منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By مشاري بن سعود
#62708
أوجست كونت
مقدمـــة :
يعتبر اوجست كونت من أوائل العلماء والفلاسفة بعد ابن خلدون الّذين اسهموا في نشأة وتطور علم الإجتماع ، وهو الّذي أطلق اسم علم الإجتماع ، على العلم الّذي يهتم بدراسة الظواهر الإجتماعية .
وضع أوجيست كونت الأسس المنهجية للعلم الجديد والإطار المنهجي لعلم الاجتماع يستند أساساً إلى الفكرة التي مؤداها أن المفهومات مشتقة من الواقع وأن الظواهر خاضعة لقوانين عامة. والمعرفة الوضعية تستمد عن طريق عدد من المصادر والإجراءات هي (الملاحظة ، التجربة ، المقارنة ، المنهج التاريخي)( ).
حياتــــه :
ولد " كونت " في يناير عام 1798 في فرنسا بمدينة " مونتيليه " وكان والده كاثوليكياً وشغل منصب حكومياً ، وكان متديناً وكرّس حياته من أجل دينه ورعاية أسرته ولقد التحق كونت بمدارس التعليم المختلفة .
وفي عام " 1814 " عندما هاجم الحلفاء باريس سعى كونت وزملائه لمقاومة الغزاة ، وذلك في ضواحي باريس ، ولكن بعد مجئ نابليون إلى الحكم اعتنق آراء الجمهورية وحلم بوجود دولة مستقلة حرة وقوية ، وفي عام 1817 م تعرف كونت على أستـاذه " سان سيمون " الّذي كان يشتغـل ذلك الوقـت رئيساً لمجلة الصناعة . وقد عمل كونت سكرتيراً في نفس المجلة ، وذلك تحت إشراف " سان سيمون " الّذي كان ارستقراطياً ، وأصبح بعد ذلك من أبرز الدعاة إلى المذهب الإشتراكي .
وأهم المفكرين الذين وضعوا جذور المدرسة الفرنسية الإجتماعية خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر .
وجاءت آراء كونت متفقة مع استاذه "سيمون " حول حلمهما بوجود دولة قوية تقوم على تنظيم الحياة الإجتماعية ، وظلّ عمل كونت مع سان سيمون لمدة ستة أعوام كاملة ، ولقد دعا كل منهما إلى أهمية وجود علم مستقل مثل الفيزياء الطبيعية ، يهتم بدراسة الحياة الإجتماعية ، والعمل على إكتشاف القوانين الإجتماعية ، التي يمكن استخدامها في دراسة الظواهر والمشكلات والقضايا الواقعية ، ولكن بعد هذه الفترة انفصل كونت عن استاذه وبدأ يهاجم كل منهما الآخر ، حول افكارهما المتطورة والقضايا الإجتماعية المختلفة ، وسعى كونت لأن يطور من أفكاره ، ويهتم بالتأليف وإلقاء المحاضرات الإجتماعية ، والحق أنّ كونت وفكره ما هو إلاّ صدى ، مما كان يعانيه المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت . فلقد أخذ على نفسه أن يصلح المجتمع الفرنسي ، بعد ماخلفته الثورة وراءها من فوضى وفساد ، فلقد كان الإصلاح غاية . لأنه رأى بأنه لابد من ربط الفلسفة بالحياة ، فإصلاح المجتمع لايمكن أن يتحقق إلا إذا أصلحت الاخلاق ، والأخلاق لاتستقيم إلاّ إذا تحقق الإتفاق بين العقول ، وهذا ماحدث بعد الثورة الفرنسية التي أطاحت بالنظام القديم ووجهت النقد إلى الديانة المسيحية التي عجزت عن متابعة خط العلم في ذلك الوقت .
مسيرته العلمية والعملية:
لم ينتظم"كونت" في التعليم طويلاً لظروف سياسية، ولكنه تولى تعليم نفسه, فدرس الرياضيات وبرع فيها, والتحق بمدرسة الهندسة بباريس، في السادسة عشرة من عمره ،ثم درس الفلسفة وبرز فيها كثيراً, وفي أثناء دراسته اتصل بالفيلسوف الفرنسي "سان سيمون" وهو من رواد المذهب الاشتراكي في القرن التاسع عشر وعمل سكرتيرا له لخمس سنين (1817- 1822م). ثم اختلف معه حول بعض القضايا الفكرية فتركه، ذلك لأن "سان سيمون" كان شغوفاً بالسياسة وذا بصر نافذ فيها، وأما "أوجست كونت" فقد كان شغوفاً بالعلم وغير مهتم بالأمور السياسية، وانصرف للتأليف، وبدأ بتحرير موسوعة العلوم الواقعيّة، وإلقاء المحاضرات في " فلسفة العلوم", سنة "1826م" وكانت محاضراته تجتذب الكثيرين من العلماء, لكنه بعد ثلاث سنوات أصيب بلوثة عقلية وانهيار عصبي , فعُنِيَتْ بِهِ زَوجته ، حتى عاد إليه اتزانه العقلي، فاستأنف محاضراته في سنة 1829م ولم يطل به الأمر حتى عاوده المرض العقلي فتعرض لأزمة عقلية أخرى، كان سببها هيامه بامرأة عشقها حتى الجنون، تعرَّف عليها سنة "1844" وتوفيت بعد سنتين، فحاول الانتحار, لكن امرأته عنيت به حتى مرت تلك اللوثة التي بدا أنه شفي منها ظاهراً, بينما كانت لوثته وجنونه يعيشان معه يستقي منهما أفكاره وفلسفته, حتى كان ذلك الكم الهائل الذي جاء به من فلسفته التي أقل ما توصف به أنها فلسفة ساقطة, وفكر تافه لا يصدر إلا عن رجل مجنون, وقد ظل يدعو إلى أفكاره وفلسفته وبخاصة الدين الذي اخترعه حتى استطاع في أواخر حياته أن يجتذب إليه طوائف من أمثاله, ثم هلك في سنة 1857م.
المؤثرات التي أثرت في شخصية " أوجست كونت "
ترجع المؤثرات التي أثرت في شخصية " أوجست كونت ", وفي نتاجه الفكري والفلسفي إلى عوامل كثيرة نجملها في ما يلي:
1- العصر الذي عاش فيه "كونت"
اتسم العصر الذي عاش فيه "كونت" بالفوضى الفكرية, والغوغائية المذهبية, فقد ظلت الشعوب الغربية تعيش حالة من الكبت والحجر على الحريات لأكثر من ألف عام تقريباً. وكانت تلك الشعوب محصورة بين مطرقة رجال الكنيسة وفسادهم وبين سنديان الإقطاع والملوك الظلمة، حيث كان معظم رجال الدين يعيش حياة الترف والملذات والشهوات، والانغماس في الفسق والرذائل، كما امتلكت الكنيسة العقارات والأراضي التي بلغت عشرات الآلاف من الأفدنة، بالإضافة إلى استيلاء الكنيسة على أرواح الناس من خلال فرضها جملة من التشريعات التي تجعل أرواح النصارى بقبضة رجل الدين منذ ولادته إلى وفاته، فالطفل لابـد أن يعمِّده حيـن ولادتـه رجل ديـن، ومراسـم الزواج لابـد وأن تجري على يد رجل الدين في الكنيسة، وكذا الاعتراف بالذنب لابد وأن يكون أمام رجل الدين، وقد يمنحه رجل الدين صكك غفران، خاصة إذا دفع له مبلغاً من المال، كما فرضت الكنيسة على العقول ألا تفكر في أمور الكون المادي وأن تلتزم بالتفسيرات الكنسية له، والعلماء الذي يخرجون بعلمهم عن مقررات الكنيسة فإن التعذيب والحرق بالنار مآلهم.
هذا من جانب, ومن جانب آخر مساندة الكنيسة للظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتمثل في الإقطاع والملوك الظلمة، فقد وقفت الكنيسة في صف الإقطاع تدافع عنه، وتتوعد الثائرين على ظلمه، تهددهم بقرارات اللعن والطرد من ملكوت الله، وحجب صكوك الغفران عنهم، فلما جاء الوقت الذي ثارت فيه الشعوب على ثنائي الجريمة, واستنشقت نسيم الحرية لأول مرة منذ ألف عام, انطلق الناس كالسوائم التي طال سجنها فأصابها ما يشبه السعار فأخذوا يعبرون عن أنفسهم بأفكار وآراء على قدر كبير من الشذوذ, والكثير من هذه الآراء والأفكار تخطى عدوة العقل إلى عدوة الجنون, وليس من شك في أن أفكار "كونت" تعتبر أوضح مثال على ما بيناه.
2 - عداء "أوجست كونت" الشديد للدين بالرغم من حاجة المجتمع إليه:
ترجع بعض أسباب معاداة "كونت" للدين إلى ما اتسمت به أسرته من التدين الشديد, والتمسك بالنصرانية في تزمت وتعصب مما جعل الأمر ينقلب عنده إلى " ردة فعل" عكسيَّة دفعت به إلى العدوة القصوى من العداء والمقت للدين, ولعل السبب الأقوى والمؤكد في عداء أوجست كونت للدين إنما يرجع إلى ما أدركه من حاجة المجتمع إليه، الأمر الذي أصابه بالحيرة والاضطراب وفقدان الاتزان النفسي والفكري، فهو يمقت الدين ويرى أنه خرافة ووهم، وفي الوقت نفسه يدرك جيداً أن الدين يمثل ضرورة جوهرية للمجتمع لا يمكن الاستغناء عنها, من هنا اشتعلت نار الحقد في قلبه, إذ كيف سيتصرف مع هذا العدو الذي لا غنى عنه ؟
3- حالة أوجست كونت النفسية والعقلية:
تاريخ "أوجست كونت" الشخصي يكشف أنه كان مصاباً بأمراضٍ نفسيةٍ وعقليةٍ كما رأينا من قبل, بالإضافة إلى كونه صاحب مزاج حاد, ونفسية مهزوزة, وطبيعة متقلبة, ومشاعر مضطربة، كل هذه الأمراض لازمته طوال حياته وتركت آثارها على مسيرته الفكرية كلها.., ومثل هكذا شخص لايمكن أن ننتظر منه فكراً سليماً, ولا فلسفة سوية . . وليس من باب المصادفة أن أهم نتاج أوجست كونت في الفكر الإنساني ومراحله, والدين الذي اخترعه ودعا إليه, إنما كتبه وهو في حالة جنونه الأخيرة والتي لم يشف منها, بل لازمته ما بقي من عمره, وقد كان يصرح بأن معشوقته التي هلكت تتمثل له, وتعايشه وتملي عليه جميع أفكاره ومشاريعه الفلسفية, وبخاصة مشروعه الذي أسماه" دين الإنسانية ".
الأسس التي تقوم عليها الفلسفة الوضعية عند أوجست كونت :
فيما يلي أهم الأسس التي تقوم عليها الفلسفة الوضعية:-
أولاً: الفلسفة الوضعية لا تؤمن بما لم تثبته العلوم التجريبية
تقوم الفلسفة الوضعية أول ما تقوم على الإيمان فقط بما تثبته العلوم التجريبية، وتزعم أن الفكر الإنساني لا يُدرك سوى الظواهر المدركة بالحس ، والوقائع التي تثبتها التجربة ، وما بينها من علاقات ، أو قوانين، أما البحث وراء الظواهر الطبيعية عن علل خافية, فهذه كلها أوهام وخرافات ما ينبغي أن يفكر فيها أحد، يتضح من هذا أن المذهب الوضعي مذهب مادي إلحادي يقوم على الإيمان بالمادة وحدها, وينكر كل ما وراء المادة والحس, ويرى أن المعرفة اليقينية هي المعرفة الحسية المادية التي تقوم على الملاحظة والتجربة الحسية. وكل معرفة لا تقوم على الحس أو التجربة فإنها عند أولئك وهم وخيال .
المذهب الوضعي إذن مذهب مادي إلحادي ينكر الأديان, ويرفض الغيب والمغيبات عن الحس, ويطعن في كل معرفة تأتي عن طريق الوحي, لأنه لا يؤمن بوجود الموحي سبحانه.
ثانياً: قانون الحالات الثلاث
زعم" كونت " أن العقل البشري مر منذ تاريخه الأول حتى عصر العلوم التجريبية بحالات ثلاث متتابعة ومتوالية. وكل مرحلة تسلم للتي تليها ، وهذه الحالات الثلاث يطلق عليها " كونت " " قانون التقدم الإنساني" "وكونت" مثله مثل الفلاسفة الماديين الملحدين يعتقد أن البشرية بدأت حياتها بدائية قريبة من حياة الحيوان، ثم تقدمت تدريجياً عن طريق الخبرات والتجارب الحياتية, دون معونة أو توجيه من وحي أو إله حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. أما الحالات الثلاث التي زعمها كونت فهي:-
الحالة الأولى: اللاهوتية
الحالة الثانية: الميتا فيزيقية
الحالة الثالثة: الوضعية
أولاً:- الحالة اللاهوتية
يزعم " كونت " أن العقل الإنساني هذه الحالة كان يبحث عن كنه الأشياء وحقيقة الظواهر, وكان يحاول إرجاع كل طائفة من الظواهر إلى علة أو مبدأ مشترك. وزعم "كونت "أن العقل الإنساني في هذه الحالة قد مر عبر ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: ويسميها المرحلة (الفَتَشِيَّة –أو- الفِيتْشِيَّة)
وهي الإيمان بالأفتاش وفي هذه المرحلة كان الإنسان يخلع على الأشياء والظواهر الطبعية من حوله نوعاً من الحياة, ويعتقد أن لها تأثيراً في حياة الناس وأنها تتصرف في مصائرهم. ومن ثم كان الإنسان في هذه المرحلة يعبد هذه الظواهر أو هذه الأشياء, ويتقدم إليها بأنواع من الطقوس دفعاً لضرها وطلباً لنفعها.
المرحلة الثانية: (تعدّد الآلهة)
زعم "كونت" أن الإنسانية في هذه المرحلة أخذت تسلب الحياة وقوة التأثير عن الظواهر الطبيعية التي كانت تؤلهها وترجع القوة المؤثرة في الوجود من حولها إلى كائنات علوية غير منظورة وهي كائنات متعددة بتعدد شئون الحياة ؛ فإله للزرع وآخر للمطر وثالث للصيد وهكذا لكل لشأن من شئون الحياة إله علوي غير منظور
المرحلة الثالثة: مرحلة ( التوحيد)
زعم كونت أن البشرية في هذه المرحلة قد جمعت الآلهة المتعدِّدة التي كانت تعبدها في إله واحدٍ مفارقٍ لكل الظواهر المادية الطبيعية، أي: علوي غير منظور خارج عن عالمنا الذي نعيش فيه، ويضرب أوجست كونت مثالا لهذه المرحلة الأخيرة بظهور الدين النصراني والدين الإسلامي، وقد رأى " كونت" أن من خصائص الحالة اللاهوتية وبخاصة في مرحلتها النهائية أن موضوعها مطلق وأن تفسيرها للظواهر والأحداث تعتمد " ما فوق الطبيعة " وأن منهجها خيالي وهمي ، وأن كل ما لدى أصحابها أمور ذاتية لا صله لها بالواقع أو الموضوع، لكن "كونت" لاحظ شيئا آخر على قدر كبير وخطير من الأهمية ، حيث لاحظ أن الدين – أي دين – يمثل أساساً متيناً وضرورياً وحاجةً ملحةً للمجتمعات الإنسانية وللعلاقات الاجتماعية وأنها تمثل ضرورة اجتماعية على الفرد أو الجماعة ، كذلك لاحظ أن الدين – كذلك - يمثل من الجانب السياسي الأساس الذي تقوم عليه سلطة الكهنة والملوك حيث يستمدون سلطاتهم لدى الجماعة من الدين الذي تدين به الجماعة، وهذه الملاحظة الأخيرة التي لاحظها " كونت " وهي ضرورة الدين للمجتمعات الإنسانية سيكون لها أعمق الأثر في فلسفته بعد ذلك – على ما سنرى إن شاء الله تعالى
ثانياً: الحالة الميتافيزيقية
وفي هذه الحالة يحاول العقل الإنساني أيضاً أن يكتشف حقائق الأشياء وأصولها مصائرها ولكنه في هذه الحالة بدلا من أن يبحث عن علل مفارقة للظواهر كما فعل في الحالة الأولى، فإنه يرفض العلل المفارقة، ويبحث عن علل وأهداف في ذات الأشياء وبواطن الظواهر، ففي هذه المرحلة لا يرجع العقل الإنساني حقائق الظواهر أو الأحداث إلى علل مفارقة، وإنما يرجعها إلى نظم وقوانين وأسباب داخل الأشياء ذاتها، حيث أخذ يرجع العلل إلى قوى متعددة بتعدد الظواهر مثل القوة المكيانيكية، القوة الفيزيائية، القوة الحيوية .. إلى غير ذلك من قوى متعددة ثم انتهى الأمر بالعقل الإنساني إلى توحيد هذه القوى المتعددة في قوة واحدة هي ( الطبيعة ) فالطبيعة أصبحت جامعة لكل القوى التي كانت متفرقة في الظواهر والأشياء، ويلاحظ "كونت" أن هذه الحالة الميتافيزيقية شبيهة بالحالة اللاهوتية من حيث موقف العقل الإنساني منهما، حيث بدأ الإنسان يعتقد في التعدد ثم انتهى بالتوحيد مع اختلاف الموضوع في الحالة الميتافيزيقية عنه في الحالة اللاهوتية
ثالثاً:الحالة الوضعية
يرى " كونت" أن العقل الإنساني في المرحلتين السابقتين كان يعيش حالات من الأوهام الذاتية والخرافات المتوارثة التي لا صله لها بالواقع . ولذلك كان يتخبط من الحالة اللاهوتية بمراحلها الثلاث ، ثم الحالة الميتافيزيقية ، لكن الأمر لا يستمر على ذلك بل أن العقل ينتقل من هذه الأوهام الذاتية إلى حقائق الحالة الوضعية.
والعقل في هذه الحالة يتخلص في الواقع من أوهام اللاهوت والميتافيزيقيا، ويدرك الأشياء على حقيقتها كما هي في الواقع والموضوع . ويرى كونت أن السبب في تخبط العقل في الحالتين السابقتين أنه كان يبحث في الأشياء عن حقائقها وعللها المطلقة لكنه أخيراً أدرك أنه من المستحيل الحصول على حقائق مطلقة يقينية لذلك فهو يقتصر على الاهتمام بأن يَتَعرَّف على الظواهر الكونيّة من خلال واقعها المادي الوضعي القائم على الملاحظة والتجربة، ورأى أنه في هذه الحالة تَحُلُّ الملاحظة للظواهر الكونية محلّ الخيال الذي كان في الحالة الأولى ، ومحلّ الاستِدلالِ الفكريّ الذي كان في الحالة الثانية ، وتأتي التجربة فتدعم الملاحظة أو تعدّلها أو تبدّلها، وقد قرر " كونت" أن هذه الحالات الثلاث التي مرت على الإنسانية أو مر بها العقل الإنساني عبر رحلته الطويلة منذ كانت الإنسانية حتى عصره ، هذه الحالات تمر على الإنسان نفسه أو يمر بها كل إنسان عبر حياته أو مراحل عمره: ففي طفولته أو بداية حياته يقنع بالحلول اللاهوتية ثم في منتصف حياته يتحول إلى الحالة الميتافيزيقية فيبحث عن العلل وحقائق الأشياء في باطن الظواهر والأشياء . ثم في أواخر حياته حيث يكون قد نضج عقلا وفكرا ينتقل إلى الحالة الوضعية فيعتمد على ملاحظة الظواهر ويجري عليها التجارب متخذًا المنهج الوضعي طريقاً للوصول إلى القوانين التي تحكم الأشياء .
دين الإنسانية عند"كونت"
وقع " كونت" بين أمرين متعارضين:
الأول: أشرنا فيما سبق وهو أن " أوجست كونت" رأى أن الأديان لا حقيقة لها ولا صلة لها بالواقع, وأنها من الأوهام الذاتية, والأساطير الجماعية التي اخترعتها الأحوال الاجتماعية تحت ظروف معينة.
الثاني: في الوقت نفسه لاحظ "كونت" أن الدين- أي دين- يمثل ضرورة اجتماعية ملحة, لما فيه من نفع لحياة الإنسانية وتقدُّمها حيث إنه من أهم العوامل التي تؤدي إلى تماسك أفراد المجتمع واستقرارهم نفسياً واجتماعياً, كما أن الدين يمثل الأساس المتين الذي تقوم عليه العلاقات بين الأفراد, ويعتمد عليه التوازن الاجتماعي على مستوى الفرد والجماعة.
وهنا يبرز سؤال : ماذا يفعل " كونت " إزاء هذه المعضلة ؟ وكيف يحل هذا الإشكال؟
رأى "كونت" أن يخترع ديناً يجعل فيه "الإنسانية" هي الجهة المقصودة بكل الأعمال الدينية التي رأى أنها تجمع بين الفضيلة والتأملات الفكرية والتوجهات النفسية العاطفية، لتكون فكرة "الإنسانية" بدل الرب الخالق، الذي زَعَمهُ قِمَّة الحالة الثانية من الحالات التي مرَّ بها العقل البشري في أطواره، وحين بدا له أن يخترع هذا الدين رأى أن تُوَجَّه العبادةُ بالفكر، والعاطفة والعمل، لمحبَّة الإنسانية وخيرها، وتقدُّمِها الارتقائي، لقد رأى كونت أن الإنسانية هي أعظم شيء في الوجود يستحق التقدير والإعجاب والإكبار. ذلك أنها – كما يراها- حقيقة ممتدة من الماضي البعيد إلى الحاضر, ووجودها وجود مادي حسي مشاهد, ليس هذا فحسب, بل كل فرد من أفرادها يشارك في صنعها وفي وجودها وتحققها، إنه يريد أن يؤكد على أن معبوده في دينه الجديد "الإنسانية" معبود حي مؤثر فاعل, فهو إذاً يعبد حياً وليس ميتاً.
المعبود في الدين الجديد:
بعد أن بيَّن كونت دينه الجديد الذي جعله بديلاً عن الأديان كلها، يبدو أن تسرباً ما تسرب إليه من ثالوث النصرانية باعتباره نصرانيّ الأصل، فرأى أن يخترع لدين الإنسانية الذي اخترعه ثالوثاً من نوع آخر غير ثالوث النصارى، فبين أن " الإنسانية " التي هي المعبود الأعظم لا تعيش معلقة في فراغ, بل تعيش على الأرض, وتسبح في الهواء وتظلها السماء. فصاغ المعبود في دينه الجديد من هؤلاء الثلاثة: الإنسانية- الأرض- السماء والهواء.
وقد وضع لكل من الثلاثة اسماً خاصاً به؛ فصار معبوده مكوناً من
أ‌-الموجود الأعظم. ويقصد به الإنسانية
ب‌- الفَتَشُ الأعظم. ويقصد به الأرض
ت‌-الوسط الأعظم. ويقصد به السماء والهواء
أنواع العبادة في الدين الجديد:
قسم " كونت " العبادة في دينه الجديد إلى نوعين:
الأول:- عبادة فردية:
وفيها يتوجه الفرد بالعبادة والتقديس لمن لهم فضل عليه كأبيه وأمه وأستاذه وزعيمه السياسي، أو إلى مجموعة من أهله أو عشيرته أو قومه تكريماً للإنسانية الموجود الأعظم في أشخاصهم
الثاني:- عبادة مشتركة:
وفيها يتوجه الناس جميعاً بالعبادة وبشكل جماهيري جماعي, إلى الأفراد الذين قدموا خدمات للإنسانية كلها, وامتازوا بالجد والاجتهاد في تقدم الإنسانية تكريماً للإنسانية التي يمثلونها كل ذلك في أيام معينة يطلق عليها "كونت" اسم أعياد تذكارية يتوجهون فيها بالعبادة في كافة المجالات العلمية الاقتصادية والفنية وغيرها
رجال الدين الجديد
ولأن كل دين لا بد له من رجال دين يُعرف بهم فإن " كونت " أنشأ هيئة "إكليريكيّة" أي هيئة دينية عليا، على مثل الأنظمة الكنسية جعل مهمتها الإشراف على شئون الديانة الجديدة, والدعوة إليها, وتوضيح طقوس العبادة فيها، كل ذلك حتى لا تكون العبادة في دين "الإنسانية" قضيّة مطلقةً غير محدّدة المعالم ، ودون ترتيبٍ ونظام ، وحتى لا تكون واجبات الفرد العمليّة نحو "الإنسانية" غامضة غير مبيّنة الحدود، وفي هذه الهيئة- أيضاً- نصطدم بتأثير التثليث النصراني في "أوجست كونت". حيث جعل هذه الهيئة مكونة ومنتخبة من ثلاث فئات, هم : الفلاسفة- الشعراء- الأطباء

طبقات المجتمع في الدين الجديد
مثل " كونت " الإنسانية المعبودة بكائن أعظم يتمثل في المجتمع كله بجميع طوائفه. وجعل لهذا المجتمع من الأعضاء والحاجات مثل ما للإنسان المفرد الحقيقي . ومن ثم فقد قسم المجتمع إلى أربع طبقات:
الطبقة الأولى : طبقة " الإكليريك " أو رجال الدين، وجعل منزلتهم من المجتمع منزلة الرأس المفكر, والعقل المدبر من الإنسان
الطبقة الثانية : طبقة النساء، وهن في المجتمع بمثابة أعضاء العاطفة والمشاعر والوجدانات الكفيلة باستكمال الإنسانية التي هي الموجود الأعظم .
الطبقة الثالثة : طبقة رجال الصناعة والمال، وهم في المجتمع بمثابة أعضاء التغذية والنمو في الفرد .
الطبقة الرابعة : طبقة العمال، وأخيراً يأتي في نظره دور العمال وهم بمثابة أعضاء الحركة والنشاط الإنتاجي في الفرد .
تعليق على الدين الجديد:
هذا الذي اخترعه" كونت" وأسماه " دين الإنسانية" هو ليس إلا خرافة أكثر من الخرافة نفسها ولست مبالغاً لو قلت أن الخرافة أكثر قيمة وأعلى قدراً من هذا الذي أسماه كونت ديناً بل إنَّ طرحه لهذا المشروع ليس إلا إزراء بالعقل وبالمنطق السليم, وإهانة للفكر ذلك لأن:
1- الأديان لا تقترح ولا تطرح على الناس كما تطرح أي فكرة أو رأي أو مشروع .
2- جرد كونت دينه من " الغيب " وقد غفل - جهلا منه وحمقاً - عن أن الدين من حيث كونه ديناً لا يمكن أن يقوم إلا على الغيب. حتى الأديان التي تعتمد عبادة الأشخاص أو الأوثان المادية المحسوسة لا تستقيم عبادتها إلا على اعتقاد معتنقيها قوي غيبية تحل في هؤلاء الأشخاص أو الأوثان. وإلا ؛فكيف يصير الإنسان إلها عند عابدي الأشخاص وهو على حاله دون اتصاله بقوى غيبية, وامتلاكه إمكانات لا يمتلكها غيره ؟
نقد فلسفة "كونت" الوضعية:
1- نلاحظ أن "أوجست كونت" وهو يتكلم عن فلسفته الوضعية قد بهره العلم القائم على الملاحظة والتجربة، فهو يصدر عن فكر نظري بحت حصر فيه الحقيقة كلها، وعن أوهام ذاتية خالصة لا صله لها بالواقع، وبذلك أضحى – وهو الذي ينعي على الأوهام الذاتية ويدعو إلى الوضعية – مثالاً واضحاً أو أنموذجاً فاضحاً لهؤلاء الذين يعيشون أسرى الأوهام الذاتية من جانب ثم يصدرون في فكرهم عن أبحاث نظرية لا صله لها بالواقع أو الموضوع من جانب آخر وبذلك فقد الفيلسوف مصداقيته من اللبنة الأولى للنظرية التي أقام عليها فلسفته، وقد وقع "كونت" في هذه المناقضة الواضحة بين ما يدعو إليه والحقيقة التي هو عليها فعلاً حين أقام نظريته في قانون التقدم الإنساني الذي أطلق عليه " قانون الحالات الثلاث" على فكر نظري خيالي بحت، دون أن يعنى بدراسة المجتمعات الإنسانية في بيئاتها المختلفة، وأقاليمها المتعددة، ودون أن يعطي الحضارات الدينية والوحي الإلهي لدى المتدينين حقه من حيث البحث والنظر والتحليل والتحقق.
2- إن قانون الحالات الثلاث التي ذكرها "كونت" وأقام عليها نظريته لا تبدو متعاقبة في المجتمعات الإنسانية كما زعم، بل تختلف المجتمعات فيما بينها من حيث مرورها بهذه الحالات الثلاث إن هي وجدت، فبعض المجتمعات يسير فيها الفهم العلمي للظواهر والأشياء متساوياً مع الالتزام الديني أيا كان حظ الدين من الحق أو الباطل ، وذلك كالغرب النصراني، أو الشرق الهندوسي، وبعضها يسير فيها الفهم العلمي بعيداً عن الدين كما كان الحال في روسيا الشيوعية قبل أن تسقط الشيوعية، فالحالة الوضعية – كما يسميها "كونت" – لم تأت على أنقاض الحالة اللاهوتية بل صاحبتها في جملة من المجتمعات الإنسانية عدا المجتمعات الشيوعية، والتي ما إن زالت الشيوعية عنها حتى عادت إلى ما أسماه "كونت""الحالة اللاهوتية " وعاد الناس كلُ ذي دين إلى دينه
3- عكس "كونت" الأوضاع وقلب الحقائق حين زعم أن التعدد هو الأصل وأن التوحيد طارئ في آخر المراحل، فلم تبدأ الإنسانية دينها بالتعدد ثم تنتهي بالتوحيد، بل هناك مجتمعات تقدمت في مسيرتها العلمية – أو الوضعية – وهي مازالت متمسكة بدينها الوثني القائم على التعدد، كما في الهند واليابان وما يماثلها.
من هنا فإنَّ هذا الرأي مناقض تماماً بل مصادم للحق الذي قامت عليه السموات والأرض ونؤمن به نحن المسلمين، بل ويؤمن بها كذلك اليهود والنصارى بالرغم مما وقع في كتابيهما من تحريف وتبديل, فنحن نؤمن بأن أبا البشر آدم عليه السلام قد خلقه الله – تعالى –وأهبطه إلى الأرض نبياً، فهو – عليه السلام – أول الأنبياء، وهو أول البشر ، والدين الذي جاء به هو دين التوحيد لله رب العالمين، لا شريك له، وعلى دين آدم عليه السلام كان أولاده ولم يحدث التعدد والوثنية إلا من بعد نوح عليه السلام
فالتوحيد – إذن – هو أصل الدين في الإنسانية والتعدد هو الطارئ الذي جاء بعد التوحيد
4- تحفظ "كونت" على الغيبيات الثابتة في المفاهيم الدينية، فهو لم يثبتها ولم ينكرها، ذلك لأنه لم يجد في الأدلة المادية من العلم القائم على الملاحظة والتجربة ما يُقْنِعُه بوجودها، فسكت عنها، واستبعد عن تصوُّره الأدلّة العقلية البرهانيَّة القاطعة، متشبثاً باعتماد ما تثبته الملاحظة والتجربة العلمية فقط ، ولقد كان الانبهار بالعلوم التجريبية ومنجزاتها سِمَة كثير من مثقفي القرن الثامن والتاسع عشر في أوروبا والغرب عامة ، ولكن هذا الانبهار قد بدأ يتناقص ويأخذ طريقه إلى التلاشي ، بعد أن تقدّمت المعرفة الإنسانية، وظهر في عالم العلم التجريبيّ تعديلات لكثير من المفاهيم التي كانت في تصوّر الناس من الحقائق التي قدّمها هذا العلم .
لقد اضطُرَّ العلم التجريبي إلى أن يُثْبت تعليلاتٍ وتفسيراتٍ وأسباباً غَيْرَ مدركة بوسائله، لأنها ضرورية لاستكمال حلقات المعرفة، لقد اضطُرَّ العلم التجريبي أن يثبت إلكترونات الذرة مع أن أحداً من العلماء لم يشهدْها بوسائل العلم، واضطُرَّ العلم التجريبي إلى أن يُثْبت قُوى الجاذبية بين الكُتَل المادّيَّة، مع أن وسائل العلم المادي لم تُدرك غير آثارها، فلا يَعْرِفُ العلم التجريبي عن حقيقتها شيئاً، إلى غير ذلك من غيبيات اضطُرَّ العلم التجريبي أن يثبتها . وقد بدأ الإيمان بالله ، وبالغيبيات التي جاء بها الدين، يظهر من جديد، في مختبرات العلوم التجريبية، وفي أروقة الجامعات العلمية الغربية الكبرى، على ألسنة كبار العلماء الماديين
وبدأت رحلة عودة كبار علماء الطبيعة إلى الأخذ بمعارف الدين الصحيح، الخالي من التحريفات البشرية الدخيلة عليه، وبدأ يؤمن بالإسلام كبارُ أهل الفكر والعلم في مختلف أرجاء العالم ، كُلَّما استبصر بحقائقه منهم باحثٌ متأمّل منصف ، يخشى عاقبة عدم استجابته للحق الذي بعث الله به رُسُله
علم الإجتماع عند كونت وأسباب تطــوره
جاء تحديد معنى نشأة علم الإجتماع بواسطة " اوجست كونت " عندما نشر " البلجيكي " كيتليه مؤلف بعنوان " الطبيعة الإجتماعية " محاولاً إستخدام الإحصاء في دراسة الظواهر الإجتماعية ، ولكن عارض " كونت هذه الفكرة واضطر لإستخدام مفهوم علم الإجتماع بدلاً من الطبيعة الإجتماعية .
ولقـد أدرك كونت أهمية هذا العلم الجديد ، فكتب يقول ، إنه لدينا الآن فيزياء سماوية ، وفيزياء أرضية ، ميكانيكية أو كيميائية ، وفيزياء نباتية وحيوانية ، ومازلنا بحاجة إلى نوع آخر من الفيزياء هو الفيزياء الإجتماعية .
وقد عرف هذا العلم " بأنه العلم الّذي يهتم بدراسة الظواهر الإجتماعية ويجعلها موضوعاً للدراسة والتحليل .
كذلك حرص كونت ليوضح لنا ، أنّ الهدف الآخر من إنشاء علم الإجتماع ، هو إكتشاف التطورات التي طرأت على المجتمعات البشرية منذ واقعها الأولي وتحولت بصورة تدريجية إلى المجتمعات الحديثة والمتطورة .
كان حرص اوجست كونت على إصلاح المجتمع وتخليصه من عوامل الفوضى والإضطراب ، هو الّذي دفعه بالدرجة الأولى إلى تطوير علم يهتم بدراسة الظاهرة الإجتماعية .
واعتقد "كونت" أنّ سبب عدم فهم الظواهر الإجتماعية خاصة التي تظهر في شكل فوضى وفساد راجع لعدم كفاية النظريات والمناهج المطبقة في بحث ودراسة هذه الظواهر ، وبالتالي عجز المفكرون لم يتوصل المفكرون والمصلحون في عصر " اوجست كونت " من الوصول إلى أسلوب وطريقة فعالة ومناسبة للإصلاح الإجتماعي ، خاصة بعد قيام الثورة الفرنسية وقد اقترح " كونت " منهج للتفكير والبحث يجمع اسلوب التفكير والبحث الوضعي وبين الإسلوب التأملي والميتافيزيقي ( ماوراء الطبيعة ) ، وذلك كما يبدو واضحاً في تأكيده على أهمية تطبيق المنهج الوضعي ، دون تجاهل الأسلوب التأملي لدراسة وتفسير كل الظواهر الطبيعية والإجتماعية ، لأنّ الظواهر الإجتماعية لاتختلف كثيراً عن الظواهر الطبيعية لأنها تتصف بالآتي :
1- تخضع الظاهرة الإجتماعية لقوانين محدّدة وليس للرغبات أو المصادفات . لأنه إذا كانت أي ظاهرة غير خاضعة لقوانين فإنه يستحيل فهمها بطريقة موضوعية .
2- إنّ الظواهر الإجتماعية ثابتة نسبياً ، فهي لاتتغير ولا تتبدل بسرعة .
3- إنّ القوانين التي تتحكم في الظاهرة الإجتماعية موجودة ، ولكنها تحتاج لجهود العلماء في الكشف عنهـا .

علـم الإجتماع عند اوجست كونت : هو الدراسة الواقعية المنظمة للظواهر الإجتماعية .
ولقـد قسمـه قسمـين :
الأستاتيكـا ، والديناميكـا
تصنيف اوجست كونت للمجتمع

ا االمرحلة العقلية المرحلة المادية نماذج المرحلة الإجتماعية نموذج النظام نموذج المشاعر
1- اللاهوتية العسكرية الأسرة منزلي المحبة والتعلق
2- الميتافيزيقية التشريعية الدولة جمعي الإحترام والتقدير
3- الوضعية الصناعية الجنس الإنسانية عالمي الإحسان والخير
الأستاتيكا الإجتماعية : ( الإستقرار والثبات ) ..
أي دراسة المجتمع وتحليله وهو في حالة من الإستقرار والثبات والتأثير المتبادل بين الأفراد والجماعات والمؤسسات في حالة استقرار المجتمع .
ومن أهم الظواهر الإجتماعية التي يمكن دراستها طبقاً لمنطق الأستاتيكا مسألة توزيع العمل ، ومسألة التعاون الإجتماعي ومسألة التكامل الإجتماعي .
ويرى كونت أنّ الأسرة هي الحلبة الأولى للمجتمع لأنه بطبيعة تكوينها يسود فيها مبدأ التعاون وتقسيم العمل وينشأ بينها نوع من التضامن كالذي ينشأ بين الأعضاء المختلفة في جسم الإنسان ، حيث أنّ لكل عضو من هذه الأعضاء دور و وظيفة وفي الوقت نفسه يعتمد كل عضو على الآخر ويتعاون معه للوصول بالجسم كله إلى حالة من الإستقرار والتوازن والكمال .
" يرى كونت أنّ الدعامة الأساسية لقيام أي مجتمع من المجتمعات هي مبدأ التعاون ، هذا التعاون نابع اساساً مما يتمتع به الإنسان من عواطف الإيتار وحب الغير وحب الإجتماع بالأخرين .

الديناميكا الإجتماعية ( التغير والحركة ) :
هي دراسة المجتمع وهو في حالة من التحول والتطور ، فالمجتمع عند كونت تطور خلال ثلاث مراحل من المجتمع الخرافي – إلى التفكير الميتافيزيقي – إلى المجتمع المعاصر ( التفكير الوضعي أو العلمي .
والعصر الوضعي عند كونت يبدأ بالثورة الفرنسية ، وأهم ما يميز هذا العصر هو إستقلال الفكر الإنساني وأخذه بالأساليب العلمية والبعد عن الخرافات ، وهو يرى أنّ هذا المنهج يؤدي بالمجتمع إلى التقدم والتطور في كل الأنشطة والمجالات من صناعة وفن وعلم .
بمعنى يهتم بفكرة قانون التقدم ، ويعتبر هذا النوع من الدراسة أفضل من دراسة الأستاتيكا .
النظرية التطوريــة أو قانون المراحل الثلاثة :
تنطلق هذه النظرية من فرض مؤداه : أنّ المجتمعات تتطور تدريجياً من بدائيات بسيطة إلى أشكال أكثر تعقيداً .
فلقد رأى " كونت " أنّ المجتمعات الإنسانية مرت بثلاث مراحل وهي :
1- المرحلة اللاهوتية :
وتتسم فيها الثقافة بالعقائد الخرافية التي تتحكم في الكون وظواهره والتي فسر فيها العقل الإنساني ظواهر الكون والحياة ، تفسيراً دينياً ، أي أرجعها إلى قوى خارجية عنه كالآلهة والأرواح والشياطين ، وقد بدأت هذه المرحلة قبل عام 1300 ميلادي . وقد قسمها إلى ثلاث مراحل أساسية : الوثنية – التعددية – التوحديـة .
2- المرحلة الميتافيزيقية :
وهي المرحلة التي فسر فيها العقل الإنساني ظواهر الكون والحياة تفسيراً ميتافيزيقياً أي أرجعها إلى أسباب خارجة عن الإدراك الحسي للإنسان " العقل " وحدثت تقريباً ما بين 1300-1800 م ، وكانت تتميز بالإعتقاد بالقدرة المجردة مثل الطبيعة والأرواح .
3- المرحلة الوضعيــة :
وهي المرحلة التي فسر فيها الإنسان ظواهر الكون والحياة بأسباب علمية و واقعية تقع في إدراك الإنسان الحسي أو العقلي المباشر ، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة النضج ( والإكتمال ) في التفكير الإنساني والتي تقوم على المبادئ العلمية وتفسير الظواهر بطريقة علمية تعتمد على الملاحظة ، وقد بدأت هذه المرحلة بعد الثورة الفرنسية 1800 ميلادي .
النظرية الفكرية عند " اوجست كونت "
يرى كونت أنّ المجتمع الإنساني سار في تغير في ثلاث مراحل من التقدم الفكري هي : اللاهوتية والميتافيزيقية والوضعية .
وخلال كل مرحلة من هذه المراحل لابد وأن يمر الفرد في نموه وفي تربيته وأن تمر المعرفة الإنسانية كما تمر العملية الكلية للتطور الإجتماعي ، وإن كان تطور المجتمع لا يمكن بأية حال أن يتجاوز عن أي مرحلة من هذه المراحل ، إلاّ أنّ التدخل اللاإرادي الواعي يمكن أن يسرع من حركة هذه المراحل ، كما أنّ القصور الفكري يمكن أن يعوق هذه الحركة ، ولكن وبشكل عام كل مرحلة مقدمـة ضروريـة تمهـد السبيل للمرحلـة التاليـة ، وهكـذا ترتبـط المراحل بعضها ببعض .
يسير التقدم في نظر كونت في ثلاثة محاور أحدها فكري ويمثله قانون المراحل الثلاثة والثاني مادي ويتمثل في تقدم النشاط الإنساني في مراحل ثلاث أيضاً هي مرحلة الغزو ثم مرحلة الدفاع إلى المرحلة الصناعية ، وأخيراً يأتي التقدم على المحور الأخلاقي ، حيث تسير الطبيعة الإجتماعية للإنسان على نفس هذا النسق ، حيث يتم الإشباع أولاً في الأسرة ثم يتسع فنجده في الدولة ثم الجنس البشري ، وبمعنى آخر فإنّ المشاعر الغيرية في رأي " كونت " كان في القدم عائلته ومدينته ثم في العصور الوسطى جماعات ، ولكنها في المرحلة الوضعية تصبح عالمية ، ومن خلال هذا التقدم تكون المشاعر والإنفعالات هي القوة المحركة والعمل هو أداة التقدم والفكر هو القوة الموجهة .


قائمة المراجع
1. تطور الفكر الإجتماعي : الأستاذ: عبد الله عبد الرحمن ، أستاذ ورئيس قسم علم الإجتماع ، كلية الآداب ، جامعة بيروت العربية .
2. أسس وموضوعات علم الإجتماع : د. أحمد بيومي ، أستاذ علم الإجتماع ، كلية الآداب ، جامعة الإسكندرية .
3. االتغير الإجتماعي بين علم الإجتماع البرجوازي وعلم الإجتماع الإشتراكي ، د. محمد أحمد
4. قصة الفلسفة الحديثة ، أحمد أمين ، وآخر – مطبعة التأليف والنشر – القاهرة 1978م .
5. تاريخ الفلسفة الحديثة ، د. يوسف كرم – دار المعارف – القاهرة .
6. مذاهب فكرية معاصرة ، محمد قطب ، دار الشروق.
7. الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع .
8. موقف المذاهب المادية المعاصرة من عقيدة الإيمان بالغيب ، عرض ونقد في ضوء عقيدة أهل السنة ، عفاف الونيس ، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة إلى قسم العقيدة بجامعة الإمام .