- الأربعاء أكتوبر 09, 2013 8:41 pm
#64296
إقليم دارفور أحد أكبر الأقاليم في السودان الآن وهو يقع في غرب السودان وتبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كيلو متر مربع ويقترب عدد سكانه من ستة ملايين إنسان معظمهم من المسلمين السنة وعندهم توجه إسلامي واضح حيث تزداد فيهم ستة المحافظين لكتاب الله حث يصل إلى 50% من السكان. لقد ظهرت في هذا الإقليم حركات تدعو إلى التمرد والانفصال عن الكيان الأم السودان وكان هذا في فترة السبعينات من القرن العشرين ثم تفاقم الوضع ووصل إلى المحاولات العسكرية للانفصال في سنة 2003 وازداد الوضع اضطراباً مع مرور الوقت وأصبحت القضية مطروحة عالمية: هل ينبغي أن تنفصل دارفور عن السودان ؟ أم أن بقاءها كإقليم في داخل الدولة حتمي ؟؟ ولكي يمكن الإجابة على هذا السؤال لا بد من مراجعته تاريخية وواقعية وسياسية ومبينة للموقف في دارفور كما ينبغي أن ننظر إلى الأمور بتجرؤ وحيادية حتى نستطيع أن نصل إلى حل منطقي للمشكلة ؟؟
ولابد من الاعتراف أن و ضع دارفور خطير للغاية وأن احتمالات انفصالها واردة جداً وأننا نريد عملاً ليلاً ونهاراً حتى نمنع هذه الكارثة.
وإن هذا التخوف يأتي من عدة أمور:-
أولاً: المساحة الضخمة لهذا الإقليم والتي تؤهله أن يكون دولة مستقلة بإمكانيات قوية حيث أنه ليس فقط من عشرات الدول في العالم ولكنه أيضاً يمتلك البترول واليورانيوم ولقد دأب المحللون الغربيون على وصف الإقليم بأنه يساوي مساحة فرنسا ليرمخوا في الوجدان انه من الممكن أن يستقل بذاته.
ثانياً: الحدود الجغرافية، المعقدة للإقليم فهو يتجاوز من ناحيته الغربية مع تشاد بحدود طولها 600 كيلو متر وكذلك مع ليبيا وأفريقيا الوسطى ومن المعروف أن هذه المناطق الصحراوية والقبلية ليست محكمة بالحدود كغيرها من الدول وعليه فدخول الأفراد من وإلى دارفور سهل للغاية وخاصة أن هناك قبائل كثيرة ممن يعيش في الإقليم ترتبط بعلاقات مصاهرة ونسب وعلاقات اقتصادية وسياسية مع للقبائل في الدول المجاو0114رة وخاصة تشاد وهذا جعل الكثير من المشاكل السياسية التي تحدث في تكاد تكون مرجعيتها إلى دارفور والعكس وهذا يعني أن الدول المجاورة ستكون عنصراً فاعلاً في مشكلة دارفور.
ثالثاً: طبيعة القبائل في الإقليم تثير الكثير من القلق فمع أن الجميع مسلمون إلا أن الأصول الإثنية تختلف فحوالي 80% ...
من السكان ينتمون إلى القبائل الإفريقية غير العربية، وهؤلاء يعملون في المعظم في الزراعة، أما بقية السكان فمن القبائل العربية التي هاجرت في القرن الماضي إلى منطقة دارفور، وهؤلاء يعملون في الرعي. وهذه الخلفيات العرقية لها تأثير في الاختلاف بين الطائفتين، وهذا أمر متوقع، ومن الغباء أن ننكره، ونكتفي بالقول بأن الجميع مسلمون، فقد حدثت خلافات قبل ذلك بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، وما لم يؤخذ الأمر بجدية وتعقل فإن الخلافات قد تتعقد جداً، ومن ثم ينعدم الأمان في المنطقة، وهذا قد يدفع السكان إلى البدائل المطروحة، ومنها الانفصال تحت قيادة موحدة قوية تضم الجميع.ويزيد من تعقيد الموضوع في دارفور مشكلة التصحر وقلة المراعي؛ مما يدفع القبائل الكثيرة إلى التصارع على موارد الماء ومناطق الزراعة، وهو صراع من أجل الحياة، يصبح إزهاق الأرواح فيه أمراً طبيعياً !
رابعًا: البُعد التاريخي المهمّ لمنطقة دارفور يجعل مسألةَ انفصالها أمرًا خطيرًا يحتاج إلى حذرٍ وحرص؛ فالمنطقة في معظم تاريخها كانت بالفعل مستقلة عن السودان، وكانت في واقع الأمر سلطنة مسلمة تضم عددًا كبيرًا من القبائل الإفريقية، وآخر سلاطينها هو السلطان المسلم الوَرِع عليّ بن دينار، الذي حكم من سنة 1898 إلى سنة 1917م، والذي كان يرسل كسوة الكعبة إلى مكة على مدار عشرين سنة كاملةً !، وكان يُطعِم الحجيج بكثافة، لدرجة أنه أقام مكانًا لتزويد الحجاج بالطعام عند ميقات أهل المدينة المعروف بذي الحُلَيفة. وقد وقف هذا السلطان المسلم مع الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى من منطلق إسلامي، إلا أن هذا أزعج جدًّا السلطات الإنجليزية التي كانت تسيطر على السودان آنذاك، فقامت بضم هذا الإقليم إلى السودان في سنة 1917م، ومن يومها وهو جزء من السودان، وهذه الخلفية التاريخية تشير إلى نفسيّة السكان الذين إذا لم يشعروا بالأمان والاطمئنان لحكومة السودان، فإنهم سيرغبون في العودة إلى ما كانوا عليه منذ مئات السنين، وهو التجاور مع السودان وليس الانضمام لها.
خامسًا: التدخل الغربي الصهيوني الكثيف في المنطقة يغيِّر الكثير من الحسابات، ويدفع بقوة إلى فكرة الانفصال، وذلك لتحقيق مصالح استراتيجية خطيرة، وقد أصبح هؤلاء يتعاملون بمنتهى الوضوح مع قادة التمرد في دارفور؛ لكي يدفعوهم إلى الانفصال لتقوم دولة تدين بالولاء إلى الكيانات الغربية والصهيونية الموالية، وتأتي في مقدمة الدول المهتمَّة بإقليم دارفور فرنسا، حيث تمثِّل هذه المنطقة تاريخًا مهمًّا جدًّا لفرنسا؛ لأن دارفور هي أقصى شرق الحزام المعروف بالحزام الفرانكفوني (أي المنسوب إلى فرنسا)، وهي الدول التي كانت تسيطر عليها فرنسا قديمًا في هذه المنطقة، وهي دارفور وتشاد والنيجر وإفريقيا الوسطى والكاميرون، وقد استطاعت فرنسا الوصول إلى شخصية من قبيلة الفور، وهي أكبر القبائل الإفريقية في دارفور، وإليها ينسب الإقليم (دارفور)، وهذه الشخصية هي عبد الواحد محمد نور صاحب التوجُّهات العلمانية الفرنسية الواضحة، ومؤسِّس أكبر جماعات التمرد في دارفور، والمعروفة باسم جيش تحرير السودان، وهي حركة مختلفة عن الجيش الشعبي لتحرير السودان، والمتمركزة في جنوب السودان، وإن كانت الأيدلوجية الفكرية للحركتين متشابهة، بل هناك تنسيق واضح بينهما.
أما إنجلترا فهي تضع أنفها في المنطقة عن طريق خليل إبراهيم، الذي أنشأ حركة تمرد أخرى تنتمي إلى قبيلة أخرى من القبائل الإفريقية، وهي قبيلة الزغاوة، حيث قام مدعومًا ببريطانيا بإنشاء حركة العدل والمساواة، وهي كذلك حركة علمانية تطالب بفصل دارفور عن السودان.
وإضافةً إلى فرنسا وإنجلترا فهناك أمريكا صاحبة الأطماع المستمرة ليس في دارفور فقط، ولا في السودان فحسب، بل ليس في القرن الإفريقي وحده، وإنما في العالم أجمع!! فهي تدفع بقوة في اتجاه وجود قوات دُوليّة لحفظ السلام في المنطقة تكون تحت السيطرة المباشرة لمجلس الأمن، ومِن ثَم لأمريكا. وأخيرًا تأتي دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل" لتشارك بقوَّة وصراحة ووضوح في مسألة دارفور، وليس فقط عن طريق تحالف جماعات الضغط الصهيونية في أمريكا والمعروف بتحالف "أنقذوا دارفور"، ولكن أيضًا عن طريق التدخل السافر للحكومة الصهيونية نفسها حيث رصدت الحكومة الصهيونية مبلغ 5 ملايين دولار لمساعدة لاجئي دارفور، وفتحت الباب أمام الجمعيات الخيرية في إسرائيل للمشاركة. كما أعلنت عن استعدادها لشراء أدوية ومعدات لتحليل المياه بما يعادل 800 ألف دولار يتم جمعها من بعض الشركات الصهيونية!! كما سبق أن أعلنت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية اليهودية في اجتماع لها مع بعض السفراء الأفارقة في تل أبيب سنة 2008 أن حكومتها ستسعى لإيجاد حل لأزمة دارفور!!
وبالطبع لن تترك المجال عند الحديث عن التدخل الأجنبي في المنطقة دون الإشارة إلى عشرات الجمعيات الإغاثية، والتي تمارس خليطًا من الأعمال الإغاثية من جانب، والتبشيرية التنصيرية من جانب آخر، والإجرامية من جانب ثالث، وليس ببعيدٍ ما فعلته جمعية "لارش دي زو" الفرنسية من خطف أطفال من دارفور لبيعهم لعائلات إنجليزية وفرنسية، حيث تم اكتشاف هذه الفضيحة في أكتوبر 2007، وما خفي كان أعظم!
سادسًا: الأخطاء الإدارية والفكرية الفادحة التي وقعت فيها الحكومة السودانية على مدار عِدَّة عقود أدت إلى الوصول إلى هذا الوضع المعقَّد؛ فواقع الأمر أن الحكومة السودانية لا تتعامل مع دارفور كجزءٍ مهم في الدولة السودانية، وذلك منذ عشرات السنين، وكان منطلقها في ذلك أنها أرض صحراوية تعيش فيها قبائل بدوية، وليس فيها ثروات تُذكر، ولا تداخل مع الشئون السودانية بشكل مؤثر؛ وهذا أدى إلى فقرٍ شديد للمنطقة، وفقدان للبنية التحتية، وانعدام للأمن، وعدم تمثيل مناسب في الحكومة أو البرلمان، وعدم وجود اتصال علمي أو إعلامي مع المنطقة، وغير ذلك من مظاهر الإهمال التي أفقدت الكثير من شعب دارفور الولاء لدولة السودان الأم، وحتى عندما تولى الرئيس عمر البشير الحكم بعد الانقلاب 1989 فإنه تولى في ظروف صعبة تزامنت مع الحرب المدمِّرة في جنوب السودان، والتي أخذت الاهتمام الحكومي السوداني كله، فازداد السقوط المعنوي في دارفور، وهذا كله قاد إلى تنامي حركات التمرد، وحتى عندما تتم جلسات مصالحة أو تفاوض مع زعماء المتمردين، فإنها تكتفي بتأجيل المشكلة لا حلها، وهذا يُهدِّئ الأوضاع لفترة محدودة لتعود لتشتعل بشكل أكبر بعدها بقليل!
سابعًا: الضعف العسكري الشديد للحكومة السودانية، فجيشها لا يزيد على 90 ألف جندي، بإمكانيات عسكرية هزيلة للغاية، وخاصةً بعد المرور بحرب جنوب السودان على مدار عشرين عامًا كاملة، أرهقت الجيش بصورة كبيرة، وهذا الجيش الضعيف لا يستطيع بحال أن يسيطر على المساحات الشاسعة الموجودة بالسودان بصفة عامة، وفي دارفور بصفة خاصة؛ وهذا أدى إلى ظهور عصابات "الجانجويد"، وهي عصابات من قبائل عربية تركب الخيول وتلبس الملابس البيضاء وتحمل الرشاشات، وتتجول بِحُرِّية في ربوع دارفور، فتقتل وتسرق وتفرض ما تريد، ويتَّهِم الغرب الحكومة السودانية بالتعاون مع عصابات الجانجويد، وتنفي الحكومة السودانية ذلك، ولكنه في العموم مظهر من مظاهر الانفلات الأمني، والضعف العسكري غير المقبول؛ فإذا كانت الحكومة متعاونة مع الجانجويد كما يقول الغرب، فهذا مظهر من مظاهر الضعف حيث لا تستطيع الحكومة بنفسها السيطرة على الأمور فتلجأ إلى البلطجية والمجرمين!ّ . وإذا كانت الحكومة غير متعاونة معهم، فهذا أيضًا مظهر من مظاهر الضعف، حيث تعلن الحكومة بصراحة أنها لا سيطرة لها على عصابات الجانجويد، وأنهم يقتلون من الجيش السوداني كما يقتلون من المتمردين، وهذا وضع في الحقيقة غير مقبول من حكومة مستقرة وجيش نظامي، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة وحساب.
ثامنًا: حالة الجهل الشديدة التي يمر بها أهل دارفور، مع كون الكثير منهم يحفظ كتاب الله عزَّ وجلَّ، فمدارسهم ضعيفة جدًّا، وإعلامهم منعدم، ومِن ثَمَّ فإن السيطرة الفكرية عليهم تصبح سهلة للغاية. وليس بالضرورة أن يكون الأمر بالتحوُّل إلى النصرانية، ولكن يكفي أن يطبِّقوا ما تريده الحركات المتمردة والغرب الصليبي والعدو الصهيوني من فصلٍ للدين عن الدولة، وعلمانية المناهج، وفكرة الانفصال، وهذا أمر قد لا يستنكره الشعب هناك في ظل غياب المعلمين والدعاة والمفكرين المخلصين.
تاسعًا: عدم وجود دراسات علمية موثَّقة تشرح طبيعة المنطقة، وتشعباتها الجغرافية والتاريخية والسكانية، وطرق التعامل مع القبائل المختلفة، ومناهج تفكيرهم ومنطلقاتهم، ومِن ثَم فإن الذي يسعى لحلّ المشكلة ولجمع الأطراف لا يستطيع غالبًا أن يدخل من الباب الصحيح، وقد يفشل في الحل حتى لو كان مخلصًا متجردًا؛ حيث لا يملك آليات الحل السليم، ولا المعلومات الدقيقة.
عاشرًا: حالة "الطناش" الإسلامية الشنيعة ! فهذه الأحداث المركَّبة تتفاقم منذ أكثر من عشر سنوات، ولا حراك، ولا شك أن ترك السودان بمفرده في هذه الأزمة سيجعل قضية انفصال دارفور أمرًا مسلَّمًا به.
أما آليات الحل فتشمل هذه الأمور
أولاً: لابد أن تدخل السودان في بؤرة اهتمام العالم الإسلامي، فلقد عاش السودان لسبب أو لآخر زمناً طويلاً بمعزل عن فكر ووجدان العالم الإسلامي، وهذا خطأ مركب شارك فيه علماء ودعاة وسياسيون واقتصاديون وإعلاميون وغيرهم. ومن ثم فالبداية أن نحرك مشاعر المسلمين وعقولهم تجاه حب السودان، والحرص عليه، والتعاطف معه، بل والتضحية من أجله، فهو في البداية والنهاية بلد إسلامي عريق، وشعبه من الشعوب التي تتميز بفطرة إسلامية أصيلة، ويغلب على أفرادها الطيبة والمودة والكرم.
إننا نحتاج أن نضع السودان في دائرة الاهتمام الأولى من حياتنا، ونحتاج أن نجد في مكتباتنا المؤلفات العديدة عن تاريخ السودان وواقعه، وعن اقتصاده وسياسته واجتماعياته وفنونه، وغير ذلك من أوجه النشاط فيه، ونحتاج أيضاً أن نتعرف على أعلامه ورموزه، وأن نشارك بقوة في فعالياته.
ثانياً: لابد من فهم قضية السودان بشكل عام، ودارفور بشكل خاص، فما نكتبه من أوراق لا يمثل إلا صفحة واحدة من كتاب السودان الضخم، وبداية الحل دائماً هي الفهم، ولا يمكن أن نقدم مشروعاً ناجحاً بغير فهم دقيق للأحداث؛ وهذه في الواقع الأمر مشكلة كبرى؛ لأن المعلومات عن إقليم دارفور أو السودان بشكل عام – متضاربة جداً، وغير موثقة بالمرة، وبالتالي فإننا نريد من المخلصين المتخصصين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وغيرها، أن ينفقوا الوقت والجهد من أجل إخراج دراسات أصيلة ترفع الواقع الموجود بصدق، وتنقل الصورة الحقيقية لداخل السودان بكامله، وتستمع إلى كل الأطراف، ولا مانع – بل لابد – من دراسات ميدانية تشاهد وتسمع وتسجل. كما لابد من استبيانات شاملة تنقل رؤى المواطنين ومشاكلهم وأحلامهم واقتراحاتهم، وهذا جهد لابد أن يشارك فيه المخلصون من أبناء السودان في داخل أرضه وفي خارجها، كما لابد أن يشارك فيه العلماء من كل بقاع العالم الإسلامي.
ثالثاً: لابد من خطة واقعية عملية طويلة المدى للارتقاء مدنياً بإقليم دارفور وغيره من الأقاليم الواسعة في السودان؛ فالجميع ممن عاش في دارفور أو زارها يشهد بضعف التنمية في هذا الإقليم المهم، وليس معنى هذا أنها لا تشهد أي تنمية، ولكن ما نراه هناك من مشروعات وأعمال لا يتوازى مطلقاً مع ساحة الإقليم أو عدد سكانه أو ثرواته، وهذه نقطة تحتاج إلى مراجعة
ولابد من الاعتراف أن و ضع دارفور خطير للغاية وأن احتمالات انفصالها واردة جداً وأننا نريد عملاً ليلاً ونهاراً حتى نمنع هذه الكارثة.
وإن هذا التخوف يأتي من عدة أمور:-
أولاً: المساحة الضخمة لهذا الإقليم والتي تؤهله أن يكون دولة مستقلة بإمكانيات قوية حيث أنه ليس فقط من عشرات الدول في العالم ولكنه أيضاً يمتلك البترول واليورانيوم ولقد دأب المحللون الغربيون على وصف الإقليم بأنه يساوي مساحة فرنسا ليرمخوا في الوجدان انه من الممكن أن يستقل بذاته.
ثانياً: الحدود الجغرافية، المعقدة للإقليم فهو يتجاوز من ناحيته الغربية مع تشاد بحدود طولها 600 كيلو متر وكذلك مع ليبيا وأفريقيا الوسطى ومن المعروف أن هذه المناطق الصحراوية والقبلية ليست محكمة بالحدود كغيرها من الدول وعليه فدخول الأفراد من وإلى دارفور سهل للغاية وخاصة أن هناك قبائل كثيرة ممن يعيش في الإقليم ترتبط بعلاقات مصاهرة ونسب وعلاقات اقتصادية وسياسية مع للقبائل في الدول المجاو0114رة وخاصة تشاد وهذا جعل الكثير من المشاكل السياسية التي تحدث في تكاد تكون مرجعيتها إلى دارفور والعكس وهذا يعني أن الدول المجاورة ستكون عنصراً فاعلاً في مشكلة دارفور.
ثالثاً: طبيعة القبائل في الإقليم تثير الكثير من القلق فمع أن الجميع مسلمون إلا أن الأصول الإثنية تختلف فحوالي 80% ...
من السكان ينتمون إلى القبائل الإفريقية غير العربية، وهؤلاء يعملون في المعظم في الزراعة، أما بقية السكان فمن القبائل العربية التي هاجرت في القرن الماضي إلى منطقة دارفور، وهؤلاء يعملون في الرعي. وهذه الخلفيات العرقية لها تأثير في الاختلاف بين الطائفتين، وهذا أمر متوقع، ومن الغباء أن ننكره، ونكتفي بالقول بأن الجميع مسلمون، فقد حدثت خلافات قبل ذلك بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، وما لم يؤخذ الأمر بجدية وتعقل فإن الخلافات قد تتعقد جداً، ومن ثم ينعدم الأمان في المنطقة، وهذا قد يدفع السكان إلى البدائل المطروحة، ومنها الانفصال تحت قيادة موحدة قوية تضم الجميع.ويزيد من تعقيد الموضوع في دارفور مشكلة التصحر وقلة المراعي؛ مما يدفع القبائل الكثيرة إلى التصارع على موارد الماء ومناطق الزراعة، وهو صراع من أجل الحياة، يصبح إزهاق الأرواح فيه أمراً طبيعياً !
رابعًا: البُعد التاريخي المهمّ لمنطقة دارفور يجعل مسألةَ انفصالها أمرًا خطيرًا يحتاج إلى حذرٍ وحرص؛ فالمنطقة في معظم تاريخها كانت بالفعل مستقلة عن السودان، وكانت في واقع الأمر سلطنة مسلمة تضم عددًا كبيرًا من القبائل الإفريقية، وآخر سلاطينها هو السلطان المسلم الوَرِع عليّ بن دينار، الذي حكم من سنة 1898 إلى سنة 1917م، والذي كان يرسل كسوة الكعبة إلى مكة على مدار عشرين سنة كاملةً !، وكان يُطعِم الحجيج بكثافة، لدرجة أنه أقام مكانًا لتزويد الحجاج بالطعام عند ميقات أهل المدينة المعروف بذي الحُلَيفة. وقد وقف هذا السلطان المسلم مع الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى من منطلق إسلامي، إلا أن هذا أزعج جدًّا السلطات الإنجليزية التي كانت تسيطر على السودان آنذاك، فقامت بضم هذا الإقليم إلى السودان في سنة 1917م، ومن يومها وهو جزء من السودان، وهذه الخلفية التاريخية تشير إلى نفسيّة السكان الذين إذا لم يشعروا بالأمان والاطمئنان لحكومة السودان، فإنهم سيرغبون في العودة إلى ما كانوا عليه منذ مئات السنين، وهو التجاور مع السودان وليس الانضمام لها.
خامسًا: التدخل الغربي الصهيوني الكثيف في المنطقة يغيِّر الكثير من الحسابات، ويدفع بقوة إلى فكرة الانفصال، وذلك لتحقيق مصالح استراتيجية خطيرة، وقد أصبح هؤلاء يتعاملون بمنتهى الوضوح مع قادة التمرد في دارفور؛ لكي يدفعوهم إلى الانفصال لتقوم دولة تدين بالولاء إلى الكيانات الغربية والصهيونية الموالية، وتأتي في مقدمة الدول المهتمَّة بإقليم دارفور فرنسا، حيث تمثِّل هذه المنطقة تاريخًا مهمًّا جدًّا لفرنسا؛ لأن دارفور هي أقصى شرق الحزام المعروف بالحزام الفرانكفوني (أي المنسوب إلى فرنسا)، وهي الدول التي كانت تسيطر عليها فرنسا قديمًا في هذه المنطقة، وهي دارفور وتشاد والنيجر وإفريقيا الوسطى والكاميرون، وقد استطاعت فرنسا الوصول إلى شخصية من قبيلة الفور، وهي أكبر القبائل الإفريقية في دارفور، وإليها ينسب الإقليم (دارفور)، وهذه الشخصية هي عبد الواحد محمد نور صاحب التوجُّهات العلمانية الفرنسية الواضحة، ومؤسِّس أكبر جماعات التمرد في دارفور، والمعروفة باسم جيش تحرير السودان، وهي حركة مختلفة عن الجيش الشعبي لتحرير السودان، والمتمركزة في جنوب السودان، وإن كانت الأيدلوجية الفكرية للحركتين متشابهة، بل هناك تنسيق واضح بينهما.
أما إنجلترا فهي تضع أنفها في المنطقة عن طريق خليل إبراهيم، الذي أنشأ حركة تمرد أخرى تنتمي إلى قبيلة أخرى من القبائل الإفريقية، وهي قبيلة الزغاوة، حيث قام مدعومًا ببريطانيا بإنشاء حركة العدل والمساواة، وهي كذلك حركة علمانية تطالب بفصل دارفور عن السودان.
وإضافةً إلى فرنسا وإنجلترا فهناك أمريكا صاحبة الأطماع المستمرة ليس في دارفور فقط، ولا في السودان فحسب، بل ليس في القرن الإفريقي وحده، وإنما في العالم أجمع!! فهي تدفع بقوة في اتجاه وجود قوات دُوليّة لحفظ السلام في المنطقة تكون تحت السيطرة المباشرة لمجلس الأمن، ومِن ثَم لأمريكا. وأخيرًا تأتي دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل" لتشارك بقوَّة وصراحة ووضوح في مسألة دارفور، وليس فقط عن طريق تحالف جماعات الضغط الصهيونية في أمريكا والمعروف بتحالف "أنقذوا دارفور"، ولكن أيضًا عن طريق التدخل السافر للحكومة الصهيونية نفسها حيث رصدت الحكومة الصهيونية مبلغ 5 ملايين دولار لمساعدة لاجئي دارفور، وفتحت الباب أمام الجمعيات الخيرية في إسرائيل للمشاركة. كما أعلنت عن استعدادها لشراء أدوية ومعدات لتحليل المياه بما يعادل 800 ألف دولار يتم جمعها من بعض الشركات الصهيونية!! كما سبق أن أعلنت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية اليهودية في اجتماع لها مع بعض السفراء الأفارقة في تل أبيب سنة 2008 أن حكومتها ستسعى لإيجاد حل لأزمة دارفور!!
وبالطبع لن تترك المجال عند الحديث عن التدخل الأجنبي في المنطقة دون الإشارة إلى عشرات الجمعيات الإغاثية، والتي تمارس خليطًا من الأعمال الإغاثية من جانب، والتبشيرية التنصيرية من جانب آخر، والإجرامية من جانب ثالث، وليس ببعيدٍ ما فعلته جمعية "لارش دي زو" الفرنسية من خطف أطفال من دارفور لبيعهم لعائلات إنجليزية وفرنسية، حيث تم اكتشاف هذه الفضيحة في أكتوبر 2007، وما خفي كان أعظم!
سادسًا: الأخطاء الإدارية والفكرية الفادحة التي وقعت فيها الحكومة السودانية على مدار عِدَّة عقود أدت إلى الوصول إلى هذا الوضع المعقَّد؛ فواقع الأمر أن الحكومة السودانية لا تتعامل مع دارفور كجزءٍ مهم في الدولة السودانية، وذلك منذ عشرات السنين، وكان منطلقها في ذلك أنها أرض صحراوية تعيش فيها قبائل بدوية، وليس فيها ثروات تُذكر، ولا تداخل مع الشئون السودانية بشكل مؤثر؛ وهذا أدى إلى فقرٍ شديد للمنطقة، وفقدان للبنية التحتية، وانعدام للأمن، وعدم تمثيل مناسب في الحكومة أو البرلمان، وعدم وجود اتصال علمي أو إعلامي مع المنطقة، وغير ذلك من مظاهر الإهمال التي أفقدت الكثير من شعب دارفور الولاء لدولة السودان الأم، وحتى عندما تولى الرئيس عمر البشير الحكم بعد الانقلاب 1989 فإنه تولى في ظروف صعبة تزامنت مع الحرب المدمِّرة في جنوب السودان، والتي أخذت الاهتمام الحكومي السوداني كله، فازداد السقوط المعنوي في دارفور، وهذا كله قاد إلى تنامي حركات التمرد، وحتى عندما تتم جلسات مصالحة أو تفاوض مع زعماء المتمردين، فإنها تكتفي بتأجيل المشكلة لا حلها، وهذا يُهدِّئ الأوضاع لفترة محدودة لتعود لتشتعل بشكل أكبر بعدها بقليل!
سابعًا: الضعف العسكري الشديد للحكومة السودانية، فجيشها لا يزيد على 90 ألف جندي، بإمكانيات عسكرية هزيلة للغاية، وخاصةً بعد المرور بحرب جنوب السودان على مدار عشرين عامًا كاملة، أرهقت الجيش بصورة كبيرة، وهذا الجيش الضعيف لا يستطيع بحال أن يسيطر على المساحات الشاسعة الموجودة بالسودان بصفة عامة، وفي دارفور بصفة خاصة؛ وهذا أدى إلى ظهور عصابات "الجانجويد"، وهي عصابات من قبائل عربية تركب الخيول وتلبس الملابس البيضاء وتحمل الرشاشات، وتتجول بِحُرِّية في ربوع دارفور، فتقتل وتسرق وتفرض ما تريد، ويتَّهِم الغرب الحكومة السودانية بالتعاون مع عصابات الجانجويد، وتنفي الحكومة السودانية ذلك، ولكنه في العموم مظهر من مظاهر الانفلات الأمني، والضعف العسكري غير المقبول؛ فإذا كانت الحكومة متعاونة مع الجانجويد كما يقول الغرب، فهذا مظهر من مظاهر الضعف حيث لا تستطيع الحكومة بنفسها السيطرة على الأمور فتلجأ إلى البلطجية والمجرمين!ّ . وإذا كانت الحكومة غير متعاونة معهم، فهذا أيضًا مظهر من مظاهر الضعف، حيث تعلن الحكومة بصراحة أنها لا سيطرة لها على عصابات الجانجويد، وأنهم يقتلون من الجيش السوداني كما يقتلون من المتمردين، وهذا وضع في الحقيقة غير مقبول من حكومة مستقرة وجيش نظامي، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة وحساب.
ثامنًا: حالة الجهل الشديدة التي يمر بها أهل دارفور، مع كون الكثير منهم يحفظ كتاب الله عزَّ وجلَّ، فمدارسهم ضعيفة جدًّا، وإعلامهم منعدم، ومِن ثَمَّ فإن السيطرة الفكرية عليهم تصبح سهلة للغاية. وليس بالضرورة أن يكون الأمر بالتحوُّل إلى النصرانية، ولكن يكفي أن يطبِّقوا ما تريده الحركات المتمردة والغرب الصليبي والعدو الصهيوني من فصلٍ للدين عن الدولة، وعلمانية المناهج، وفكرة الانفصال، وهذا أمر قد لا يستنكره الشعب هناك في ظل غياب المعلمين والدعاة والمفكرين المخلصين.
تاسعًا: عدم وجود دراسات علمية موثَّقة تشرح طبيعة المنطقة، وتشعباتها الجغرافية والتاريخية والسكانية، وطرق التعامل مع القبائل المختلفة، ومناهج تفكيرهم ومنطلقاتهم، ومِن ثَم فإن الذي يسعى لحلّ المشكلة ولجمع الأطراف لا يستطيع غالبًا أن يدخل من الباب الصحيح، وقد يفشل في الحل حتى لو كان مخلصًا متجردًا؛ حيث لا يملك آليات الحل السليم، ولا المعلومات الدقيقة.
عاشرًا: حالة "الطناش" الإسلامية الشنيعة ! فهذه الأحداث المركَّبة تتفاقم منذ أكثر من عشر سنوات، ولا حراك، ولا شك أن ترك السودان بمفرده في هذه الأزمة سيجعل قضية انفصال دارفور أمرًا مسلَّمًا به.
أما آليات الحل فتشمل هذه الأمور
أولاً: لابد أن تدخل السودان في بؤرة اهتمام العالم الإسلامي، فلقد عاش السودان لسبب أو لآخر زمناً طويلاً بمعزل عن فكر ووجدان العالم الإسلامي، وهذا خطأ مركب شارك فيه علماء ودعاة وسياسيون واقتصاديون وإعلاميون وغيرهم. ومن ثم فالبداية أن نحرك مشاعر المسلمين وعقولهم تجاه حب السودان، والحرص عليه، والتعاطف معه، بل والتضحية من أجله، فهو في البداية والنهاية بلد إسلامي عريق، وشعبه من الشعوب التي تتميز بفطرة إسلامية أصيلة، ويغلب على أفرادها الطيبة والمودة والكرم.
إننا نحتاج أن نضع السودان في دائرة الاهتمام الأولى من حياتنا، ونحتاج أن نجد في مكتباتنا المؤلفات العديدة عن تاريخ السودان وواقعه، وعن اقتصاده وسياسته واجتماعياته وفنونه، وغير ذلك من أوجه النشاط فيه، ونحتاج أيضاً أن نتعرف على أعلامه ورموزه، وأن نشارك بقوة في فعالياته.
ثانياً: لابد من فهم قضية السودان بشكل عام، ودارفور بشكل خاص، فما نكتبه من أوراق لا يمثل إلا صفحة واحدة من كتاب السودان الضخم، وبداية الحل دائماً هي الفهم، ولا يمكن أن نقدم مشروعاً ناجحاً بغير فهم دقيق للأحداث؛ وهذه في الواقع الأمر مشكلة كبرى؛ لأن المعلومات عن إقليم دارفور أو السودان بشكل عام – متضاربة جداً، وغير موثقة بالمرة، وبالتالي فإننا نريد من المخلصين المتخصصين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وغيرها، أن ينفقوا الوقت والجهد من أجل إخراج دراسات أصيلة ترفع الواقع الموجود بصدق، وتنقل الصورة الحقيقية لداخل السودان بكامله، وتستمع إلى كل الأطراف، ولا مانع – بل لابد – من دراسات ميدانية تشاهد وتسمع وتسجل. كما لابد من استبيانات شاملة تنقل رؤى المواطنين ومشاكلهم وأحلامهم واقتراحاتهم، وهذا جهد لابد أن يشارك فيه المخلصون من أبناء السودان في داخل أرضه وفي خارجها، كما لابد أن يشارك فيه العلماء من كل بقاع العالم الإسلامي.
ثالثاً: لابد من خطة واقعية عملية طويلة المدى للارتقاء مدنياً بإقليم دارفور وغيره من الأقاليم الواسعة في السودان؛ فالجميع ممن عاش في دارفور أو زارها يشهد بضعف التنمية في هذا الإقليم المهم، وليس معنى هذا أنها لا تشهد أي تنمية، ولكن ما نراه هناك من مشروعات وأعمال لا يتوازى مطلقاً مع ساحة الإقليم أو عدد سكانه أو ثرواته، وهذه نقطة تحتاج إلى مراجعة