By عمر العتيبي 20 - الأربعاء ديسمبر 11, 2013 6:52 pm
- الأربعاء ديسمبر 11, 2013 6:52 pm
#69756
النموذج السياسي الإسلامي التركي: هل يناسب العرب؟
منذ أن بدأت موجات الاحتجاج والاضطراب السياسي العربي، في بداية عام 2011، وطيف نموذج الإسلام السياسي التركي لا يفارق المشهد العربي، حتى أصبح اسم تركيا ورموز قياداتها يتحاذى مع كل تعليق أو تحليل سياسي لوضعية أي بلد عربي من حيث تصريحات الساسة الأتراك ومواقفهم، ومن حيث المؤازرة الفعلية التي قدمتها تركيا في قطرين عربيين (ليبيا وسوريا). ومن ثم مواقفهم النظرية المتابعة لما يجري في مصر.
حتى أن بعض المراقبين توقعوا أن تحذو الحركات الإسلامية السياسية العربية حذو تركيا، وتبتعد عن النماذج السياسية الإسلامية الراهنة في (ماليزيا، وإيران، وباكستان، ونموذج طالبان في أفغانستان ـ ما قبل احتلال أفغانستان).
تهيأ للكثير من المراقبين أن فرصة التسليم بإتباع النموذج التركي باتت تحتاج لبعض الوقت فقط. ولإثبات تلك النظرة من عدمها يجب علينا التأشير على نقاط التشابه والاختلاف بين النموذجين، لننصرف بعدها للتفكير بما سيؤول عليه المشهد العربي مستقبلاً.
الإمامان: طوناخان (التركي) وحسن البنا (المصري العربي)
لو أخذنا سَيْر العلمين الكبيرين في تاريخ الحركات الإسلامية في كل من تركيا ومصر، وواضعنا بين الأجواء التي ظهرت فيهما حركتيهما وطبيعة كل حركة لساعدنا ذلك في تقريب الصورة للقارئ الكريم لكي يجد منافذ لتلك المقاربة.
وُلد سليمان حلمي طوناخان *1سنة 1888 وتوفي سنة 1959، ويعتبر من أكبر الدعاة في تركيا الذين ناهضوا العلمانية (الأتاتوركية)، الى جانب مجموعة من الدعاة الأقل شأناً منه أمثال الشيخ سعيد النورسي و الشيخ عاطف الأسكليبي والشيخ سعيد الكردي. وقد كان ظهوره على إثر مجموعة إجراءات انقلابية في تاريخ تركيا قام بها مصطفى كمال والذي لُقب فيما بعد ب (أتاتورك) ونلخص تلك الإجراءات بما يلي:
1ـ العمل على تقريب تركيا من أوروبا ثقافياً.
2ـ قطع الصلة بين الأتراك بعد تخليهم عن استخدام الحروف العربية وبين تراثهم الإسلامي، والذي كان مكتوباً باللغة التركية ولكن بحروف عربية من فقه وتفسير وعلوم حديث وغيره، كما كانت الحروف العربية تيسر قراءة القرآن الكريم..
3ـ قطع الصلة تماماً بالقرآن الكريم والعلوم الإسلامية، وعليه فقد أُلغي ما كان يُطلق عليه التعليم العثماني وهو تعليم ديني شرعي، واستبدل بمناهج غربية علمانية. وقد أُنشئ بدلا من ذلك كلية ل (الإلهيات) تتبع جامعة أنقرة تحت رقابة صارمة حتى لا تنفذ إليها أي وجهة نظر مضادة، وحتى يتم السيطرة على صناعة خريجيها.
من هُنا، فقد كان نشاط (طوناخان) مُنصباً على إنشاء (الكتاتيب) لتعليم القرآن واللغة العربية، وقد كانت تلك الكتاتيب سرية جداً، حتى سنة 1945، وكانت تنجز في سنتين ما كانت تنجزه مدارس الدولة العثمانية سابقاً بخمسة عشر سنة.. وبعد عام 1945 خرجت تلك الحركة الى العلن، وانتشرت حتى خارج دولة تركيا لتصل الى البلقان والدول المجاورة، حتى غدت من أكبر الحواضن الفكرية التي تعني بشؤون الثقافة والسياسة. وهكذا فإننا سنرى أن الأحزاب السياسية التركية التي ظهرت فيما بعد استندت الى تأسيس الإمام طوناخان.
أما في مصر والتي ستصبح الحركات الإسلامية ذات النشاط السياسي في البلاد العربية تابعة بشكل أو بآخر لها، فإن بوادر الدعوة لم تكن متشابهة تماماً إلا في موضوع مناهضة العلمانية، فلم تُلغى الكتابة بالعربية ولم يُنحى موضوع الدين والقرآن الكريم جانباً كما في تركيا، كما أن الشيخ الإمام حسن البنا لم يكن هو من ابتدع فكرة تسييس الدعوة، بل كان امتداداً لتطور فكر جمال الدين الأفغاني ومن بعده محمد عبده ورشيد رضا، ولم تكن دعوته في بداياتها تتصف بالصفة السياسية..
ما الذي ناهضه الإمامان؟
نستطيع أن نجزم بأن التغريب أو محاكاة الغرب قد بدأ أولاً في مصر وليس في تركيا، وأن محمد علي باشا الألباني الأصل والذي تحرك لطرد حملة نابليون بونابرت على مصر وبأمر من الباب العالي في استانبول، قد فكر ملياً في استلهام الطرائق التي جعلت من الغرب يتفوق على المسلمين، فبعث بالبعثات العلمية من الطلاب الى فرنسا وبلدان الغرب بشكل عام أمثال رفاعة الطهطاوي وغيره، وابتكر الطرق الغربية في الزراعة (القناطر الخيرية)*1 والبحوث التي أدت الى تطوير القطن المصري (طويل التيلة) الخ من المحاولات الجادة في المجال العلمي والتقني، أما في المجال العسكري فقد أسس أفران صهر وخلط المعادن وتصنيع المدافع والذخائر بتقنيات روسية، حتى غدا جيشه أقوى من جيوش الدولة العثمانية نفسها (540) ألف جندي، وأصبح يهدد وجود الدولة العثمانية في بقائها أو في البلدان العربية على الأقل بعد أن أخضع بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية والسودان وما حولها.
لقد كان لتطور قدرات محمد علي باشا الأثر في جعل السلطان العثماني عبد المجيد الأول في أن يحذو حذو محمد علي في التغريب وكان ذلك في عام 1939. وتطورت عمليات التغريب التي ارتبطت بالإضافة الى رغبة السلطان في ذلك مع رغبة المستشارين الغربيين الذين استندوا الى مكانة بلدانهم التي أقرضت تركيا المزيد من الأموال، حتى أصبحت تركيا ينطبق عليها المثل (مضيع المشيتين) كونها نسيت طريقتها في الحكم ولم تتقن طريقة أعدائها المتربصين بها.
انفجرت المعارضة للنموذج الغربي بعد وصول أتاتورك للحكم، ولكن تلك المعارضة لم تكن في القوة التي يمكن أن تزيح أتاتورك من تصدر المشهد في تركيا، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كانت خيول اليونانيين تجوب شوارع المدن الغربية التركية (بورصا وغيرها) بزهو المنتصرين، وكان الروس الذين كرهوا الجار التركي طويلاً فرحين أكثر من غيرهم، ولكن أتاتورك استطاع أن يخرج كل الجيوش المنتصرة من الحلفاء، ووحد تركيا، وساعده في ذلك وصول الشيوعيين الى الحكم في روسيا، حيث كرهوا المشهد، فتنازلت الجيوش الغربية لأتاتورك عن أحلامها في سبيل الاستعانة به مستقبلاً في مناهضة المد الشيوعي.
من هنا لا زال أتاتورك يمثل صورة المنتصر الذي حافظ على بقاء تركيا من الاختفاء كبلد.
كان الإمام طوناخان مفتوناً بالسلطان عبد الحميد الثاني، كما لم يكن الإمام حسن البنا ضد الملك فؤاد الذي هو امتداد للدولة العثمانية حتى لو (اسماً).
منذ أن بدأت موجات الاحتجاج والاضطراب السياسي العربي، في بداية عام 2011، وطيف نموذج الإسلام السياسي التركي لا يفارق المشهد العربي، حتى أصبح اسم تركيا ورموز قياداتها يتحاذى مع كل تعليق أو تحليل سياسي لوضعية أي بلد عربي من حيث تصريحات الساسة الأتراك ومواقفهم، ومن حيث المؤازرة الفعلية التي قدمتها تركيا في قطرين عربيين (ليبيا وسوريا). ومن ثم مواقفهم النظرية المتابعة لما يجري في مصر.
حتى أن بعض المراقبين توقعوا أن تحذو الحركات الإسلامية السياسية العربية حذو تركيا، وتبتعد عن النماذج السياسية الإسلامية الراهنة في (ماليزيا، وإيران، وباكستان، ونموذج طالبان في أفغانستان ـ ما قبل احتلال أفغانستان).
تهيأ للكثير من المراقبين أن فرصة التسليم بإتباع النموذج التركي باتت تحتاج لبعض الوقت فقط. ولإثبات تلك النظرة من عدمها يجب علينا التأشير على نقاط التشابه والاختلاف بين النموذجين، لننصرف بعدها للتفكير بما سيؤول عليه المشهد العربي مستقبلاً.
الإمامان: طوناخان (التركي) وحسن البنا (المصري العربي)
لو أخذنا سَيْر العلمين الكبيرين في تاريخ الحركات الإسلامية في كل من تركيا ومصر، وواضعنا بين الأجواء التي ظهرت فيهما حركتيهما وطبيعة كل حركة لساعدنا ذلك في تقريب الصورة للقارئ الكريم لكي يجد منافذ لتلك المقاربة.
وُلد سليمان حلمي طوناخان *1سنة 1888 وتوفي سنة 1959، ويعتبر من أكبر الدعاة في تركيا الذين ناهضوا العلمانية (الأتاتوركية)، الى جانب مجموعة من الدعاة الأقل شأناً منه أمثال الشيخ سعيد النورسي و الشيخ عاطف الأسكليبي والشيخ سعيد الكردي. وقد كان ظهوره على إثر مجموعة إجراءات انقلابية في تاريخ تركيا قام بها مصطفى كمال والذي لُقب فيما بعد ب (أتاتورك) ونلخص تلك الإجراءات بما يلي:
1ـ العمل على تقريب تركيا من أوروبا ثقافياً.
2ـ قطع الصلة بين الأتراك بعد تخليهم عن استخدام الحروف العربية وبين تراثهم الإسلامي، والذي كان مكتوباً باللغة التركية ولكن بحروف عربية من فقه وتفسير وعلوم حديث وغيره، كما كانت الحروف العربية تيسر قراءة القرآن الكريم..
3ـ قطع الصلة تماماً بالقرآن الكريم والعلوم الإسلامية، وعليه فقد أُلغي ما كان يُطلق عليه التعليم العثماني وهو تعليم ديني شرعي، واستبدل بمناهج غربية علمانية. وقد أُنشئ بدلا من ذلك كلية ل (الإلهيات) تتبع جامعة أنقرة تحت رقابة صارمة حتى لا تنفذ إليها أي وجهة نظر مضادة، وحتى يتم السيطرة على صناعة خريجيها.
من هُنا، فقد كان نشاط (طوناخان) مُنصباً على إنشاء (الكتاتيب) لتعليم القرآن واللغة العربية، وقد كانت تلك الكتاتيب سرية جداً، حتى سنة 1945، وكانت تنجز في سنتين ما كانت تنجزه مدارس الدولة العثمانية سابقاً بخمسة عشر سنة.. وبعد عام 1945 خرجت تلك الحركة الى العلن، وانتشرت حتى خارج دولة تركيا لتصل الى البلقان والدول المجاورة، حتى غدت من أكبر الحواضن الفكرية التي تعني بشؤون الثقافة والسياسة. وهكذا فإننا سنرى أن الأحزاب السياسية التركية التي ظهرت فيما بعد استندت الى تأسيس الإمام طوناخان.
أما في مصر والتي ستصبح الحركات الإسلامية ذات النشاط السياسي في البلاد العربية تابعة بشكل أو بآخر لها، فإن بوادر الدعوة لم تكن متشابهة تماماً إلا في موضوع مناهضة العلمانية، فلم تُلغى الكتابة بالعربية ولم يُنحى موضوع الدين والقرآن الكريم جانباً كما في تركيا، كما أن الشيخ الإمام حسن البنا لم يكن هو من ابتدع فكرة تسييس الدعوة، بل كان امتداداً لتطور فكر جمال الدين الأفغاني ومن بعده محمد عبده ورشيد رضا، ولم تكن دعوته في بداياتها تتصف بالصفة السياسية..
ما الذي ناهضه الإمامان؟
نستطيع أن نجزم بأن التغريب أو محاكاة الغرب قد بدأ أولاً في مصر وليس في تركيا، وأن محمد علي باشا الألباني الأصل والذي تحرك لطرد حملة نابليون بونابرت على مصر وبأمر من الباب العالي في استانبول، قد فكر ملياً في استلهام الطرائق التي جعلت من الغرب يتفوق على المسلمين، فبعث بالبعثات العلمية من الطلاب الى فرنسا وبلدان الغرب بشكل عام أمثال رفاعة الطهطاوي وغيره، وابتكر الطرق الغربية في الزراعة (القناطر الخيرية)*1 والبحوث التي أدت الى تطوير القطن المصري (طويل التيلة) الخ من المحاولات الجادة في المجال العلمي والتقني، أما في المجال العسكري فقد أسس أفران صهر وخلط المعادن وتصنيع المدافع والذخائر بتقنيات روسية، حتى غدا جيشه أقوى من جيوش الدولة العثمانية نفسها (540) ألف جندي، وأصبح يهدد وجود الدولة العثمانية في بقائها أو في البلدان العربية على الأقل بعد أن أخضع بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية والسودان وما حولها.
لقد كان لتطور قدرات محمد علي باشا الأثر في جعل السلطان العثماني عبد المجيد الأول في أن يحذو حذو محمد علي في التغريب وكان ذلك في عام 1939. وتطورت عمليات التغريب التي ارتبطت بالإضافة الى رغبة السلطان في ذلك مع رغبة المستشارين الغربيين الذين استندوا الى مكانة بلدانهم التي أقرضت تركيا المزيد من الأموال، حتى أصبحت تركيا ينطبق عليها المثل (مضيع المشيتين) كونها نسيت طريقتها في الحكم ولم تتقن طريقة أعدائها المتربصين بها.
انفجرت المعارضة للنموذج الغربي بعد وصول أتاتورك للحكم، ولكن تلك المعارضة لم تكن في القوة التي يمكن أن تزيح أتاتورك من تصدر المشهد في تركيا، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كانت خيول اليونانيين تجوب شوارع المدن الغربية التركية (بورصا وغيرها) بزهو المنتصرين، وكان الروس الذين كرهوا الجار التركي طويلاً فرحين أكثر من غيرهم، ولكن أتاتورك استطاع أن يخرج كل الجيوش المنتصرة من الحلفاء، ووحد تركيا، وساعده في ذلك وصول الشيوعيين الى الحكم في روسيا، حيث كرهوا المشهد، فتنازلت الجيوش الغربية لأتاتورك عن أحلامها في سبيل الاستعانة به مستقبلاً في مناهضة المد الشيوعي.
من هنا لا زال أتاتورك يمثل صورة المنتصر الذي حافظ على بقاء تركيا من الاختفاء كبلد.
كان الإمام طوناخان مفتوناً بالسلطان عبد الحميد الثاني، كما لم يكن الإمام حسن البنا ضد الملك فؤاد الذي هو امتداد للدولة العثمانية حتى لو (اسماً).