منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#47963
موضوع: نظريات العلاقات الدولية الثلاثاء 23 فبراير 2010 - 0:29

--------------------------------------------------------------------------------

العلاقات الدولية - تأليف : اكزافييه غيّوم - ترجمة: د.قاسم المقداد.

1. مقدمة:

1 ـ 1 ـ كيف يتحقق السلام؟ مفاهيم النظام العالمي.
تتميز السياسة الدولية لدولة معينة عن سياستها الوطنية من خلال عنصرين. أولاً، العلاقات الدولية تعتبر الحرب "أمراً عادياً" أو بالأحرى هي "أمر شائع" أي أن هناك مشروعية للحرب. وثانياً، انتفاء الشعور بالانتماء إلى جماعة عالمية، أي أن المواطنة العالمية غير موجودة.

كما تتميز السياسة العالمية بالفوضوية ANARCHISME ، بالمعنى الحقيقي للعبارة، أي ليس هناك سلطة فوق أخرى، بينما تتسم السياسة الوطنية بتدرج السلطات. ونضيف أن مواقفنا إزاء أقراننا تختلف تبعاً للمستوى الذي نضع أنفسنا فيه. ولإيضاح هذا الأمر سنشهد بتيوسيديد thucidide من خلال كلمته التأبينية لبيركليس في نهاية السنة الأولى من الحرب ضد البيلوبونيزيين les péloponnésiens،: "ليس في القوانين التي يسير عليها جيراننا ما يحسدهم دستورنا السياسي عليها. فنحن لا نقلد أحداً، لأننا مثال يحتذى. ولأن الدولة عندنا تدار لمصلحة الجماهير وليس لمصلحة أقلية معينة، فقد اتخذ نظامنا السياسي اسم الديمقراطية. أما في ما يتعلق بالنزاعات الخاصة. فإن قوانيننا تكفل المساواة للجميع.. لكن في ما يخص المشاركة في الحياة العامة، فكل فرد ينعم بالتقدير وفق ما يستحق، ولا تهمنا الطبقة التي ينتمي إليها بمقدار ما تهمنا قيمته الشخصية.. وأخيراً إذا عمل الفرد من أجل المدينة فلن تطاله غائلة الفقر ولن ينتابه القلق لغموض شرطه الاجتماعي. الحرية هي القاعدة التي تقوم عليها حكومة الجمهورية. كما تقوم عليها علاقاتنا اليومية، وليس للشبهة مكان بين صفوفنا، نحن لا نغتاظ من جارنا إذا كان يُعمِلُ عقله. ولكي لا نتسبب في خسارة مادية لأحد، فإننا لا نستخدم الإهانات المؤلمة شكلياً والإكراه ليس من صلب علاقاتنا اليومية، وما يمنعنا من تجاوز قوانين الجمهورية، هي تلك الخشية النافعة الكامنة في نفوسنا. إننا نخضع دائماً لقضاتنا ولقوانيننا، لاسيما تلك التي توفر الدفاع عن المضهدين. وهي وإن لم تكن مدونة، فإنها تُلحق بمن يخترقها احتقار الجميعئ.

وينقل إلينا ما قاله الأثينيون للميليين قبل الانتصار عليهم:

إن سنكم اليوم إلى زوال. وما تملكونه من قوة اليوم غير كاف ليؤمن لكم النصر على تلك القوى التي تعد نفسها منذ الآن للوقوف في وجهكم، والويل والثبور لكم إن لم تتخذوا قراراً حكيماً بعد رحيلنا […..] وإذا ما كانت الحكمة رائدكم في تقليب الأمور، فستتجنبون أوخم العواقب، وسترون أنه لا عيب من الاستسلام لدولة قوية تقدم إليكم مقترحات مليئة بالاعتدال، حينما تعرض عليكم أن تكونوا حلفاءها ورافدين لها، وتخلي لكم أرضكم. وبما أن لكم الخيار بين الحرب والأمان، فإنكم لن تختاروا الأسوأ، فالشروط الأساسية التي ينبغي أن تقوم عليها الدولة هي ألا تتنازل لأندادها بل عليها التصرف مع الأقوى منها واللجوء إلى الاعتدال مع الأضعف منها[ii]..

رفض الميلينيون شروط الأثينيين، وهنا يروي لنا تيويسيديد بإيجاز: وما أن قُهر الميلينيون حتى ذبح الأثينيون كل البالغين منهم واسترقّوا النساء والأطفال. وبعدها احتلوا الجزيرة وأرسلوا إليها بعد ذلك خمسمائة مستعمر[iii].

هذه النصوص تفيدنا في استخلاص العبر حول مسألة السلام وهي أنه لتحقيق السلام على الصعيد العالمي لابد للدولة من تجهيز ما نجحت في تجهيزه على الصعيد الوطني. بمعنى آخر، هناك، وفقاً للقوانين، استراتيجيتان لتحقيق السلام على الصعيد العالمي. يمكننا في البداية إقامة مؤسسات تدرجية كما في حال منظمة الأمم المتحدة اليوم وثانياً. إيجاد شعور بالانتماء إلى الهوية الدولية. والقانون الدولي العام يشكل محاولة في هذا الاتجاه.

يمكننا تطوير الفكرة السابقة، أي فكرة وضع آلية لحل الصراع. مستندين إلى مثال تاريخي ملائم. وهو ما جرى بعد الحرب العالمية الأولى ومختلف استراتيجيات النظام العالمي التي وضعت في فرساي أولاً، بعد حرب 1918-1919، تم توقيع اتفاق الهدنة في 11 تشرين الثاني عام 1918 في أعقاب اندحار ألمانيا. وكانت الثورة تلوح في الأفق وروسيا تعيش في خضم حرب أهلية، واستباحة شمال فرنسا الصناعي، وضعف بريطانيا العظمى، وانفراط العقد النمساوي ـ الهنغاري وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كأول قوة عالمية. وهنا تم وضع ثلاث استراتيجيات لمنع تكرار نمط الحرب الذي تحدثنا عنه إلى الأبد وسنتطرق إلى تلك الاستراتيجيات وفقاً لنقاط ثلاث هي

(أ) ـ فهم أو إدراك الوضع،

(ب) ـ المعالجة المطلوبة،

(ج) ـ نقد الاستراتيجية المعتمدة.

ويمكن مماهاة هذه الاستراتيجيات الثلاث بثلاثة أشخاص مختلفين: لويد جورج ممثلاً لاستراتيجية بريطانيا العظمى، وكليمنصو لاستراتيجية فرنسا وويلسون عن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية.

ترى استراتيجية بريطانيا العظمى إقامة نظام على طريقة "مترنيخ" أي إعادة دمج ألمانيا في منظومة الأمم. وهو ما يعبر عن مفهوم توازن القوى العزيز على بريطانيا التجارية منذ القرن التاسع عشر.(أ) الإنكليز يخشون روسيا البلشفية كما يخشون التهديد الذي تمثله بالنسبة لألمانيا الواقعة فريسة صعوبات خطيرة. وهم أفضل من يعرف أهمية العلاقات بين الاقتصاد والسياسة. إن إعادة دمج ألمانيا من شأنه أن يسمح، ليس عودة إقلاع اقتصاد هذا البلد فحسب، بل اقتصاد أوروبا الوسطى أيضاً، كما من شأنه، في الوقت نفسه، أن يقطع العشب من تحت أقدام الإسبارطيين، ويخفف حدة التوتر الذي تعيشه تلك المنطقة. وأخيراً ستستفيد إنكلترا اقتصادياً من عودة إقلاع ألمانيا باعتبارها أحد شركائها الأساسيين من الواضح أن مفهوم تقسيم الطبقات كان يهيمن على التحليل الإنكليزي لأن بريطانيا العظمى كانت تريد المحافظة على الوضع الناشئ عشية الحرب العالمية الأولى. إذاً فنحن بصدد سياسة محافظة ورجعية، ما العمل إذاً؟ (ب) أولاً، يجب تقديم العون الاقتصادي لألمانيا. ثم التصدي للبلشفيين ومحاولة قلب نظام حكم لينين أو خلق مشاكل كافية له. وثالثاً، لابد من إيجاد قوة لألمانيا قادرة على التصدي للاتحاد السوفيتي الناشئ. (ج) حتى لو اعتمدت بريطانيا العظمى، ومعها بشكل ما، الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الاستراتيجية فإنها لم تتحقق بشكل منطقي في معاهدة فرساي لأنها تصورت أنه من الممكن إيجاد رقابة على ما يدور في داخل بلد ما. زد على هذا أن فرنسا كانت ضد هذه الاستراتيجية التي كانت تريد "تجاوز الحرب"، وحتى في بريطانيا نفسها وقف غالبية السياسيين القدامى معارضين لها، وفي الولايات المتحدة كان يخشى من أنه إذا دفع لأعداء الأمس، فإن حلفاء اليوم لن يسددوا ديون الحرب المتفق عليها. ويمكن تعريف هذه الاستراتيجية بأنها واقعية.

ترى الاستراتيجية الفرنسية ضرورة فرض منظومة على الطريقة "القرطاجية" أي تطبيق سياسة قمعية ضد ألمانيا. (أ) لأن الفرنسيين يشعرون بالنقص إزاء الألمان بسبب حرب 1870-1871، وبسبب الحرب العالمية الأولى والأربعين مليون فرنسي الذين لا يوازون الستين مليون ألماني. وهم (أي الفرنسيين) يظنون أن اندلاع حرب جديدة أمر محتوم، وأن الوسيلة الوحيدة لتجنب هذا التوقع المشؤوم هو إزالة المشكلة الألمانية من خلال إبقاء هذا البلد في حالة ضعف كافية (ب)، ولهذا، صادق الفرنسيون، في معاهدة فرساي، على مبدأ أن يفرض على ألمانيا تشكيل جيش رمزي تقريباً وتعويضات حرب فاحشة تسمح بنهوض الاقتصاد الألماني، وجعل شركة "بوش" تسدد العجز المالي الفرنسي البالغ 7/8 من النفقات العامة في عام 1918. (ج)، وقدر الإنكليز، كما الأميركيان أن الفرنسيين كانوا يبالغون، فرأوا، خلافاً لرأيهم، أن الطريق الذي تقودهم إليه هذه الاستراتيجية هو طريق مسدود على المدى الطويل، كما يتضح من استراتيجية هذين البلدين. وعلى هذا فإن الاستراتيجية الفرنسية غير قادرة على حل مشكلات الحرب.

أما الأميركيان، لاسيما الرئيس ويلسون فكانوا يريدون تحقيق أمن جماعي، أي نظام "ويلسون". (أ) يرى ويلسون أن الحرب العالمية الأولى جاءت، بشكل خاص، نتيجة منظومة التحالفات التي كانت قائمة قبل الصراع. وهذه المنظومة تسببت بنشوب صراع محلي أدى إلى الصراع العالمي. والفكرة التي طرحها ويلسون منذ عام 1916، تقول أن لا أحد يستطيع الوقوف على الحياد إذا كان السلام العالمي مهدداً.(ب) وبناء على هذه الفكرة سيقوم ويلسون بإنشاء عصبة الأمم التي ينبغي أن تناقش فيها القضايا العالمية الشاملة والمحلية. وعصبة الأمم، بالأساس، منظومة مناوئة للعدوان. لأن العدوان مخالف للقانون وتجب معاقبته، وينطلق ويلسون من المبدأ القائل أنه إذا اطمأن العالم بأن المعتدي سينال عقابه فلن يكون هناك أي عدوان. والنتيجة المترتبة على هذا المبدأ من الناحية النظرية هي نهاية التحالفات. هذا ماكان يصبو إليه ويلسون. لكن هذه المنظومة دوغمائية. إذا اعتبرنا أن هذا المبدأ هو دائماً صحيح فضلاً عن هذا، فإن هذه المنظومة تبقي عصبة الأمم في الحالة التي وجدت فيها عند إنشائها. وبالتالي فهي استراتيجية محافظة، لكنها ليست رجعية كما هي استراتيجية توازن القوى البريطانية. (ج). النقد النظري الذي يمكن أن نوجهه لهذه الاستراتيجية هو نقد نظرية العمل الجماعي والمنافع العامة. وتبين هذه النظرية سبب عدم فاعلية العمل الجماعي لأن المشاركين لا يفكرون إلا بمصلحتهم الخاصة. وبما أن المنفعة العامة هي عامة بالتعريف، فلابد من التساؤل عن كلفتها، أو بشكل أدق، عمن سيدفع تكلفة هذه المنفعة العامة.

يمكن تطبيق مبدأ عصبة الأمم لو أن كل الدول تقول بأن الدول الأخرى كلها سترد على أي عدوان عليها، أي لو كانت الدول كلها تملك شعوراً بالأمن إزاء عدوان ممكن. وهنا قد تطرح دولةٌ سؤالاً: إذا اعتدي على دولة أخرى فهل عليها التدخل عسكرياً لدعمها ضد الدولة المعتدية؟ وإذا اتفقت الدول على الاستفادة بشكل شخصي من الأمن العام، فإنها لن تستفيد من ذلك حينما يتعلق الأمر بتسديد تكلفة هذا الأمن حتى لو كانت مدركة بأنها ستكون كلها مستفيدة من هذا التسديد. لكن، كما رأينا، كل يفكر بمصلحته الخاصة. لنقف قليلاً عند نظرية العمل الجماعي والمنافع العامة التي طرحها كل من بول أ. صامويلسون ومانكور أولسن ـ Paul A Samuelson – Mancur Olsen ..

إنهما يطرحان السؤال: كيف يمكن التوصل، ضمن الشروط المشار إليها أعلاه، إلى تحقيق منفعة عامة حينما لا يكون لأحد مصلحة بالاشتراك فيها؟ هناك ثلاثة أجوبة. أولاً، القوة كما تبينه فكرة العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو القائلة بأن على الجميع أن يخضعوا لدولة ما لأن الجميع سيستفيدون منها. وتتضح هذه الفكرة على الصعيد العالمي من خلال القوى الكبرى، ومن خلال قوة مهيمنة كالولايات المتحدة الأميركية التي تمكنت من فرض إقامة عصبة الأمم. كما نضرب مثلي السلام السوفيتي Pax sovietica (والسلام الأميركي) وتزايد الصراعات في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق منذ زواله. والحالة الثانية هي الحالة التي تكون المنافع المكتسبة ذات قياس مشترك Commensurables أي أنها أكبر من التكلفة التي ينبغي على كل واحد دفعها. وهذا ما يتضح من خلال عمل المجموعات. وثالثاً، إيجاد منافع خاصة تعطي لمن يساهم في المنافع العامة فقط ، ويمكننا أن نضرب مثال الروابط Associations كرابطة Tcs.

وقد ترتب على مواجهة هذه الاستراتيجيات المختلفة بعضها ببعض، وعلى هذه الرؤى الأساسية نتائج عرجاء. ففي معاهدة فرساي عناصر تنتمي إلى كل واحدة من هذه الاستراتيجيات، وهذا يعني غياب الإرادة العامة. لذا شعرت ألمانيا بأنها مهانة فكرهت هذه المعاهدة المفروضة D dictàt؛ أما فرنسا، وقد ضعفت فقد انقسمت في العمق إلى يسار ويمين؛ وبريطانيا العظمى لم تعد القوة المهيمنة في أوروبا، والاتحاد السوفيتي انشغل بقضاياه الداخلية والولايات المتحدة اتجهت نحو الانعزالية لأنها لم تعد راغبة في الدخول إلى الوكر الأوربي.

ترى ما أهمية هذه الملاحظات في الوقت الحالي؟ وبمَ يمكن أن نستفيد منها؟ أولاً من الناحية التاريخية لم ينجح المنتصرون في الاتفاق على مسألة معرفة ما إذا كان من الواجب تدمير أو عدم تدمير الاتحاد السوفييتي. وهذا الأمر غير واضح في معاهدة فرساي، لكن هذه الفكرة ظلت بلا قيمة أو أن قيمتها لم تكن أهم من الرقعة التي دونت عليها المعاهدة. من جانب آخر لم يتم الاعتراف بالاتحاد السوفييتي من قبل بريطانيا إلا في عام 1924، ولم تعترف الولايات المتحدة به إلا في عام 1933.. ويقول بعض المؤرخين أن أسباب الحرب الباردة كانت كامنة في حرب 1918-1919 وفي نصوص المعاهدة التي خضع لها الاتحاد السوفيتي.. ومن الناحية النظرية، لا نرى ولادة الصراع الأيديولوجي بين الليبرالية الاقتصادية التي تمثلها الوليات المتحدة والشيوعية التي يمثلها الاتحاد السوفيتي[iv]. وثانياً. نشهد نهاية الامبراطوريات وكذلك الفكرة الاستعمارية في أوربا. وبداية تسلم الشعوب مقاليد أمورها بنفسها من خلال مبدأ حق تقرير المصير. ونلاحظ ثالثاً، وجود حالة متعددة القطبية مع وجود قطب مهيمن هو الولايات المتحدة الأميركية، التي بقيت قوية على الرغم من نزعتها الانعزالية. وأخيراً نشهد بداية بروز مفهوم الأمن الجماعي من خلال عصبة الأمم التي شكلت الخطوة الأولى نحو عالميتها المتمثلة بهيئة الأمم المتحدة. والحقيقة أننا نلاحظ أن الوضع العالمي منذ العشرينات كثيراً ما يشبه وضعنا الحالي.