منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By حسام حمدان الثمالي1
#43555


مفهوم العظمة




مفهموم العظمة من المفاهيم شديدة التعقيد، تنعش ذاكرة المرء وتغريه للوصول إلى مستوى العظمة. هناك عوامل عدة تساهم في تكوين الشخصية العظيمة، وتخلد اسمه عبر التاريخ، ربما بعضها إيجابي وبعضها الأخر سلبي. لكننا كقراء للتاريخ، لا نستطيع أن نحكم على هؤلاء إلا بالعظمة. كرس الكاتب" إميل لودفيغ" مؤلفاته في كتابة السيرة الذاتية لعدد كبير من القادة السياسيين وبعض المفكرين.


يحاول أن يستعرض للقارئ في كتابه"من العظمة"مقارنة بين أهم قائدين قورنت أسماءهم بمفهوم العظمة""نابليون" و"هتلر" يرى أن عظمة هتلر مالت للسلبية وهو يقول:"إن هتلر لم يعرف سوى التخريب، وكان همه السيطرة على العالم". بينما حملت عظمة "نابليون"صفات إيجابية وهو يقول:" استطاع نابليون في ليلة انقلابه، تأليف لجنة لوضع قوانين جديدة للقضاء على الفوضى، حيث مازالت بعض قوانينه فعالة حتى وقتنا الراهن".
من أهم العوامل التي ساهمت في عظمة "نابليون" انه كان يعامل أعداءه برقي، يروي" لودفيغ" أحد المواقف التي تدل على نبل "نابليون"، حيث كان "نابليون" في إحدى الأيام يصطاد ، وأثناء مروره أمام كوخ "شاتوبريان" أحد أعدائه قام بقطع غصناً من الغار، ومده أمام بابه، ووضع عليه قفازه، وعندما كانت زوجته تلد له وارثه. سأله الطبيب: إننا لا نقدر على إنقاذ الأم ما لم نضح بالولد. كان جواب" نابليون": أنقذ الأم في بدء الأمر".
يؤكد "لودفيغ" العظمة غالباً غير خلقية، يأتي بمثال مواهب "كازنوفا" الغرامية.
- هل مغامرات "كازنوفا" كانت أخلاقية حتى يصبح عظيماً؟
- هل عظمة "هتلر" سلبية بمجملها كما يعتقد" لودفيغ"؟
امتاز "هتلر" بقوة داخلية خلاقة. يقول"كولن ولسن":"بعض الرجال يفتقرون إلى التدريب الأخلاقي الأخطر بين أنماط الجنس البشري". يعتقد بأن "نابليون" و"هتلر" يمتازان بهذه القوة الداخلية. ويشبه قوة "هتلر" في نواح كثيرة قوة " راسبوتين" من حيث استخدام "هتلر" تعبير التنويم المغناطيس في تأثيره على جمهوره.
يروي"كيرت لوديك" أحد القادة الاشتراكيين بأنه حضر في أحد الأيام خطاباً ل"هتلر" ولشدة تأثره في بلاغة "هتلر" الخطابية كاد أن ينضم إلى معسكر"هتلر" يقول:"أين لي أن أنأى عن سطوة قوته؟ إنها تمسك بي وتؤرجحني.. لست أنا فحسب بل جميع من كان في الصالة، لقد أسرني شعور أن أتخلى عن إرادتي لقيادته". كان"هتلر" يهتم كثيراً في توقيت الخطابات التي يلقيها، حيث كانت معظم الخطابات تنظم في الليل، ووجهة نظر"هتلر" بأن الحديث في الليل له أثر أكبر وأعمق على الجمهور.
العظمة الذهنية هي الأساس والأهم والأنقى يقول "لودفيغ": " هناك أبطال كثيرون ليسوا من العظماء، وعظماء كثيرون ليسوا من الأبطال، فالجندي الذي استطاع بجسارته ومهارته أن ينقذ ثمانين جندياً من زملائه من دنكرت، وإن كان جديراً بأن يعلق على صدره وسام، وأن ينظم له أنشودة، وأن يقام له تمثال_ لا مكان له في معرض العظماء".
حسب رأيه الموت هو مفتاح الذي تعرف به حياة الرجل، وهل من مثال على كلام"لودفيغ" أكثر أمانة وبلاغة كموت "سقراط". حيث مات بمحض إرادته رغم أنه كان باستطاعته الهروب من السجن.
عندما نعود إلى" نابليون" الذي عاش عظيماً، ومات عظيماً، ونتذكر مذكراته في المنفى، حيث كان يعيش في المنفى حزينا . نعرف إلى أية درجة صاغ حياته كرجل عظيم يقول:"إن للمحنة جانباً طيباً فهي تعلمنا الحقائق.. الآن فقط أستطيع أن أفكر في العصور كفيلسوف"، فيما استعرضنا الأيام الأخيرة لـ"بسمارك" سنلامس العظمة في بعض جوانب شخصيته.
في عام 1866 كانت من أكثر اللحظات حرجاً في حياة هذا الرجل، حيث رأى نفسه مستقبلاً، والكل يعارض رأيه،الملك والقادة العسكريين في غرفته، باعتباره الشخص الوحيد المعارض. كتب بسمارك عن تلك اللحظة بمرارة وهو يقول:" لم تقوى أعصابي على مقاومة التأثيرات التي كانت تتملكني بالنهار والليل، فنهضت صامتاً، وذهبت إلى مخدع نومي المجاور، حيث تولتني نوبة بكاء عنيفة، في تلك الأثناء سمعت كيف انقضى المجلس الحربي، الذي كان منعقداً في الغرفة المجاورة".
يؤكد" لودفيغ" بأن أحداً لم يجرؤ على الاحتكاك بهذا الألماني، الذي هو أقوى رجل بين قومه، وأمتع رجل في نفس الوقت.
- لكن هل نستطيع أن نصيغ مفهوم العظمة بأي شكل على مجمل حياة "ستالين"؟؟
ما من قائد سياسي عبر التاريخ وصلت شعبيته إلى أدنى مراتبها، كما وصلت شعبية "ستالين"؛ خاصة في أيامه الأخيرة، حيث كانت ذروة المأساة، عندما لامست الانكسارات عائلته، وذلك في إحدى أمسيات تشرين الثاني من عام 1932 . كان "ستالين" وزوجته يزوران بيت "فورشيلوف" إلى جانب وجود أعضاء المكتب السياسي الآخرين، وعندما تحدثوا عن المسائل السياسية تدخلت "ناديا" زوجة "ستالين"، وتكلمت بصراحة عن المجاعة والاستياء الذي يعمان البلد، وعن التدهور الخلفي الذي ألحقه الإرهاب بالحزب، حينها انفجر "ستالين" أمام الجميع موبخاً زوجته بفيض الشتائم.
يذكر أن "ناديا" خرجت من بيت "فورشيلوف" وانتحرت في الليلة ذاتها. يؤكد "اسحق دويتشر" كاتب السيرة الذاتية لـ"ستالين" بان "ستالين" كان يمتاز بقلة الكلام والتهذيب، ويروي للقراء عن المحادثة التي تمت بين"هتلر" و"ستالين" قبيل الحرب بيومين، حيث كان "هتلر" يخاطب "ستالين" بصيغة المفرد كأن يقول:"إني أقبل.. إني أحب.. وزيري". بينما كان"ستالين" يخاطبه بصيغة الجمع، لكن "ستالين" يفتقد إلى عامل الثقة بالنفس، خاصة عندما علم بانتصارات"هتلر" الساحقة على بولونيا. نرى بأن "هتلر" كان يمتلك الثقة بالنفس حتى لحظة انتحاره. لذلك اقترنت شخصيته بمفهوم العظمة. بينما لم يرتقي "ستالين" إلى مفهوم العظمة، لكونه كان عسكرياً أكثر من أن يكون رجلاً خلاقاً، بينما نرى الشخصية العظيمة تمتلك على الدوام القوة الداخلية وأرضية خصبة . كما في شخصية"هتلر" و"بسمارك"و"نابليون". وبطل الحرب العالمية الثانية الجنرال"شارل ديغول".
نلاحظ أن العوامل التي تلعب دوراً أساسياً في الشخصية العظيمة هي صفات ملهمة ومميزة. ليس من الضروري أن تخدم هذه الصفات القيم الإنسانية النبيلة كما يؤكد "لودفيغ" ولكننا لا نستطيع أن ننكر بان هؤلاء العظماء استطاعوا أن يمنحوا البشر دروساً هامة في فن الحياة.
المراجع:
• "راسبوتين وسقوط القياصرة". تأليف "كولن ولسن".
• "من العظمة" تأليف "اميل لودفيغ".
• "نابليون". تأليف"ايميل لودفيغ".
• "بسمارك". تأليف "ايميل لودفيغ".
•"ستالين". تأليف "اسحق دويتشر".


منقول من جريدة الاتحاد السياسية