منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#37010
تعد اللوبيات، باعتبارها تنظيمات تمثل مصالح خاصة، من أهم المجموعات التي تؤثر على صانع القرار العام. وذلك من خلال نفوذها المادي والرمزي وقدرتها الفائقة على جمع المعلومات وتأسيس العلاقات وبالتالي توجيه القرار العام لصالح طروحاتها.
فاللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة AIPAC، والتي أخذناها كنموذج في هذه الدراسة تستطيع التأثير على صانع السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك نتيجة لنفوذ أعضائها على مستوى أهم دوائر صناعة القرار العام. وقد تأتى لهم ذلك بفضل سيطرتهم على أهم الموارد الاقتصادية، المالية، الإعلامية وبالتالي السياسية.
فاللوبي الصهيوني AIPAC ( اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة), يندرج ضمن اللوبيات الأكثر تأثيرا في السياسة العامة الخارجية الأمريكية, وذلك من خلال دوره الوازن في الجهازين التنفيذي والتشريعي, وكذا الإداري للولايات الأمريكية المتحدة, من جهة ومن خلال تحكمه بمفردات الحوار السياسي المتعلق بإسرائيل, عبر وسائل الإعلام والسينما ودور النشر, التي تؤهله لتعبئة الرأي العام نحو طروحاته السياسية من جهة أخرى.
1-التأثير على الفاعلين السياسيين:
لاشك أن كل من يساهم في بلورة القرار العام, يعد فاعلا سياسيا, فالأحزاب, النقابات, اللوبيات...إلخ. تدخل ضمن دائرة الفاعلين السياسيين, سواء كان هؤلاء داخل الجهاز الحكومي أو خارجه, فالمشكل يكمن في تحديد الحدود الفاصلة بين الفاعلين الرسميين وغير الرسميين, أي أولئك الذين يتواجدون داخل الجهاز الحكومي وأولئك الذين يتواجدون خارجه.
فالفاعلين السياسيين –حسبVincent lemieux - ينقسمون إلى أربعة عينات كبرى, وهم المسؤولون, الوكلاء, المعنيين والخواص.
فمثلا أعضاء اللوبيات والمتخصصين, في احتكاك دائم مع المسؤولين والوكلاء علما أن اللوبيات إلى جانب الخبراء ووسائل الإعلام, باعتبارهم يندرجون ضمن فئة المعنيين Les intéressés , هم فاعلون كثير والحضور في مسلسل بروز السياسات العامة . ومادامت هذه الأخيرة تأتي كإجابة على المشاكل والمتطلبات (المدخلاتinput ) الوافدة على صانع القرار . وبالتالي ترتبط بالوضع الداخلي للدولة كما يمكن أن ترتبط بالوضع الخارجي لها. الذي يعد امتدادا لما هو داخلي. فالسياسة العامة الخارجية تدخل ضمن الوضعيات المندرجة في إطار العلاقات ما بين الدول مما يجعلها تتموضع داخل المحيط الخارجي, الذي يعتبر من طبيعة ما فوق مجتمعية extra-sociétale بالنسبة لنسق سياسي معين لذلك فإن السياسية العامة الخارجية تتحدد بطبيعة العلاقات الناظمة بين الفاعلين السياسيين المحليين من جانب وعلاقتهم بالفاعلين الخارجيين المعنيين بهذه السياسة, من جانب آخر.
على هذه الأرضية تتأسس السياسة العامة الخارجية الولايات المتحدة الأمريكية, ويتأسس معها اللوبي الصهيوني في شخص اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة, التي اعتمدناها كنموذج في هذه الدراسة.
ذلك أن هذا اللوبي الذي يعد امتدادا موضوعيا لليهود ونوعيا لإديولوجيتهم الصهيونية, أصبح قادرا, بفضل إمكانياته المعلوماتية والعلائقيةRelationnels والمالية, على توجيه القرار العام الخارجي الأمريكي, لما يخدم مصلحة إسرائيل وليس أمريكا. وهذا ما يتضح من خلال:
*مؤسسة الرئيس: الصلاحيات الدستورية و السياسية التي يتوفر عليها الرئيس في النظام الجمهوري الأمريكي, والتي تخوله لعب أدوار رئيسية في توجيه القرار العام الخارجي, جعلته عرضة لأنظار اللوبي الصهيوني, الذي يسعى إلى إغراق إسرائيل بالموارد المادية الأمريكية, عبر قناة السياسة العامة الخارجية. وهذا ما يتضح من خلال تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية, فالرئيس "ترومان" صرح أمام مجموعة من الدبلوماسيين سنة 1946 م قائلا"أيها السادة إني آسف ولكن علي أن استجيب لنداء مئات الآلاف من الناس, الذين ينتظرون انتصار الصهيونية, في حين ليس لي من بين منتخبي ألف عربي" وفي ذات السياق, أكد الوزير الإنجليزي "كليمنت اتلي" "لقد صيغت سياسة الولايات المتحدة في فلسطين تبعا للصوت اليهودي". وعلى نفس المنوال ذهب"ج.كنيدي" الذي حصل على 500.000 دولار من شخصيات يهودية كدعم لحملته الانتخابية, حينما قال في لقاء له مع "بن غوريون" سنة 1961 بنيويورك:"أعرف أنني فزت في الانتخابات بفضل أصوات اليهود الأمريكيين, إنني مدين لهم بهذا الفوز, إذن أشر علي بما يجب القيام به لصالح الشعب اليهودي" .
هذه التصريحات المعترفة بالوزن اليهودي المؤيد لإسرائيل, تحت يافطة. AIPAC هي التي دفعت الرئيس "جونسون" إلى تسليم طائرات الفانتوم لإسرائيل , ونفس الشيء قام به "نيكسون" الذي بعث ب45 طائرة فانتوم إضافية. و20 مدمرة من نوع سكايهوك لنفس الكيان. وفي سنة 1980 م انهزم الرئيس "كارتر" أمام "ريغن" لكونه قام ببيع طائرات حربية لمصر والسعودية, أما غريمه "ريغن" فقد فاز مقابل تخصيصه 600 مليون دولار كقروض عسكرية, لفائدة إسرائيل. والمثير للجدل أن AIPAC أصبح مهددا للمصلحة الوطنية الأمريكية لكونه يرتكز على المعطى الديني-الإثني, أكثر من استناده على المصلحة المشتركة, فقد صرح بهذا الصدد,"جولدمان" أحد النشطاء السابقين في اللوبي الصهيوني بما يلي:" اللوبي أصبح قوة مخربة بل عائقا أساسيا أمام السلام في الشرق الأوسط" وتأكيدا لهذا الكلام قال سيزور فا نس, أحد النشطاء البارزين في AIPAC "ولقد اقترح علينا "جولدمان" القضاء على اللوبي, ولكن الرئيس وكاتب الدولة أجابا بكونهما لا يملكان السلطة لفعل ذلك, وربما قد يؤدي ذلك إلى فتح الباب على مصراعيه أمام مناهضة السامية" .
نخلص مما سبق إلى أن نجاح أو إخفاق الرؤساء الأمريكيين يبقى مرهونا بأموال وأصوات اللوبي الصهيوني. وعلى هذا الأساس يمكن الجزم أن AIPAC قد حسم الدائرة القرارية الاولى, والتي هي الرئيس ومحيطه, كما هو الحال بشكل جلي, مع الرئيس بوش الابن. الذي يتواجد في دائرته الضيقة كل من "ريتشارد بيرل" و"بول ولفوويتز" و"دوغلاس فيث" وغيرهم, من الذين ينتمون للوبي الصهيوني , بل منهم من كان من مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بن يمين نتنياهو", مما يعني بالضرورة ديمومة الدعم المادي والسياسي لإسرائيل.
*المؤسسة التشريعية: يستطيع المرء في الولايات المتحدة الأمريكية أن يتقدم للانتخابات البرلمانية. لكنه حتما لن يحقق النجاح ما لم تتوفر له الأموال الطائلة لتمويل حملته الانتخابية, من هذا الباب يتدخل AIPAC ليقدم الدعم المشروط, فيغرق المترشح للانتخابات بالأموال ووسائل , و تقنيات الدعاية والتشهير السياسيين.
هذه الخطة تتكثف في اجتماعين أساسيين, يعقدهما AIPAC مع المرشحين,اجتماع قبل الفوز وفيه تقدم شروط الدعم والمساعدة و اجتماع بعد الفوز. وفيه يقدم برنامج AIPAC وطرق أجرأته.
ورغم أن المؤسسة التشريعية, تحتل المرتبة الرابعة على صعيد الدائرة القرارية مما يحكم على دورها بالمحدودية, حيث لا تتدخل إلا في نهاية المسلسل القراري, وبالتالي تبقى تعديلاتها سطحية, إلا أنها بالنسبة لفاعلي AIPAC تعد بمثابة موردا أساسيا حيويا, لكون أهداف اللوبي أهدافا خارجية, يسهل على الكونغرس رفضها أو قبولها. دون أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على الكتلة الناخبة.
في هذا الاتجاه صرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور فولبرايت. في مقابلة مع برنامج"أمام الأمة" الذي تبثه شبكة C.B.S. وذلك بتاريخ 7 أكتوبر 1973 م حيث قال:" إن الإسرائيليين يراقبون سياسة الكونغرس ومجلس الشيوخ, بل إن سبعين في المائة من زملائنا في مجلس الشيوخ, يتخذون مواقفهم تحت ضغط اللوبي" .وبعد هذا التصريح, وتحديدا في الانتخابات الموالية, فقد "فولبرايت"منصبه كعضو في مجلس الشيوخ, نتيجة لتحقيقه هذا.
وفي كتاب"لقد تجرؤوا على الكلام" الصادر عن لورانس هير وشركاؤه سنة 1985, وصف "بول فين لي" العضو في الكونغرس الصهيوني الأمريكي لمدة 22 سنة .النشاط الحالي للوبي الصهيوني وكذا قوته, قائلا:"هذا فرع للحكومة الإسرائيلية يراقب الكونغرس ومجلس الشيوخ. ورئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية و البانطاكون(وزارة الدفاع) ووسائل الإعلام نفسها, إضافة إلى التأثير الذي يمارسه على الجامعات والكنائس" .
وفي سنة 1984 م ألغى مجلس النواب, بأغلبية%98كل تقنين للتبادل التجاري بين إسرائيل والولايات المتحدة, رغم سلبية التقرير الصادر عن وزارة التجارة وكافة النقابات.
أكثر من هذا, استطاع النفوذ الإسرائيلي أن يصل إلى التقنوقراط العسكري,في شخص الأميرال الأمريكي "طوماس مورير" رئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الأمريكية, الذي صرح سنة 1973 م. بخصوص علاقته مع الملحق العسكري الإسرائيلي "موردخاي غور" "طلب هذا الأخير من الولايات المتحدة الأمريكية طائرات حربية مزودة بصاروخ جد متطور يسمى مافريك" فرد عليه الأميرال"لا يمكنني أن أسلمكم هذه الطائرات, ليس لنا إلا سربا واحدا وقد أقسمنا أمام الكونغرس بأننا في حاجة إليها " فرد عليه "غور" "سلمنا الطائرات, أما فيما يخص الكونغرس, فأنا سأتكلف به" وهكذا يضيف الأميرال:"أرسل السرب الوحيد المجهز بمايفريك إلى إسرائيل"
نخلص من كل ما سبق, إلى أن هناك سلطة أحادية الجانب pouvoir unilatéral في السياسة الخارجية الأمريكية, هي سلطة اللوبي الصهيوني, خاصة في الشق المتعلق بالشرق الأوسط.
هذا التأثير المباشر الذي يستهدف المقررين السياسيين, الحكومة, البرلمان, والإدارة وخاصة التقنوقراط العسكري, يجد دعمه في القوة النوعية التي يتوفر عليها AIPAC والمتمثلة في سيطرة جل أعضائه على الملكية الخاصة أي الرأسمال المادي كالشركات والأبناك ووسائل الإعلام. وكذا وحدة رأسماله الرمزي. على مستوى المعتقدات الأساسية croyances fondamentales والتي تحدد من خلالها الأولويات المختارة من بين القيم الأساسية والتي تأتي من بعدها المعتقدات السياسية, التي يكون موضوعها العلاقات بين الفاعلين. لتمرير القيم الأساسية داخل قطاع السياسات المعنية. والتي هي السياسة الخارجية في حالتنا هاته, ثم بعد ذلك يأتي المستوى الثانوي وهو الذي يهم القرارات الاداتية والمعولمة الضرورية لتحقيق المعتقدات السياسية .
على هذه الأرضية يلجأ AIPAC إلى تعبئة الرأي العام. كآلية للضغط غير المباشر على المقررين السياسيين .فالرأي العام هو القاعدة الخلفية التي غالبا ما تؤثر على صانع القرار العام. في الدول الديموقراطية.