- السبت مارس 05, 2011 8:30 pm
#33153
د. محمد أبو رمان
رغم خصوصية كل حالة ودولة عربية، واختلاف تكويناتها الاجتماعية وبنيتها الثقافية والمدنية، فإنّ هناك فزّاعات متشابهة تبدأ بالعمل فور ارتفاع منسوب الحديث عن الإصلاح السياسي، من خلال اللعب على الغرائز والعواطف، وتأجيج الاختلافات بين الشرائح الاجتماعية المختلفة.
المفارقة أنّ هذه الفزّاعات سقطت في أغلب الدول العربية اليوم، وحتى العالم الغربي الذي كان يتقبلها إلى فترة قريبة جداً، لم يعد الآن يعبأ بها، كما هي الحال في فزّاعة الإخوان المسلمين و"القاعدة"، التي بقي النظامان التونسي والمصري يستخدمانها إلى اللحظة الأخيرة في عمرهما، بينما ما يزال النظام الليبي واليمني يحاولان الاستعانة بها، بالرغم من وجود تحولات ملموسة أميركياً وغربياً تنتهي معها أهمية هذه الفزّاعات ومفاعيلها، فيما تحاول الأوساط السياسية والإعلامية الموالية لإسرائيل في واشنطن والغرب الإبقاء عليها.
أي نظام يحاول اليوم فرملة مسار الإصلاح أو الالتفاف عليه بإصلاحات صورية جانبية أو توظيف الفزّاعات ضده، فإنّ النتيجة الوحيدة هي تعظيم خسائر النظام والدولة ورفع الكلفة التي تترتب على التغيير، بلا فائدة، إذ إنّنا -بالفعل- أمام ولادة أنظمة عربية مختلفة بالكلية، وباتجاه شرق أوسط جديد واحتمالات وسيناريوهات مفتوحة.ثمة دلالة واضحة في مبادرة الرئيس أوباما إلى القيام مباشرةً مع مستشاريه بتقييم السياسة الأميركية في المنطقة وإعادة هيكلة الأولويات والرهانات والعلاقات، بما ينسجم مع المتغيرات الجديدة، ويمنح الديمقراطية والإصلاحات السياسية الجذرية الاعتبار الأول، بعد أن عادت خلال السنوات الأخيرة إلى مرتبتها التقليدية، أي المرتبة الثانوية، إثر التدهور في العراق، وصعود الحركات الإسلامية في المنطقة، ما أدى في أواخر العام 2006 إلى نهاية عملية وحاسمة لمبادرة الشراكة الأميركية للإصلاح، التي أعلنها كولن باول قبل ذلك بأقل من عامين. بالنتيجة، فإنّ الرهان على إبقاء المعادلات التقليدية وتكسير مشروع الإصلاح السياسي الجذري وتخليق حالة من "فوبيا الإصلاح" لدى المجتمع، باستخدام الفزّاعات التقليدية، كل ذلك لم يعد خياراً يخدم الاستقرار السياسي ولا الاجتماعي، ولا يولّد سوى الأزمات، ولا حتى ينسجم مع الشروط الدولية والإقليمية الجديدة التي تعيد اليوم إنتاج النظام الإقليمي بصيغة جديدة، وسياسة أميركية وغربية مختلفة.
الرئيس التركي عبدالله غول، ذو الجذور الإسلامية-السياسية، كان أول رئيس يزور مصر، ويلتقي بالمجلس العسكري والمرشد العام للإخوان المسلمين وبالدكتور محمد البرادعي، في إشارةٍ إلى حجم التحولات المتوقعة في التحالفات والعلاقات الإقليمية خلال الفترة المقبلة، مع الصعود الإقليمي التركي والنفوذ الإيراني والتحولات في النظام العربي.
يكفي النظر إلى أطلال ما يسمى معسكر "الاعتدال العربي"، إذ لم يعد موجوداً فعلاً، سواء بالتحولات الداخلية التي أصابت أعمدته، أو جمود عملية التسوية السلمية وتلاشي "الأوهام" التي بنيت عليها عربياً، مع أنّ المنطق كان يقول بوضوح أنّ التسوية العادلة مستحيلة في ظل الاختلال الفاضح بموازين القوى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.هذه التحولات الدولية والإقليمية والموجات العاتية من التغيير تفرض واقعاً جديداً مختلفاً بالكلية، لدينا هنا في الأردن، ولا يوجد خيارات عقلانية سوى تقديم الأجوبة الوطنية عنها، من خلال أولاً ترتيب البيت الداخلي، وثانياً إعادة هيكلة رهاناتنا الإصلاحية والخارجية، بما ينسجم مع مصالحنا وأمننا، وإلاّ فإنّنا سندفع أثماناً مضاعفة قبل أن ندرك حجم هذه التغيرات الكبرى. ترتيب البيت الداخلي يقوم على الإصلاح السياسي الجذري الحقيقي فوراً، والعمل على إبطال مفعول الفزّاعات التي تخلق "فوبيا الإصلاح"، وهو ما يستدعي توحيد أجندة الإصلاح وبوصلته لدى القوى السياسية المختلفة، وتشكيل جبهة وطنية عريضة على هذه القاعدة
رغم خصوصية كل حالة ودولة عربية، واختلاف تكويناتها الاجتماعية وبنيتها الثقافية والمدنية، فإنّ هناك فزّاعات متشابهة تبدأ بالعمل فور ارتفاع منسوب الحديث عن الإصلاح السياسي، من خلال اللعب على الغرائز والعواطف، وتأجيج الاختلافات بين الشرائح الاجتماعية المختلفة.
المفارقة أنّ هذه الفزّاعات سقطت في أغلب الدول العربية اليوم، وحتى العالم الغربي الذي كان يتقبلها إلى فترة قريبة جداً، لم يعد الآن يعبأ بها، كما هي الحال في فزّاعة الإخوان المسلمين و"القاعدة"، التي بقي النظامان التونسي والمصري يستخدمانها إلى اللحظة الأخيرة في عمرهما، بينما ما يزال النظام الليبي واليمني يحاولان الاستعانة بها، بالرغم من وجود تحولات ملموسة أميركياً وغربياً تنتهي معها أهمية هذه الفزّاعات ومفاعيلها، فيما تحاول الأوساط السياسية والإعلامية الموالية لإسرائيل في واشنطن والغرب الإبقاء عليها.
أي نظام يحاول اليوم فرملة مسار الإصلاح أو الالتفاف عليه بإصلاحات صورية جانبية أو توظيف الفزّاعات ضده، فإنّ النتيجة الوحيدة هي تعظيم خسائر النظام والدولة ورفع الكلفة التي تترتب على التغيير، بلا فائدة، إذ إنّنا -بالفعل- أمام ولادة أنظمة عربية مختلفة بالكلية، وباتجاه شرق أوسط جديد واحتمالات وسيناريوهات مفتوحة.ثمة دلالة واضحة في مبادرة الرئيس أوباما إلى القيام مباشرةً مع مستشاريه بتقييم السياسة الأميركية في المنطقة وإعادة هيكلة الأولويات والرهانات والعلاقات، بما ينسجم مع المتغيرات الجديدة، ويمنح الديمقراطية والإصلاحات السياسية الجذرية الاعتبار الأول، بعد أن عادت خلال السنوات الأخيرة إلى مرتبتها التقليدية، أي المرتبة الثانوية، إثر التدهور في العراق، وصعود الحركات الإسلامية في المنطقة، ما أدى في أواخر العام 2006 إلى نهاية عملية وحاسمة لمبادرة الشراكة الأميركية للإصلاح، التي أعلنها كولن باول قبل ذلك بأقل من عامين. بالنتيجة، فإنّ الرهان على إبقاء المعادلات التقليدية وتكسير مشروع الإصلاح السياسي الجذري وتخليق حالة من "فوبيا الإصلاح" لدى المجتمع، باستخدام الفزّاعات التقليدية، كل ذلك لم يعد خياراً يخدم الاستقرار السياسي ولا الاجتماعي، ولا يولّد سوى الأزمات، ولا حتى ينسجم مع الشروط الدولية والإقليمية الجديدة التي تعيد اليوم إنتاج النظام الإقليمي بصيغة جديدة، وسياسة أميركية وغربية مختلفة.
الرئيس التركي عبدالله غول، ذو الجذور الإسلامية-السياسية، كان أول رئيس يزور مصر، ويلتقي بالمجلس العسكري والمرشد العام للإخوان المسلمين وبالدكتور محمد البرادعي، في إشارةٍ إلى حجم التحولات المتوقعة في التحالفات والعلاقات الإقليمية خلال الفترة المقبلة، مع الصعود الإقليمي التركي والنفوذ الإيراني والتحولات في النظام العربي.
يكفي النظر إلى أطلال ما يسمى معسكر "الاعتدال العربي"، إذ لم يعد موجوداً فعلاً، سواء بالتحولات الداخلية التي أصابت أعمدته، أو جمود عملية التسوية السلمية وتلاشي "الأوهام" التي بنيت عليها عربياً، مع أنّ المنطق كان يقول بوضوح أنّ التسوية العادلة مستحيلة في ظل الاختلال الفاضح بموازين القوى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.هذه التحولات الدولية والإقليمية والموجات العاتية من التغيير تفرض واقعاً جديداً مختلفاً بالكلية، لدينا هنا في الأردن، ولا يوجد خيارات عقلانية سوى تقديم الأجوبة الوطنية عنها، من خلال أولاً ترتيب البيت الداخلي، وثانياً إعادة هيكلة رهاناتنا الإصلاحية والخارجية، بما ينسجم مع مصالحنا وأمننا، وإلاّ فإنّنا سندفع أثماناً مضاعفة قبل أن ندرك حجم هذه التغيرات الكبرى. ترتيب البيت الداخلي يقوم على الإصلاح السياسي الجذري الحقيقي فوراً، والعمل على إبطال مفعول الفزّاعات التي تخلق "فوبيا الإصلاح"، وهو ما يستدعي توحيد أجندة الإصلاح وبوصلته لدى القوى السياسية المختلفة، وتشكيل جبهة وطنية عريضة على هذه القاعدة