- الأحد إبريل 28, 2013 9:10 pm
#61168
الرؤية القاصرة لأحداث بوسطن
للكاتب : أحمد عبدالملك .. جريدة الشرق الأوسط
http://www.alsharq.net.sa/2013/04/27/816870
----------------------------
الانفجارات التي وقعت عند نهاية خط ماراثون مدينة بوسطن الأمريكية الأسبوع الماضي وأدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح العشرات- بعضهم جراحه خطرة- كانت بفعل انفجار (طنجرتي ضغط) محشوتين بمسامير ومعادن أصابت في أغلبها الأجزاء السفلية من أجسام الضحايا. ولم تحدد السلطات الأمريكية مصدر الانفجار أو هوية منظميه. على الرغم من أن الشرطة قامت بتمشيط المنطقة كلها قبل الماراثون ولم تعثر على أية اشتباهات بذلك. وقد تم الإعلان عن ملاحقة شخصين بقبعتين إحداهما سوداء والأخرى بيضاء وتم قتل أحدهما يوم الخميس قبل الماضي، وهما أخوان من الشيشان حسب المصادر الأمريكية.
وأمريكا -كأي بلد في العالم- غير معصومة من هكذا أحداث! مهما تطورت تقنية الكشف عن المتفجرات، لكن الغريب في الأمر هو كيفية تعامل بعض الصحفيين العرب مع الحادثة!؟
قرأتُ تنظيراً لأحد الكُتَّاب يتهم فيه الشرطة الأمريكية بتدبير الحادث!؟ بل وبتورط جهات استخباراتية أمريكية في الأمر. وقد ربط الكاتب التفجير بحادثة 11 سبتمبر 2001 التي سماها «فبركة»!؟ وقال: إنها تمثيلية «لتبرير تصدير السلاح للمرتزقة داخل سوريا والجماعات الإرهابية»!؟
ومع الأسف، فإن «نظرية المؤامرة» دوماً تكون حاضرة في أذهان بعضهم الذين يتطرقون للقضايا والحوادث وينظرون لها بمنظار واحد، لا ينفك أن يحمل الكراهية للآخر.
فهل من المعقول أن يذهب عقلٌ مريض إلى تصور أن الحادث من فعل الجهات الأمنية والاستخباراتية؟ مع العلم بوجود جهات عدة تراقب عمل نظيراتها -حسب التراتيبية الأمنية المعمول بها- في ذلك الماراثون أو أي تجمع جماهيري كبير. وهل ستقوم حكومة أمريكا بـ «فبركة» العملية، لأهداف سياسية وتعرّض مواطنيها للخطر؟!
هذا العقل العربي الذي يفكر هذا التفكير مسكون بالحقد على الآخر، وباستمراء النوم في تابوت التاريخ المزّيف، يظهر لنا من جديد -حتى في حوادث مؤسفة- عدم الالتفات للضحايا والتعاطف مع أهلهم، والقفز إلى الاستنتاجات الجاهزة والمحددة، وربط الموضوع بقضايا عربية أو إسلامية وبالتاريخ السابق. رغم عدم إعلان معلومات محددة عن مرتكبي الحادث.
التبريرات الجاهزة من النماذج التي درج عليها كثيرون من العرب؛ لأنهم تربوا مذ كانوا في الأرحام على «الأنا» المزيفة، أو (أنا) ومن بعدي الطوفان، أو (أنا) وليذهب الجميع إلى الجحيم.
ولقد تابعنا كيفية تعامل الإعلام الأمريكي مع القضية لحظة بلحظة! ولم نسمع أنه ألقى اللوم أو التهمة على أية جهة أو جنسية أو جماعة! وما زالت التحقيقات جارية، بل وقد يكون من الصدف أن يسكن مسلمون أو بوذيون أو عرب أو أفارقة بالقرب من مكان الانفجار! وهذا لا يعني أن لهم صلة بما حدث، أو أنهم سوف يُستبعدون من الاستجواب إن تطلب الأمر!
ما نود قوله هنا: إننا يجب أن نتعامل مع الأحداث المماثلة بحيادية، وننزع «الغل» الذي يسكن قلوب بعض منا ونحن نرى الجثث أو الجرحى والدماء تسيل منهم، حتى لو كانوا أمريكيين أو روسيين. لأن التشفي ليس من شيمنا. كما أن الإغراق في التفسيرات غير المنطقية يؤدي إلى البلبلة وإثارة الرأي العام دون مبرر؛ خصوصاً قبل انتهاء التحقيقات. ولعلنا نسترجع حوادث 11 سبتمبر 2001 عندما فنّد بعضهم أنها من صنع أمريكي! كما قال كاتبنا هداهُ الله، حتى ظهر (بن لادن) وأعلن مسؤولية جماعته عن «الغزوتين»! فسكتت كل الأقلام عن الكلام غير المباح.
وأنا على يقين لو أن الحادثة هذه لو وقعت في (بيرو) أو (ساحل العاج) لما كان لها هذا الصدى! ولم تأخذ كل هذه المساحة من الاهتمام الإعلامي، والتفسيرات العربية غير الموفقة. ولكنها أخذت كل هذا الصدى لأن أمريكا في الموضوع، وبعضهم يريد أية نقطة كي يسجلها ضد كفاءة أجهزة الأمن الأمريكية المعروفة عالمياً والتي يتدرب على أيديها كثيرون من المنتمين للأمن في البلاد العربية!
لستُ هنا بصدد امتداح أمريكا، لأنها لن تسمع صوتي وليس لي مصلحة في ذلك، ولكن من الأهمية بمكان وضع الأمور في نصابها؛ والتعامل مع الأحداث أينما كانت بمنظار عقلاني لا عاطفي، خصوصاً بواسطة الكتاب والمدونين وأصحاب الرأي. كما أن للتحليل السياسي والأمني أصحابه المتمرسين. وفي هذا المجال لا يجوز التخمين أو اللعب بالألفاظ والكتابة بماء القلب.
للكاتب : أحمد عبدالملك .. جريدة الشرق الأوسط
http://www.alsharq.net.sa/2013/04/27/816870
----------------------------
الانفجارات التي وقعت عند نهاية خط ماراثون مدينة بوسطن الأمريكية الأسبوع الماضي وأدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح العشرات- بعضهم جراحه خطرة- كانت بفعل انفجار (طنجرتي ضغط) محشوتين بمسامير ومعادن أصابت في أغلبها الأجزاء السفلية من أجسام الضحايا. ولم تحدد السلطات الأمريكية مصدر الانفجار أو هوية منظميه. على الرغم من أن الشرطة قامت بتمشيط المنطقة كلها قبل الماراثون ولم تعثر على أية اشتباهات بذلك. وقد تم الإعلان عن ملاحقة شخصين بقبعتين إحداهما سوداء والأخرى بيضاء وتم قتل أحدهما يوم الخميس قبل الماضي، وهما أخوان من الشيشان حسب المصادر الأمريكية.
وأمريكا -كأي بلد في العالم- غير معصومة من هكذا أحداث! مهما تطورت تقنية الكشف عن المتفجرات، لكن الغريب في الأمر هو كيفية تعامل بعض الصحفيين العرب مع الحادثة!؟
قرأتُ تنظيراً لأحد الكُتَّاب يتهم فيه الشرطة الأمريكية بتدبير الحادث!؟ بل وبتورط جهات استخباراتية أمريكية في الأمر. وقد ربط الكاتب التفجير بحادثة 11 سبتمبر 2001 التي سماها «فبركة»!؟ وقال: إنها تمثيلية «لتبرير تصدير السلاح للمرتزقة داخل سوريا والجماعات الإرهابية»!؟
ومع الأسف، فإن «نظرية المؤامرة» دوماً تكون حاضرة في أذهان بعضهم الذين يتطرقون للقضايا والحوادث وينظرون لها بمنظار واحد، لا ينفك أن يحمل الكراهية للآخر.
فهل من المعقول أن يذهب عقلٌ مريض إلى تصور أن الحادث من فعل الجهات الأمنية والاستخباراتية؟ مع العلم بوجود جهات عدة تراقب عمل نظيراتها -حسب التراتيبية الأمنية المعمول بها- في ذلك الماراثون أو أي تجمع جماهيري كبير. وهل ستقوم حكومة أمريكا بـ «فبركة» العملية، لأهداف سياسية وتعرّض مواطنيها للخطر؟!
هذا العقل العربي الذي يفكر هذا التفكير مسكون بالحقد على الآخر، وباستمراء النوم في تابوت التاريخ المزّيف، يظهر لنا من جديد -حتى في حوادث مؤسفة- عدم الالتفات للضحايا والتعاطف مع أهلهم، والقفز إلى الاستنتاجات الجاهزة والمحددة، وربط الموضوع بقضايا عربية أو إسلامية وبالتاريخ السابق. رغم عدم إعلان معلومات محددة عن مرتكبي الحادث.
التبريرات الجاهزة من النماذج التي درج عليها كثيرون من العرب؛ لأنهم تربوا مذ كانوا في الأرحام على «الأنا» المزيفة، أو (أنا) ومن بعدي الطوفان، أو (أنا) وليذهب الجميع إلى الجحيم.
ولقد تابعنا كيفية تعامل الإعلام الأمريكي مع القضية لحظة بلحظة! ولم نسمع أنه ألقى اللوم أو التهمة على أية جهة أو جنسية أو جماعة! وما زالت التحقيقات جارية، بل وقد يكون من الصدف أن يسكن مسلمون أو بوذيون أو عرب أو أفارقة بالقرب من مكان الانفجار! وهذا لا يعني أن لهم صلة بما حدث، أو أنهم سوف يُستبعدون من الاستجواب إن تطلب الأمر!
ما نود قوله هنا: إننا يجب أن نتعامل مع الأحداث المماثلة بحيادية، وننزع «الغل» الذي يسكن قلوب بعض منا ونحن نرى الجثث أو الجرحى والدماء تسيل منهم، حتى لو كانوا أمريكيين أو روسيين. لأن التشفي ليس من شيمنا. كما أن الإغراق في التفسيرات غير المنطقية يؤدي إلى البلبلة وإثارة الرأي العام دون مبرر؛ خصوصاً قبل انتهاء التحقيقات. ولعلنا نسترجع حوادث 11 سبتمبر 2001 عندما فنّد بعضهم أنها من صنع أمريكي! كما قال كاتبنا هداهُ الله، حتى ظهر (بن لادن) وأعلن مسؤولية جماعته عن «الغزوتين»! فسكتت كل الأقلام عن الكلام غير المباح.
وأنا على يقين لو أن الحادثة هذه لو وقعت في (بيرو) أو (ساحل العاج) لما كان لها هذا الصدى! ولم تأخذ كل هذه المساحة من الاهتمام الإعلامي، والتفسيرات العربية غير الموفقة. ولكنها أخذت كل هذا الصدى لأن أمريكا في الموضوع، وبعضهم يريد أية نقطة كي يسجلها ضد كفاءة أجهزة الأمن الأمريكية المعروفة عالمياً والتي يتدرب على أيديها كثيرون من المنتمين للأمن في البلاد العربية!
لستُ هنا بصدد امتداح أمريكا، لأنها لن تسمع صوتي وليس لي مصلحة في ذلك، ولكن من الأهمية بمكان وضع الأمور في نصابها؛ والتعامل مع الأحداث أينما كانت بمنظار عقلاني لا عاطفي، خصوصاً بواسطة الكتاب والمدونين وأصحاب الرأي. كما أن للتحليل السياسي والأمني أصحابه المتمرسين. وفي هذا المجال لا يجوز التخمين أو اللعب بالألفاظ والكتابة بماء القلب.