منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By أحمد الغامدي 4
#38067
دون عرض تقرير عن الثورات في تونس و مصر و الآن في ليبيا و عدد آخر من الدول العربية . لدينا هنا نمط متشابه مجموعة من الشباب الذين انطلقوا للتغيير و انضمت لهم باقي الفئات , و بالمقابل رد عنيف من السلطات . و ليس هذا فقط التشابه الوحيد , هناك الظروف السيئة التي عاشها الشعب العربي داخلياً و المواقف السياسية المخزية خارجياً .
حتى وقت قريب كنا نسمع الكثير من التقارير و الدراسات حول الوضع السيئ في الوطن العربي و على جميع الأصعدة ,من الثقافة إلى الاقتصاد حتى كرة القدم وضعنا مخزي , بالمقابل هناك الكثير من الكفاءات العربية إما المقموعة داخل بلدانها أو المغتربة . و هناك أيضاً مجتمعات فتية متنوعة و طموحة , و منزعجة بشكل كبير لأن التغيرات التي يشهدها العالم من حولها لم يصل إليها . و التطور التقني الذي غزانا بدافع الربحية - ليس إلا- لم يرافقه تطور في الطريقة التي تدار بها الدول العربية . هناك رسم كاركتور رأيته من وقت بعيد للفنان علي فرزات ( رجل يستعمل الكمبيوتر و هو يركب الحمار ) يمثل الواقع العربي .
السؤال لما الآن ؟ لماذا لم يتم كل هذا قبل عدة سنوات ؟ وهل يعقل أن تكون هذه الثورات بدون قيادات ؟ و هل هناك مؤامرة فجرت كل هذه الثورات لكي تنتشر الفوضى في المنطقة؟
هذه الأسئلة كلها لها جواب واحد , و هو أن هناك تناقض بين طبيعة الدولة و طبيعة المجتمع في الوطن العربي .
المجتمع و الدولة تشكل ثنائية , فالمجتمع يمد الدولة بالحياة و الدولة تؤمن الحماية للمجتمع. المجتمع هو عبارة عن أفراد و جماعات تشكلت بسبب صلات القربى و مصالح البقاء. و يتسم المجتمع بالحراك المستمر و النمو التلقائي و التوسع, لأن عناصر المجتمع – و هو الفرد البشري – تتغير باستمرار, أما الدولة فهي تتسم بالثبات و الاستقرار, لأنها عبارة عن مجموعة قوانين و أنظمة , و الأفراد في الدولة مرتبطين ببعضهم من خلال هذه القوانين. أي أن هناك طبيعتين مختلفتين و متعايشتين, و تعايشهما لسببين الأول الحاجة المتبادلة بينهما . أما السبب الثاني هو التطور للدولة كي تتماشى مع المجتمع, و هذا التطور ليس تطور تلقائي كما يحدث في المجتمع , إنما بشكل قسري و مقصود . فالسلطة لا تتغير ما لم يكن هناك ضغط كبير من قبل المجتمع على السلطة ( التي تشكل رأس الدولة ). و هذا الضغط يظهر على شكل احتجاجات انتفاضات و ثورات, حتى عندما لا يكون هناك هذا الشكل من الرفض لواقع الدولة , فيظهر على شكل اختلالات في المجتمع مثل زيادة نسبة الجريمة ,فساد و أحياناً انهيار في المنظومة الاقتصادية أو الأخلاقية داخل المجتمع , الهجرة , فساد في مؤسسات الدولة و المجتمع , زيادة التطرف ( ديني أو قومي ). و هذا لأن كل فرد أو جماعة جزئية في المجتمع تحاول أن تجد حلولاً لمشاكلها بغض النظر عن الآخرين , طالما أن الدولة فشلت في تحقيق متطلباتهم.
في حال رفضت السلطة التغير , فإن التغير يحدث لكن على شكل تدمير الدولة السابقة (التي هي قوانين و أنظمة ) و تغييب رموزها ,و هذا التغيير يكون على شكل ثورات أو انقلابات أو حتى انشقاق أو حرب أهلية . أي أنه عبارة عن انفجار موجه ضد السلطة الفعلية, يتأذى به المجتمع حتماً. و هذا الأذى ليس طويل المدى ( بالمقارنة مع عمر المجتمع أو الأمة ) فالمجتمع لديه ميزة الشفاء التلقائي و تعويض خسائر التغيير, و ينتقل إلى مرحلة أرقى . و أي أذى لم يتم إصلاحه تتحمل الدولة الجديدة المسؤولية و ليس المجتمع , لأن الدولة و السلطة الجديدة تنشأ في مرحلة لا تكون فيها عملية الشفاء قد اكتملت بعد, و على هذا الأساس تبنى القوانين لتماشي الواقع الراهن, و بما أن الدولة تسعى للاستقرار و الثبات فهي تقاوم عملية التغيير لهذه القوانين من قبل عملية الشفاء , فتكون الدولة معيق لكي تتم عملية الشفاء . بل إن الدولة قد تكتسب شرعيتها من هذا الخلل في المجتمع الذي لم يستطع أن يشفى منه تماماً. و على سبيل المثال النمط الطائفي للدولة في لبنان الذي استمر بعد الحرب الأهلية و الذي يكتسب شرعيته من حالة الانقسام الطائفي, ففي حال انتهى الانقسام الطائفي داخل المجتمع اللبناني فلن تكون للدولة ذات الطابع الطائفي و لا القيادات الطائفية أي شرعية و عندها يجب أن تنتقل الدولة لحالة أرقى.
في الوطن العربي : الشقاق بين الدولة و المجتمع أصبح كبير جداً , فالمجتمع العربي نما بشكل كبير و في جميع المجالات , و احتياجاته تضاعفت أيضاً , بالمقابل نظم الدول القائمة لم تستطع أن تماشي هذا النمو ولا استطاعت أن تغطي هذه الاحتياجات , فنسب البطالة مثلاً لدينا مخيفة . الفشل في عمل جميع المؤسسات .بالإضافة لحالة الكبت السياسي و الفكري. زيادة معدلات الجريمة, هذا كله ساهم بزيادة الضغط على المجتمع و ظهر على شكل انهيار للمنظومة الأخلاقية في المجتمع . فنحن كمجتمع لا يمكن أن نجد تعريف واحد و متفق عليه للأخلاق ,ما الذي يصح و ما هو المرفوض , و حتى في الدين يمكن لك أن تسمع فتاوى متناقضة تماماً و لكل فتوى أنصار متشددين .
و صل المجتمع إلى حالة من الضيق أدت للانفجار . و هناك الكثير ممن توقعوا حدوث حالة من الانفجار ( رغم أنه لم يتوقعوا شكله و تاريخ وقوعه ) و كما درسنا في التاريخ هناك أسباب مباشرة و أسباب غير مباشرة لكل حدث تاريخي كبير , هذه الثورات لها أسباب غير مباشرة و التي ذكرتها سابقاً و أسباب مباشرة مثل (بعزيزي في تونس . ثورة تونس لمصر , مصر و تونس لغيرها من الدول العربية التالية ) و التدخل الأجنبي و المؤامرة ليس واحدة من الأسباب – المباشرة على الأقل – لهذه الثورات . فمن ناحية أن الغرب ليس لديه أي مصلحة أن يتغير النظام (في تونس و مصر) إلى نظام قد يعاديه أو على الأقل ينافسه و يأخذ جزءً من مكتسباته في المنطقة . أما عن إيران ( البعبع ) حتى لو أرادت إيران أن تغير أنظمة الحكم في تلك الدول فلن تنجح لأنها لا تملك ذلك النفوذ داخل المجتمع العربي .
ما أعرفه أن التغيير في المنطقة العربية قادم و نحن نشهده . و القادم أفضل بالتأكيد من الذي مضى . و لكن يبقى هناك ما هو جيد و ما هو أكثر جودة و ما هو مثالي . إن لم نصل و الآن لما هو مثالي فهذا يعني أن الأجيال القادمة ستعمل أيضاً و قد تقوم بثورات أخرى لكي تصل لحالة مثالية من الدولة تستطيع أن تنمو بالتزامن و التوافق مع نمو المجتمع