- الاثنين ديسمبر 09, 2013 4:05 pm
#69258
زمة الصواريخ الكوبية (تسمى في روسيا أزمة الكاريبي، (بالروسية: Карибский кризис) أو Karibskiy krizis، وتعرف في كوبا بـأزمة أكتوبر) هي مواجهة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي المتحالف مع كوبا في أكتوبر 1962 ضمن أحداث الحرب الباردة. وتقارن أزمة الصواريخ الكوبي بـحصار برلين كواحدة من أشد المواجهات خلال الحرب الباردة، وتعتبر هذه الأزمة أقرب أزمة كادت أن تؤدي لقيام الحرب النووية.
في أغسطس 1962 وفي أعقاب عدة عمليات فاشلة للولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي (غزو خليج الخنازير وعملية النمس) شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفيتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى (MRBMs وIRBMs) في كوبا، والتي تعطي الإمكانية من ضرب معظم أراضي الولايات المتحدة. بدأ هذا العمل بعد نشر صواريخ ثور IRBM في بريطانيا ضمن مشروع إميلي سنة 1958 ونشر صواريخ جوبيتر IRBM في إيطاليا وتركيا سنة 1961، حيث أصبح بهذا لدى أمريكا المقدرة على ضرب موسكو بأكثر من 100 صاروخ ذي رأس نووي.
فاقت تلك الأزمة مع أزمة حصار برلين كلاً من أزمة السويس وحرب 67 اللتين تعتبران إحدى أكبر المواجهات في الحرب الباردة إلا أن تلك الأزمتين اقتربتا جدًا من المواجهة النووية[2]. وهي أيضا أول واقعة موثّقة لخطر تدمير متبادل مؤكد (MAD) جري مناقشتها باعتبارها عاملاً حاسمًا في الاتفاقيات الكبرى للتسليح الدولي[3][4]. بدأت الأزمة في 8 أكتوبر 1962، ووصلت ذروتها في 14 أكتوبر عندما أظهرت صور استطلاع التقطت من طائرة التجسس الأمريكية لوكهيد يو-2 عن وجود قواعد صواريخ سوفيتية نووية تحت الإنشاء في كوبا.
فكرت الولايات المتحدة في مهاجمة كوبا عن طريق الجو والبحر، ثم استقر الرأي بعمل حظر عسكري عليها. فأعلنت الولايات المتحدة أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت تفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت الإنشاء في كوبا وإزالة جميع الأسلحة الهجومية. ولم تكن إدارة كينيدي تتوقع أن يستجيب الكرملين لمطالبهم، وتوقعت حدوث مواجهة عسكرية بين الدولتين. أما على الجانب السوفيتي فقد كتب الزعيم نيكيتا خروتشوف في رسالة إلى كنيدي بأن "حظر الملاحة في المياه الدولية أوالمجال الجوي" يشكل "عملاً من أعمال العدوان تدفع البشرية إلى هاوية حرب صواريخ نووية عالمية".
رفض السوفيت علنًا جميع المطالب الأمريكية، ولكن عبر قنوات سرية من الاتصالات بدأت اقتراحات لحل الأزمة.
انتهت الأزمة في 28 أكتوبر 1962، عندما توصل كلّ من الرئيس الأمريكي جون كينيدي وأمين عام الأمم المتحدة يو ثانت إلى اتفاق مع السوفيت لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا وأن تقوم بالتخلص بشكل سري من الصواريخ البالستية المسماة بجوبيتر (PGM-19 Jupiter) وثور (PGM-17 Thor).
أزال السوفييت بعد أسبوعين من الاتفاق جميع أنظمة الصواريخ ومعدات الدعم، وتم تحميلها على ثماني سفن تابعة لهم في الفترة من 5 إلى 9 نوفمبر. وبعدها بشهر أي في 5 و6 ديسمبر حملت القاذفة السوفيتية اليوشن-28 على ثلاث سفن شحن إلى روسيا. وانتهى رسميًا الحظر على كوبا يوم 20 نوفمبر 1962 في الساعة 6:45 مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة. بعد أحد عشر شهرًا من الاتفاق وفي سبتمبر 1963 تم إبطال مفعول جميع الأسلحة الأمريكية في تركيا. ثم حدث كنتيجة لمفاوضات إضافية إنشاء الخط الساخن بين موسكو وواشنطن.
وفي أول خطاب له عن تلك الأزمة، أطلق كينيدي في 22 أكتوبر 1962 إنذاره الرئيسي:
«ستكون سياسة هذه الأمة إزاء أي صواريخ نووية تنطلق من كوبا ضد أي دولة في النصف الغربي هجوما على الولايات المتحدة، وستكون ردة الفعل الانتقامية كاملة على الاتحاد السوفيتي[5]»
وقد شمل هذا الخطاب على خطوط سياسية رئيسية أخرى، بدأت بـ:
«لوقف هذا الحشد العدواني سنحجر وبصرامة على جميع المعدات العسكرية العدائية التي يجري شحنها إلى كوبا. جميع السفن المتجهة إلى موانئ كوبا والقادمة من أي جهة كانت إذا وجد أنها تحتوي على شحنات من أسلحة عدوانية فسنعيدها. هذا الحَجْر سوف يتم توسعته إذا اقتضت الضرورة ليشمل أنواعًا أخرى من البضائع والمنقولات. نحن لا نريد أن نمنع أي ضرورات إنسانية وفي هذا الوقت بالذات كما حاول السوفيت فعله عندما حاصروا برلين عام 1948.»
أمر بتكثيف الرقابة، وأشاد بالتعاون من وزراء خارجية منظمة البلدان الأمريكية. وقال:"أمرنا الجيش للتحضير لجميع الاحتمالات، وإنا على ثقة من أن مصلحة كل من الشعب الكوبي والفنيين السوفييت في تلك المواقع، أن يعرفوا الأخطار التي ستصيب جميع الأطراف إذا استمر التهديد." وقد قدم طلب لاجتماع عاجل في منظمة البلدان الأمريكية ومجلس الأمن للنظر في هذا الموضوع[5].
ميزة الولايات المتحدة النووية
حتى عام 1962 فإن ماتملكه الولايات المتحدة من القنابل والرؤوس الحربية أكثر بثماني مرات مما يملكه الإتحاد السوفييتي: 27,297 مقابل 3,332[6].
كتب المؤرخ (ميلمان) قبل أن يتم القبض على (أوليج بنكوفسكي) العقيد بالمخابرات السوفييتية العامة في اليوم الأول من الأزمة، وهو جاسوس لبريطانيا وأمريكا، قائلا: "خلال وقائع محاكمته في ابريل 1963 أظهر بأنه سلم 5,000 علبة أفلام من المعلومات التقنية السوفييتية، هذا عدا سكره الشديد مع عملاء الاستخبارات الغربيين خلال رحلاته العديدة لأوربا الغربية". وقد استنتج السوفييت بأن الأمريكان قد استحوذوا على معلومات حاسمة جدا عن أسلحتهم واستخباراتهم، لذلك فالإتحاد السوفييتي لم يعد يثق بقدرة درعه النووي[7].
قد لا تتناسب مقدرة السوفييت بالتعامل مع قاذفات القنابل الأمريكية ولكنهم استعاضوا عنها بالصواريخ[8]. وبعد إطلاق القمر الصناعي السوفييتي سبوتنك، انتقل الأمريكان من القاذفات المأهولة إلى صناعة الصواريخ التي لم يكن لها أولوية للاهتمام، فطوروا الصواريخ العابرة للقارات المسماة اختصارا (ICBMs)[8]. المحاكاة الحاسوبية للعالم جون فون نيومان ساعدت الصواريخ الأمريكية والرؤوس النووية الخفيفة والاقتصادية[8]. فالصاروخ السوفييتي الثقيل سميوركا R-7 Semyorka (276 طن) ينقل رأس حربي (3طن) أي 3 ميجاطن مسافة 5,800 ميل (9,330 كم)، بالمقابل الصاروخ الأمريكي أطلس Atlas وزنه (130 طنا) ينقل رأسا حربيا (1.5 طن) أي 3.8 ميجاطن مسافة 11,500 ميل (18,510 كم)[8].
بتاريخ 24 أكتوبر 1960 وخلال كارثة نيديلين (Nedelin catastrophe) قتل العديد من علماء الصواريخ السوفييت مما سبب بتعطيل مشروع الصواريخ البالستية R-16 لمدة سنة. وخلال أزمة الصواريخ الكوبية لم يكن للروس من صواريخ إلا أربعة من R-7 وعدد محدود من R-16 منتشرة في منصات سطحية مكشوفة وسهلة التعرض لهجوم، بينما يمتلك الأمريكان 142 من أطلس و62 من صواريخ تيتان Titan-I البالستية، أغلبها مثبت بصوامع تحت الأرض[8].
صاروخ جوبيتر بالستي متوسط المدى لحظة ارتفاعه عن الأرض
علاوة على ذلك، ففي يوليو 1960، صار بإمكان الولايات المتحدة إطلاق صواريخ بولاريس عابرة القارات لمسافة 1,000-ميل (1,600 كم) من غواصاتها المنتشرة بالبحار[8]، بينما إسطول الغواصات السوفيتي لديه حوالي 100 من الصواريخ العابرة في 1 والتي لاتطلق إلا عند خروج الغواصة إلى السطح مما يفقدها خاصية الاختفاء أو الغمر تحت الماء.
قبل حدوث الأزمة بعام، خدع الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف كنيدي ببرنامج قنبلة تسار ذات قوة 50 ميغا طن، والذي يعتبر أعظم قوة نووية تفجيرية بالتاريخ[8]، ثم استغل التحالف الكوبي السوفييتي الجديد لوضع صواريخ نووية ذات مدى يغطي جميع المدن الأمريكية[8]. خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1960 أبلغ ألان دالاس رئيس CIA كلا من جون كنيدي ونائبه ليندون جونسون على القدرة النووية للإتحاد السوفييتي المسماة بالغطاء الصاروخي "وقد كانت قليلة الأهمية قبل أن يثيرها كنيدي خلال حملته الانتخابية"[9].
وفي عام 1961 نشرت الولايات المتحدة 15 صاروخ جوبيتر بالستي متوسط المدى بمدينة أزمير التركية ومداها 1,500-ميل (2,410 كم) مستهدفة المدن الغربية للإتحاد السوفييتي بما فيهم موسكو التي تبعد عنها ب 15 دقيقة ولكن كيندي قلل من أهميتها الإستراتيجية نظرا لأن الغواصات التي تحوي الصواريخ البالستية تعطي نفس الدرجة من التهديد وعلى بعد أيضا.
وقد بادر خروتشوف بالتعبير عن غضبه واعتبر وجود الصواريخ بالأراضي التركية عدوانا شخصيا، لذلك فوجود الصواريخ الكوبية -وهي أول صواريخ توضع خارج الإتحاد السوفييتي- كانت ردة فعل على وجود الصواريخ النووية الأمريكية بالأراضي التركية.
ردة الفعل الأمريكية
إطلع كيندي على الصور في 16 أكتوبر[14]، فاجتمع مع اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن الوطني، وهم 14 شخصا بالإضافة لأخيه روبرت في الساعة 9:00 صباحا، ولم يكن للحكومة أي خطة عمل للرد على مثل هذا التهديد، والسبب هو أن المخابرات الأمريكية كانت مقتنعة بأن السوفييت لن يضعوا أي صواريخ نووية في الأراضي الكوبية. وقد ناقشت تلك اللجنة خمس خطوات قابلة للتنفيذ:
لن يعملوا أي شيء.
استعمال الضغوط الدبلوماسية لحث الإتحاد السوفييتي على إزالة صواريخه.
استخدام القصف الجوي لضرب الصواريخ.
غزو عسكري شامل.
حصار بحري لكوبا، وقد أعتمد استخدامه بحظر أكثر تشدد[15].
وقد اتفق جميع الأعضاء بأن الحل الوحيد هو عمل هجوم واسع النطاق وغزو كوبا. واعتقدوا بأن السوفييت لن يحركوا ساكنا لوقف الغزو الأمريكي لكوبا، ولكن كيندي كان متشككا بذلك قائلا:
«هؤلاء أكثر منا نحن، الذين يستطيعون ترك هذه الأمور تمر بسلام بدون عمل شيء. وبعد كل ما فعلوه فهل يسمحوا لنا بأخذ صواريخهم وقتل خبرائهم ثم يتركوننا دون فعل شيء؟ فإذا لم يفعلوا شيئا بكوبا فبالتاكيد سيفعلونها في برلين[16]»
خلص كيندي بأن الهجوم الجوي سيجعل السوفييت مقتنعين بأنهم أخذوا الضوء الأخضر لاحتلال برلين. بالإضافة إلى ذلك فإن حلفاء الولايات المتحدة سيكونون مقتنعين أيضا بأنهم خسروا برلين لأن الولايات المتحدة لم تتمكن من وضع حل سلمي للقضية الكوبية.
إنهاء الأزمة
بعد مشاورات مطولة بين السوفييت والإدارة الأمريكية، وافق كيندي على المطالب المتعلقة بإزالة جميع قواعد الصواريخ الموجودة على الحدود التركية السوفييتية بالمقابل إزالة خروتشوف لجميع المنصات الموجودة بكوبا.
في الساعة ال 9:00 من صبيحة 28 أكتوبر، وصلت رسالة من خروتشوف كانت قد أذاعها راديو موسكو. صرح فيها خروتشوف التالي:" أصدرت الحكومة السوفيتية إضافة إلى القرارات السابقة بوقف أي أعمال إضافية في بناء قواعد للأسلحة، فقد أصدرت قرار جديد بتفكيك الأسلحة التي توصف بالهجومية وقواعدها وإعادتهم إلى الإتحاد السوفييتي".
وجاء رد كيندي سريعا، وذلك بإصدار بيان فيه دعوة "إلى المساهمة البناءة والهامة في عملية السلام". واستمر فيها قائلا: "أخذت رسالتي إليك بالسابع والعشرين من أكتوبر وردك اليوم بعين الاعتبار بالقيام بمهمة قوية من جانب حكومتينا والتي ينبغي تنفيذها فورا. وستقوم الولايات المتحدة بعمل تقرير في إطار عمل مجلس الأمن بخصوص كوبا على النحو التالي: ستعلن بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية سوف تحترم حرمة الحدود الكوبية، وسيادتها، وتتعهد بعدم التدخل بالشؤون الداخلية وعدم إقحام أنفسهم وعدم السماح باستخدام الأراضي الأمريكية كجسر لغزو كوبا، وستمنع كل من يخطط لأعمال عدوانية لكوبا سواءا من الأراضي الأمريكية أو أراضي دول مجاورة لكوبا[24].
يعتبر كاسترو من أكبر المستفيدين من معاهدة كيندي-خروتشوف، فهي من الجانب العملي قد شددت من قبضته داخل كوبا التي لن تهاجمها أمريكا. من جانب آخر كانت كوبا هي المكان الوحيد الذي يستطيع خروتشوف أن يضع صواريخه بها لكي يقايض بها كيندي لإزالة الصواريخ الموجودة بتركيا، لهذا لن يكون للسوفييت نية اللجوء إلى حرب نووية إن كانوا خارج مرمى نيران الأمريكان. لكن بما أن سحب الصواريخ من تركيا لم يكن له صدى قوي بذلك الوقت، فإن خروتشوف بدأ وكأنه الطرف الخاسر بتلك الأزمة. وأدرك كيندي بأنه ربح الرهان ما بين القوتين الجبارتين وظهر خروتشوف كأنه ذليل. ولكن لم تكن تلك هي الحالة بشكل عام حيث أن كلا من خروتشوف وكيندي حاولا جهدهما لتجنب أزمة رغم الضغط الشعوب على حكوماتهم، واستمر خروتشوف بالحكم لمدة عامين بعد ذلك[24].
في أغسطس 1962 وفي أعقاب عدة عمليات فاشلة للولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي (غزو خليج الخنازير وعملية النمس) شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفيتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى (MRBMs وIRBMs) في كوبا، والتي تعطي الإمكانية من ضرب معظم أراضي الولايات المتحدة. بدأ هذا العمل بعد نشر صواريخ ثور IRBM في بريطانيا ضمن مشروع إميلي سنة 1958 ونشر صواريخ جوبيتر IRBM في إيطاليا وتركيا سنة 1961، حيث أصبح بهذا لدى أمريكا المقدرة على ضرب موسكو بأكثر من 100 صاروخ ذي رأس نووي.
فاقت تلك الأزمة مع أزمة حصار برلين كلاً من أزمة السويس وحرب 67 اللتين تعتبران إحدى أكبر المواجهات في الحرب الباردة إلا أن تلك الأزمتين اقتربتا جدًا من المواجهة النووية[2]. وهي أيضا أول واقعة موثّقة لخطر تدمير متبادل مؤكد (MAD) جري مناقشتها باعتبارها عاملاً حاسمًا في الاتفاقيات الكبرى للتسليح الدولي[3][4]. بدأت الأزمة في 8 أكتوبر 1962، ووصلت ذروتها في 14 أكتوبر عندما أظهرت صور استطلاع التقطت من طائرة التجسس الأمريكية لوكهيد يو-2 عن وجود قواعد صواريخ سوفيتية نووية تحت الإنشاء في كوبا.
فكرت الولايات المتحدة في مهاجمة كوبا عن طريق الجو والبحر، ثم استقر الرأي بعمل حظر عسكري عليها. فأعلنت الولايات المتحدة أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت تفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت الإنشاء في كوبا وإزالة جميع الأسلحة الهجومية. ولم تكن إدارة كينيدي تتوقع أن يستجيب الكرملين لمطالبهم، وتوقعت حدوث مواجهة عسكرية بين الدولتين. أما على الجانب السوفيتي فقد كتب الزعيم نيكيتا خروتشوف في رسالة إلى كنيدي بأن "حظر الملاحة في المياه الدولية أوالمجال الجوي" يشكل "عملاً من أعمال العدوان تدفع البشرية إلى هاوية حرب صواريخ نووية عالمية".
رفض السوفيت علنًا جميع المطالب الأمريكية، ولكن عبر قنوات سرية من الاتصالات بدأت اقتراحات لحل الأزمة.
انتهت الأزمة في 28 أكتوبر 1962، عندما توصل كلّ من الرئيس الأمريكي جون كينيدي وأمين عام الأمم المتحدة يو ثانت إلى اتفاق مع السوفيت لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا وأن تقوم بالتخلص بشكل سري من الصواريخ البالستية المسماة بجوبيتر (PGM-19 Jupiter) وثور (PGM-17 Thor).
أزال السوفييت بعد أسبوعين من الاتفاق جميع أنظمة الصواريخ ومعدات الدعم، وتم تحميلها على ثماني سفن تابعة لهم في الفترة من 5 إلى 9 نوفمبر. وبعدها بشهر أي في 5 و6 ديسمبر حملت القاذفة السوفيتية اليوشن-28 على ثلاث سفن شحن إلى روسيا. وانتهى رسميًا الحظر على كوبا يوم 20 نوفمبر 1962 في الساعة 6:45 مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة. بعد أحد عشر شهرًا من الاتفاق وفي سبتمبر 1963 تم إبطال مفعول جميع الأسلحة الأمريكية في تركيا. ثم حدث كنتيجة لمفاوضات إضافية إنشاء الخط الساخن بين موسكو وواشنطن.
وفي أول خطاب له عن تلك الأزمة، أطلق كينيدي في 22 أكتوبر 1962 إنذاره الرئيسي:
«ستكون سياسة هذه الأمة إزاء أي صواريخ نووية تنطلق من كوبا ضد أي دولة في النصف الغربي هجوما على الولايات المتحدة، وستكون ردة الفعل الانتقامية كاملة على الاتحاد السوفيتي[5]»
وقد شمل هذا الخطاب على خطوط سياسية رئيسية أخرى، بدأت بـ:
«لوقف هذا الحشد العدواني سنحجر وبصرامة على جميع المعدات العسكرية العدائية التي يجري شحنها إلى كوبا. جميع السفن المتجهة إلى موانئ كوبا والقادمة من أي جهة كانت إذا وجد أنها تحتوي على شحنات من أسلحة عدوانية فسنعيدها. هذا الحَجْر سوف يتم توسعته إذا اقتضت الضرورة ليشمل أنواعًا أخرى من البضائع والمنقولات. نحن لا نريد أن نمنع أي ضرورات إنسانية وفي هذا الوقت بالذات كما حاول السوفيت فعله عندما حاصروا برلين عام 1948.»
أمر بتكثيف الرقابة، وأشاد بالتعاون من وزراء خارجية منظمة البلدان الأمريكية. وقال:"أمرنا الجيش للتحضير لجميع الاحتمالات، وإنا على ثقة من أن مصلحة كل من الشعب الكوبي والفنيين السوفييت في تلك المواقع، أن يعرفوا الأخطار التي ستصيب جميع الأطراف إذا استمر التهديد." وقد قدم طلب لاجتماع عاجل في منظمة البلدان الأمريكية ومجلس الأمن للنظر في هذا الموضوع[5].
ميزة الولايات المتحدة النووية
حتى عام 1962 فإن ماتملكه الولايات المتحدة من القنابل والرؤوس الحربية أكثر بثماني مرات مما يملكه الإتحاد السوفييتي: 27,297 مقابل 3,332[6].
كتب المؤرخ (ميلمان) قبل أن يتم القبض على (أوليج بنكوفسكي) العقيد بالمخابرات السوفييتية العامة في اليوم الأول من الأزمة، وهو جاسوس لبريطانيا وأمريكا، قائلا: "خلال وقائع محاكمته في ابريل 1963 أظهر بأنه سلم 5,000 علبة أفلام من المعلومات التقنية السوفييتية، هذا عدا سكره الشديد مع عملاء الاستخبارات الغربيين خلال رحلاته العديدة لأوربا الغربية". وقد استنتج السوفييت بأن الأمريكان قد استحوذوا على معلومات حاسمة جدا عن أسلحتهم واستخباراتهم، لذلك فالإتحاد السوفييتي لم يعد يثق بقدرة درعه النووي[7].
قد لا تتناسب مقدرة السوفييت بالتعامل مع قاذفات القنابل الأمريكية ولكنهم استعاضوا عنها بالصواريخ[8]. وبعد إطلاق القمر الصناعي السوفييتي سبوتنك، انتقل الأمريكان من القاذفات المأهولة إلى صناعة الصواريخ التي لم يكن لها أولوية للاهتمام، فطوروا الصواريخ العابرة للقارات المسماة اختصارا (ICBMs)[8]. المحاكاة الحاسوبية للعالم جون فون نيومان ساعدت الصواريخ الأمريكية والرؤوس النووية الخفيفة والاقتصادية[8]. فالصاروخ السوفييتي الثقيل سميوركا R-7 Semyorka (276 طن) ينقل رأس حربي (3طن) أي 3 ميجاطن مسافة 5,800 ميل (9,330 كم)، بالمقابل الصاروخ الأمريكي أطلس Atlas وزنه (130 طنا) ينقل رأسا حربيا (1.5 طن) أي 3.8 ميجاطن مسافة 11,500 ميل (18,510 كم)[8].
بتاريخ 24 أكتوبر 1960 وخلال كارثة نيديلين (Nedelin catastrophe) قتل العديد من علماء الصواريخ السوفييت مما سبب بتعطيل مشروع الصواريخ البالستية R-16 لمدة سنة. وخلال أزمة الصواريخ الكوبية لم يكن للروس من صواريخ إلا أربعة من R-7 وعدد محدود من R-16 منتشرة في منصات سطحية مكشوفة وسهلة التعرض لهجوم، بينما يمتلك الأمريكان 142 من أطلس و62 من صواريخ تيتان Titan-I البالستية، أغلبها مثبت بصوامع تحت الأرض[8].
صاروخ جوبيتر بالستي متوسط المدى لحظة ارتفاعه عن الأرض
علاوة على ذلك، ففي يوليو 1960، صار بإمكان الولايات المتحدة إطلاق صواريخ بولاريس عابرة القارات لمسافة 1,000-ميل (1,600 كم) من غواصاتها المنتشرة بالبحار[8]، بينما إسطول الغواصات السوفيتي لديه حوالي 100 من الصواريخ العابرة في 1 والتي لاتطلق إلا عند خروج الغواصة إلى السطح مما يفقدها خاصية الاختفاء أو الغمر تحت الماء.
قبل حدوث الأزمة بعام، خدع الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف كنيدي ببرنامج قنبلة تسار ذات قوة 50 ميغا طن، والذي يعتبر أعظم قوة نووية تفجيرية بالتاريخ[8]، ثم استغل التحالف الكوبي السوفييتي الجديد لوضع صواريخ نووية ذات مدى يغطي جميع المدن الأمريكية[8]. خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1960 أبلغ ألان دالاس رئيس CIA كلا من جون كنيدي ونائبه ليندون جونسون على القدرة النووية للإتحاد السوفييتي المسماة بالغطاء الصاروخي "وقد كانت قليلة الأهمية قبل أن يثيرها كنيدي خلال حملته الانتخابية"[9].
وفي عام 1961 نشرت الولايات المتحدة 15 صاروخ جوبيتر بالستي متوسط المدى بمدينة أزمير التركية ومداها 1,500-ميل (2,410 كم) مستهدفة المدن الغربية للإتحاد السوفييتي بما فيهم موسكو التي تبعد عنها ب 15 دقيقة ولكن كيندي قلل من أهميتها الإستراتيجية نظرا لأن الغواصات التي تحوي الصواريخ البالستية تعطي نفس الدرجة من التهديد وعلى بعد أيضا.
وقد بادر خروتشوف بالتعبير عن غضبه واعتبر وجود الصواريخ بالأراضي التركية عدوانا شخصيا، لذلك فوجود الصواريخ الكوبية -وهي أول صواريخ توضع خارج الإتحاد السوفييتي- كانت ردة فعل على وجود الصواريخ النووية الأمريكية بالأراضي التركية.
ردة الفعل الأمريكية
إطلع كيندي على الصور في 16 أكتوبر[14]، فاجتمع مع اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن الوطني، وهم 14 شخصا بالإضافة لأخيه روبرت في الساعة 9:00 صباحا، ولم يكن للحكومة أي خطة عمل للرد على مثل هذا التهديد، والسبب هو أن المخابرات الأمريكية كانت مقتنعة بأن السوفييت لن يضعوا أي صواريخ نووية في الأراضي الكوبية. وقد ناقشت تلك اللجنة خمس خطوات قابلة للتنفيذ:
لن يعملوا أي شيء.
استعمال الضغوط الدبلوماسية لحث الإتحاد السوفييتي على إزالة صواريخه.
استخدام القصف الجوي لضرب الصواريخ.
غزو عسكري شامل.
حصار بحري لكوبا، وقد أعتمد استخدامه بحظر أكثر تشدد[15].
وقد اتفق جميع الأعضاء بأن الحل الوحيد هو عمل هجوم واسع النطاق وغزو كوبا. واعتقدوا بأن السوفييت لن يحركوا ساكنا لوقف الغزو الأمريكي لكوبا، ولكن كيندي كان متشككا بذلك قائلا:
«هؤلاء أكثر منا نحن، الذين يستطيعون ترك هذه الأمور تمر بسلام بدون عمل شيء. وبعد كل ما فعلوه فهل يسمحوا لنا بأخذ صواريخهم وقتل خبرائهم ثم يتركوننا دون فعل شيء؟ فإذا لم يفعلوا شيئا بكوبا فبالتاكيد سيفعلونها في برلين[16]»
خلص كيندي بأن الهجوم الجوي سيجعل السوفييت مقتنعين بأنهم أخذوا الضوء الأخضر لاحتلال برلين. بالإضافة إلى ذلك فإن حلفاء الولايات المتحدة سيكونون مقتنعين أيضا بأنهم خسروا برلين لأن الولايات المتحدة لم تتمكن من وضع حل سلمي للقضية الكوبية.
إنهاء الأزمة
بعد مشاورات مطولة بين السوفييت والإدارة الأمريكية، وافق كيندي على المطالب المتعلقة بإزالة جميع قواعد الصواريخ الموجودة على الحدود التركية السوفييتية بالمقابل إزالة خروتشوف لجميع المنصات الموجودة بكوبا.
في الساعة ال 9:00 من صبيحة 28 أكتوبر، وصلت رسالة من خروتشوف كانت قد أذاعها راديو موسكو. صرح فيها خروتشوف التالي:" أصدرت الحكومة السوفيتية إضافة إلى القرارات السابقة بوقف أي أعمال إضافية في بناء قواعد للأسلحة، فقد أصدرت قرار جديد بتفكيك الأسلحة التي توصف بالهجومية وقواعدها وإعادتهم إلى الإتحاد السوفييتي".
وجاء رد كيندي سريعا، وذلك بإصدار بيان فيه دعوة "إلى المساهمة البناءة والهامة في عملية السلام". واستمر فيها قائلا: "أخذت رسالتي إليك بالسابع والعشرين من أكتوبر وردك اليوم بعين الاعتبار بالقيام بمهمة قوية من جانب حكومتينا والتي ينبغي تنفيذها فورا. وستقوم الولايات المتحدة بعمل تقرير في إطار عمل مجلس الأمن بخصوص كوبا على النحو التالي: ستعلن بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية سوف تحترم حرمة الحدود الكوبية، وسيادتها، وتتعهد بعدم التدخل بالشؤون الداخلية وعدم إقحام أنفسهم وعدم السماح باستخدام الأراضي الأمريكية كجسر لغزو كوبا، وستمنع كل من يخطط لأعمال عدوانية لكوبا سواءا من الأراضي الأمريكية أو أراضي دول مجاورة لكوبا[24].
يعتبر كاسترو من أكبر المستفيدين من معاهدة كيندي-خروتشوف، فهي من الجانب العملي قد شددت من قبضته داخل كوبا التي لن تهاجمها أمريكا. من جانب آخر كانت كوبا هي المكان الوحيد الذي يستطيع خروتشوف أن يضع صواريخه بها لكي يقايض بها كيندي لإزالة الصواريخ الموجودة بتركيا، لهذا لن يكون للسوفييت نية اللجوء إلى حرب نووية إن كانوا خارج مرمى نيران الأمريكان. لكن بما أن سحب الصواريخ من تركيا لم يكن له صدى قوي بذلك الوقت، فإن خروتشوف بدأ وكأنه الطرف الخاسر بتلك الأزمة. وأدرك كيندي بأنه ربح الرهان ما بين القوتين الجبارتين وظهر خروتشوف كأنه ذليل. ولكن لم تكن تلك هي الحالة بشكل عام حيث أن كلا من خروتشوف وكيندي حاولا جهدهما لتجنب أزمة رغم الضغط الشعوب على حكوماتهم، واستمر خروتشوف بالحكم لمدة عامين بعد ذلك[24].