منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By سعود الحربي243.381
#43355
تتملكنا فكرة بشكل جمعي أنهم متمدنون. نقول في سياق كلامنا: يا أخي هاذولا متحضرين. عندما نشير لو من بعيد لكلمة تحضر فإننا جميعاً نعني الشعوب الغربية. توحي هذه العبارة أن جوهر الإنسان في الغرب يختلف عن جوهر الإنسان العربي أو الشرقي. لا ترد في حديث كرأي يستحق النقاش وإنما كمسلمة متفق عليها لا تحتاج إلى برهان. الشواهد العامة تشير إلى ذلك. أثناء الزيارات العابرة للبلدان الغربية يتجلى هذا أمامك بوضوح. كل شيء في مكانه الصحيح. الموظف يعاملك باحترام. الشارع نظيف ومخطط بعناية والسيارات تلمع من جوا ومن برا. كثير من المثقفين فضلا عن الرجل العادي يرون هذا أو أنهم تبنوه في فترة من فترات عمرهم ولم تتم مراجعته. في ظني هذا الإيمان يحتاج إلى قراءة اخرى. لا أريد أن أقلل من تمدن الإنسان الغربي. إذا قرأنا المؤشرات سنرى أنه يستحق أن يكون كذلك. مستوى التعليم أعلى ومستوى الحرية أعلى ومستوى الحقوق أعلى ومستوى التكنلوجيا أعلى. لكن الشيء الغريب أنك لا تلمس هذا إذا تفحصت الفرد الغربي بعيداً عن هذا الإطار. يحب ويكره ويخالف الأنظمة ويفضل البلاش على الدفع ويتناول الطعام السيئ حتى أن نسبة السمنة عندهم تفوق السمنة في البلاد الأخرى. يكره زعماءه السياسيين ولا يرى أنهم يمثلونه على الوجه الصحيح. إذاً أين الفرق الذي جعلهم هكذا وجعلنا في الجهة المقابلة من (هكذا)؟

لو استعرضت كل موجوداتك المستخدمة في حياتك. أنظمتك وقوانينك وملابسك وطعامك ومنزلك وطريقة تنقلك ومدرستك وعلاجك الخ, ستكتشف أن حياتك هي استعارة من حياتهم. الإنسان الغربي عندما يتعاطى مع الأشياء لا يعاني من الاغتراب أو )حس الغربة ) فنظام المرور على سبيل المثال جزء من عقيدته. منحوت من نظامه القضائي والعدلي. لا يشعر المواطن الغربي تجاهه بالخصومة أو بالاستهتار أو بالتناقض. الأشياء التي يستخدمها وينجزها تتحرك في بيئتها الأصلية.

بينما تجد أن كل هذه القوانين (نظام المرور ونظام الشيكات ونظام البلدية الخ ) لا تجد لدينا الاكتراث اللازم وليس لها الاحترام اللائق. هي أنظمة وقوانين تنظيمية لا تتصل بالتشريع القضائي والعدلي الموروث. عارية من القدسية تماما بل في بعض الأحيان تتناقض مع بعض القوانين ذات القداسة. تلاحظ أن معظم القوانين المستوردة تحولت إلى شرهات وهدايا واعتلاء مكانة اجتماعية. موظف في مكتب الحجز بالخطوط مثلا بفضل أمرته على هذا الجهاز المتنفذ يتحول إلى شيخ صغير. يكتسب مكانة اجتماعية بتقديم تسهيلات لجماعته. يتصدر المجلس مع زميله ضابط المرور المسؤول في نفس المنطقة ويصف معهما كل من يملك سلطة تنفيذ الأنظمة والقوانين المستوردة مثل قوانين الجوازات والبلدية وغيرها. الضابط في المرور في الغرب لا يمكن أن يتمشيخ بالقوانين والأنظمة ليس لأنه متمدن أو متحضر ولكن اللعب بهذه القوانين تعيبه في مجتمعه مثلما يعيب الرجل فينا التلاعب بالقوانين الشرعية الدينية أو القبلية أو الاجتماعية. الشيء الذي نتجاهله عندما نقول أن الإنسان الغربي متمدن أن القانون في الغرب يضرب بيد من حديد كل من يتلاعب بهذه الأنظمة أو القوانين. استعرت كلمة (يضرب بيد من حديد) التي نفهمها في العالم الإسلامي في استخدامين فقط إذا مس الأمر الأمن على المستوى القومي أو على المستوى التشريعي الديني. التلاعب برخصة القيادة أو ببطاقة الائتمان أو بالجواز لا قيمة أخلاقية له في بلادنا بينما يدمر هذا التلاعب حياة المرء في الغرب.