- الأربعاء مايو 09, 2012 2:25 am
#51211
جونا جولدبيرج
بما أن الرئيس باراك أوباما يواجه ظروفاً عصيبة، فدعوني إذن أهنئه - وإن كانت تهنئة متأخرة - على سياسته الناجحة في تغيير النظام في ليبيا.
في بداية الأزمة كنت أفضل أن يكون التدخل الأميركي أكثر قوة وحسماً، وذلك عندما بدا أوباما كما لو كان متردداً، ثم انتقدت بعد ذلك، الطريقة التي ألزم بها الولايات المتحدة بها في نهاية الأمر، بما عرف بـاستراتيجية"القيادة من الخلف"، بيد أنه يتعين عليَّ القول الآن إنه مهما حدث من تطورات بعد ذلك فإنه لن يؤثر على حقيقة أن الرئيس قد نجح في الإطاحة بواحد من المخلوقات التي تحظى بأكبر قدر من الكراهية في الساحة الدولية.
وأوباما لم يحقق ذلك وحده فـ"الناتو" ومقاومو المعارضة الليبية يستحقون نصيب الأسد من الشكر والثناء على هذا الإنجاز. ولكن ما لا شك فيه أن أوباما لو كان "جمهورياً" لكان قد حظي بقدر أكبر بكثير من الثناء من جانب اليمين بسبب اتباعه لاستراتيجية تتسم بأنها منخفضة التكلفة، ومنخفضة نسبة الخطر، وخاضعة لقيادة "الناتو"، أسفرت عن تغيير نظام تأخر تغييره طويلاً في ليبيا.(ولو كان أوباما جمهورياً لكان قد تعرض لنقد شديد من جانب اليسار لإقدامه على الدخول في حرب أخرى من حروب المحافظين الجدد من أجل النفط).
ولاشك أيضاً أن أوباما يستحق التهنئة على التخلص من بن لادن وعلى نجاحه في قتل عدد من زعماء القاعدة البارزين.
على الرغم من كل ذلك فلا يزال هناك شيء غريب يصبغ سياسة أوباما الخارجية، وهو أنه لا يبدو أن هناك سياسة خارجية أساساً. فبالنسبة لليبيا على سبيل المثال أدلى "بن رودس"، مدير الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي بحديث لـ"نيويورك تايمز" قال فيه: لقد قاومنا فكرة العقيدة، لأننا لا نعتقد أن أحداً يمكن أن يفرض نموذجاً (للعقيدة السياسية) على دول تختلف عنه جد الاختلاف. ذلك لأن مثل هذا الشيء يمكن أن يوقع من يفكر في ذلك في متاعب كما يمكن أن يقوده إلى التدخل في أماكن لا يرغب في التدخل فيها".
ما يقوله "رودس" يبدو مبالغاً فيه، بل يمكنني أن أذهب لما هو أبعد من ذلك فأقول إنه غريب، ولا يلزم في حد ذاته أي أحد بعمل أي شيء. فبعض العقائد "الانعزالية" على سبيل المثال، يمكن أن تقود دولة ما لعدم التدخل في أماكن كان يجب عليها التدخل فيها.
والشاهد أن موقف "رودس"، المضاد لاستخدام العقائد في مجال السياسة الخارجية يعكس نوعاً من المفارقة بشأن رئاسة أوباما. فبعد حلف أوباما لليمين بفترة قصيرة، وإصدار أمره التنفيذي الأول بإيقاف أساليب الاستجواب الجبري، ثم إدلائه بذلك القسم(الذي لم يلتزم به)، بإغلاق سجن خليج جوانتانامو، سرعان ما تبلورت الأقوال الشائعة في واشنطن حول رأي مؤداه أن أوباما لا يأبه كثيراً بالسياسة الخارجية، أو أنه على أقل تقدير، يفضل إبقاءها بعيداً عن العناوين الرئيسية للإعلام أثناء تركيزه على أجندته"التحويلية" داخل الوطن.
وفي هذا الإطار ألزمت الإدارة نفسها بالتخفيف من أهمية الحرب على الإرهاب (علينا هنا أن نتذكر الجهد الذي بذل لإعادة تسمية نمط هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية بـ" كوارث من صنع البشر").
وعندما طبق أوباما استراتيجية زيادة عديد القوات في أفغانستان فإن تلك الاستراتيجية أرضت "الصقور" بالكاد في نفس الوقت الذي لم يقنع خطابه عن الانسحاب الحمائم. في حلقة قادمة من برنامج
Frontline الشهير على شبكة" بي. بي. إس" يقول"جون ريزو" المحامي السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي. آي. إيه":"باستثناء إنهاء برنامج الاستجواب القسري فإن أوباما يكاد لم يغير شيئاً من برامج وعمليات سي.آي.إيه القائمة".
وفي الحقيقة أن الشيء الذي أحزن العديد من "اليساريين" هو أن أوباما قد ساهم في تعزيز تلك البرامج من خلال جعلها برامج ثنائية الحزبية وغير قابلة للجدل.
بل يمكن القول إن قرار أوباما الجريء بالاستمرار في عمليات القتل المستهدف والعمل على تعزيزها كان ينطوي على مسحة مترددة. فإنت عندما تمحو الإرهابيين عن طريق استهدافهم بالقتل عن طريق الطائرات التي تطير بدون طيار، فإنك تتخلص في الوقت نفسه من ذلك الجانب السياسي المربك المتعلق بكيفية القبض على هؤلاء الإرهابيين وحبسهم والتحقيق معهم ثم الحكم عليهم وإدانتهم.
سياسة أوباما تجاه ليبيا، قد لا ترقى لمستوى العقيدة، ولكنها تؤسس مع ذلك مبدأين. ففي مارس الماضي قال أوباما في معرض شرحه للموضوع إننا يجب أن نتدخل عندما يكون هناك خطر وقوع مذابح أو إبادة، ولكننا وهذا هو المبدأ الثاني، لا نستطيع أن نقوم ذلك بمفردنا أبدا إلا إذا كان الشعب الأميركي نفسه معرضاً للخطر.
لو تناولنا ما قاله أوباما – حسب مدلولاته الظاهرية- فإنني أقول إنه كريه بمعنى الكلمة ذلك أن الولايات المتحدة يجب ألا تتحول في أي وقت من الأوقات كي تصبح "شرطي العالم" هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يجب علينا ألا نقول إنها مسألة مبدأ بالنسبة لنا ألا نقوم بإيقاف مذبحة جماعية عندما يكون وأينما يكون في قدرتنا ذلك فقط لأنه ليس هناك أحد سينضم إلينا في ذلك.
مع ذلك، لا يجب على أي أحد أن يدهش من حرص هذه السياسة لأنها في حقيقة أمرها تشتري الشجاعة بثمن بخس من خلال قول إننا يجب أن نفعل شيئا ثم نعفي أنفسنا من الالتزام بعمل أي شيء إذا ما كنا وحدنا في ذلك.
من منظور أكثر اتساعاً نقول أيضاً إنه من اللافت للنظر إن أوباما قد أبقى السياسة الخارجية على الموقد الخلفي، ومع ذلك نجح في حصد النجاحات. في نفس الوقت ومن خلال تركيز كافة مواهبه على الشؤون الداخلية، خلق مأزقاً كبيراً لنفسه. ربما قد حان الوقت لدكانه في السياسة الداخلية أن يتلقى بعض الدروس.
سياسة أوباما الخارجية
جونا جولدبيرج
بما أن الرئيس باراك أوباما يواجه ظروفاً عصيبة، فدعوني إذن أهنئه - وإن كانت تهنئة متأخرة - على سياسته الناجحة في تغيير النظام في ليبيا.
في بداية الأزمة كنت أفضل أن يكون التدخل الأميركي أكثر قوة وحسماً، وذلك عندما بدا أوباما كما لو كان متردداً، ثم انتقدت بعد ذلك، الطريقة التي ألزم بها الولايات المتحدة بها في نهاية الأمر، بما عرف بـاستراتيجية"القيادة من الخلف"، بيد أنه يتعين عليَّ القول الآن إنه مهما حدث من تطورات بعد ذلك فإنه لن يؤثر على حقيقة أن الرئيس قد نجح في الإطاحة بواحد من المخلوقات التي تحظى بأكبر قدر من الكراهية في الساحة الدولية.
وأوباما لم يحقق ذلك وحده فـ"الناتو" ومقاومو المعارضة الليبية يستحقون نصيب الأسد من الشكر والثناء على هذا الإنجاز. ولكن ما لا شك فيه أن أوباما لو كان "جمهورياً" لكان قد حظي بقدر أكبر بكثير من الثناء من جانب اليمين بسبب اتباعه لاستراتيجية تتسم بأنها منخفضة التكلفة، ومنخفضة نسبة الخطر، وخاضعة لقيادة "الناتو"، أسفرت عن تغيير نظام تأخر تغييره طويلاً في ليبيا.(ولو كان أوباما جمهورياً لكان قد تعرض لنقد شديد من جانب اليسار لإقدامه على الدخول في حرب أخرى من حروب المحافظين الجدد من أجل النفط).
ولاشك أيضاً أن أوباما يستحق التهنئة على التخلص من بن لادن وعلى نجاحه في قتل عدد من زعماء القاعدة البارزين.
على الرغم من كل ذلك فلا يزال هناك شيء غريب يصبغ سياسة أوباما الخارجية، وهو أنه لا يبدو أن هناك سياسة خارجية أساساً. فبالنسبة لليبيا على سبيل المثال أدلى "بن رودس"، مدير الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي بحديث لـ"نيويورك تايمز" قال فيه: لقد قاومنا فكرة العقيدة، لأننا لا نعتقد أن أحداً يمكن أن يفرض نموذجاً (للعقيدة السياسية) على دول تختلف عنه جد الاختلاف. ذلك لأن مثل هذا الشيء يمكن أن يوقع من يفكر في ذلك في متاعب كما يمكن أن يقوده إلى التدخل في أماكن لا يرغب في التدخل فيها".
ما يقوله "رودس" يبدو مبالغاً فيه، بل يمكنني أن أذهب لما هو أبعد من ذلك فأقول إنه غريب، ولا يلزم في حد ذاته أي أحد بعمل أي شيء. فبعض العقائد "الانعزالية" على سبيل المثال، يمكن أن تقود دولة ما لعدم التدخل في أماكن كان يجب عليها التدخل فيها.
والشاهد أن موقف "رودس"، المضاد لاستخدام العقائد في مجال السياسة الخارجية يعكس نوعاً من المفارقة بشأن رئاسة أوباما. فبعد حلف أوباما لليمين بفترة قصيرة، وإصدار أمره التنفيذي الأول بإيقاف أساليب الاستجواب الجبري، ثم إدلائه بذلك القسم(الذي لم يلتزم به)، بإغلاق سجن خليج جوانتانامو، سرعان ما تبلورت الأقوال الشائعة في واشنطن حول رأي مؤداه أن أوباما لا يأبه كثيراً بالسياسة الخارجية، أو أنه على أقل تقدير، يفضل إبقاءها بعيداً عن العناوين الرئيسية للإعلام أثناء تركيزه على أجندته"التحويلية" داخل الوطن.
وفي هذا الإطار ألزمت الإدارة نفسها بالتخفيف من أهمية الحرب على الإرهاب (علينا هنا أن نتذكر الجهد الذي بذل لإعادة تسمية نمط هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية بـ" كوارث من صنع البشر").
وعندما طبق أوباما استراتيجية زيادة عديد القوات في أفغانستان فإن تلك الاستراتيجية أرضت "الصقور" بالكاد في نفس الوقت الذي لم يقنع خطابه عن الانسحاب الحمائم. في حلقة قادمة من برنامج
Frontline الشهير على شبكة" بي. بي. إس" يقول"جون ريزو" المحامي السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي. آي. إيه":"باستثناء إنهاء برنامج الاستجواب القسري فإن أوباما يكاد لم يغير شيئاً من برامج وعمليات سي.آي.إيه القائمة".
وفي الحقيقة أن الشيء الذي أحزن العديد من "اليساريين" هو أن أوباما قد ساهم في تعزيز تلك البرامج من خلال جعلها برامج ثنائية الحزبية وغير قابلة للجدل.
بل يمكن القول إن قرار أوباما الجريء بالاستمرار في عمليات القتل المستهدف والعمل على تعزيزها كان ينطوي على مسحة مترددة. فإنت عندما تمحو الإرهابيين عن طريق استهدافهم بالقتل عن طريق الطائرات التي تطير بدون طيار، فإنك تتخلص في الوقت نفسه من ذلك الجانب السياسي المربك المتعلق بكيفية القبض على هؤلاء الإرهابيين وحبسهم والتحقيق معهم ثم الحكم عليهم وإدانتهم.
سياسة أوباما تجاه ليبيا، قد لا ترقى لمستوى العقيدة، ولكنها تؤسس مع ذلك مبدأين. ففي مارس الماضي قال أوباما في معرض شرحه للموضوع إننا يجب أن نتدخل عندما يكون هناك خطر وقوع مذابح أو إبادة، ولكننا وهذا هو المبدأ الثاني، لا نستطيع أن نقوم ذلك بمفردنا أبدا إلا إذا كان الشعب الأميركي نفسه معرضاً للخطر.
لو تناولنا ما قاله أوباما – حسب مدلولاته الظاهرية- فإنني أقول إنه كريه بمعنى الكلمة ذلك أن الولايات المتحدة يجب ألا تتحول في أي وقت من الأوقات كي تصبح "شرطي العالم" هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يجب علينا ألا نقول إنها مسألة مبدأ بالنسبة لنا ألا نقوم بإيقاف مذبحة جماعية عندما يكون وأينما يكون في قدرتنا ذلك فقط لأنه ليس هناك أحد سينضم إلينا في ذلك.
مع ذلك، لا يجب على أي أحد أن يدهش من حرص هذه السياسة لأنها في حقيقة أمرها تشتري الشجاعة بثمن بخس من خلال قول إننا يجب أن نفعل شيئا ثم نعفي أنفسنا من الالتزام بعمل أي شيء إذا ما كنا وحدنا في ذلك.
من منظور أكثر اتساعاً نقول أيضاً إنه من اللافت للنظر إن أوباما قد أبقى السياسة الخارجية على الموقد الخلفي، ومع ذلك نجح في حصد النجاحات. في نفس الوقت ومن خلال تركيز كافة مواهبه على الشؤون الداخلية، خلق مأزقاً كبيراً لنفسه. ربما قد حان الوقت لدكانه في السياسة الداخلية أن يتلقى بعض الدروس.