- الأربعاء ديسمبر 04, 2013 7:01 pm
#67733
خالد الدخيل *
الأحد ٢١ يوليو ٢٠١٣
من الواضح أن استقرار مصر وخروجها من حالتها الثورية المضطربة بات من وجهة نظر السعودية ودول الخليج العربي مصلحة إقليمية، وذلك في ضوء ما حصل للعراق وسورية قبل ذلك. من هنا، مسارعة السعودية، ومعها الإمارات والكويت، إلى دعم تحرك الجيش بإزاحة الرئيس محمد مرسي، وتقديم مساعدة مالية كبيرة وعاجلة لحكومة المرحلة الانتقالية التي انبثقت عن ذلك. هل يعبر هذا الدعم عن موقف هذه الدول من حكم «الإخوان» في مصر؟ الأرجح أن الأمر كذلك. لكن السؤال الأهم في ضوء ما تمر به المنطقة هو: ما الذي تنتظره الرياض وتأمله من القاهرة الآن على افتراض أن المرحلة الانتقالية التي فرضها الجيش ستمر بسلام، وسيتم انتخاب برلمان جديد، وسيتحقق التوافق على دستور جديد، وأخيراً سيأتي صندوق الاقتراع بثاني رئيس لمصر في جمهوريتها الثانية؟
هناك أكثر من زاوية يمكن النظر منها إلى هذا السؤال. هناك الزاوية المصرية، والزاوية السعودية والخليجية. ثم هناك الزاوية الأخلاقية، أو زاوية الأخوة العربية وما تفرضه من واجبات. كل هذه الزوايا وغيرها يجمعها في الأخير إطار واحد هو الإطار السياسي. أفعال الدول تعبر بها عن رؤيتها، وعن مصالحها وفقاً لهذه الرؤية. والأخوة العربية هي أحد التعبيرات عن هذه المصالح. وبما أنها كذلك فهي مشتركة ومتبادلة، أو يجب أن تكون كذلك، وتسير بالتالي، أو يجب أن تسير في اتجاهين، بل أكثر من ذلك وليس في اتجاه واحد.
انطلاقاً من ذلك، فإذا كانت المساعدات التي قدمتها الدول الخليجية الثلاث تحقق لمصر مصلحة حيوية في هذه المرحلة الحرجة، وهي تستحق ذلك، فإنه يجب أن يكون لها مردود يحقق مصلحة للدول الخليجية الثلاث أيضاً. الفرضية المضمرة هنا أن مصلحة هذه الدول العربية متبادلة. وبما أن المصلحة المصرية بدأت بالتحقق بمجرد البدء بتحويل الأموال التي تم التعهد بها، يبرز السؤال عن إمكانية وكيفية تحقق المردود الذي تنتظره السعودية. ليست هناك معلومات رسمية عن الدوافع وراء الخطوة السعودية. لكن الأرجح أنها لم تقدم على خطوة الدعم الكبيرة هذه من دون معطيات ومؤشرات تلقتها من القاهرة مباشرة.
هناك من يقول إن إسراع السعودية إلى تهنئة الرئيس الموقت، عدلي منصور، حتى قبل أدائه القسم، كان لإيصال رسالة دعم للمؤسسة العسكرية، وأنها ليست مكشوفة من دون دعم إقليمي، وذلك في وجه التردد الذي بدا عليه الموقفان الأميركي والأوروبي، والرفض التركي والإيراني خطوة الجيش المصري. واللافت هنا هو موقف السعودية ودول الخليج الداعم للجيش المصري أمام كل هذا الرفض أو التردد الإقليمي والدولي. ما الذي تنتظره الرياض من كل ذلك؟ يمكن القول إن الرياض تأمل من القاهرة أن تحقق أربعة أمور: داخلياً تأمين المرحلة الانتقالية، والعبور بسلام إلى توافق على نظام سياسي مستقر وفاعل. ثانياً، عودة مصر إلى لعب دورها الإقليمي كدولة عربية معنية بتأمين الساحة العربية من التدخلات المفروضة من دول غير عربية، وضداً على المصالح العربية. ثالثاً، إخراج الموقف المصري من حال التردد التي كان عليها أيام حكم الرئيس مرسي من النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية، والعودة به إلى تبني ضرورة إنهاء هذا النفوذ كشرط لتعاون عربي - إيراني مثمر. رابعاً، دعم الحل السياسي في سورية من خلال حكومة انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات، وأن لا يكون الرئيس الأسد، بعد كل المجازر التي ارتكبتها قواته، جزءاً من هذا الحل.
من الناحية الاقتصادية يبدو أن الوضع في مصر أصبح كارثياً. كتب رجل الأعمال المصري حسن هيكل أن مصر تخسر في الأزمة الحالية بليون جنيه يومياً، أي ما قيمته بليونا دولار شهرياً. وخلال السنتين الماضيتين خسرت مصر 500 بليون جنيه، أو خمسين بليون دولار. كما خسرت الحكومة المصرية من احتياطها النقدي 40 بليون دولار، ما أضاف مديونية بحجم 10 بلايين دولار (500 بليون جنيه مصري). وقد صل حجم الديون إلى 50 بليون دولار. وتتجاوز نسبة الفقر 40 في المئة. تؤكد هذه الأرقام الدقيقة مدى التردي الذي وصل إليه الوضع الاقتصادي. ووفق تقديرات هيكل (بعد إعلان المساعدات السعودية الخليجية) لا تزال مصر في حاجة إلى مساعدات من الدول العربية (أي الخليجية) بخمسين بليون دولار، و25 بليون دولار مساعدات دولية للخروج من أزمتها الخانقة. وهو ما يعني أن المساعدات الخليجية الأخيرة، والودائع القطرية قبل ذلك، أقل مما يتوقعه المصريون. وبما أن الحل السياسي مرتبط في كل الأحوال ومتداخل مع الحل الاقتصادي، فإن ما تنتظره الرياض من القاهرة أمامه طريق طويل، ومتطلبات كثيرة.
لا يقل المشهد السياسي قتامة عن المشهد الاقتصادي. بعد أكثر من سنتين من الثورة تبين أن مصر من دون طبقة سياسية ناضجة ومحترفة تستطيع أن تجترح الحلول السياسية في اللحظات الحرجة. فشلت هذه الطبقة (وهي تشمل «الإخوان» ومعارضيهم) في الاتفاق على أي شيء. الأمر الذي فرض تدخل الجيش لإزاحة «الإخوان» عن الحكم لمصلحة معارضيهم بغطاء ديني. أي أن الجيش بعد أكثر من ستين عاماً على انقلاب يوليو 1952 لا يزال هو أقوى مؤسسات الدولة، وأغناها، وأكثرها قدرة على فرض الحلول على الجميع. في ضوء هذه الحقيقة هل يستطيع الجيش أن يؤمن التوافق المطلوب للعبور من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة المستقرة، وهو التوافق الذي عز على الجميع طوال أكثر من سنتين، وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه؟ أين سيكون موقع «الإخوان» بعد كل ما حصل، وهم الأكثر شعبية إلى جانب الجيش وشباب الثورة، في الحل السياسي المطلوب؟ ماذا لو تطلب الأمر تولي العسكر الحكم حتى يمكن التوصل إلى الحل السياسي المطلوب؟ وما هو حجم الدور الذي تلعبه «الدولة العميقة» في ما حصل ويحصل بعد سقوط حسني مبارك؟
واللافت أن القوى الأكثر شعبية في مصر، كما يبدو، هي ما يعرف بشباب الثورة، وهم من دون قيادة، و «الإخوان»، وهم من دون تجربة حكم، والجيش الذي يخضع لقيادة متماسكة، ولتراتبية مؤسساتية قديمة، وخبرة في الحكم لا تقل عن ذلك. واللافت أيضاً أن هذا الجيش يكاد أن يكون القوة الوحيدة التي لها علاقة جيدة ومتينة مع السعودية. ما عدا ذلك تتراوح مواقف القوى الأخرى من السعودية بين الغموض والعدائية المعلنة. فما عدا عمرو موسى، مثلاً، لا يمكن القول إن أعضاء الجبهة الوطنية للإنقاذ تربطهم بالسعودية علاقة ودية. بل إن بعضهم يتخذ من السعودية موقفاً غير ودي، وإن يكن مضمراً في الظروف السائدة. أحد أعضاء هذه الجبهة، حمدين صباحي، يميل موقفه إلى الاضطراب منه إلى الاضطراد عندما يتعلق الأمر بعلاقات مصر الخارجية. فهو مستعد مثلاً، وكما قال في حديثه المطول لصحيفة «الحياة»، للتسامح عن جرائم الرئيس السوري بشار الأسد، من أجل الحفاظ على وحدة سورية. وفي الوقت نفسه لم يكن مستعداً للتسامح مع الرئيس مرسي، بل قبل بالمجازفة بمستقبل مصر من أجل إزاحته عن الحكم. وهذا موقف لا يمكن أن يكون مريحاً بالنسبة إلى الرياض. الأكثر من ذلك أن أحد مؤسسي حركة «تمرد»، والمتحدث باسمها، محمود بدر، يتخذ من السعودية، ومن الحكم السعودي تحديداً، موقفاً معادياً ومعلناً. ومحمود بدر هذا كان أحد ممثلي حركة «تمرد» في الاجتماع الذي دعا إليه الجيش للتشاور قبل إعلان عزل محمد مرسي عن الرئاسة. وهو الاجتماع الذي ضم شيخ الأزهر، ورئيس الكنيسة القبطية، ورئيس حزب «النور»، إلى جانب ممثل جبهة الإنقاذ. وقد ألقى محمد بدر بيان «تمرد» المؤيد لعزل مرسي من على المنبر نفسه الذي أعلن منه الفريق عبدالفتاح السيسي بيان العزل، وتعطيل الدستور، وتعيين الرئيس الموقت، وتم بثه على التلفزيون الرسمي. ومن الواضح الآن أن علاقة السعودية مع «الإخوان» تكاد تقترب من حال القطيعة. تضمر هذه المعطيات أن ما تنتظره الرياض من القاهرة فيه الكثير من التفاؤل، وربما يتطلب ما هو أكثر من تقديم المساعدات المالية. فلو افترضنا أن نتيجة المرحلة الانتقالية جاءت بحكومة من جبهة الإنقاذ، والمستقلين، وشباب الثورة، والتيارات الإسلامية، فإن التوازنات داخل هذه الحكومة لن تسمح بأن تكون سياستها الخارجية قريبة مما تأمله السعودية.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا لم تلعب الرياض دور الوسيط في الأزمة المصرية قبل أشهر من انفجارها؟ ولماذا انتظرت لحظة انفجار الأزمة لبدء التعاطي معها؟ ثم لماذا عندما فعلت ذلك، اقتصر تعاطيها على المساعدة المالية؟ لقد فشلت هذه المساعدات من قبل في تحقيق مصالح سياسية راسخة للرياض. والسبب واضح، وهو أن المساعدات المالية من دون دور سياسي إقليمي فاعل، وثقل عسكري ملموس، وإطار مؤسساتي ودستوري يؤطر هذه المساعدات ويوفر لها الدعم في الداخل قبل الخارج، تبقى مجرد مساعدات مالية تفقد قيمتها وتأثيرها مع الوقت. ووفق الأرقام المصرية، كما رأينا، فإن ما قدمته السعودية والإمارات والكويت، وقبلها قطر، أقل بكثير مما تحتاجه مصر. الأمر الذي يؤكد مرة أخرى حاجة السعودية إلى مراجعة سياستها الخارجية، وموقع المساعدات المالية فيها.
الأحد ٢١ يوليو ٢٠١٣
من الواضح أن استقرار مصر وخروجها من حالتها الثورية المضطربة بات من وجهة نظر السعودية ودول الخليج العربي مصلحة إقليمية، وذلك في ضوء ما حصل للعراق وسورية قبل ذلك. من هنا، مسارعة السعودية، ومعها الإمارات والكويت، إلى دعم تحرك الجيش بإزاحة الرئيس محمد مرسي، وتقديم مساعدة مالية كبيرة وعاجلة لحكومة المرحلة الانتقالية التي انبثقت عن ذلك. هل يعبر هذا الدعم عن موقف هذه الدول من حكم «الإخوان» في مصر؟ الأرجح أن الأمر كذلك. لكن السؤال الأهم في ضوء ما تمر به المنطقة هو: ما الذي تنتظره الرياض وتأمله من القاهرة الآن على افتراض أن المرحلة الانتقالية التي فرضها الجيش ستمر بسلام، وسيتم انتخاب برلمان جديد، وسيتحقق التوافق على دستور جديد، وأخيراً سيأتي صندوق الاقتراع بثاني رئيس لمصر في جمهوريتها الثانية؟
هناك أكثر من زاوية يمكن النظر منها إلى هذا السؤال. هناك الزاوية المصرية، والزاوية السعودية والخليجية. ثم هناك الزاوية الأخلاقية، أو زاوية الأخوة العربية وما تفرضه من واجبات. كل هذه الزوايا وغيرها يجمعها في الأخير إطار واحد هو الإطار السياسي. أفعال الدول تعبر بها عن رؤيتها، وعن مصالحها وفقاً لهذه الرؤية. والأخوة العربية هي أحد التعبيرات عن هذه المصالح. وبما أنها كذلك فهي مشتركة ومتبادلة، أو يجب أن تكون كذلك، وتسير بالتالي، أو يجب أن تسير في اتجاهين، بل أكثر من ذلك وليس في اتجاه واحد.
انطلاقاً من ذلك، فإذا كانت المساعدات التي قدمتها الدول الخليجية الثلاث تحقق لمصر مصلحة حيوية في هذه المرحلة الحرجة، وهي تستحق ذلك، فإنه يجب أن يكون لها مردود يحقق مصلحة للدول الخليجية الثلاث أيضاً. الفرضية المضمرة هنا أن مصلحة هذه الدول العربية متبادلة. وبما أن المصلحة المصرية بدأت بالتحقق بمجرد البدء بتحويل الأموال التي تم التعهد بها، يبرز السؤال عن إمكانية وكيفية تحقق المردود الذي تنتظره السعودية. ليست هناك معلومات رسمية عن الدوافع وراء الخطوة السعودية. لكن الأرجح أنها لم تقدم على خطوة الدعم الكبيرة هذه من دون معطيات ومؤشرات تلقتها من القاهرة مباشرة.
هناك من يقول إن إسراع السعودية إلى تهنئة الرئيس الموقت، عدلي منصور، حتى قبل أدائه القسم، كان لإيصال رسالة دعم للمؤسسة العسكرية، وأنها ليست مكشوفة من دون دعم إقليمي، وذلك في وجه التردد الذي بدا عليه الموقفان الأميركي والأوروبي، والرفض التركي والإيراني خطوة الجيش المصري. واللافت هنا هو موقف السعودية ودول الخليج الداعم للجيش المصري أمام كل هذا الرفض أو التردد الإقليمي والدولي. ما الذي تنتظره الرياض من كل ذلك؟ يمكن القول إن الرياض تأمل من القاهرة أن تحقق أربعة أمور: داخلياً تأمين المرحلة الانتقالية، والعبور بسلام إلى توافق على نظام سياسي مستقر وفاعل. ثانياً، عودة مصر إلى لعب دورها الإقليمي كدولة عربية معنية بتأمين الساحة العربية من التدخلات المفروضة من دول غير عربية، وضداً على المصالح العربية. ثالثاً، إخراج الموقف المصري من حال التردد التي كان عليها أيام حكم الرئيس مرسي من النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية، والعودة به إلى تبني ضرورة إنهاء هذا النفوذ كشرط لتعاون عربي - إيراني مثمر. رابعاً، دعم الحل السياسي في سورية من خلال حكومة انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات، وأن لا يكون الرئيس الأسد، بعد كل المجازر التي ارتكبتها قواته، جزءاً من هذا الحل.
من الناحية الاقتصادية يبدو أن الوضع في مصر أصبح كارثياً. كتب رجل الأعمال المصري حسن هيكل أن مصر تخسر في الأزمة الحالية بليون جنيه يومياً، أي ما قيمته بليونا دولار شهرياً. وخلال السنتين الماضيتين خسرت مصر 500 بليون جنيه، أو خمسين بليون دولار. كما خسرت الحكومة المصرية من احتياطها النقدي 40 بليون دولار، ما أضاف مديونية بحجم 10 بلايين دولار (500 بليون جنيه مصري). وقد صل حجم الديون إلى 50 بليون دولار. وتتجاوز نسبة الفقر 40 في المئة. تؤكد هذه الأرقام الدقيقة مدى التردي الذي وصل إليه الوضع الاقتصادي. ووفق تقديرات هيكل (بعد إعلان المساعدات السعودية الخليجية) لا تزال مصر في حاجة إلى مساعدات من الدول العربية (أي الخليجية) بخمسين بليون دولار، و25 بليون دولار مساعدات دولية للخروج من أزمتها الخانقة. وهو ما يعني أن المساعدات الخليجية الأخيرة، والودائع القطرية قبل ذلك، أقل مما يتوقعه المصريون. وبما أن الحل السياسي مرتبط في كل الأحوال ومتداخل مع الحل الاقتصادي، فإن ما تنتظره الرياض من القاهرة أمامه طريق طويل، ومتطلبات كثيرة.
لا يقل المشهد السياسي قتامة عن المشهد الاقتصادي. بعد أكثر من سنتين من الثورة تبين أن مصر من دون طبقة سياسية ناضجة ومحترفة تستطيع أن تجترح الحلول السياسية في اللحظات الحرجة. فشلت هذه الطبقة (وهي تشمل «الإخوان» ومعارضيهم) في الاتفاق على أي شيء. الأمر الذي فرض تدخل الجيش لإزاحة «الإخوان» عن الحكم لمصلحة معارضيهم بغطاء ديني. أي أن الجيش بعد أكثر من ستين عاماً على انقلاب يوليو 1952 لا يزال هو أقوى مؤسسات الدولة، وأغناها، وأكثرها قدرة على فرض الحلول على الجميع. في ضوء هذه الحقيقة هل يستطيع الجيش أن يؤمن التوافق المطلوب للعبور من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة المستقرة، وهو التوافق الذي عز على الجميع طوال أكثر من سنتين، وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه؟ أين سيكون موقع «الإخوان» بعد كل ما حصل، وهم الأكثر شعبية إلى جانب الجيش وشباب الثورة، في الحل السياسي المطلوب؟ ماذا لو تطلب الأمر تولي العسكر الحكم حتى يمكن التوصل إلى الحل السياسي المطلوب؟ وما هو حجم الدور الذي تلعبه «الدولة العميقة» في ما حصل ويحصل بعد سقوط حسني مبارك؟
واللافت أن القوى الأكثر شعبية في مصر، كما يبدو، هي ما يعرف بشباب الثورة، وهم من دون قيادة، و «الإخوان»، وهم من دون تجربة حكم، والجيش الذي يخضع لقيادة متماسكة، ولتراتبية مؤسساتية قديمة، وخبرة في الحكم لا تقل عن ذلك. واللافت أيضاً أن هذا الجيش يكاد أن يكون القوة الوحيدة التي لها علاقة جيدة ومتينة مع السعودية. ما عدا ذلك تتراوح مواقف القوى الأخرى من السعودية بين الغموض والعدائية المعلنة. فما عدا عمرو موسى، مثلاً، لا يمكن القول إن أعضاء الجبهة الوطنية للإنقاذ تربطهم بالسعودية علاقة ودية. بل إن بعضهم يتخذ من السعودية موقفاً غير ودي، وإن يكن مضمراً في الظروف السائدة. أحد أعضاء هذه الجبهة، حمدين صباحي، يميل موقفه إلى الاضطراب منه إلى الاضطراد عندما يتعلق الأمر بعلاقات مصر الخارجية. فهو مستعد مثلاً، وكما قال في حديثه المطول لصحيفة «الحياة»، للتسامح عن جرائم الرئيس السوري بشار الأسد، من أجل الحفاظ على وحدة سورية. وفي الوقت نفسه لم يكن مستعداً للتسامح مع الرئيس مرسي، بل قبل بالمجازفة بمستقبل مصر من أجل إزاحته عن الحكم. وهذا موقف لا يمكن أن يكون مريحاً بالنسبة إلى الرياض. الأكثر من ذلك أن أحد مؤسسي حركة «تمرد»، والمتحدث باسمها، محمود بدر، يتخذ من السعودية، ومن الحكم السعودي تحديداً، موقفاً معادياً ومعلناً. ومحمود بدر هذا كان أحد ممثلي حركة «تمرد» في الاجتماع الذي دعا إليه الجيش للتشاور قبل إعلان عزل محمد مرسي عن الرئاسة. وهو الاجتماع الذي ضم شيخ الأزهر، ورئيس الكنيسة القبطية، ورئيس حزب «النور»، إلى جانب ممثل جبهة الإنقاذ. وقد ألقى محمد بدر بيان «تمرد» المؤيد لعزل مرسي من على المنبر نفسه الذي أعلن منه الفريق عبدالفتاح السيسي بيان العزل، وتعطيل الدستور، وتعيين الرئيس الموقت، وتم بثه على التلفزيون الرسمي. ومن الواضح الآن أن علاقة السعودية مع «الإخوان» تكاد تقترب من حال القطيعة. تضمر هذه المعطيات أن ما تنتظره الرياض من القاهرة فيه الكثير من التفاؤل، وربما يتطلب ما هو أكثر من تقديم المساعدات المالية. فلو افترضنا أن نتيجة المرحلة الانتقالية جاءت بحكومة من جبهة الإنقاذ، والمستقلين، وشباب الثورة، والتيارات الإسلامية، فإن التوازنات داخل هذه الحكومة لن تسمح بأن تكون سياستها الخارجية قريبة مما تأمله السعودية.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا لم تلعب الرياض دور الوسيط في الأزمة المصرية قبل أشهر من انفجارها؟ ولماذا انتظرت لحظة انفجار الأزمة لبدء التعاطي معها؟ ثم لماذا عندما فعلت ذلك، اقتصر تعاطيها على المساعدة المالية؟ لقد فشلت هذه المساعدات من قبل في تحقيق مصالح سياسية راسخة للرياض. والسبب واضح، وهو أن المساعدات المالية من دون دور سياسي إقليمي فاعل، وثقل عسكري ملموس، وإطار مؤسساتي ودستوري يؤطر هذه المساعدات ويوفر لها الدعم في الداخل قبل الخارج، تبقى مجرد مساعدات مالية تفقد قيمتها وتأثيرها مع الوقت. ووفق الأرقام المصرية، كما رأينا، فإن ما قدمته السعودية والإمارات والكويت، وقبلها قطر، أقل بكثير مما تحتاجه مصر. الأمر الذي يؤكد مرة أخرى حاجة السعودية إلى مراجعة سياستها الخارجية، وموقع المساعدات المالية فيها.