منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By محمد الدويخ O-8
#51054
استرعى انتباهي الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام حول معرض المصور اللبناني روجر مكرزل لصور المحجبات في العاصمة الإماراتية أبو ظبي تحت إشراف رسمي لمسئوليها . ومما جاء في فقرات الخبر أن هذا المعرض أعطى معاني جديدة لمفهوم الحجاب؛ وأنه عبر عن عمق وجوهر وحدة الوجود والثقافة الإنسانية. هذا الطرح هو الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع خصوصا وأن موضوع الحجاب لا زال قضية مطروحة للنقاش داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها ؛ والخلاف حول طبيعته الدينية والثقافية لا زال محتدما.
والحجاب من القضايا التي يواجه بها الإسلام إلى جانب قضايا أخرى تمثل خصوصيات هذا الدين المناقضة للبدائل الأخرى التي تمثلها مختلف الثقافات.
ويمكن التمييز من البداية بين رأيين متباينين حول موضوع الحجاب الأول يرى فيه عادة بشرية منذ وجود البشر على سطح هذا الكوكب؛ والثاني يرى فيه طاعة دينية اختص بها الإسلام. والخلاف محتدم أيضا حول إلزامية الحجاب واختياريته بالنسبة للمرأة المسلمة .
لا شك أن الإنسان خلق بلباسه أول مرة حسب النظرة الإسلامية حيث جاء في القرآن الكريم { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون }. هذا النص القرآني يعتبر حاسما في قضية اللباس كطاعة تعبد بها الله خلقه لا كثقافة. فالأصل أن اللباس أنزل على الإنسان الذي خلق عاريا وبسوءة؛ وكانت وظيفة هذا اللباس هي مواراة السوءة صيانة لكرامة هذا الإنسان الذي قال فيه الله عز وجل: { ولقد كرمنا بني آدم }. وتضمن النص القرآني أيضا تحذيرا من الشيطان وقبيله والذي يستهدف الكرامة الإنسانية من زاوية الكشف عن السوءة ؛ لهذا كان موقف الشيطان وقبيله من اللباس الساتر للسوءة البشرية معلوما ؛ وكان العري والسفور هو البديل الشيطاني للباس. والتحذير الإلهي تضمن الإشارة إلى خفاء الكيد الشيطاني من خلال عبارة :{ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} فالذي يرى ولا يرى قد نراه ناصحا وهو في الحقيقة خصيم مخادع. وقد جعل هذا النص القرآني أيضا اللباس الساتر ذا علاقة بالطاعة من خلال عبارة: { ولباس التقوى ذاك خير } بمعنى أن اللباس الذي يلبس بنية الطاعة خير من كونه مجرد لباس تفرضه الثقافة. وقد جعل هذا النص القرآني اللباس بهذا المعنى الديني آية من آيات الله عز وجل لمن يتفكر. فستر العورة دليل على موقف واضح من الفاحشة؛ وهو موقف ينم عن تدين؛ وحرص الدين على إقصاء الفاحشة من حياة الإنسان تكريم له؛ والكشف عن هذه العورة امتهان للإنسان الذي له عقل يفكر به ولا يعطله بفعل سيطرة الغريزة. واستغفال الشيطان وقبيله للإنسان يكون من خلال تعطيل العقل بسبب جنوح الغريزة في لحظات من حياة الإنسان. وقد أشار النص بعد ذلك إلى قضية الفاحشة ذات العلاقة بنزع اللباس ؛ ونبه أن الشيطان وقبيله يقدمون عملية خلع اللباس على أنها طبيعة إنسانية وثقافة { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها } فمن ضمن ما تعنيه الفاحشة والكلمة تدل لغويا على الشيء الزائد عن الحد خلع اللباس للكشف عما يسوء؛ فالقضية حسب الطرح الشيطاني عادة متوارثة من خلال عبارة { وجدنا عليها آباءنا } وطبيعة وفطرة من خلال عبارة { والله أمرنا بها } . وقد سفه الله الطرح الشيطاني وطرح قبيله بتكذيب فطرية الفاحشة ؛ لأنه سبحانه يرى الشيطان وقبيله من حيث لا يرونه لأنه جلت قدرته { يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار }.
لقد تابعت عدسة المصور اللبناني بغض الطرف عن عقيدته اللباس كقماش يحيط بالجسد الأنثوي ؛ وحاول أن يعطيه نفس الدلالة بالنسبة لكل الناس دون مراعاة الخلفيات العقدية وهي مختلفة بالضرورة كما يصورها القرآن الكريم : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} والاختلاف الحاصل بينهم هو في حدود ما هو طاعة وما هو غير طاعة ؛ حيث يختلفون حول القضية الواحدة ؛ فتكون طاعة عند هؤلاء وثقافة عند هؤلاء كما هو شأن الحجاب.
إن الحجاب قد أخذ دلالته منذ أن أنزل الله تعالى اللباس على بني آدم ولن تكون له دلالة جديدة بسبب عدسة المصور اللبناني أو غيره ؛ وإنما القضية تتعلق بفكرة نزع القداسة عن الحجاب الإسلامي لإخراجه من دائرة الدين إلى دائرة الثقافة لتسهل مهاجمته بعد ذلك مقابل ثقافة العري والسفور التي تمتهن الكرامة الإنسانية في الأنثى التي يستغل جسدها أبشع استغلال حيث لا تروج بضاعة أو سلعة سينمائية أوغذائية أو غيرها إلا عبر جسد الأنثى لأن الشيطان وقبيله يروم استغفال الناس واستغلالهم في لحظات تعطيل العقول وطغيان الغرائز لفائدة ثقافة العري والتبرج بالزينة تبرج الجاهلية الأولى والآخرة.
لقد تولى الله تعالى تحديد اللباس للخلق خصوصا الأنثى فوصفه وصفا محددا دقيقا في قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهم من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين }فالإدناء كيف معلوم وهو إرخاء وإسدال ؛ وهو عكس الحسر أي الكشف ؛ ولا يرخى ولا يسدل من اللباس إلا ما كان فيه طول ؛ والإدناء وهو كيف هو الذي حدد نوع اللباس وهو الجلباب. وقد يختلف الناس في توصيف الجلباب حسب عصورهم وبلدانهم أو ثقافاتهم فيكون جلباب عند البعض قميصا ؛ أو ثوبا ؛ أو خمارا دون الرداء أو دون الملحفة ؛ أو ملحفة أورداءا أو إزارا أو ملاءة..... أوما شاء الله من التباين في التوصيف ولكنه سيكون عند الجميع ثوابا قابلا للإسدال والإرخاء ؛ ولن يكون أبدا ثوابا للحسر والكشف . وتدخل الله عز وجل لتوصيف لباس نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته وكافة نساء المؤمنين دليل على الصبغة التعبدية لهذا اللباس عوض الصبغة الثقافية التي رامتها عدسة مصورنا اللبناني لتعطي للحجاب مفهوما جديدا. فقد يكون الإسدال والإدناء واحد والقصد متعدد ؛ فالقصد من الإدناء والإسدال التعبدي هو الستر لكف الأذى اللاحق بكرامة الأنثى المكرمة جبلة وطبيعة ؛ والقصد من الإسدال والإدناء الثقافي قد يكون عكس المراد التعبدي وهو الكشف والحسر عن الزينة من خلال لعبة اللباس المسدل ؛ ولهذا تدخل الفقه الإسلامي للفصل بين ما هو شرعي وما هو ثقافي في لباس الأنثى حيث لا يزجي الإسدال والإدناء في تحقيق المراد إذا كان مصحوبا بتجسيم وشفافية وتلوين وتزويق ؛ بل وحتى إذا صاحبته الحركة التي تسد مسد الحسر والتجسيم لقوله تعالى : {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن }وغير خاف أن الضرب بالرجل يحرك باقي أعضاء الجسد مما يؤدي على إذاية تسمى في عصرنا بالتحرش ؛حتى لا يقال إن القصد هو رنين الحلي خلف اللباس المسدل فقط.
وأخيرا أقول ما أظن عدسة المصور اللبناني روجر مكرزل قد وقعت إلا على المثير في جسد الأنثى المحجبة لأن قصده ثقافي وهو مخالف للقصد التعبدي ؛ إذ لو كان قصده وقصد من احتفل به تعبديا لتنكبوا تصوير الأنثى المحجبة فذلك أدنى أن تعرف فلا تؤذى كما أراد خالقها سبحانه ؛ وما أظن إلا الشيطان وقبيله قد رأى المصور اللبناني وقبيله من حيث لم يرونه فزين لهم عملهم فرأوه حسنا وقد بر بقسمه في الملأ الأعلى كما قال رب العزة : { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين } {قال أرآيت هذا الذي كرمت علي لأحتنكن ذريته إلا قليلا } {وأن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا }. وأي غرور أكبر من البحث عن معان جديدة لمفهوم حجاب جعله الله عبادة وأراده الشيطان ثقافة.