منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#50346
أثار مقتل زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن" جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية بين مؤيد ومعارض أو متعاطف، بالإضافة إلي العديد من التساؤلات الخاصة بتوقيت مقتله الذي جاء متزامنا مع انطلاق مسلسل الثورات العربية، التي صورها البعض بأنها من الممكن أن تكونضربة استراتيجية لتنظيم القاعدة وتكتيكاته.

حاول مؤتمر المركز الدولي للدراسات المستقبلية الذي انعقد في القاهرة في يونيو 2011 استشراف المستقبل في ظل الثورات التي تجتاح الدول العربية، رافعة شعارات مناهضة لتكتيكات القاعدة، والصمت الذي يلتزمه -حتي الآن- قيادات التنظيم وعدم إعلانهم عن اسم القائد الجديد، مما يصعب من توقع مستقبل القاعدة بعد رحيل "بن لادن"، من خلال ثلاثة محاور رئيسية.

مستقبل التنظيم بعد "بن لادن" :

اعتقد بعض المتحدثين أن تنظيم القاعدة كان علي استعداد لمثل هذه اللحظة -مقتل زعيم التنظيم "أسامة بن لادن"- خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 1002. كما اتفقوا علي أن تنظيم القاعدة بشكل خاص والتنظيمات الإرهابية بشكل عام لن تتأثر بمقتل "بن لادن"، فهو مجرد رمز لتنظيم قائم علي فكر لن ينتهي بموت شخص، في الوقت الذي رأي فيه آخرون أن مقتل "بن لادن" يضعف التنظيم لفترة ليست بالطويلة، مع بعض الاحتمالات لتفككه بعد رحيل "بن لادن"، لكونه الممول الرئيسي للتنظيم، وأن مصادر التمويل مجهولة في الوقت الحالي.

وخلص المتحدثون إلي أن التنظيم ليس تنظيما حركيا مغلقا علي نفسه، بل أضحي مدرسة لتكوين الكوادر وإعادة توزيع أفرادها في الخارج. وعن مستقبل التنظيم بالتنظيمات الفرعية التي كانت منضوية تحت لوائه (فكريا أو تنظيميا)، أشار المؤتمر لثلاثة سيناريوهات لمستقبل تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا بعد مقتل "بن لادن"، هي:

السيناريو الأول: أن يبدأ التنظيم في تجنيد مقاتلين من شمال إفريقيا، مستغلا مسلسل الثورات العربية، حيث أصبح عدد كبير من شباب المغرب الإسلامي علي استعداد للخروج المسلح، خاصة بعد فتاوي بعض العلماء بشرعية الخروج علي الحكام الفاسدين، وبدعوي تحرير فلسطين.

السيناريو الثاني: احتمالات استفادة زعماء التنظيم من الأحداث الجارية في المنطقة العربية، فيخشي المراقبون من استغلال قادة التنظيم ذلك، وعدوي انتشاره في المنطقة العربية في الوقت الذي تفتقد فيه استراتيجيات مكافحة الإرهاب.

السيناريو الثالث: فكرة العزلة التي يمكن أن تكون بداية النهاية لتنظيم أضر بالإسلام أكثر مما نفعه، فالتنظيم لم يجاهد في فلسطين ضد إسرائيل. وهذا سؤال دائما ما طرح نفسه.

القاعدة والثورات العربية:

أما بالنسبة لمستقبل تنظيم القاعدة في ضوء الثورات العربية، فقد تعددت وجهات النظر بين من رأي أن نجاح الشعوب العربية في تغيير أنظمتها السلطوية، من خلال ثورات سلمية في مصر وتونس، سيؤكد أن العصر للشعوب، مما يجعلنا نتوقع تراجع القاعدة نتيجة الثورات السلمية التيأكدت أنها أكثر فاعلية لإحداث التغيير والإصلاح من استخدام العنف والسلاح.

ورأي البعض أن العودة القوية للتنظيمات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية بشكل علني، وعلي رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" و"الجماعة الإسلامية"، وما أفرزته وما ستفرزه من أحزاب سياسية مختلفة، سيضيق الحركة علي تحركات التنظيم في مصر. ولكن هناك مخاوف علي دول عربية أخري لم تشهد تطورا سياسيا سريعا، كما يحدث في مصر، مما يجعلها ساحة مفتوحة أمام تنظيم القاعدة.

وذهب آخرون إلي أن فكر القاعدة سيظل موجودا، مادامت مبرراته باقية، وبالأخص بقاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، مع استمرار تدخل الدول الغربية، وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في الشئون العربية الإسلامية، واستمرار تقديم مصالحها علي مصالح الدول العربية والإسلامية. فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية في المنطقة، والتي بني عليها مفهوم الجهاد لدي التنظيمات الجهادية المختلفة، ولكن الممارسات الفعلية للتنظيم لم تكن لها أي علاقة بتلك القضية، مما يدل علي انفصام مفهوم الجهاد لدي تنظيم القاعدة عن ممارسته.

وعن احتمالات إحياء الخلايا النائمة ومخاطرها، رأي المتحدثون أن نجاح الثورات العربية السلمية في بعض البلدان، مثل تونس ومصر، أثبت فشل المشروع الجهادي الذي تتبناه القاعدة والذي تريد تصديره، وبالتالي فإن احتمالات إحياء الخلايا النائمة هو احتمال ضعيف جدا، لأن هذه الخلايا تستمد قوتها من القاعدة الأم، فتضعف بضعفها.

التصدي لعودة تنظيم القاعدة:

بناء علي ما سبق، أجمع الحاضرون علي أهمية الدور الدعوي والمجتمعي والأمني والإعلامي في التصدي للفكر الإرهابي بشكل عام، من خلال توسيع دائرة المواجهة من منظور قومي تشارك في صياغته أجهزة الدولة ومؤسساتها كافة، وحتمية المشاركة الجماهيرية في مواجهة الإرهاب، بالإضافة إلي ضرورة نشر التعليم والثقافة، والتربية علي المبادئ الصحيحة والدين الوسطي المعتدل، بجانب محاربة الفقر والبطالة للتقليل من فرص اندماج الشباب في التنظيمات الجهادية. كما يجب وضع رقابة علي الوسائل الإعلامية لمنع المتطرفين من استغلالها.

وأكد البعض أهمية تطوير قواعد البيانات والمعلومات وتوظيفها في إطار علمي مخطط للتوقع والتنبؤ بجرائم الإرهاب، بجانب ضرورة تطوير التدريب الأمني، وفق أحدث النظم، والاعتماد علي علوم إدارة الأزمات في عمليات المواجهة، وتكثيف عمليات ملاحقة عناصر الإرهاب للسيطرة علي المنافذ كافة، وتوفير أحدث الأجهزة العلمية للكشف عن الأسلحة والمتفجرات.

وأشار آخرون إلي وجوب تصنيف المتهمين والمحكوم عليهم في جرائم الإرهاب، لمنع قيامهم بعمليات تجنيد أو استقطاب لأشخاص بالسجون، أو التخطيط لارتكاب جرائم إرهاب، أو ما يشابهها.