- الأربعاء ديسمبر 12, 2012 4:43 pm
#56813
ذاتية الإنسان ومادية التفكير العلمي
في واقع الأمر لم ينفك ذهني عن التفكير والانشغال بقضية باتت تؤرق العقل البشرى وظلت تشغل الكثيرين من مفكرينا وفلاسفتنا على الدوام ألا وهى ماهية العلاقة بين ذاتية الإنسان وما تتضمنه تلك الذاتية من خصوصية تتعلق بمخزونة القيمى وثقافته المكتسبة وإنسانيته وبيئته المحيطة به بينه وبين بني جلدته من البشر وبين مادية التفكير العلمي وإلى أي مدى يمكن أن تصل درجة التطابق بين هذه وذاك ..... هل هما أضداد أم أطباق؟
ولعلة ومن المفيد أن نشير إلى أن هذا الموضوع ذو العنوان الفضفاض ينقسم إلى شقين الأول يتعلق بالذات أو الهوية الإنسانية وما يدور حولها من فلسفات نقدية والأخر يتعلق بالتفكير العلمي وتوصيفه كنه يتضمن مفهوما واضحا ولعلنا بصدد محاولة تفسير كلا الشقين فالتفكير بمعناه المجرد هو إعمال العقل أو تشغيله في أمر ما وهو أهم ما يميز الجنس البشري فعلى حد قول الفيلسوف الكبير ديكارت وأطروحته الشهيرة "آنا أفكر إذن أنا موجود" والتي لم يقصد بها الوجود المادي بل قصد الوجود الفعلي الفعّال.وعلية نرى أن التفكير هو عبارة عن إجراء ذهني يقوم به العقل بصدد ما يمر به في الحياة وان كان العلم المعرفي في جوهرة يهتم بدراسة الظواهر بغية التوصل إلى نتائج محددة ترتبط بتلك الظواهر والتي لا يمكن فهمها فهماً صحيحا بالمعنى العلمي إلا بمعرفه طبيعتها و أسبابها.
وبناء عليه يمتاز التفكير العلمي بسمات تميزه عن غيرة من أنواع التفكير الأخرى كالتفكير الموضوعي و التفكير الغير موضوعي (عشوائي أو العاطفي أو ذو الميول الخاصة) كذلك و التفكير المنطقي ....ألخ.
وتتضح ملامح المعرفة العلمية للنشاط الفكري الإنساني من خلال مجموعة من الخصائص وهى:-
- التراكمية
- التنظيم
- البحث عن السببية
- الشمولية
- الدقة والتجريد
وللتفكير العلمي منهج أو طريق يسلكه للوصول إلى و الكشف عن حقائق الأمور أو طبيعة الظواهر مناط الدراسة وبالتالي يمكن لنا أن نقول أن التفكير العلمي "هو عبارة عن مجموعة من الإجراءات الذهنية التي يقوم بها العقل البشرى بصدد دراسة ظاهرة ما بغية التوصل إلى نتائج تخص تلك الظاهرة باستخدام المنهج العلمي" . و تتجلى الرؤية المادية والمتعلقة بالتفكير العلمي داخل العقل كونه يخضع دراسة الظواهر المختلفة الطبيعية منها والإنسانية إلى معايير مادية .
وهذا ما يجعلنا ننتقل إلى الشق الثاني من الموضوع ألا وهو البحث عن الذات ونحن لا نركن هنا إلى التطابق الاصطلاحي بين الذات و النفس البشرية فالنفس البشرية هي من إبداع الخالق عز وجل { وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } ولكننا نقصد بها هوية الإنسان فهي وليدة تفاعلات يشترك فيها العقل البشرى في حلقة لا تنتهي من التفكير الدائم والمستمر مع الطبيعة والبيئة الجغرافية ومع بني جلدة الإنسان ومع غيرة من الشعوب الأخرى.
وتظل حركة العقل الإنساني كعقل توليدي يبقى ويضخم ويهمش ويضيف ويحذف، عملية تدور حسب نموذج إدراكي يشكل هوية الإنسان هو في صميمه رؤية للكون. ومن هنا تكتسب الهوية فرادتها وتركيبيتها التي لا يمكن ردها إلى قانون أو نمط مادي.
ولعل البعض لم يكترث بالتساؤل الذي تم طرحه مسبقا فقد وجدت بعض الإجابات الشافية في مقالات وكتابات الدكتور /عبد الوهاب المسيرى هذا المفكر والفيلسوف والذي ظل يبحث عن الحقيقة وان كانت حياته قسمت بين مرحلتين مرحلة عبر فيها عن مادية الحقيقة أو الحقيقة المطلقة استمرت زهاء الثلاثين عاما ومرحلة أخرى ارتكن فيها الفيلسوف المفكر إلى الدين- الإسلام- كباعث للقيم والحضارة الإنسانية . فشخصية مثل عبد الوهاب المسيرى جمعت بين دفتيها النقيضين . وهذا ما أثرى تلك الشخصية وجعلها ذات رؤية نقدية غير متعصبة .
يقول المسيرى:-
"عادة ما ينطلق الكثيرون من الرؤية المادية التي يسمونها "علمية"، فيدرسون الهوية في إطار النموذج المادي كما يفعل كثير من الدارسين في الغرب. واستخدام النموذج المادي يعنى استخدام الحواس الخمس، كما يعني دراسة الظواهر الإنسانية كما تدرس الظواهر الطبيعية. ومثل هذا المنهج يودي بالهوية تماماً، لأنه لا يتعامل مع الواقع إلا من خلال معايير مادية، وهي معايير عاجزة بطبيعتها عن رصد الهوية في كل تركيبيتها وفرادتها. وقد أدى هذا المنهج إلى تعريف الإنسان باعتباره "الإنسان الطبيعي"، بمعنى أنه إنسان يتسم بسمات عامة "أضيفت" إليها الحضارة، أي أنها ليست أصيلة فيه. وبذلك تتحول الهوية إلى مسألة مضافة آليا، مجرد زخرفة، وهكذا يصبح المشروع الإنساني هو العودة إلى الإنسان الطبيعي متجاوزين الزخارف الإضافية. وهذه الفكرة عبرت عن نفسها في فكر حركة الاستنارة الغربية (التي نصفها بأنها عقلانية مادية) كما تعبر عن نفسها فكر العولمة، فالعولمة هي في جوهرها العودة إلى هذا الإنسان الطبيعي، الذي لا يعرف الحدود أو الهوية أو الخصوصية وليس عنده أي إدراك أو اكتراث بالقيم الأخلاقية والمعنوية مثل الكرامة والارتباط بالأرض والوطن والتضحية. ولذا نجد أن خطاب العولمة يتحدث عن حرية انتقال السلع ورأس المال، والشركات عابرة القارات وحدود الدول، ولا يذكر شيئاً عن الثقافات أو الهويات المختلفة."
مما سبق يتضح لنا وحسب ما تقدم أن التفكير العلمي المنهجي له أصول وقواعد تستوجب الالتزام بها ولا ينبغي أبدا التخلي عنها وإن كان في النهاية يجب أن ينبع هذا التفكير من أعماق الذات البشرية بمكنوناتها الخاصة أي ما يمكن أن نطلق علية هوية التفكير العلمي وبهذا يتوحد الاتجاهان ويصبحان وجهين لعملة واحدة.و وفقا لهذا تتقدم الأمم وتتحرر من براثن التنميط والتقليد.
ويظل العقل البشرى يفكر ويفكر يبحث عن الحقيقة وسواء أكان أسلوب التفكير علمي أو موضوعي أو منطقي أو حتى فلسفي يبقى في النهاية هذا السؤال الذي يحتاج إلى إجابات كثيرة قد نتفق حولها وقد نختلف ...... هل يمكن أن يحيا الإنسان ذو التفكير العلمي الممنهج في عوالم منزوع الذات أو العكس و إلى أي مدى يمكن أن يتغول أحدهما على الأخر ؟
في النهاية و على أي حال تظل عملية الحذف والإضافة والتهميش والتضخيم من سمات الإنسانية.
في واقع الأمر لم ينفك ذهني عن التفكير والانشغال بقضية باتت تؤرق العقل البشرى وظلت تشغل الكثيرين من مفكرينا وفلاسفتنا على الدوام ألا وهى ماهية العلاقة بين ذاتية الإنسان وما تتضمنه تلك الذاتية من خصوصية تتعلق بمخزونة القيمى وثقافته المكتسبة وإنسانيته وبيئته المحيطة به بينه وبين بني جلدته من البشر وبين مادية التفكير العلمي وإلى أي مدى يمكن أن تصل درجة التطابق بين هذه وذاك ..... هل هما أضداد أم أطباق؟
ولعلة ومن المفيد أن نشير إلى أن هذا الموضوع ذو العنوان الفضفاض ينقسم إلى شقين الأول يتعلق بالذات أو الهوية الإنسانية وما يدور حولها من فلسفات نقدية والأخر يتعلق بالتفكير العلمي وتوصيفه كنه يتضمن مفهوما واضحا ولعلنا بصدد محاولة تفسير كلا الشقين فالتفكير بمعناه المجرد هو إعمال العقل أو تشغيله في أمر ما وهو أهم ما يميز الجنس البشري فعلى حد قول الفيلسوف الكبير ديكارت وأطروحته الشهيرة "آنا أفكر إذن أنا موجود" والتي لم يقصد بها الوجود المادي بل قصد الوجود الفعلي الفعّال.وعلية نرى أن التفكير هو عبارة عن إجراء ذهني يقوم به العقل بصدد ما يمر به في الحياة وان كان العلم المعرفي في جوهرة يهتم بدراسة الظواهر بغية التوصل إلى نتائج محددة ترتبط بتلك الظواهر والتي لا يمكن فهمها فهماً صحيحا بالمعنى العلمي إلا بمعرفه طبيعتها و أسبابها.
وبناء عليه يمتاز التفكير العلمي بسمات تميزه عن غيرة من أنواع التفكير الأخرى كالتفكير الموضوعي و التفكير الغير موضوعي (عشوائي أو العاطفي أو ذو الميول الخاصة) كذلك و التفكير المنطقي ....ألخ.
وتتضح ملامح المعرفة العلمية للنشاط الفكري الإنساني من خلال مجموعة من الخصائص وهى:-
- التراكمية
- التنظيم
- البحث عن السببية
- الشمولية
- الدقة والتجريد
وللتفكير العلمي منهج أو طريق يسلكه للوصول إلى و الكشف عن حقائق الأمور أو طبيعة الظواهر مناط الدراسة وبالتالي يمكن لنا أن نقول أن التفكير العلمي "هو عبارة عن مجموعة من الإجراءات الذهنية التي يقوم بها العقل البشرى بصدد دراسة ظاهرة ما بغية التوصل إلى نتائج تخص تلك الظاهرة باستخدام المنهج العلمي" . و تتجلى الرؤية المادية والمتعلقة بالتفكير العلمي داخل العقل كونه يخضع دراسة الظواهر المختلفة الطبيعية منها والإنسانية إلى معايير مادية .
وهذا ما يجعلنا ننتقل إلى الشق الثاني من الموضوع ألا وهو البحث عن الذات ونحن لا نركن هنا إلى التطابق الاصطلاحي بين الذات و النفس البشرية فالنفس البشرية هي من إبداع الخالق عز وجل { وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا } ولكننا نقصد بها هوية الإنسان فهي وليدة تفاعلات يشترك فيها العقل البشرى في حلقة لا تنتهي من التفكير الدائم والمستمر مع الطبيعة والبيئة الجغرافية ومع بني جلدة الإنسان ومع غيرة من الشعوب الأخرى.
وتظل حركة العقل الإنساني كعقل توليدي يبقى ويضخم ويهمش ويضيف ويحذف، عملية تدور حسب نموذج إدراكي يشكل هوية الإنسان هو في صميمه رؤية للكون. ومن هنا تكتسب الهوية فرادتها وتركيبيتها التي لا يمكن ردها إلى قانون أو نمط مادي.
ولعل البعض لم يكترث بالتساؤل الذي تم طرحه مسبقا فقد وجدت بعض الإجابات الشافية في مقالات وكتابات الدكتور /عبد الوهاب المسيرى هذا المفكر والفيلسوف والذي ظل يبحث عن الحقيقة وان كانت حياته قسمت بين مرحلتين مرحلة عبر فيها عن مادية الحقيقة أو الحقيقة المطلقة استمرت زهاء الثلاثين عاما ومرحلة أخرى ارتكن فيها الفيلسوف المفكر إلى الدين- الإسلام- كباعث للقيم والحضارة الإنسانية . فشخصية مثل عبد الوهاب المسيرى جمعت بين دفتيها النقيضين . وهذا ما أثرى تلك الشخصية وجعلها ذات رؤية نقدية غير متعصبة .
يقول المسيرى:-
"عادة ما ينطلق الكثيرون من الرؤية المادية التي يسمونها "علمية"، فيدرسون الهوية في إطار النموذج المادي كما يفعل كثير من الدارسين في الغرب. واستخدام النموذج المادي يعنى استخدام الحواس الخمس، كما يعني دراسة الظواهر الإنسانية كما تدرس الظواهر الطبيعية. ومثل هذا المنهج يودي بالهوية تماماً، لأنه لا يتعامل مع الواقع إلا من خلال معايير مادية، وهي معايير عاجزة بطبيعتها عن رصد الهوية في كل تركيبيتها وفرادتها. وقد أدى هذا المنهج إلى تعريف الإنسان باعتباره "الإنسان الطبيعي"، بمعنى أنه إنسان يتسم بسمات عامة "أضيفت" إليها الحضارة، أي أنها ليست أصيلة فيه. وبذلك تتحول الهوية إلى مسألة مضافة آليا، مجرد زخرفة، وهكذا يصبح المشروع الإنساني هو العودة إلى الإنسان الطبيعي متجاوزين الزخارف الإضافية. وهذه الفكرة عبرت عن نفسها في فكر حركة الاستنارة الغربية (التي نصفها بأنها عقلانية مادية) كما تعبر عن نفسها فكر العولمة، فالعولمة هي في جوهرها العودة إلى هذا الإنسان الطبيعي، الذي لا يعرف الحدود أو الهوية أو الخصوصية وليس عنده أي إدراك أو اكتراث بالقيم الأخلاقية والمعنوية مثل الكرامة والارتباط بالأرض والوطن والتضحية. ولذا نجد أن خطاب العولمة يتحدث عن حرية انتقال السلع ورأس المال، والشركات عابرة القارات وحدود الدول، ولا يذكر شيئاً عن الثقافات أو الهويات المختلفة."
مما سبق يتضح لنا وحسب ما تقدم أن التفكير العلمي المنهجي له أصول وقواعد تستوجب الالتزام بها ولا ينبغي أبدا التخلي عنها وإن كان في النهاية يجب أن ينبع هذا التفكير من أعماق الذات البشرية بمكنوناتها الخاصة أي ما يمكن أن نطلق علية هوية التفكير العلمي وبهذا يتوحد الاتجاهان ويصبحان وجهين لعملة واحدة.و وفقا لهذا تتقدم الأمم وتتحرر من براثن التنميط والتقليد.
ويظل العقل البشرى يفكر ويفكر يبحث عن الحقيقة وسواء أكان أسلوب التفكير علمي أو موضوعي أو منطقي أو حتى فلسفي يبقى في النهاية هذا السؤال الذي يحتاج إلى إجابات كثيرة قد نتفق حولها وقد نختلف ...... هل يمكن أن يحيا الإنسان ذو التفكير العلمي الممنهج في عوالم منزوع الذات أو العكس و إلى أي مدى يمكن أن يتغول أحدهما على الأخر ؟
في النهاية و على أي حال تظل عملية الحذف والإضافة والتهميش والتضخيم من سمات الإنسانية.