- الأحد مايو 13, 2012 5:03 pm
#51507
كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن ضرورة فصل السياسة عن الدين ، ويقولون إن ( الدين طاهر والسياسة قذرة فلا تلوثوه بإدخال السياسة فيه ) وهذه بكل تأكيد كلمة حق أريد بها الباطل ، فالحق أن محاولة الخلط بين الإسلام والديانات الأخرى هي محاولة خبيثة بدأها كفار قريش عندما قالوا للمصطفى - صلى الله عليه وسلم – تعبد آلهتنا يومًا ونعبد إلهك يومًا ، ووضعت الأحاديث المكذوبة من أعداء الدين لإثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بهذه الدعوة الشيطانية والشراكة الكفرية ، وحديث الغرانيق المكذوب والموضوع يجسد هذه الفرية الشياطنية العَلمانية ( بفتح العين ) الكبرى .
إن محاولات إقصاء السياسة عن الإسلام إفساد للسياسة وهدم الإسلام ، ومحاولة خلط الإسلام بغيره من الديانات الأخرى طعن في الإسلام وفي أهمية بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أن محاولة حصر الإسلام في الشعائر التعبدية وحبسه في الزوايا والتكايا ومساجد العجزة والمتقاعدين هي محاولة لفرض الإقامة الجبرية على الإسلام .
ومحاولات فرض القداسة على الفتاوى الشرعية - وإن كانت مخالفة للشريعة الإسلامية – هي الطامة الكبرى التي أعادت الإسلام إلى كهنوتية رجال الدين ، والحكم بالتفويض الإلهي الذي لا يمكن نقضه من رجال الدين والمفتي .
أثار كل هذه الخواطر والمشاعر والفرضيات والمقولات مني المقال الذي كتبه الأستاذ حسن الأسود في صفحة قضايا وآراء بجريدة ( أخبار الخليج ) يوم الثلاثاء 8/5/2007م بعنوان : ( صفاء الأديان وتضاده مع براجماتية السياسة ) حيث بدأ بدمج الإسلام قصرًا مع باقي الشرائع السماوية السابقة فقال : ( وهنا عندما نتكلم عن الدين بمسماه نعني جميع الأديان السماوية ذات الكتب المنزلة وليس القصد به دينًا من دون غيره ، وعليه فإننا نريد أن ننوه بأن صيغة الإفراد لا تعني الخصوصية الدينية لملة ما من الديانات ) . انتهى .
وهذه محاولة غير صحيحة لربط دين الله الإسلام بباقي الشرائع السماوية أو كما يقول : ( الأديان السماوية ) أو ( ملة من الديانات ) ، وكلمة الأديان السماوية فيها مغالطة شرعية كبرى ، فعندما نطلق كلمة الأديان فقط فإن المقصود بها كل الأديان الوضعية ( كالبوذية ، والبهائية وغيرها ) ، ودين الله الإسلام ، وعندما نقول الدين فمعناه الشرعي الإسلام " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ " [آل عمران: 19] ، وعندما نقول : الشرائع السماوية ، فهذا معناه شريعة الإسلام والشريعة النصرانية أو المسيحية والشريعة اليهودية ، قال تعالى : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً " [المائدة: 48] ، وقال تعالى : " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{18} " [الجاثية: 18] .
فإذا دمجنا الإسلام في الديانات السماوية – كما يقول الكاتب – فإننا نحمل الإسلام كل ما حدث للديانات الأخرى من تحريفات وغلو وشطط ، ومحاربة للعلم والعلماء ، ومحاكم التفتيش ، وهنا تجد دعوة ( فصل السياسة عن الدين ) قبولاً عقليًا ونفسيًا عند بعض الناس لعلمهم بقهر العلم والعلماء في ظل تحكم الكنيسة في تفكير الناس والحكم المطلق فيها لرجل الدين والكهنة والمفتين .
إن للإسلام خصوصية في تقدير العلم والعلماء , وإطلاق حرية العقيدة والتفكير , وحرية البحث والتقصي وفصل الأمور الدنيوية عن العبادات والشعائر والمعاملات التي وردت فيها نصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت وهذه عددها قليل جدًا في القرآن والسنة ، فمعظم الآيات القرآنية قطعية الثبوت ظنية الدلالة ، وذلك لفتح الأبواب أمام الاجتهادات البشرية لفهم الآيات القرآنية وفق المستجدات العصرية .
هذه أول ملحوظة على مقال الأستاذ حسن الأسود ، وقد نقض هذه الملحوظة في نهاية مقاله ولكنه نقضها على استحياء بل هو نقض غير قطعي ، بل نقض ظني حينما قال : ( قد دخلت أوروبا صراعات وتحولات كثيرة بسبب ذلك – يريد الطاعة المطلقة لرجال الكنيسة – حتى وصلت إلى المعادلة الاجتماعية القائمة في أوطانهم اليوم والمؤدية إلى عدم الجواز لرجال الكنائس أن يمارسوا السياسة وهم بوصفهم وصورتهم الكنائسية فهل وصلت تلك المجتمعات فعلاً إلى فهم الدين وعلاقاته بالحياة ؟ أم أن الإسلام يختلف عن غيره لتشعبه ولكونه خاتمًا لأديان السماء ؟ ) . انتهى .
وبالفعل الإسلام يختلف عن غيره للعديد من الأسباب منها : أنه لا كهنوت في الإسلام ولا قداسة لرأي البشر وفتواهم ، ولا معصوم من البشر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالكل يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في أمور الدين وما فيه نصوص قطعية ، والقاعدة الدنيوية في أمور الحياة وردت في الحديث الصحيح الذي جاء فيه : " أنتم أعلم بأمور دنياكم " ، وهو جزء من حديث أخرجه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر " أخرجه مسلم .
والقاعدة الذهبية القرآنية في احترام أهل العلم والتخصص قول الله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{43} " [النحل: 43] ، وأهل الذكر هم أهل كل تخصص وعلم ، ولذلك كانت الشورى في الإسلام ، وأشار الصحابة على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في العديد من المواقف وقال للحباب ابن المنذر يوم بدر : " لقد أشرت بالرأي " ، وأخذ برأيه وغير موقع الجيش , وأخذ بمشورة أم سلمة يوم صلح الحديبية وأمره الله بالشورى فقال تعالى : " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " آل عمران (159) , وقال تعالى : " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " الشورى (38) , وكان الاجتهاد في الإسلام واسعًا كذلك .
والمرأة حاورت وجادلت المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – ونزل القرآن مؤيدًا لرأيها بخلاف ما كان يراه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ونزلت سورة المجادلة تؤيد رأي المرأة كما قال تعالى في سورة المجادلة" َقدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{1} " المجادلة (1) .
وعندما تولى الصديق الخلافة قال للناس : " فإني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسألت فقوموني " ، وهنا يظهر حق الأمة في تقويم إعوجاج الحاكم ، ومعاونته فقط عندما يحسن ويصيب ، والرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – طلب من الأنصار في بيعة العقبة الثانية اختيار نوابهم ونقبائهم, قال المباركفوري رحمه الله في الرحيق المختوم : فتم انتخابهم في الحال وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس ، ثم ذكر أسماءهم ولما تم انتخابهم قال لهم المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم - : " أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي ، قالوا : نعم " . ( انظر كتابنا : مواقف سياسية من سيرة خير البرية من إصدارات جمعية الشورى الإسلامية في مملكة البحرين ) .
إذا علمنا ذلك فكل ما خالفه لا دخل للإسلام فيه ، ففصل السياسة عن الدين كان ضرورة أوروبية للوقوف ضد تسلط الكنيسة ومحاكم التفتيش ومحاربتها العلم والعقل ، والوقوف ضد مصالح العباد في دنياهم ، وأما الإسلام فخلاف ذلك تمامًا ، لذلك فإن محالات إقصاء السياسة في ديارنا عن الإسلام إفساد للسياسة بقاذورات البراجماتية الدنيوية النفعية وهدم للإسلام بحبسه في الشعائر والعبادات المفروضة ، كما أن التبعية العمياء للمفتي هدم للدين وتعبد للمفتي كمال قال تعالى : " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{31} " [التوبة: 31] ، وفسر المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – ذلك لعدي بن حاتم عندما قال : إنهم لم يعبدوهم ، فقال له المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – : " بلى ، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم " .
ففصل السياسة عن الإسلام باطل ، وما بني على الباطل فهو باطل لا يستحق المجادلة .
إن محاولات إقصاء السياسة عن الإسلام إفساد للسياسة وهدم الإسلام ، ومحاولة خلط الإسلام بغيره من الديانات الأخرى طعن في الإسلام وفي أهمية بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أن محاولة حصر الإسلام في الشعائر التعبدية وحبسه في الزوايا والتكايا ومساجد العجزة والمتقاعدين هي محاولة لفرض الإقامة الجبرية على الإسلام .
ومحاولات فرض القداسة على الفتاوى الشرعية - وإن كانت مخالفة للشريعة الإسلامية – هي الطامة الكبرى التي أعادت الإسلام إلى كهنوتية رجال الدين ، والحكم بالتفويض الإلهي الذي لا يمكن نقضه من رجال الدين والمفتي .
أثار كل هذه الخواطر والمشاعر والفرضيات والمقولات مني المقال الذي كتبه الأستاذ حسن الأسود في صفحة قضايا وآراء بجريدة ( أخبار الخليج ) يوم الثلاثاء 8/5/2007م بعنوان : ( صفاء الأديان وتضاده مع براجماتية السياسة ) حيث بدأ بدمج الإسلام قصرًا مع باقي الشرائع السماوية السابقة فقال : ( وهنا عندما نتكلم عن الدين بمسماه نعني جميع الأديان السماوية ذات الكتب المنزلة وليس القصد به دينًا من دون غيره ، وعليه فإننا نريد أن ننوه بأن صيغة الإفراد لا تعني الخصوصية الدينية لملة ما من الديانات ) . انتهى .
وهذه محاولة غير صحيحة لربط دين الله الإسلام بباقي الشرائع السماوية أو كما يقول : ( الأديان السماوية ) أو ( ملة من الديانات ) ، وكلمة الأديان السماوية فيها مغالطة شرعية كبرى ، فعندما نطلق كلمة الأديان فقط فإن المقصود بها كل الأديان الوضعية ( كالبوذية ، والبهائية وغيرها ) ، ودين الله الإسلام ، وعندما نقول الدين فمعناه الشرعي الإسلام " إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ " [آل عمران: 19] ، وعندما نقول : الشرائع السماوية ، فهذا معناه شريعة الإسلام والشريعة النصرانية أو المسيحية والشريعة اليهودية ، قال تعالى : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً " [المائدة: 48] ، وقال تعالى : " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{18} " [الجاثية: 18] .
فإذا دمجنا الإسلام في الديانات السماوية – كما يقول الكاتب – فإننا نحمل الإسلام كل ما حدث للديانات الأخرى من تحريفات وغلو وشطط ، ومحاربة للعلم والعلماء ، ومحاكم التفتيش ، وهنا تجد دعوة ( فصل السياسة عن الدين ) قبولاً عقليًا ونفسيًا عند بعض الناس لعلمهم بقهر العلم والعلماء في ظل تحكم الكنيسة في تفكير الناس والحكم المطلق فيها لرجل الدين والكهنة والمفتين .
إن للإسلام خصوصية في تقدير العلم والعلماء , وإطلاق حرية العقيدة والتفكير , وحرية البحث والتقصي وفصل الأمور الدنيوية عن العبادات والشعائر والمعاملات التي وردت فيها نصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت وهذه عددها قليل جدًا في القرآن والسنة ، فمعظم الآيات القرآنية قطعية الثبوت ظنية الدلالة ، وذلك لفتح الأبواب أمام الاجتهادات البشرية لفهم الآيات القرآنية وفق المستجدات العصرية .
هذه أول ملحوظة على مقال الأستاذ حسن الأسود ، وقد نقض هذه الملحوظة في نهاية مقاله ولكنه نقضها على استحياء بل هو نقض غير قطعي ، بل نقض ظني حينما قال : ( قد دخلت أوروبا صراعات وتحولات كثيرة بسبب ذلك – يريد الطاعة المطلقة لرجال الكنيسة – حتى وصلت إلى المعادلة الاجتماعية القائمة في أوطانهم اليوم والمؤدية إلى عدم الجواز لرجال الكنائس أن يمارسوا السياسة وهم بوصفهم وصورتهم الكنائسية فهل وصلت تلك المجتمعات فعلاً إلى فهم الدين وعلاقاته بالحياة ؟ أم أن الإسلام يختلف عن غيره لتشعبه ولكونه خاتمًا لأديان السماء ؟ ) . انتهى .
وبالفعل الإسلام يختلف عن غيره للعديد من الأسباب منها : أنه لا كهنوت في الإسلام ولا قداسة لرأي البشر وفتواهم ، ولا معصوم من البشر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالكل يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في أمور الدين وما فيه نصوص قطعية ، والقاعدة الدنيوية في أمور الحياة وردت في الحديث الصحيح الذي جاء فيه : " أنتم أعلم بأمور دنياكم " ، وهو جزء من حديث أخرجه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر " أخرجه مسلم .
والقاعدة الذهبية القرآنية في احترام أهل العلم والتخصص قول الله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{43} " [النحل: 43] ، وأهل الذكر هم أهل كل تخصص وعلم ، ولذلك كانت الشورى في الإسلام ، وأشار الصحابة على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في العديد من المواقف وقال للحباب ابن المنذر يوم بدر : " لقد أشرت بالرأي " ، وأخذ برأيه وغير موقع الجيش , وأخذ بمشورة أم سلمة يوم صلح الحديبية وأمره الله بالشورى فقال تعالى : " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " آل عمران (159) , وقال تعالى : " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " الشورى (38) , وكان الاجتهاد في الإسلام واسعًا كذلك .
والمرأة حاورت وجادلت المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – ونزل القرآن مؤيدًا لرأيها بخلاف ما كان يراه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ونزلت سورة المجادلة تؤيد رأي المرأة كما قال تعالى في سورة المجادلة" َقدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ{1} " المجادلة (1) .
وعندما تولى الصديق الخلافة قال للناس : " فإني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسألت فقوموني " ، وهنا يظهر حق الأمة في تقويم إعوجاج الحاكم ، ومعاونته فقط عندما يحسن ويصيب ، والرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – طلب من الأنصار في بيعة العقبة الثانية اختيار نوابهم ونقبائهم, قال المباركفوري رحمه الله في الرحيق المختوم : فتم انتخابهم في الحال وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس ، ثم ذكر أسماءهم ولما تم انتخابهم قال لهم المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم - : " أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي ، قالوا : نعم " . ( انظر كتابنا : مواقف سياسية من سيرة خير البرية من إصدارات جمعية الشورى الإسلامية في مملكة البحرين ) .
إذا علمنا ذلك فكل ما خالفه لا دخل للإسلام فيه ، ففصل السياسة عن الدين كان ضرورة أوروبية للوقوف ضد تسلط الكنيسة ومحاكم التفتيش ومحاربتها العلم والعقل ، والوقوف ضد مصالح العباد في دنياهم ، وأما الإسلام فخلاف ذلك تمامًا ، لذلك فإن محالات إقصاء السياسة في ديارنا عن الإسلام إفساد للسياسة بقاذورات البراجماتية الدنيوية النفعية وهدم للإسلام بحبسه في الشعائر والعبادات المفروضة ، كما أن التبعية العمياء للمفتي هدم للدين وتعبد للمفتي كمال قال تعالى : " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{31} " [التوبة: 31] ، وفسر المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – ذلك لعدي بن حاتم عندما قال : إنهم لم يعبدوهم ، فقال له المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – : " بلى ، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم " .
ففصل السياسة عن الإسلام باطل ، وما بني على الباطل فهو باطل لا يستحق المجادلة .