- الأحد مايو 05, 2013 5:23 pm
#62531
ترتبط السياسة بالسيكولوجيا عبر علاقة عضوية تعود إلى البدايات الأولى للفكر الإنساني. أي إلى ما قبل تشكل المفاهيم النظرية لأي منهما. و بالعودة إلى أر سطو نجده يصنف السيوكولوجيا و السياسة و الاقتصاد في إطار العلوم التطبيقية. معرفا الأخلاق على أنها علم دراسة السلوك الشخصي، و الاقتصاد على أنه علم تدبير معيشة العائلة و السياسة على أنها علم تدبير المدينة (الدولة).
لكن الطابع العضوي لهذه العلاقة يعود عمليا إلى حاجة السياسة الماسة لأية وسيلة تسهل الاتصال الذي يحتاج بدوره إلى أية معلومة تساهم في إكمال فعاليته و تدعيمها.
هذا وتعود البدايات الحديثة لعلم السياسة إلى مطلع الخمسينيات، وهي اقترنت ببدايات علم النفس السياسي. فقد نشرت منذ مطلع هذا القرن العديد من البحوث النفسية- السياسية، التي بدأها فرويد بعودة إلى ما قبل الحضارة البشرية، لينتقل بعدها إلى دراسة الأساطير، وتحديدا مناقشة الأساطير اليهودية، ومسألة التوحيد في كتابه "موسى والتوحيد " ليدخل بعدها مباشرة إلى السياسة في مقالته "أفكار لأزمنة الحرب والموت ". ثم كانت دراسات يونغ الشهيرة حول الأساطير و اللاوعي الجماعي و علاقتهما باللاوعي الفردي. - وبعدها أتت محاولة اتباع فرويد والمنشقين عنه للتوفيق بين التحليل النفسي والسياسة والنظرية الماركسية خصوصا. كما تجدر الإشارة إلى الكتاب الذي نشره غراهام والاس في العام 1921 تحت عنوان "الطبيعة الإنسانية في ميدان السياسة". لكن البحث العلمي الحقيقي في ميدان السيكولوجيا السياسة بدأ في الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية. حين تدعمت هذه البحوث بهجرة مكثفة لعلماء النفس الأوروبيين الهاربين إلى أميركا من الحرب. فبدأت هذه البحوث من منطلقات إثنية (عرقية) وسخرت هذه البحوث لدراسة اللاوعي الجماعي والشخصيات الأممية لأصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها، في محاولة لتسخير سيكولوجية الرأي العام في الاتجاه السياسي المناسب. وهكذا بحيث يمكن اعتبار ولادة السياسة والسيكولوجيا السياسية في مطلع الخمسينيات ولادة توأمية. لكن هذه الفترة، وتحديدا العام 1932 سجلت ترسيخ العلوم النفسية كعلم له منهجيته الطبية الصارمة. إذ شهد هذا العام ظهور دواء الكلوربرومازين (دواء معقل) الذي كان مقدمة لإرساء الطب النفسي كأحد فروع الاختصاصات الطبية، مما أذكى الصراع بين هذا الفرع المستجد (الذي وجد لنفسه التطبيقات في الميادين السياسية والعسكرية والحضارية.... إلخ) وبين بقية الفروع المعنية بهذه الميادين. بل إن الطب النفسي بدا وكأنه يحاول وضع النظم الأخلاقية لهذه الفروع، وخصوصا السياسية منها. إذ يرى الطب النفسي ضرورة الإفادة من معارفه (وضرورة مساعدة بقية الفروع له) لكي يحقق الضوابط الأخلاقية التالية:
1- إن أية أبحاث تعمل على إحداث تغييرات في الإنسان (مثل التربية العبقرية وأبحاث الهندسة الوراثية والاستنساخ والجراحة الدماغية.... إلخ). ويجب أن تكون خاضعة لسياسة اجتماعية صارمة تهتم بتوجيه هذه الأبحاث لتحسين شروط معيشة وسعادة الإنسان.
2- أن مثل هذه الأبحاث يجب أن يمنع توجيهها باتجاه تحقيق تفوق أفراد أو جماعات أو شعوب على حساب غيرها من البشر.
3- يجب النظر إلى جميع محاولات (تحسين) السلوك الإنساني على أنها اعتداء على حرية الشخص. باستثناء الحالات التي تتم فيها هذه المحاولات بطلب من الشخص نفسه لاستشعاره الحاجة إليها. على أن تدعم الآراء العلمية- الموضوعية هذا الاستشعار.
4- إن "اللاأنسنة" المتمثل باستبدال أعضاء بشرية هامة بأعضاء حيوانية هي مسألة تطرح إشكاليات أخلاقية خطيرة.
5- إن الرغبة الشخصية بالاستفادة من تقنيات معينة لاستغلالها لتحقيق أهداف شخصية من شأنها أن تنسف قواعد السياسة الاجتماعية وأخلاقياتها. الأمر الذي يقتضي التريث في تشريعها لقياس مدى قدرة هذه السياسة على استيعاب التعديلات. مثال على ذلك أن الدعوة العالمية للحد من زيادة السكان (ومعها دعوة الشعوب لا يتجاوز متوسط أعمارها الأربعين عاما للحد من التكاثر) تصطدم بالرغبات الشخصية في الإنجاب باستخدام تقنيات طفل الأنبوب أو الاستنساخ أو غيرها.
6- إن أية محاولة لتعديل الشخصية يجب أن تخضع لتحري دوافع هذه المحاولة سواء من قبل شخص أو من قبل الإختصاص لذي يتولى عملية التعديل.
7- إن تطور تقنية الاتصال (ومعها التجسس على الأفراد) يؤمن مراقبة دقيقة لسلوك الأشخاص مما يزيد من احتمالات إساءة الاستغلال السياسي لهذه المراقبة (خصوصا بعد أن نعلم أن دولا نامية عديدة تخضع بشكل جماعي لهذا النوع من المراقبة!).
8- إن موضوع ولادة بدون رحم، ومعها موضوع الاستنساخ، هي مواضيع تلامس حساسيات تحديد الانتماء العائلي. الأمر الذي يهدد مفاهيم البنية العائلية في المجتمع البشري. وهو تهديد يستحق الدراسة والمناقشة المعمقة.
9- إن محاولات زيادة الذكاء السكاني (نسبة 20%) أو ما يعرف بمحاولات إنتاج جيل من العباقرة، وأيضا محاولات زيادة متوسط أعمار البشر بحوالي عشرين في المئة إضافية، هي محاولات محفوفة بمخاطر الاحتكار الذي يؤدي إلى التفرقة والتمييز العنصريين (العلميين) مما يجعل تكاليف هذه الأبحاث الأخلاقية خارج إطار قدرة البشرية على تحملها، فهي تشجع فرز البشر إلى أذكياء وأغبياء، ما يعني ولادة نوع جديد من الأسباب الممهدة لانتهاك حقوق الإنسان.
10- ترتبط كرامة الإنسان بقاعدة ذهبية تقول: إن البشر يكونون أكثر فعالية وعطاء (أي أكثر إنسانية) عندما نعاملهم كأحرار مسؤولين متمتعين باستقلاليتهم الذاتية وبفرادتهم.
11- إن مسألة الحفاظ على التنوع الإنساني (الجيني والثقافي) هي مسألة حيوية- محورية. ومحاولة إنتاج مخلوقات مثالية جينيا (أو ثقافيا عن طريق العولمة) هي محاولة تحرم الإنسانية من هذا التنوع.
12- يجب أن تبقى العائلة الواحدة الرئيسة لتكاثر البشر، ويجب الإصرار على عدم استبدالها بأي من الوحدات المقترحة. وحول حبة الرمل هذه (أي العائلة) أي تطور اللؤلؤة التي تشكل التنوع الثقافي الإنساني. الذي لم تستطع الاقتراحات المطروحة لغاية اليوم أن تأتي ببديل له.
وبهذا تبدو العلوم النفسية، الطب النفسي خصوصا، وكأنها خط الدفاع الضابط للأخلاقيات. لكن هذا الضابط لا يشكل سوى قمة جبل الجليد. فمن ناحية يقع الطب النفسي ومعه العلوم النفسية والإنسانية كافة تحت تأثير علوم أخرى مثل الاقتصاد والاتصال والإحصاء. وهذا الأخير بات قادرا على فبركة النتائج بأي اتجاه كان، وباتت الإحصاءات لعبة بدون قواعد (انظر فصل العرب والعولمة في هذا الكتاب). ومن ناحية أخرى فقد وقعت العلوم النفسية في أسر الفكر السياسي. فعلاقة هذه العلوم بالفلسفة علاقة قديمة وعضوية ومتبادلة. فلو راجعنا التصنيفات المقترحة للأمراض النفسية لوجدنا أنها متأثرة لدرجة التوحد بالفكر السياسي السائد. فالتصنيف الأميركي يعتمد المبادئ البراغماتية والظواهرية من خلال تحديده للتشخيص من خلال العوارض. حتى اعتبر بعض المؤلفين بأن التصنيف الأميركي هو حصان طراودة الذي يحاول الفكر الأميركي النفاذ من خلاله إلى عقول الأطباء النفسيين حول العالم. فإذا ما أضفنا الوقائع المتوافرة حول إساءات استخدام الطب النفسي فإنا نجد أن الفن المسمى بالسياسة قد امتلك القدرة على السيطرة، وعلى تسخير العلوم لمصلحته، مع بقاء قواعده سرية وعصية على الإرصان في مناهج أكاديمية خاضعة للمنطق العلمي وقابلة للتجريب
لكن الطابع العضوي لهذه العلاقة يعود عمليا إلى حاجة السياسة الماسة لأية وسيلة تسهل الاتصال الذي يحتاج بدوره إلى أية معلومة تساهم في إكمال فعاليته و تدعيمها.
هذا وتعود البدايات الحديثة لعلم السياسة إلى مطلع الخمسينيات، وهي اقترنت ببدايات علم النفس السياسي. فقد نشرت منذ مطلع هذا القرن العديد من البحوث النفسية- السياسية، التي بدأها فرويد بعودة إلى ما قبل الحضارة البشرية، لينتقل بعدها إلى دراسة الأساطير، وتحديدا مناقشة الأساطير اليهودية، ومسألة التوحيد في كتابه "موسى والتوحيد " ليدخل بعدها مباشرة إلى السياسة في مقالته "أفكار لأزمنة الحرب والموت ". ثم كانت دراسات يونغ الشهيرة حول الأساطير و اللاوعي الجماعي و علاقتهما باللاوعي الفردي. - وبعدها أتت محاولة اتباع فرويد والمنشقين عنه للتوفيق بين التحليل النفسي والسياسة والنظرية الماركسية خصوصا. كما تجدر الإشارة إلى الكتاب الذي نشره غراهام والاس في العام 1921 تحت عنوان "الطبيعة الإنسانية في ميدان السياسة". لكن البحث العلمي الحقيقي في ميدان السيكولوجيا السياسة بدأ في الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية. حين تدعمت هذه البحوث بهجرة مكثفة لعلماء النفس الأوروبيين الهاربين إلى أميركا من الحرب. فبدأت هذه البحوث من منطلقات إثنية (عرقية) وسخرت هذه البحوث لدراسة اللاوعي الجماعي والشخصيات الأممية لأصدقاء الولايات المتحدة وأعدائها، في محاولة لتسخير سيكولوجية الرأي العام في الاتجاه السياسي المناسب. وهكذا بحيث يمكن اعتبار ولادة السياسة والسيكولوجيا السياسية في مطلع الخمسينيات ولادة توأمية. لكن هذه الفترة، وتحديدا العام 1932 سجلت ترسيخ العلوم النفسية كعلم له منهجيته الطبية الصارمة. إذ شهد هذا العام ظهور دواء الكلوربرومازين (دواء معقل) الذي كان مقدمة لإرساء الطب النفسي كأحد فروع الاختصاصات الطبية، مما أذكى الصراع بين هذا الفرع المستجد (الذي وجد لنفسه التطبيقات في الميادين السياسية والعسكرية والحضارية.... إلخ) وبين بقية الفروع المعنية بهذه الميادين. بل إن الطب النفسي بدا وكأنه يحاول وضع النظم الأخلاقية لهذه الفروع، وخصوصا السياسية منها. إذ يرى الطب النفسي ضرورة الإفادة من معارفه (وضرورة مساعدة بقية الفروع له) لكي يحقق الضوابط الأخلاقية التالية:
1- إن أية أبحاث تعمل على إحداث تغييرات في الإنسان (مثل التربية العبقرية وأبحاث الهندسة الوراثية والاستنساخ والجراحة الدماغية.... إلخ). ويجب أن تكون خاضعة لسياسة اجتماعية صارمة تهتم بتوجيه هذه الأبحاث لتحسين شروط معيشة وسعادة الإنسان.
2- أن مثل هذه الأبحاث يجب أن يمنع توجيهها باتجاه تحقيق تفوق أفراد أو جماعات أو شعوب على حساب غيرها من البشر.
3- يجب النظر إلى جميع محاولات (تحسين) السلوك الإنساني على أنها اعتداء على حرية الشخص. باستثناء الحالات التي تتم فيها هذه المحاولات بطلب من الشخص نفسه لاستشعاره الحاجة إليها. على أن تدعم الآراء العلمية- الموضوعية هذا الاستشعار.
4- إن "اللاأنسنة" المتمثل باستبدال أعضاء بشرية هامة بأعضاء حيوانية هي مسألة تطرح إشكاليات أخلاقية خطيرة.
5- إن الرغبة الشخصية بالاستفادة من تقنيات معينة لاستغلالها لتحقيق أهداف شخصية من شأنها أن تنسف قواعد السياسة الاجتماعية وأخلاقياتها. الأمر الذي يقتضي التريث في تشريعها لقياس مدى قدرة هذه السياسة على استيعاب التعديلات. مثال على ذلك أن الدعوة العالمية للحد من زيادة السكان (ومعها دعوة الشعوب لا يتجاوز متوسط أعمارها الأربعين عاما للحد من التكاثر) تصطدم بالرغبات الشخصية في الإنجاب باستخدام تقنيات طفل الأنبوب أو الاستنساخ أو غيرها.
6- إن أية محاولة لتعديل الشخصية يجب أن تخضع لتحري دوافع هذه المحاولة سواء من قبل شخص أو من قبل الإختصاص لذي يتولى عملية التعديل.
7- إن تطور تقنية الاتصال (ومعها التجسس على الأفراد) يؤمن مراقبة دقيقة لسلوك الأشخاص مما يزيد من احتمالات إساءة الاستغلال السياسي لهذه المراقبة (خصوصا بعد أن نعلم أن دولا نامية عديدة تخضع بشكل جماعي لهذا النوع من المراقبة!).
8- إن موضوع ولادة بدون رحم، ومعها موضوع الاستنساخ، هي مواضيع تلامس حساسيات تحديد الانتماء العائلي. الأمر الذي يهدد مفاهيم البنية العائلية في المجتمع البشري. وهو تهديد يستحق الدراسة والمناقشة المعمقة.
9- إن محاولات زيادة الذكاء السكاني (نسبة 20%) أو ما يعرف بمحاولات إنتاج جيل من العباقرة، وأيضا محاولات زيادة متوسط أعمار البشر بحوالي عشرين في المئة إضافية، هي محاولات محفوفة بمخاطر الاحتكار الذي يؤدي إلى التفرقة والتمييز العنصريين (العلميين) مما يجعل تكاليف هذه الأبحاث الأخلاقية خارج إطار قدرة البشرية على تحملها، فهي تشجع فرز البشر إلى أذكياء وأغبياء، ما يعني ولادة نوع جديد من الأسباب الممهدة لانتهاك حقوق الإنسان.
10- ترتبط كرامة الإنسان بقاعدة ذهبية تقول: إن البشر يكونون أكثر فعالية وعطاء (أي أكثر إنسانية) عندما نعاملهم كأحرار مسؤولين متمتعين باستقلاليتهم الذاتية وبفرادتهم.
11- إن مسألة الحفاظ على التنوع الإنساني (الجيني والثقافي) هي مسألة حيوية- محورية. ومحاولة إنتاج مخلوقات مثالية جينيا (أو ثقافيا عن طريق العولمة) هي محاولة تحرم الإنسانية من هذا التنوع.
12- يجب أن تبقى العائلة الواحدة الرئيسة لتكاثر البشر، ويجب الإصرار على عدم استبدالها بأي من الوحدات المقترحة. وحول حبة الرمل هذه (أي العائلة) أي تطور اللؤلؤة التي تشكل التنوع الثقافي الإنساني. الذي لم تستطع الاقتراحات المطروحة لغاية اليوم أن تأتي ببديل له.
وبهذا تبدو العلوم النفسية، الطب النفسي خصوصا، وكأنها خط الدفاع الضابط للأخلاقيات. لكن هذا الضابط لا يشكل سوى قمة جبل الجليد. فمن ناحية يقع الطب النفسي ومعه العلوم النفسية والإنسانية كافة تحت تأثير علوم أخرى مثل الاقتصاد والاتصال والإحصاء. وهذا الأخير بات قادرا على فبركة النتائج بأي اتجاه كان، وباتت الإحصاءات لعبة بدون قواعد (انظر فصل العرب والعولمة في هذا الكتاب). ومن ناحية أخرى فقد وقعت العلوم النفسية في أسر الفكر السياسي. فعلاقة هذه العلوم بالفلسفة علاقة قديمة وعضوية ومتبادلة. فلو راجعنا التصنيفات المقترحة للأمراض النفسية لوجدنا أنها متأثرة لدرجة التوحد بالفكر السياسي السائد. فالتصنيف الأميركي يعتمد المبادئ البراغماتية والظواهرية من خلال تحديده للتشخيص من خلال العوارض. حتى اعتبر بعض المؤلفين بأن التصنيف الأميركي هو حصان طراودة الذي يحاول الفكر الأميركي النفاذ من خلاله إلى عقول الأطباء النفسيين حول العالم. فإذا ما أضفنا الوقائع المتوافرة حول إساءات استخدام الطب النفسي فإنا نجد أن الفن المسمى بالسياسة قد امتلك القدرة على السيطرة، وعلى تسخير العلوم لمصلحته، مع بقاء قواعده سرية وعصية على الإرصان في مناهج أكاديمية خاضعة للمنطق العلمي وقابلة للتجريب