- الأحد ديسمبر 01, 2013 8:54 pm
#66979
منذ نهايات العام 2010، والشوارع العربية تموج بحركات احتجاجيّة واسعة، تحدّث معظمها عن ضعف إدارة الدولة، وعن الفساد، وطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتراوحت ردّات فعل الأنظمة السياسية العربية، بين العنف ومحاولة القمع، وبين فهم معنى هذه الاحتجاجات وظروفها ودوافعها وحقـّانيتها. بل وأن التي أخذت بالحلول الأخيرة قد ذهبت في محاولات الإصلاح إلى أبعد مما طالب الناس به. ولنا من الأمثلة على هذه الأنظمة السياسية، تلك الأنظمة الملكيّة العربية التي صادف أنها كلها قد تعاملت مع التطورات بكل وعي وإدراك ومسؤولية، بالرغم من أن الكثيرين قد راهنوا على أن هذه الأنظمة ستنهار عند أوّل انعطافة.وهنا ندخل في ركن مكين من القراءة المُفسّرة لما حدث. فقد شهدت الملكيات العربية؛ الأردن والمغرب وعُمان والسعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت، حركات اجتماعية لم تَقِلّ في حجومها أو سقوف مطالبها عن تلك التي شهدتها بقية الدول العربية، إلا أن الفرق الكبير كان واقعاً في كيفية الاستجابة والقبول، وفي أسلوب التعاطي مع الأحداث، ولعل ذلك عائد إلى كون الأنظمة الملكية قد مثّلت عنصر وحدة واستقرار وثبات.لقد أثبتت التجربة المغربية نجاحاً كبيراً في التعامل مع الأحداث التي شهدتها الدول بكل وعي واقتدار، فاستوعب النظام السياسي المعارضة، بل ومكّنها من المشاركة الفاعلة في إدارة الدولة، حتى أن قائد هذه المعارضة قد تسلّم رئاسة الوزراء في الرباط. وانفتح النظام على الناس، وبدأ برحلة من المعالجات لكل الاختلالات التي شكوا منها، واتخذ حزمة كبيرة من الإصلاحات والتعديلات الدستورية الجذريّة.وفي عُمان، ما أن تحرك الشارع، ابتداء من صلالة، حتى طلب السلطان من السلطات عدم التعامل مع المحتجين بأي نوع من أنواع القوّة أو مظاهرها. وعلى العكس فقد طلب الاجتماع إلى رؤسائهم، وأدار حواراً معمّقاً معهم، بل وعزل حوالي اثني عشر وزيراً نصفهم هو الذي اقترحه على المجتمعين. وقدم لهم تسهيلات تؤمّن أكثر من مطالبهم في التوظيف وفي حل الأزمات الاقتصادية التي يعانون منها.أما في الأردن، فقد جاءت الممارسة على ذات النهج، إذ دفع النظام السياسي بجميع أركان قوته لتقف إلى جانب المحتجين، وأقام معهم حوارات متقدمة، ونفّذ من المشاريع الإصلاحية ما تجاوز حدود مطالبهم. وبدأ فعلاً بتبنّي برامج إصلاحية تعدت القوانين العاديّة لتصل إلى صلب الدستور، وإلى إنشاء الهيئات والمؤسسات التي تعكس كمّاً كبيراً من التحولات الديمقراطية، وحتى الأطياف التي اعتادت على رفض كل ذلك استمر النظام في التواصل معها، ولم يترك سبيلاً إلّا وطرقه، ولا يزال، في سبيل قيام حالة من المشاركة الجامعة.وفي السعودية، قامت هناك مستويات من التفاهم بين معظم المواطنين وبين السلطة الحاكمة، التي لم تبتعد يوماً عن وجودهم أو همومهم، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك حين بدأت تهيئ لهم سبلاً من الكسب والمشاركة واثبات الوجود. وكذلك الأمر في الكويت والإمارات وقطر والبحرين، مع ما يَعْتِوَر هذه الأخيرة من اختلالات هي مدفوعة من قوى إقليمية ذات مصلحة.وهكذا فقد استطاعت الأنظمة السياسية الملكية العربية، أن تحقق الاستجابة ليس لمطالب الناس فقط، ولكن لاستحقاقات المرحلة الحالية التي يعيشها المجتمع الدولي، الأمر الذي هيأ لها القبول من طرف المواطنين، وهيأ للمواطنين قبولاً حراً للحاكم. وهنا لا ننسى أن ما ميّز الحاكم قد حمّله مسؤولية أن يكون مستحقا ً لهذه المفاضلة، فراح يتفوق على نفسه وعلى الناس في البحث عن وسائل التنمية والتطوير والبناء والتقدم، واكتساب الشرعية عن طريق بناء حالة من الرضا الحر، وتحقيق العدالة والمكاشفة والارتقاء إلى مستوى حماية الراعي للرعيّة القائم على فهم أبوي للحكم وإدارته.