بارتكاب وسيلة الكذب، فالواجب والحالة هذه دفع أشد المحرمين بأخفهما، وظاهر أن الكذب على الظالم أخف عند الله من تعريض مسلم بريء لظالم يريد قتله أو تعذيبه تعذيبًا شديدًا .
ثالثًا : تحمل أهون الضررين وأخفهما وسيلة لدرء أشدهما، كما لو أصيب عضو من أعضاء الإنسان بمرض لا يستطاع إيقاف سريانه إلى سائر الجسد إلا ببتره، وإلا سرى فقتل صاحبه، فالواجب والحالة هذه بتر العضو العليل حماية لسائر الجسم، ومن البدهي أن فقد العضو الواحد أهون وأخف من فقد الأعضاء كلها .
ولما توقفت سلامة الأمة في أخلاقها ودينها وأمنها على قطع أيدي السارقين، وجلد الزناة أو رجمهم، وإنزال أشد العقوبات بقطاع الطرق، كان ذلك أمرًا حتمًا في أحكام الشريعة الإسلامية، تقضي به ضرورة ارتكاب أخف الضررين وسيلة لدرء أعظمهما .
رابعًا : إذا تساوى الواجبات المتعرضات، أو المحرمان المتعارضان، أو الضرران المتعارضان، فالمسلم بالخيار، له أن يختار أحد المتعارضين ولو كان الذي اختاره أحب إلى نفسه.
وتشتبه أمور، فيختلف فيها الفقهاء المجتهدون، كالإكراه على الزنا .
وتختلف أمور باختلاف الناس، ومنها الإكراه على إعلان الكفر .
فمن كان هو من آحاد الناس، فله أن يقول كلمة الكفر لينجي نفسه من القتل، بشرط أن يكون قلبه مطمئنًا بالإيمان، وله أن يصبر ويقتل شهيدًا، لأن ثباته على إعلان الحق قد ينفع دعوة الإسلام، فيجلب به من صفوف المشركين أو الكافرين عمومًا أناسًا يسلمون بتأثير صموده .
وقادة الدعوة إلى الله، المعروفون بها، ينبغي لهم أن يثبتوا على إعلان الحق، ولو استشهدوا في سبيل الله، وهو بالنسبة إليهم أفضل .
أما الرسل فلا رخصة لهم في أن يقولوا كلمة الكفر، لينجوا أنفسهم من القتل، لأن ذلك ينقض رسالتهم .
ومن كان من آحاد الناس ورأى أن بقاءه حيًا قد يكون أكثر نفعًا للإسلام والمسلمين، وأكثر نكاية بأعداء الله، فإعلانه كلمة الكفر مع طمأنينة قلبه بالإسلام قد يكون هو الأفضل والأحب لله، وربما يكون هو الواجب أحيانًا .
ميزان تحديد قيم المتعارضان :
وميزان الإسلام لتحديد قيم الواجبات والمحرمات، وأنواع الضرر ميزان دقيق جدًا، يعتمد على مبدأين أساسيين :
المبدأ الأولى : فيه تصنيف عام للمنافع واللذات والمصالح الفردية والاجتماعية، والإنسانية، الدينية، والدنيوية، المادية والمعنوية، مع العلم بأن ما يمس منها الجوانب الدينية الكبرى، كالإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، يحتل مركز الصدارة، لأنه يمثل الحق الأول لله على عباده .
المبدأ الثاني : فيه تصنيف عام للمضار والآلام والمفاسد الفردية، والاجتماعية، والإنسانية، الدينية والدنيوية، المادية والمعنوية، مع العلم بأن ما يمس منها الجوانب الدينية الكبرى، كالشرك بالله، أو إنكار وجوده كليًا، يحتل مركز الصدارة، لأنه يمثل العدوان الشنيع على حق الله الأول على عباده .
فما بين النص حكمه من المتعارضات، فقد أبان الشارع قيمها، وما لم يبينه فقد تركه لأهل الاستنباط والاجتهاد، وقد تختلف في بعض ذلك آراء المجتهدين .
هكذا نجد الإسلام على قمة المجد في مراعاة الحق والعدل والفضيلة والخير والواجب، بين الوسائل والغايات .
بينما نجد « الميكافيلية » العامة هاوية إلى حضيض الخسة في مجال السياسة .
ونجد « الميكافيلية » اليهودية الشاملة لكل جوانب السلوك الإنساني هاوية إلى حضيض كل خسة، وكذلك « الميكافيلية » الشيوعية ذات الجذور اليهودية، ويسير في هذا الحضيض كل المجرمين والمفسدين في الأرض .
ويتحقق في الإنسان الأخذ بهذه «المكيافيلية » قول الله عز وجل في سورة (التين):
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ".
( المرجع : كواشف زيوف ، عبدالرحمن الميداني ، ص 379-392).
--------------------------------------------------------------------------------
([1] ) انظر: «تاريخ الفلسفة الغربية » للفيلسوف الإنجليزي الملحد « برتراند رسل » الكتاب الثالث «الفلسفة الحديثة ».
([2] ) أي المحرومة من فضائل الأخلاق .
([3] ) من تلخيصات «براتراند رسل » في كتابه « تاريخ الفلسفة الغربية ».
هو « نيقولا ميكافيلي » إيطالي، ولد في «فلورنسا » وعاش ما بين عام (1469- 1527م). كان أبوه محاميًا متوسط الحال. حصل على وظيفة صغيرة في حكومة «فلورنسا » سنة (1498م). ثم ترقى وتقلب في وظائف بعثات دبلوماسية ذات أهمية للحكومة، ثم أصبح المستشار الثاني للجمهورية. وعندما استولت أسرة «مديتشي » على الحكم سنة (1512م) سجن لأنه كان معارضًا لهم، ثم نُفي في العام التالي، وسمح له بأن يحيا حياة التقاعد في الريف قرب «فلورنسا ». وتفرّغ للكتابة والتأليف، أشهر مؤلفاته :
1 – كتاب «الأمير » وقد أصدره سنة (1513م) وأهداه إلى «لورنزو » وكان هدفه أن يسترضي به «الميديتشيين ». دعا فيه إلى قيام دولة إيطالية موحدة بحاكم قوي، دون اعتبار القيم الخلقية، ولكنه لم ينجح في استرضائهم .
2 – كتاب «المطارحات » وهو أكبر من كتاب الأمير .
3 – كتاب «فن الحرب » أصدره سنة (1520م) تحدث فيه عن الجيش الضروري لمثل الحكم الذي وصفه في كتابه «الأمير ».
4 – كتاب في تاريخ فلورنسا، حلل فيه تطور المدينة حتى سنة (1492م) وله بعض الروايات .
أثرت آراؤه وأفكاره التي بثها في كتبه في العلم السياسي. وتجمعها الفكرة التي أمست من قواعد السياسة في معظم دول العالم العلمانية، وهي «الغاية تبرر الوسيلة ».
( 2 )
ما يهمنا مناقشته من آرائه وأفكاره :
عُني «ميكافيلي » بأن يكشف من التاريخ القديم ومن الأحداث المعاصرة له: كيف تُنال الإمارات، وكيف يُحتفظ بها، وكيف تُفقد ([1]) .
وانتهى إلى رأي في السياسة يتلخص كما سبق بالعبارة التالية: «الغاية تبرر الوسيلة » مهما كانت هذه الوسيلة منافية للدين والأخلاق .
وقد استند في رأيه هذا إلى الواقع المنحرف للأكثرية من الناس، لا إلى مبادئ الحق والعدل والخير والفضيلة .
رأى أن أكثر الحكام لم يكونوا شرعيين، ولم يكونوا متلزمين المبادئ الأخلاقية الفاضلة، وبذلك استطاعوا أن يصلوا إلى الحكم، وأن يضمنوا استقرار الحكم في أيديهم إلى حين.
بخلاف الحكام الشرعيين، والذين كانوا يلتزمون المبادئ الأخلاقية الفاضلة المستندة إلى الحق والعدل والخير، فإنهم لم يحققوا لأنفسهم النجاح المطلوب، ولا المحافظة على الحكم، كمحافظة الساسة الخائنين الغدارين المرائين المنافقين الكذابين .
حتى البابوات فقد رأى أنهم قد كانوا في الكثير من الحالات يضمنون الانتخاب لنفسهم بوسائل فاسدة، لا تتفق مع الفضائل الخلقية .
وأنكر «ميكافيلي » في كتابه « الأمير » بصراحة تامة الأخلاق المعترف بصحتها، فيما يختص بسلوك الحكام، فالحاكم يهلك إذا كان سلوكه متقيدًا دائمًا بالأخلاق الفاضلة، لذلك يجب أن يكون ماكرًا مكر الذئب، ضاريًا ضراوة الأسد .
وفي الفصل الثامن من كتابه «الأمير » ذكر أنه ينبغي للأمير أن يحافظ على العهد حين يعود ذلك عليه بالفائدة فقط. أما إذا كانت المحافظة على العهد لا تعود عليه بالفائدة فيجب عليه حينئذٍ أن يكون غدارًا .
ويقول :
« بيد أنه من الضروري أن يكون الأمير قادرًا على إخفاء هذه الشخصية ([2]). وأن يكون دعيًا كبيرًا، ومرائيًا عظيمًا، والناس يصلون في السذاجة وفي الاستعداد للخضوع للضراوات الحاضرة، إلى الحد الذي يجعل ذلك الذي يخدع يجد دائمًا أولئك الذين يتركون أنفسهم ينخدعون. وسأنوه فقط بمثل حديث واحد، فالإسكندر السادس لم يفعل شيئًا إلا أن يخدع الناس، ولم يخطر بباله أن يفعل شيئًا آخر، ووجد الفرصة لذلك، ولم يكن من هو أقدر منه على إعطاء التأكيدات، وتوثيق الأشياء بأغلظ الإيمان، ولم يكن أحد يرعى ذلك أقل منه، ومع ذلك فقد نجح في خُدعاته، إذ كان يعرف هذه الأمور معرفة طيبة ».
واستنتج «ميكافيلي » من هذا أنه لا يلزم الأمير أن يكون متحليًا بفضائل الأخلاق المتعارف عليها، ولكن يجب عليه أن يتظاهر بأنه يتصف بها. وينبغي له أن يبدو فوق كل شيء متدينًا ([3]) .
وفلسفة «ميكافيلي » تعتمد على دراسة النجاحات البشرية في وصول الناس إلى غاياتهم، ولو كانت هذه النجاحات هي من قبيل نجاحات الأشرار. وما دامت أمثلة الآثمين الناجحين أكثر عددًا من أمثلة القديسيين الناجحين، وكانت وسائل الآثمين وسائل آثمة منافية لفضائل الأخلاق، فإن الغاية في السياسة تبرر الوسائل المنافية لفضائل الأخلاق، من أجل تحقيق النجاح المطلوب، ومن أجل الوصول إلى الغاية المقصودة، وهي الظفر بالحكم والاستئثار به .
فآراء «ميكافيلي » في تبرير الوسائل المنافية لفضائل الأخلاق تدور حول السياسة، وأخلاق الحكام، وذوي السلطة .
وأخذ معظم أرباب السياسة في الشرق والغرب، بهذا الاتجاه الميكافيلي وفق أقصى صوره المنحرفة .
وهذا الاتجاه المنحرف الشاذ، المعاكس لاتجاه الكمال الإنساني، إذا أُخذ على إطلاقه، هو طريق كل المنحرفين الظالمين المجرمين المفسدين في الأرض، قبل مكيافيلي وبعده في السياسة، وفي غيرها .
وأخذ هذا الاتجاه المستهين بفضائل الأخلاق الإنسانية لتحقيق غايات الأفراد والجماعات، يسودُ سلوك الناس في الشرق والغرب، ويغزو الأجيال في كل الأمم والشعوب، حتى غدا شمول الانحراف في الأخلاق نذير دمار عام شامل لكل الشعوب التي أخذت تنعدم فيها فضائل الأخلاق الفردية والجماعية .
وقد مال الفيلسوف الإنجليزي الملحد «برتراند رسل » إلى تأييد أفكار «مكيافيلي » فقال:
« وفلسفته السياسية علمية تجريبية، مؤسسة على خبرته الخاصة بالشؤون العامة، ومعنية بتقديم الوسائل على الغايات المحدودة، بغض النظر عن التساؤل عن ضرورة النظر في كون الغايات حسنة أو سيئة، وعندما يسمح لنفسه أحيانًا بأن يشير إلى الغايات التي يرومها، فإنها تكون بحيث تستطيع جميعنا أن نطريها، وكثير من القدح المألوف اللاحق باسمه يرجع إلى استنكار المنافقين الذين يكرهون الإقرار بفعل الشر » ([4]) .
( 3 )
كشف الزيف :
الكاشف الأول: يرجع الخطأ في الفكرة الباطلة التي انتهى إليها «مكيافيلي » في السياسة، إلى اعتبار النسبة الغالبة من السلوك الإنساني هي المقياس الذي يبرر به السلوك، وإلى إهمال جانب الحق والعدل والخير، وإغضاء النظر عن الشر الذي يشتمل عليه السلوك، وإلى اعتبار سلوك مع الناس ذوي المشاعر والآلام والحقوق المساوية لحقوق صاحب السلوك، كسلوكه مع الأشياء غير ذات الحياة ([5]) .
مع أنّ الواجب يقضي بأن تراعى حقوق الناس ومشاعرهم الإنسانية، ومنها آلامهم.
إنه إذا كانت الوسيلة المفضلة لخرق جبل في أماكن خالية من السكان هي أن نفجر في مكان الخرق المطلوب متفجرات قوية، لأن ذلك أسرع وأسهل، وأقل تكلفة، فهل يصح قياسًا عليه أن يكون مثل هذا التفجير هو الوسيلة المفضلة لفتح طريق داخل مدينة مليئة بالعمارات السكنية، وآهلة بالسكان، دون مراعاة للواجب الذي تفرضه حقوق الناس، ودون اكتراث بالشر الذي ينجم عن هذا العمل، ودون اعتبار لآلام الناس الذين يتعرضون لشرور هذا التفجير ؟
وهل يصح أن يعتبر ذلك أمرًا علميًا وتجريبيًا محققًا للمطلوب بأسرع وقت، وأسهل عمل، وأقل تكلفة، كما زعم «برتراند رسل » إذْ أيد آراء «مكيافيلي » بأنها عملية وتجريبية، مؤسسة على خبرته الخاصة بالشؤون العامة .
إن أسس سلوك الإنسان مع الناس ومع الأحياء، غير أسس سلوك الإنسان مع الأشياء غير الحية، التي ليس لها أفكار ولا مشاعر وآلام ولذات ومطالب حياة .
والمنهج العلمي الذي يطبق على الأشياء غير الحية، لا يصح تطبيقه من كل الوجوه على الأحياء، وعلى الناس بشكل خاص، لأن الأحياء بوجه عام لها حقوق تجب مراعاتها، ولأن الناس بوجه خاص لهم حقوق زائدة على حقوق الأحياء الأخرى، فيجب وضع هذه الحقوق في الاعتبار لدى اتخاذ مناهج علمية تطبق على الأحياء عمومًا، وعلى الناس خصوصًا.
الكاشف الثاني : إن اعتبار تفوق المستهينين بفضائل الأخلاق، والمرتكبين لرذائلها، في الوصول إلى الحكم وفي تثبيته، على المتلزمين بفضائل الأخلاق المجتنبين لرذائلها، هو المبرر العلمي لاتخاذ وسائل غير أخلاقية من أجل الوصول إلى الحكم وتثبيته، مطابق تمامًا لاعتبار وسائل الغش، والخديعة، واللصوصية، وأكل أموال الناس بالباطل، هي الوسائل المفضلة للوصول إلى الثراء الفاحش، والاستمتاع بلذات الحياة، وتدعيم الرأسمالية المفرطة .
فهل هذا مقبول من وجهة نظر الآخذين بآراء «ميكافيلي » من الشيوعيين والاشتراكيين؟
ومطابق تمامًا لاعتبار وسائل القتل الجماعي، وسلب أموال الأغنياء، وإقامة الثورات المدمرة، واستعباد الشعوب، من أجل وصول الأحزاب الشيوعية والاشتراكية إلى السلطة، واستئثارها بكل شيء، وتسلطها على كل شيء، بما في ذلك الحريات الإنسانية، والحقوق الإنسانية الأخرى .
فهل هذا مقبول من وجهة نظر الآخذين بآراء «ميكافيلي » من الرأسماليين والديمقراطيين؟
إذا كان الأول غير مقبول أخلاقيًا لدى الشيوعيين والاشتراكيين، وكان الثاني غير مقبول أخلاقيًا لدى الرأسماليين والديمقراطيين، مع أن الأول والثاني كليهما يمكن تبريرهما بأن الغاية تبرر الوسيلة، وفق مذهب «ميكافيلي » المتبع لدى المذهبين المتناقضين في العالم: «الرأسمالية وديمقراطياتها – والشيوعية وديكتاتوريتها ».
فإن الحكم المنطقي يقضي بداهة بأن كلا من الرأسماليين المكيافيليين، والشيوعيين الميكافيليين، متناقضون مع أنفسهم .
وذلك لأن الرذائل الخلقية التي تقتضيها المكيافيلية مقبولة عند كل من الفريقين ومرفوضة معًا .
إنها مقبولة إذا كانوا يمارسونها هم ضد غيرهم، ومرفوضة إذا كان غيرهم يمارسها ضدهم. وهذا تناقض منطقي بدهي، لا يلتزم به من يحاكم الأمور بعقله، ولكن يكابر فيه من يحاكم الأمور بأهوائه وشهواته ومصالحه الخاصة، كلما كان له هوى أو شهوة أو مصلحة، لا تقام عليها حجج علمية ضد الآخرين الذين لهم أيضًا أهواء أو شهوات أو مصالح خاصة تقف في الطرف المقابل .
ويكفي هذا التناقض مع الذات لإسقاط «المكيافيلية ». إذ التناقض في أي مذهب، أو أية فكرة، هو من أقوى البراهين لإبطال المذهب أو الفكرة ونقضهما .
الكاشف الثالث : يتساءل كل من له عقل، بل كل من لديه مقدار يسير منه، عن التفسير المنطقي لهذا الرأي المنحرف الذي يعتبر عنه بأن الغاية تبرر الوسيلة، والذي لا يستطيع إنسان في الدنيا أن يقبله على إطلاقه، مهما بلغت به الجريمة، ومهما بلغ به الشذوذ الفكري والنفسي .
من المعروف في الحياة أن لكل إنسان، ولكل مجموعة بشرية، مطالب نفسية، وحاجات جسدية، وأنه لابد لتحقيق أي مطلب من مطالب النفس، وأية حاجة من حاجات الجسد، من اتخاذ وسيلة إلى ذلك .
فهل يصح في عقل أي إنسان عاقل اتخاذ أية وسيلة في الدنيا، مهما كان شأنها عظيمًا، لأية حاجة مهما كان شأنها حقيرًا تافهًا ؟
وحينما يروج صغار العقول أو المجرمون آراء «مكيافيلي » هذه التي تقول: «إن الغاية تبرر الوسيلة، ويدعون هذا الكلام يسير على إطلاقه، دون قيود المنطق السليم، والحق الثابت، والفضيلة المثلى، فإنهم لابد أن يتصرفوا في حياتهم تصرف المجانين، أو يكونوا شياطين مجرمين، يخادعون الناس بهذه الآراء التي يطلقون عليها زورًا وتزييفًا اسم «نظرية » ليفعلوا كل جريمة، دون أن يسميهم الناس مجرمين .
لقد ستروا أنفسهم المجرمة بطلاء مما أسموه «نظرية مكيافيلي ».
وفي محاكمة هذا الكلام الفاسد، إذا أخذ على إطلاقه، لابد أن نضع على سبيل التطبيق الفلسفي مجموعة من مطالب النفس، وحاجات الجسد، ونفرض أنها غايات، ثم نضع في مقابل ذلك مجموعة مما يمكن أن يكون وسائل لهذه الغايات، ونفرض أنها وسائل .
إنه من البدهي عند ذلك أن تبدو لنا أمثلة تطبيقية غريبة ومضحكة جدًا، أخف منها ما يجري داخل مستشفيات الأمراض العقلية .
إنه يلزم من تعميم الفكرة المكيافيلية، أن لا يكون من المستغرب أن يحرق المكيافيلي مجموعة من أوراق النقد ذات الأرقام العالية، والقيمة الكبيرة، ليغلي عليها ما يصلح فيه كأسًا من الشاي، أو فنجانًا من القهوة، فغايته التي هي شرب الشاي أو القهوة، تبرر له وسيلة إحراق الأوراق النقدية الكبيرة، وخسارة الألوف، مقابل شراب لا يساوي بضعة فلوس.
ويلزم من هذا المذهب أن لا يرى الميكافيليون مانعًا من إلقاء مخطوطات علمية عظيمة نادرة، في نهر كبير، لتكون بمثابة جسر مؤقت تعبرُ عليه جيوش الغزاة .
وليس من المهم بعد ذلك أن تخسر الإنسانية ذخائر المنجزات العلمية والفكرية الحضارية، التي خلفتها القرون الأولى، فالغاية تبرر الوسيلة .
وأن لا يروا مانعًا من تجويع الألوف من البشر، وسرقة خيراتهم، ليستمتع مجرم واحد بمظاهر الترف والرفاهية، فالغاية تبرر الوسيلة .
وأن لا يروا مانعًا من أن يقطع إنسان يد آخر، ليجعل من عظم ساعدها عصبًا لمكنسته. وأن يسلخ جلد إنسان حي ليصنع منه طبلاً أو دفًا، يتسلى بالنقر عليه في جلسات السمر. وأن يحرق مدينة كاملة ليتمتع بمشاهدة لهيب نار عظمى عن بعد، ثم يدين بها براء ويعاقبهم بهذه الجريمة النكراء، كما فعل «نيرون » إمبراطور روما. وأن يقذف إلى حلبة المصارعة وحشًا ضاربًا جائعًا، وإنسانًا بريئًا ليتمتع بمشاهدة ظفر الغالب منهما ومصرع المغلوب، وقد مارست روما في أوج سلطان إمبراطوريتها من ذلك الشيء الكثير .
كل هذا ونظائره ينبغي أن يكون مقبولاً لدى «المكيافيليين » لأن الغاية تبرر الوسيلة.
أليست هذه الأعمال الجنونية أو الإجرامية وسائل لغايات؟ فإذا كانت الغايات مطلقًا تبرر أية وسيلة دون قيد أو شرط، فما أجدر الميكافيلي الذي يأخذ بهذه الفكرة الفاسدة، أن ينحدر إلى أخس مرتبة يمكن أن تتصور في الوجود، ويرد إلى أسفل سافلين .
وينبغي عندئذ أن يخلع الثوب الإنساني الذي فضله الخالق به، ويلبس ثوب أخس الأحياء شراسة ودناءة .
( 4 )
المكيافيلية اليهودية :
إذا كانت الميكافيلية العامة تقول: « إن الغاية تبرر الوسيلة » في شؤون السياسة فقط، دون أن نضع لفكرتها هذه أي قيد من قيود المنطق السديد، والحق الثابت، والخير الجلي، والفضيلة والجمال، فإن الميكافيلية اليهودية تأخذ بهذه الفكرة نفسها، في مختلف الشؤون السياسية، والمالية، والعلمية، والدينية، وغيرها من الشؤون التي تحقق لليهودي غاية من غاياته مهما كانت حقيرة. ولو كانت الوسيلة إلى تحقيقها إهدار أي حق لفرد أو جماعة أو أمة، باستثناء اليهود، ولو كانت الوسيلة ارتكاب أية رذيلة خلقية، أو جريمة قذرة، أو نشــــر الكفـر بالله، وبث الإلحادية في شعوب الأرض. والمكيافيلية الشيوعية بنت الميكافيلية اليهودية.
( 5 )
موقف الإسلام بين الوسائل والغايات :
لكن الإسلام يتربع على قمة المجد في مراعاة الحق والعدل والخير والفضيلة والجمال.
وهو يأمر المسلمين بالتزام ما أمر الله به، ويكلفهـــم أن يراعـــوا ذلك مع الناس جميعًا، دون تفريق بين الأفراد، وبين الأمم والشعوب، سواء منهم من دان بالإسلام ومن لم يدن به.
وموقف الإسلام بين الوسائل والغايات تحدده أروع مبادئ تلتزم بالحق والعدل والخير والفضيلة، ولا تقترب من أضدادها وتلتزم بكل ما أمر الله به من خير، ونهى عنه من شرّ.
وتفسح صدرها لاتخاذ بعض الوسائل التي يوجب المنطق السليم اتخاذها، ارتكابًا لأخف الضررين، ووسيلة لدفع أشدهما، وذلك حينما يتعذر اتخاذ وسيلة أخرى لا ضرر فيها مطلقًا .
وقاعدة الإسلام في ذلك تحددها البنود التالية :
البند الأول: يجب أولا أن تكون غايات الإنسان في حياته مقيدة بما أذن الله به في شريعته لعباده .
فما كل غاية تبدو للإنسان يجوز له أن يجعلها إحدى غاياته، ما لم تكن غاية مأذونًا بها شرعًا .
البند الثاني : يجب ثانيًا أن يكون سعي الإنسان إلى غاياته المأذون بها شرعًا، ضمن الوسائل التي ليس فيها إهدار لحق أو عدل أو فضيلة أو واجب، وليس فيها ارتكاب لمحرم من المحرمات الشرعية، وليس فيها إسراف ولا تبذير وبذل ذي قيمة عالية وسيلة لتحقيق ذي قيمة حقيرة .
البند الثالث : إذا تعارض في حياة الإنسان – ضمن قواعد الحق والعدل والفضيلة والواجب – واجبان، ولم يمكن بحالٍ من الأحوال أو وجه من الوجوه تحقيقهما معًا .
أو تعارض محرمان، ولم يمكن بحالٍ من الأحوال أو وجه من الوجوه تركهما معًا .
أو تعارض ضرران، ولم يمكن بحال من الأحوال أو وجه من الوجوه دفعهما معًا .
فقاعدة الإسلام عند وجود هذا التعارض الذي لم يمكن تفاديه بوسيلة من الوسائل المأذون بها شرعًا بوجه عام، تتلخص بما يلي :
أولاً : ترك أدنى الواجبين لتحقيق آكدهما، فيؤثر المسلم القيام بآكدهما، وأكثرهما وجوبًا، ويترك الواجب الأدنى .
كمن كان في صلاة مفروضة فداهم العدو بلاده غازيًا، ولو تأخر حتى أنهى صلاته لأعطاه فرصه سانحة للظفر بالمسلمين، فالواجب والحالة هذه أن ينصرف من الصلاة لجهاد العدو، لأن واجب الجهاد في هذه الحالة أقوى من واجب إتمام الصلاة، بالنظر إلى النتائج التي تتحقق بكل منهما .
وكما لو تعارض في حياة أمة واجب التنمية الاقتصادية، وواجب صيانة الدين والخلق والفضيلة، والعلم الضروري لهذه الأصول، فالواجب والحالة هذه أن تحرص الأمة على صيانة هذه الأمور، ولو أفضى ذلك إلى التقصير بتحقيق واجب التنمية الاقتصادية، على أن الله عز وجل سوف ييسر للأمة وسائل هذه التنمية المطلوبة، مكافأة لها على ما ألتزمت به من واجب أجل في شريعته لهم .
وكما لو تعارض في حياة الأمة الإسلامية واجب إعلاء كلمة الله في الأرض، وواجب صيانة أنفسها من القتل أو القرح، وصيانة غيرها من مضار القتال، ولم تجد الوسائل الأخرى لتحقيق الواجب الإلهي الذي هو حق الله على عباده جميعًا، فالواجب والحال هذه أن تعرض أنفسها وغيرها لمضار القتال الذي يرجى تحقيق الغاية الدينية العظمى به، لأن الكفر بالله وسيادة حكم الطاغوت سيودي بالإنسانية إلى ما هو شر من المضار التي قد تحدث بالجهاد المقدس.
ثانيًا : ارتكاب أخف المحرمين لدفع الوقوع بأشدهما، فيؤثر المسلم ارتكاب المحرم الأخف، ليدفع ارتكاب المحرم الأشـد، إذا لم يجد وسيلة أخرى مباحة، يجتنب بها المحرمين معًا.
كما لو هدد إنسان بالقتل المحقق إذا لم يرتكب مثلاً جريمة السرقة، فالواجب والحالة هذه أن يختار أخف المحرمين وهي السرقة، ليدفع عن نفسه القتل الذي يعتبر التمكين منه أشد حرمة، إذ القتل أشد تحريمًا من السرقة .
وكما لو تعرضت حياة إنسان بريء للقتل على يد ظالم، ولم يكن دفع ذلك عنه إلا بارتكاب وسيلة الكذب، فالواجب والحالة هذه دفع أشد المحرمين بأخفهما، وظاهر أن الكذب على الظالم أخف عند الله من تعريض مسلم بريء لظالم يريد قتله أو تعذيبه تعذيبًا شديدًا .
ثالثًا : تحمل أهون الضررين وأخفهما وسيلة لدرء أشدهما، كما لو أصيب عضو من أعضاء الإنسان بمرض لا يستطاع إيقاف سريانه إلى سائر الجسد إلا ببتره، وإلا سرى فقتل صاحبه، فالواجب والحالة هذه بتر العضو العليل حماية لسائر الجسم، ومن البدهي أن فقد العضو الواحد أهون وأخف من فقد الأعضاء كلها .
ولما توقفت سلامة الأمة في أخلاقها ودينها وأمنها على قطع أيدي السارقين، وجلد الزناة أو رجمهم، وإنزال أشد العقوبات بقطاع الطرق، كان ذلك أمرًا حتمًا في أحكام الشريعة الإسلامية، تقضي به ضرورة ارتكاب أخف الضررين وسيلة لدرء أعظمهما .
رابعًا : إذا تساوى الواجبات المتعرضات، أو المحرمان المتعارضان، أو الضرران المتعارضان، فالمسلم بالخيار، له أن يختار أحد المتعارضين ولو كان الذي اختاره أحب إلى نفسه.
وتشتبه أمور، فيختلف فيها الفقهاء المجتهدون، كالإكراه على الزنا .
وتختلف أمور باختلاف الناس، ومنها الإكراه على إعلان الكفر .
فمن كان هو من آحاد الناس، فله أن يقول كلمة الكفر لينجي نفسه من القتل، بشرط أن يكون قلبه مطمئنًا بالإيمان، وله أن يصبر ويقتل شهيدًا، لأن ثباته على إعلان الحق قد ينفع دعوة الإسلام، فيجلب به من صفوف المشركين أو الكافرين عمومًا أناسًا يسلمون بتأثير صموده .
وقادة الدعوة إلى الله، المعروفون بها، ينبغي لهم أن يثبتوا على إعلان الحق، ولو استشهدوا في سبيل الله، وهو بالنسبة إليهم أفضل .
أما الرسل فلا رخصة لهم في أن يقولوا كلمة الكفر، لينجوا أنفسهم من القتل، لأن ذلك ينقض رسالتهم .
ومن كان من آحاد الناس ورأى أن بقاءه حيًا قد يكون أكثر نفعًا للإسلام والمسلمين، وأكثر نكاية بأعداء الله، فإعلانه كلمة الكفر مع طمأنينة قلبه بالإسلام قد يكون هو الأفضل والأحب لله، وربما يكون هو الواجب أحيانًا .
ميزان تحديد قيم المتعارضان :
وميزان الإسلام لتحديد قيم الواجبات والمحرمات، وأنواع الضرر ميزان دقيق جدًا، يعتمد على مبدأين أساسيين :
المبدأ الأولى : فيه تصنيف عام للمنافع واللذات والمصالح الفردية والاجتماعية، والإنسانية، الدينية، والدنيوية، المادية والمعنوية، مع العلم بأن ما يمس منها الجوانب الدينية الكبرى، كالإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، يحتل مركز الصدارة، لأنه يمثل الحق الأول لله على عباده .
المبدأ الثاني : فيه تصنيف عام للمضار والآلام والمفاسد الفردية، والاجتماعية، والإنسانية، الدينية والدنيوية، المادية والمعنوية، مع العلم بأن ما يمس منها الجوانب الدينية الكبرى، كالشرك بالله، أو إنكار وجوده كليًا، يحتل مركز الصدارة، لأنه يمثل العدوان الشنيع على حق الله الأول على عباده .
فما بين النص حكمه من المتعارضات، فقد أبان الشارع قيمها، وما لم يبينه فقد تركه لأهل الاستنباط والاجتهاد، وقد تختلف في بعض ذلك آراء المجتهدين .
هكذا نجد الإسلام على قمة المجد في مراعاة الحق والعدل والفضيلة والخير والواجب، بين الوسائل والغايات .
بينما نجد « الميكافيلية » العامة هاوية إلى حضيض الخسة في مجال السياسة .
ونجد « الميكافيلية » اليهودية الشاملة لكل جوانب السلوك الإنساني هاوية إلى حضيض كل خسة، وكذلك « الميكافيلية » الشيوعية ذات الجذور اليهودية، ويسير في هذا الحضيض كل المجرمين والمفسدين في الأرض .
ويتحقق في الإنسان الأخذ بهذه «المكيافيلية » قول الله عز وجل في سورة (التين):
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ".
( المرجع : كواشف زيوف ، عبدالرحمن الميداني ، ص 379-392).
--------------------------------------------------------------------------------
([1] ) انظر: «تاريخ الفلسفة الغربية » للفيلسوف الإنجليزي الملحد « برتراند رسل » الكتاب الثالث «الفلسفة الحديثة ».
([2] ) أي المحرومة من فضائل الأخلاق .
([3] ) من تلخيصات «براتراند رسل » في كتابه « تاريخ الفلسفة الغربية ».