منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#63978
مركز الناطور للدراسات والابحاث

إعداد: يؤال جوزنسكي

مذكرة رقم 116

معهد أبحاث الأمن القومي في أبريل 2012



معظم دول الخليج هي نتاج القرن العشرين، حدودها تم رسمها إلى حد كبير من قبل قوى خارجية والتي بقيت محل خلاف حتى في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

فبالإضافة إلى العلاقات المعقدة والنزاعات الحدودية والإقليمية مع إيران وإلى حد معين مع العراق واليمن أيضا فإن جزءا من التحديات الأمنية التي تواجهها دول الخليج مرتبطة بالذات بالعلاقات فيما بينها.

على الرغم من أن معظم الخلافات الحدودية بين الدول الست الملكية بين الأسر الحاكمة قد سويت على الورق إلا أنها تعود مرة تلو الأخرى لتذكر بالتأثير السلبي لهذه الخلافات على طبيعة العلاقات فيما بينها.

معظمها تواجه أو أنها واجهت حتى الآونة الأخيرة نزاعا حدوديا بريا أو بحريا فيما بينها وقد نشأ هذا بصفة رئيسية عن الطموح في السيطرة على حقول النفط في مناطق لم ترسم حدودها بشكل جيد ونتيجة لخصومات تاريخية متكررة ومن المشاكل القائمة حول ترسيم الحدود في مناطق صحراوية وقبلية (1)

النزاعات الحدودية بين دول الخليج العربية نابعة أيضا من كون حدودها وعلى الأخص في الجانب الأكبر منها مصطنعة وباستثناء عمان فإن حدود الدول في شبه الجزيرة العربية وعلى الأخص الصغيرة منها تأثرت إلى حد كبير من الموروث الاستعماري.

السعودية الانتقال من إمارة قبلية إلى ملكية كان مختلفا التمدد الإقليمي لابن سعود على حساب العثمانيين تأثر بالوجود البريطاني في أقاليم تقع على ساحل الخليج وفي المناطق الهاشمية ، وفي مرحلة معينة البريطانيون ساعدوا جهود التوسع لدى ابن سعود على حساب الإمبراطورية العثمانية وإن تم في وقت متأخر عندما أحدثت تآكلا في الأقاليم التي تخضع لسيادتهم في الخليج .

السعودية لم تتأثر على الإطلاق وإلى حد كبير نتيجة للتدخل الأجنبي وعلى الأخص الغربي.

أسلوب الانتداب وتطبيقه في الشرق الأوسط جلبت إلى المنطقة مفهوم الحدود الدولية –وهو مفهوم كان غريبا على أبناء الصحراء الذين كانوا رحل ويشنون حملات الغزو والتوسع (2)

في بعض الحالات تم رسم الحدود بشكل ثنائي أي بين بريطانيا التي كانت تدير فعليا السياسة الخارجية لمعظم هذه الدول حتى عام 1971 وبين الدولة التي حظيت بالاستقلال، هكذا على سبيل المثال عندما وقعت كل من بريطانيا والكويت على اتفاق بشأن حدود الإمارة التي حصلت على الاستقلال عام 1961 لم يكن بوسع الدول المجاورة للكويت التفاوض

الاتفاقيات التي أبرمت كانت غامضة ومبهمة في طبيعتها واستندت إلى إشارات وعلامات مؤقتة على غرار المثال البارز على ذلك اتفاق رسم الحدود بين العراق والكويت والذي تحدد وفقا لموقع شجرة نخيل الجنوبية (3)

في الماضي كانت الحدود في شبه الجزيرة العربية أكثر مرونة إذ أنها تحددت وفقا لمناطق رعي القبائل لكن تصاعد التنافس على الموارد والبحث عن هوية وطنية وعلى الأخص في غياب إطار أمني فعال أدى إلى تدهور العلاقات بين الدول، التعتيم الإقليمي والحاجة إلى مفهوم للوصول إلى مصادر الطاقة استمر في زرع بذور التوتر بين الدول والإضرار بقدرتها على تطبيق الاتفاقيات والتفاهمات (4)

بالإضافة إلى الرؤية المختلفة للاحتياجات الأمنية والظروف الجيوإستراتيجية المختلفة، فلقد كان النشاط حول استخراج النفط والذي عزز من المخاوف المتبادلة أدى إلى تصعيد عدم الثقة بين دول المنطقة.

كل قطعة أرض أصبحت فجأة حقل نفط مفترض وأدى الصراع إلى عدة حالات لشل نشاط مجلس التعاون الخليجي وأثقل على قدرة هذه الدول الأعضاء لمجلس التعاون لتطوير التعاون في إطاره وحتى عندما توصل بعضها إلى اتفاق ينظم الحدود فيما بينها مثل حالة النزاع الحدودي بين عمان والإمارات فإنه لم يطبق في الميدان بل أنه خرق عن طريق مواجهة عسكرية كمثل الحالة القطرية مع السعودية .

موضوع الحدود البحرية أكثر تعقيدا نظرا لأنه يتضمن المناطق الاقتصادية الأكثر ثراء وهو النفط في الساحل الخليجي.

معظم الدول التي أقيمت في المنطقة هي كما ذكرنا مصطنعة، حدودها رسمت وتحددت دون أي اعتبار للتاريخ المحلي أو للتقاليد السلطوية القائمة ومنذ ذلك الوقت فلقد كانت مصلحة حاكمها هي الحفاظ عليهم دون أي تغيير يمكن أن يؤدي إلى حروب ونزاعات بالإضافة إلى ذلك فإن تقويض شرعية الحدود كان جزءا من عملية بناء الأمة وبمثابة: ” لدي نزاع حدودي إذن أنا موجود”.

النزاعات الحدودية التي كانت تتدهور في بعض الأحيان إلى أعمال عنف تساعد على بلورة وتكوين الهوية الوطنية القائمة بين أمور أخرى على رفع مستوى النزاعات من الماضي البعيد من أجل إعطاء عمق تاريخي للدولة وتوصيف وتشخيص الآخر.

جهات مختلفة توسطت في النزاعات بين دول الخليج، مصر قامت بدور فعال في الوساطة بسبب وزنها في العالم العربي وعلاقاتها الجيدة مع معظم دول الخليج، كما أن المملكة السعودية حاولت أن تتوسط لكن علاقاتها المعقدة مع جاراتها وكونها متورطة في نزاع حدودي أدى إلى اعتبارها وسيطا غير نزيه وزادت من صعوبة أن تقوم السعودية بدور في جهود الوساطة

قطر والبحرين

قطر والبحرين طالبتا بالسيادة على جزر حوار المسيطر عليها فعليا من قبل البحرين منذ عام 1930 وكذلك على مدينة الزبارة في الطرف الشمالي لشبه جزيرة قطر المسيطر عليها حاليا من قبل قطر وعلى الرغم من أنها مقرا لأسرة آل خليفة قبل السيطرة على البحرين في عام 1783.

بالإضافة إلى كل هذا كان هناك خلاف بين الدولتين حول جزيرة حدجنان وعلى مجموعة من الجزر غير المأهولة والتي تبعد بضعة كيلومترات عن قطر وعلى بعد20 كممن البحرين والتي تم حلها في الآونة الأخيرة فقط(5)

منذ استقلالها التزمت البحرين وقطر وإلى حد كبير وكنتيجة لضغط سعودي بالحفاظ على العلاقات الاعتيادية والطبيعية بينهما قدر الإمكان (ومن ضمن ذلك الكف عن شن الحملات الدعائية والإحجام عن خرق الوضع الراهن، حساسيتها للقضايا الحدودية البحرية تصاعدت وتفاقمت بسبب التقارير عن وجود منابع جديدة للنفط واللتان تحتاج إليهما بسبب نضوب المستودعات الحالية .

في عام 1978 أجرت البحرين مناورة عسكرية بالقرب من الجزيرة المتنازع عليها بهدف التأكيد على سيادتها على هذه الجزر، قطر وردا على ذلك بدأت باعتقال صيادي الأسماك البحرانيين الذين كانوا يصطادون بالقرب من المنطقة.

في مارس 1982 نشب نزاع مرة أخرى بسبب مناورات الأسطول البحريني بالقرب من تلك الجزر وهي المناورات التي فسرت من قبل قطر بأنها استفزازية (6)

النزاع بين البحرين وقطر بقي في معظمه خامدا وقد أدارت الدولتين وبشكل عام منظومات علاقات عادية وطبيعية شملت زيارات متواصلة لزعماء الدولتين بل ومناورات مشتركة.

في المقابل شكل مجلس التعاون الخليجي لجنة للتحقيق في هذا النزاع (7) رغبة منه في إعطائه صفة محلية ومحاولة حله في إطار مؤسسات المجلس.

على الرغم منذ ذلك وفي أبريل 1986احتلت قوة قطرية جزيرة فست الدبل كانت تخضع للبحرين في محاولة لفرض وقائع وحقائق على الأرض وانطلاقا من الادعاء بأن البحرين تقوم بأعمال في الجزيرة تمثل خرقا للوضع الراهن .

ومن الجائز أن قطر حاولت أن تثير بهذه الطريقة الخلاف حول جزر حوار التي كانت أكثر أهمية بالنسبة لها.

البحرين دعت إلى حل النزاع عن طريق الوساطة السعودية لكن وبناء على طلب من قطر فقد وصل النزاع في نهاية الأمر إلى المحكمة الدولية في لاهاي هذا التطور أكد ضعف مجلس التعاون الخليجي وفرض وألقى بظل ثقيل من الشكوك حول عمله (8).

النزاع بين الدولتين بلغ ذروته في عام 1996 بعد أن أعلن عن وجود طبقات من النفط في الجزر أو بالقرب منها، قطر والبحرين اقتربتا عندها من حافة الحرب والتي حيل دونها في اللحظة الأخيرة في أعقاب التدخل السعودي.

البحرين قاطعت في نفس العام ولأول مرة في تاريخ مجلس التعاون المؤتمر السنوي نظرا لأن الاجتماع عقد في قطر، وقطر من جانبها منعت جنودها من المشاركة في المناورة السنوية للقوة العسكرية المشتركة لدول الخليج.

الدولتان اتهمتا بعضهما البعض بمحاولة لإسقاط الأسرة الملكية الحاكمة وفي نفس السابق ادعت البحرين أنه على الرغم من الصلة الجغرافية المنسوبة إلى أراضي قطر فإن حقيقة سيطرتها عمليا على الجزر تمنحها الشرعية في مطالبها السيادية على هذه الجزر.

الدولتان تبنتا في نهاية الأمر قرار المحكمة الدولية الذي صدر في شهر يونيو 2001 بنقل سيادة جزر حوار إلى البحرين وبقية المناطق التي تتواجد فيها طبقات كبيرة من النفط إلى قطر (9)

التوتر بين قطر والبحرين حول المسائل الإقليمية والحدودية لم يتوقف بعد ذلك، أيضا في السنوات الأخيرة ارتفع عدد الحوادث التي تورط فيها صيادون من البحرين اجتازوا الحدود بين الدولتين بل أنهم بعضهم أطلقت النيران عليهم.

هذا الأمر قاد إلى توتر جديد بين الدولتين بل أن قطر رفضت دعم أول مرشح من البحرين لتولي منصب أمانة مجلس التعاون الخليجي في عام 2011 بسبب تصريحاته حول هذا الموضوع (10)

في مايو 2010 أغلقت البحرين مكاتب قناة الجزيرة القطرية في أراضيها احتجاجا على عدم استعداد قطر لدفع رسوم تطوير مناطق داخل البحرين تعتبرها أنها عائدة لها.

استمرار الخلاف حول المناطق البحرية وحول التعويضات لتطوير مناطق مختلفة أرجئ ولعدة سنوات بعد ذلك أعمال تتعلق بالربط البري بين قطر والبحرين في جسر الصداقة على الرغم من المزايا الكبيرة التي يمكن أن يجنيها البلدين من وراء إقامة هذا الجسر.

قطر والمملكة العربية السعودية

قطر والعربية السعودية تتنازعان بالنسبة للمنطقة التي أعطيت للسعودية من قبل دولة الإمارات كجزء من اتفاق تم التوصل إليه عام 1974 والذي يحرم قطر من الانتقال البري إلى دولة الإمارات وهي منطقة خوفوس التي تعتبر غنية افتراضيا بطبقات من النفط مما أدى إلى حدوث حوادث حدودية بينهما في أكتوبر 1992 ومارس 1994 حيث قتل خلالها عدد من القطريين (11)

الجانبان عرضا دعاوى متباينة بالنسبة للحوادث، قطر اتهمت السعودية بالهجوم على موقع حدودي بينما السعودية ادعوا حدوث حوادث بين القبائل البلدية من البلدين في منطقة سعودية.

وفي رد فعل من جانب قطر انسحبت من اتفاق 1965 الذي ينظم الحدود بين السعودية والذي لم يتم المصادقة عليه بشكل كامل وأعادت إلى مناطقها 200 من جنودها في القوة العسكرية المشتركة المرابطة في الكويت بل كانت هناك تقارير تتحدث عن نيتها الانسحاب من مجس التعاون الخليجي (12)

الحوادث دفعت قطر أيضا إلى التعبير عن استيائها من الحراك السعودي داخل مجلس التعاون الخليجي، العربية السعودية من جانبها استغلت الحوادث من أجل أن تثبت لقطر محدوديتها بالقيام بمناورات سياسية وإظهار الاستقلال فيما يتعلق بمواقف مجلس التعاون .

النزاع الحدودي بين قطر والسعودية كان نزاعا واحدا من مجموعة كاملة من النزاعات بين الدولتين فهما تختلفان أيضا بالنسبة للوجود الأمريكي في قطر وكذلك تحسين علاقاتها مع إيران بل اتخاذها خطوات للتطبيع مع إسرائيل (13)

في مجلس التعاون الخليجي 1992 وقعت الدول الأعضاء على بيان أبو ظبي والذي كان في الحقيقة بيان نوايا يؤكد على ضرورة حل النزاعات الحدودية بالطرق السلمية وعدم شرعية السيطرة بالقوة على المناطق.

وعلى الرغم من ذلك هذا الأمر لم يؤد إلى تحسين العلاقات ين السعودية وقطر والتي تفاقمت نتيجة لتقارب قطر مع إيران وهو ما يخالف موقف دولة الإمارات ومع العراق خلافا لموقف الكويت، مما زاد من مصاعب قيام مجلس التعاون الخليجي بوظيفته وخلال فترة طويلة لم توافق السعودية وقطر على تعيين ممثل من قبلها لمنصب أمين عام مجلس التعاون الخليجي فقد هاجمت كل واحدة على الأخرى عن طريق وسائل الإعلام بل أن قطر أوقفت نشاطها ضمن مجلس التعاون الخليجي لفترة محدودة.

الحوادث بين قطر والسعودية دفعتهما إلى طلب المساعدة من طرف ثالث، في البداية كان هذا الطرف الكويت ثم بعد ذلك دولة الإمارات وأخيرا مصر التي ساعدت الطرفان على التوصل إلى اتفاق يؤدي مؤقتا إلى تخفيف حدة التوتر بينهما وإنهاء المقاطعة المؤقتة لقطر لمجلس التعاون الخليجي.

أنداك أيضا واصلت قطر رفضها التوقيع على اتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الجريمة، بسبب حقيقة أنها تتطلب القيام بعمليات مطاردة ساخنة واجتياز حدودها لملاحقة المطلوبين.

في عام 1996بدأت المملكة السعودية وقطر بتأشير الحدود بينهما لكن في آذار 2001 فقط توصلتا إلى اتفاق نهائي حوالي 60 كلم من الأراضي البحرية والبرية التي تسكنها بصفة أساسية قبائل بدوية.

في مارس 2008 استأنفت الدولتين العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما بعد ست سنوات من الخلاف في أعقاب غضب السعودية على نشاط قناة الجزيرة والانتقادات التي وجهتها للأسرة السعودية الحاكمة.

العراق وإيران اعتبرتا الأزمة بين قطر والسعودية فرصة لإضعاف الأخيرة وعبرتا عن دعمها لموقف قطر.

إيران اقترحت أيضا التوقيع على اتفاق للدفاع المشترك كبديل عن مجلس التعاون الخليجي.

اهتزاز العلاقات مع السعودية وغياب الإطار الأمني الفعال في مجلس التعاون دفعا قطر إلى تسخين علاقاتها مع إيران كقوة موازية لقوة السعودية واتضح أن النزاع القطري السعودي هو سياسي أكثر من كونه نزاع حدودي وأنه ناجم عن الخصومة بين الرياض والدوحة في مجالات أخرى.

على سبيل المثال العربية السعودية مهتمة بالتقليل من الشأن والوزن الإقليمي لقطر ولهذا الغرض منعتها من مد خط أنابيب للغاز إلى الكويت بدعوى أنها تخرق السيادة السعودية.

في ديسمبر 2008 أعلنت السعودية وقطر أنهما توصلتا إلى سلسلة من الاتفاقيات حول مواضيع مختلفة على رأسها اتفاق تسوية الحدود البرية والبحرية فيما بينها ووقع ممثلون عن البلدين في مارس 2009 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك على هذا الاتفاق وبذلك أعطوه أهلية دولية، آنذاك بالذات طرحت دولة الإمارات ملاحظات على هذا الاتفاق بالادعاء أن حقوقها في منطقة الحدود الواقعة بين قطر والسعودية قد خرقت.

دولة الإمارات والسعودية

بعد الحصول على استقلال دولة الإمارات عام 1971 أيدت بريطانيا إطالة حدودها غربا حتى حدود قطر (14)

العربية السعودية ادعت ملكيتها على تلك الأراضي وتحدثت عن أنها الدولة الوحيدة التي تحاذي قطر.

اتفاق سري منذ عام 1974 الذي وقع بين السعودية والإمارات دون علم قطر لم يمط اللثام عنه إلا عام 1995 فقط، ومنحها قطاع ساحلي شرقي خور العديد في مقابل تنازلها عن واحة البريمي وهي الآن العين في المنطقة المتنازع عليها منذ القرن 19 بين القبائل من العربية السعودية وعمان ودولة الإمارات.

الإمارات التي حصلت على استقلالها قبل ذلك بثلاث سنوات وكانت تبحث عن اعتراف دولي ومخرج بحري في جنوب الخليج اعتبرت الاتفاق بكل تأكيد بأنه ثمن ضروري للعربية السعودية.

يذكر في هذا السياق أنه في بداية عقد الخمسينات صدت بريطانيا التي كانت تخشى محاولة العربية السعودية التوسع الإقليمي على حساب جاراتها الصغيرات بقوة سلاح الحرس الوطني السعودي عن منطقة البريمي وقامت بتقسيم القرى الواقعة في المنطقة وبين عمان والإمارات التي تحولت بعد ذلك إلى دولة الإمارات المتحدة.

الاتفاق السري منذ عام 1974 حول تخصيص عائدات من حقل النفط شيبة في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بينها وبين دولة الإمارات والتي تنتج أكثر من مليون برميل في اليوم للملكة السعودية .

في عام 1999 قاطعت الإمارات وبدعم من عمان وكعلامة على الاحتجاج مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول مجلس التعاون الخليجي في السعودية والذي عقد بالتزامن مع تدشين حقل للنفط في شيبة، بذريعة أن الدولة المضيفة لا تشرك الإمارات في تقاسم عائدات النفط من هذا الحقل على الرغم من اتفاق 1974 .

التوترات في العلاقات بين الدولتين تفاقمت على خلفية التقارب النسبي الذي طرأ في حينه بين السعودية وإيران والتي تحتفظ كما يذكر بثلاث جزء تابعة لدولة الإمارات في الخليج وعززت تدريجيا من سيادتها عليها عبر سلسلة من الخطوات الأحادية.

في عام 2006 أعادت دولة الإمارات طرح قضية الحدود مع العربية السعودية للادعاء أنها لم تصادق مطلقا على اتفاق 1974 ومن الجائز أن السبب لهذا التوتر المتجدد كان التغييرات في دولة الإمارات بعد وفاة الشيخ زايد وكذلك في المملكة السعودية بعد وفاة الملك فهد، وكذلك الرفض السعودي في ذلك العام السماح بمد خط أنابيب للغاز من قطر إلى الإمارات ومن هناك إلى عمان.

خليفة بن زايد الذي ورث والده في عام 2004 لم يعتبر الاتفاق منذ عام 1974 بنفس الأهمية التي أولاها والده للاتفاق وفي أول زيارة له للرياض كحاكم لدولة الإمارات في 2006 طرح مشكلة الحدود من جديد على مضيفيه.

التوتر بين السعودية والإمارات تفاقم بسبب التعاون بين قطر والإمارات في نقل الغاز الطبيعي القطري إلى دولة الإمارات عن طريق أراضي ادعت السعودية أنها ملك لها، التوتر أدى إلى حادثة بحرية على الأقل بين العربية والسعودية والإمارات.

في مارس 2010 أبلغ عن هجوم لقارب سعودي واعتقال اثنان من حرس الحدود البحري السعودي من قبل قارب حراسة تابعة لدولة الإمارات في داخل المناطق المتنازع عليها على الحدود البحرية المشتركة.

هذا الحادث النادر تم التسليط عليها بشكل علني رغم محاولات الطرفين لإسكاته ودلل على أن الخلافات بشأن الحدود المشتركة لم يلفها النسيان (15).

وبالفعل فبالإضافة إلى معارضة السعودية مد خط أنابيب الغاز فلقد عارضت أيضا بناء جسر بين الإمارات وقطر انطلاقا من الادعاء بأنه يمر من فوق المياه الإقليمية السعودية.

في يونيو 2009 أوقفت المملكة السعودية آلاف الشاحنات عند المعبر الحدودي بينها وبين دولة الإمارات كنتيجة من التوترات وأوضحت ذلك على أنه جزء من تعزيز الرقابة على دخول السيارات من الإمارات إلى أراضيها.

النزاعات الحدودية مع السعودية أصبحت حاسمة بالنسبة للإمارات، في أعقاب ذلك أقامت الإمارات في 2009 مجلسا لشؤون الحدود.

تطوير عمل هذا المجلس الذي كان مسؤولا حتى ذلك الوقت عن الموضوع بخرائط رسمية مطبوعة في أبو ظبي خلال السنوات الأخيرة لا تظهر فيها التغييرات التي طرأت على الحدود بمقتضى اتفاق عام 1974 .

ومنذ 2006 تظهر الخرائط الحدود بين دولة الإمارات بأنها تنتهي عند قطر كما أن الخرائط الرسمية للسعودية تظهر منطقة العين وكأنها موجودة داخل أراضي المملكة.

ومن الجائز أن ذلك ينطوي على تعبير حاد متزايد من جانب دولة الإمارات –القوة الاقتصادية والعسكرية الثانية من حيث أهميتها في مجلس التعاون والرغبة في استفزاز الدينامية السعودية.

عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة

حل النزاع حول واحة البريمي بين عمان ودولة الإمارات والسعودية في 1974 منح عمان ثلاث قرى ودولة الإمارات القرى الست المتبقية .

بعد ذلك بثلاثة أعوام في نوفمبر 1977 أعطت عمان النزاع بينها وبين إمارة رأس الخيمة وهي إمارة من سبع إمارات تتشكل منها دولة الإمارات المتحدة والتي تقع بالقرب من شبه جزيرة مسندم بعدا علنيا.

النزاع لامس قطاع بطول 16 كلم بالقرب من مضيق هرمز حيث اكتشفت فيه حقول نفط كبيرة وهامة. عمان أرسلت قوات مشاة وسفينة حربية لمطالبة رأس الخيمة بأن تتوقف عن استخراج النفط من المنطقة.

السعودية والكويت عرضتا حلولا وسط تضمنت الاحتفاظ المشترك بالمنطقة والشراكة في العائدات من النفط.

اتفاق مماثل قائم بين السعودية والكويت (إجراء استفتاء بين سكان المنطقة أو التوجه إلى التحكيم).

زعماء عمان ودولة الإمارات وافقوا في نهاية الأمر في مايو 1995 على ترسيم جزء هام (330 كلم) من حدودهما المشتركة خلافا لموقف السعودية وفي يوليو 2008 تم التوقيع على اتفاق لتأشير الحدود المتبقية بطول 272 كلم.

في السنوات الأخيرة بدأت دولة الإمارات ببناء سور على الحدود مع عمان كمعوق أمني يمنع عمليات التهريب والنزوح غير المشروع (16)

عمان عبرت عن استيائها عندما حظرت في شهر نوفمبر 2007 على السفن التي تغادر دولة الإمارات من دخول مياهها الإقليمي بدون أن تقدم لذلك تفسيرا رسميا لمثل هذه الخطوة.

في بداية 2011 أعلنت عمان وفي مشهد علني نادر عن تصاعد التوتر بين الدولتين وأنها كشفت عن خلية تجسس لدولة الإمارات داخل أراضيها وادعت أن دولة الإمارات كانت تسعى لجمع معلومات عن المؤسسات الحكومية والعسكرية في السلطنة (17).

هناك تقديرات مختلفة حول الدوافع الكامنة خلف هذا الإعلان وليس من المستبعد أن هذه كانت محاولة لمنع دولة الإمارات القلقة من تعاظم العلاقات بين عمان وإيران بل نتيجة لمشكلة الوراثة في عمان وتعميق عملية الرصد والمتابعة لنشاطها.

ويبدو أن الدولتين تغلبتا على الأزمة المؤقتة بمساعدة الكويت وفي يوليو 2011 وصل السلطان قابوس إلى دولة الإمارات في زيارة رسمية.

تحرير الكويت من الاحتلال العراقي شكل إلى حد كبير دافعا لدول الخليج العربية الأخرى لطرح مطالبات إقليمية من الماضي ومن جديد على جدول الأعمال فقد أضيف إلى كل ذلك حقول النفط الجديدة وشيخوخة حقول النفط القائمة ووتيرة التنمية التي تشهدها المنطقة والتي عززت من الشهوة الإقليمية

في المقابل فلقد اعتبرت هذه الفترة بمثابة فترة لرأب الصدع ، في 1995 توصلت السعودية وعمان إلى اتفاق لترسيم الحدود المشتركة بينهما على الرغم من عدم وجود منطقة مرور حدودية برية بين الدولتين (18)

بعد ذلك بعقد عمدت الكويت إلى تسوية مشاكل تأشير الحدود بينها وبين السعودية وفي عام 2011 بدأت الدولتان بترسيمهما عمليا.

النزاعات الحدودية الداخلية في مجلس التعاون والتي قادت إلى عدة حوادث حدودية كما ذكرنا تبدو كأن الدول المتداخلة فيها على استعداد لحلها بوسائل دبلوماسية.

التصريحات التي انطلقت في مجلس التعاون الخليجي عام 1994بأن يتم حل جميع النزاعات الحدودية بين الدول الأعضاء في المجلس حتى انعقاد المؤتمر القادم يشكل تجسيدا وتعبيرا آخر عن القدرة المحدودة لمجلس التعاون الخليجي، هذه المرة كآلية لحل النزاعات بين الأعضاء بالطرق السلمية .

جميع الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها لتسوية الحدود فيما بينها كانت ثنائية. مجلس التعاون الخليجي غاب كآلية مؤسسية فعالة لحل النزاعات، اللجان التي شكلت لهذا الغرض ظهرت بأنها غير فعالة، في الحقيقة تحولت إلى نزل للقاءات التي تغطى إعلاميا.

الحساسية لدى كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي حيال سيادتها زادت من المصاعب أمام قيام تعاون أمني فيما بينها والذي اقتضى تحريك القوات العسكرية من دولة إلى أخرى، وكذلك القيام بعمليات المطاردة الساخنة التي تتطلب اجتياز الحدود بل وإقامة قواعد مشتركة داخل أراضي السيادة لكل دولة .

ونتيجة لذلك جميع المبادرات لتعزيز الترتيبات الأمنية الجماعية في إطار مجلس التعاون الخليجي بقيت بدون حياة فيها.

من يمعن النظر وبشكل حيادي يمكنه أن يتبين أن النزاعات الحدودية بين دول الخليج العربية قد تبدو هامشية وذات تأثير متدني على الأمن الإقليمي والحقيقة أن هذه النزاعات تستخدم بصفة أساسية كأداة تحاول الدول الست من خلالها وعبرها تسوية علاقاتها وتعزز مركزها قبالة جاراتها، لكن لها تأثير سلبي على قدرتها في تعزيز الإطار الأمني الجماعي .الرواسب التي تخلفها تزيد من صعوبة إقامة علاقات جوار حسنة .

النزاعات الحدودية في شبه الجزيرة العربية ليست من مخلفات الماضي فقط وإنما هي تنطوي على دلالات اقتصادية وسياسية وأمنية الكامنة في تثبيت الحدود.

ليس من الواضح المدى الذي يمكن لهذه النزاعات أن تشكل خصومة سياسية بين دول الخليج وعلى الأخص محاولات العربية السعودية لقيادتها وكذلك لاعبين خارجيين مثل إيران في دق إسفين بينها لتصبح ذريعة رئيسية للصراعات السياسية القائمة بين هذه الدول.

في كل الأحوال مسألة ترسيم الحدود ستكون ملازمة للسياسة في دول الخليج في المستقبل أيضا وستزيد من الصعوبة أمام الدول العربية في منطقة الخليج للعمل وبشكل جماعي في مواجهة التحدي الإيراني.