منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

By فهد العتيبي 1
#47637
موضوع القانون الطبيعي هو موضوع البحث الأول‏,‏ لدي كل فلاسفة القانون علي مر العصور‏,‏ وهو موضوع مألوف لدي رجال القانون في مصر‏.
حيث نصت المادة الأولي من القانون المدني‏,‏ علي أن يرجع القاضي‏,‏ إلي القانون الطبيعي‏,‏ إذا لم يجد الحكم في التشريع أو العرف‏,‏ فما هو المقصود بالقانون الطبيعي لدي فلاسفة القانون؟

القانون الطبيعي عند أرسطو هو القانون العقلي‏,‏ وهو أيضا العدل المطلق‏,‏ أوالعدل في ذاته‏,‏ وهو يقول نحن نفرق بين العدل في ذاته‏,‏ والعدل داخل المجتمع‏,‏ وبتعبير آخر نفرق بين القانون الطبيعي المطلق‏,‏ وبين القانون الوضعي النسبي‏.‏

والقانون الطبيعي عند الفيلسوف الألماني الأشهر كانت‏,‏ هو الأمر الأخلاقي المطلق‏.‏ ومصدر القانون الطبيعي هو العقل الخالص‏,‏ أو العقل الكلي‏,‏ أو العقل المكون‏,‏ وليس العقل المتكون بحسب ظروف المكان والزمان‏,‏ أما مصدر القانون الوضعي فهو عقل المشرع في مكان معين في لحظة تاريخية معينة‏.‏

والقانون الطبيعي علي سبيل التبسيط‏,‏ هو العقد الاجتماعي‏,‏ عند جان جاك روسو‏,‏ وجون لوك‏,‏ والعقد الاجتماعي ليس عقدا اراديا‏,‏ فلم يتم أبدا من الناحية التاريخية التوقيع علي مثل هذا العقد‏,‏ وإنما هو عقد عقلي‏,‏ لا يجوز بمقتضاه التنازل عن الحقوق غير القابلة للتنازل عنها‏,‏ وهي ما أطلق عليها فيما بعد حقوق الانسان‏.‏ فنظرية العقد الاجتماعي‏,‏ هي مجرد تبسيط ومحاولة فلسفية لشرح المقصود بالقانون الطبيعي‏.‏

وباختصار فإن القانون الطبيعي لدي جميع الفلاسفة‏,‏ علي اختلاف نظرياتهم ومصطلحاتهم‏,‏ هو العدل المطلق من ناحية‏,‏ وهو العدل العقلي من ناحية أخري‏,‏ وهو بهذا يسمو علي القانون الوضعي النسبي في مصدره الانساني التاريخي‏,‏ حاجته المستمرة الي التطور‏,‏ والقانون الوضعي ينبغي ان يستلهم دائما العدل المطلق‏,‏ حتي يكون العدل في المجتمع قريبا بقدر الإمكان من العدل في ذاته‏.‏
فما هو موقف الفلسفتين المسيحية والإسلامية من القانون الطبيعي؟
الأديان لاتعرف القانون الطبيعي أو القانون العقلي‏.‏ ولكنها تعرف فقط القانون الإلهي‏,‏ ومصدره الكتب المقدسة‏.‏

ومع ذلك فإن الفلاسفة المسلمين والمسيحيين‏,‏ لم يقنعوا بهذا التبسيط‏.‏ وحاولوا الربط من جديد بين القانون الالهي والقانون العقلي‏,‏ ففي الفلسفة المسيحية‏,‏ عقد توماس الاكويني اكبر الفلاسفة المسيحيين‏,‏ الصلح بين ارسطو والفلسفة المسيحية‏,‏ فهو أخذ بكل ما قاله ارسطو عن القانون الطبيعي والقانون الالهي‏,‏ واستعان في هذه المطابقة بآراء المعتزلة في مسألة الحسن والقبح العقليين‏,‏ ونقل عنهم حرفيا‏,‏ ان الله لا يأمر بشيء‏,‏ إلا لأنه حسن بحسب العقل‏,‏ ولا ينهي عن شيء إلا لأنه قبيح في نظر العقل‏,‏ بل إن الله جلت قدرته لايستطيع ان يجعل الحسن قبيحا‏,‏ والقبيح حسنا‏,‏ وهذه هي عبارات المعتزلة بالحرف الواحد‏,‏ وهم سبقوا توماس الأكويني بثلاثة قرون تقريبا‏.‏

وقد انهزم المعتزلة في التاريخ الاسلامي أمام الاشاعرة‏,‏ بينما انتصر توماس الاكويني الذي نقل عنهم‏,‏ وتصالح مع ارسطو والفلسفة اليونانية‏,‏ واتجهت الحضارة الغريبة بعد ذلك الي عصر النهضة القائمة علي احترام العقل‏.‏

وفي تاريخ الفلسفة الاسلامية‏,‏ ظهرت لمحات عقلية باهرة‏,‏ ولكنها كانت تقاوم دائما‏.‏ فعندما قال أبو العلاء المعري‏,‏ لا إمام الا العقل‏,‏ وجد من يتهمه بالكفر‏,‏ وعندما قال المعتزلة بالحسن والقبح العقليين‏,‏ انهزموا أمام الاشاعرة وعندما نادي ابن رشد بحكم العقل أحرقوا كتبه‏,‏ وانتصر من قال بتهافت الفلاسفة‏.‏

ومع ذلك فإن العصر الحديث يشهد علي وجود العديد من أنصار العقل الأقوياء أمثال محمد عبده‏,‏ ولطفي السيد‏,‏ وطه حسين‏,‏ والشيخ شلتوت‏,‏ وكذلك الشيخ محمد سيد طنطاوي الذي أفتي بدون خوف أو تردد‏,‏ بعدم تحريم فوائد البنوك‏,‏ ولكن المعركة مازالت قائمة‏,‏ بينما انتهت في الغرب الي انتصار حاسم‏,‏ لأنصار العقل‏,‏ والعلم التجريبي‏,‏ والدول المدنية‏.‏

ومن الصعب أن نحصر في مصر‏,‏ أنصار العقل‏,‏ ودعاة الثقافة والتنوير‏,‏ فهم في تزايد مستمر‏,‏ ومن الانصاف ان نضيف الي من سبق ذكرهم‏,‏ مع حفظ الالقاب‏,‏ زكي نجيب محمود‏,‏ ومراد وهبة‏,‏ وحازم الببلاوي‏,‏ والسيد ياسين‏,‏ ويحيي الجمل‏,‏ وجابر عصفور‏,‏ وهشام صادق‏,‏ وحسين أحمد أمين‏,‏ وأحمد عبد المعطي حجازي‏,‏ وغيرهم كثير كثير‏.‏

وقد قال الدكتور السنهوري‏,‏ في أثناء مناقشة المادة الأولي من القانون المدني‏,‏ أمام مجلس الشيوخ‏,‏ إن المقصود بمبادئ الشريعة الاسلامية‏,‏ وهي المبادئ الكلية التي لاخلاف عليها بين الفقهاء‏,‏ وقال الدكتور منصور مصطفي منصور‏,‏ أكبر أساتذة القانون المدني في مصر في الوقت الحاضر إن أبرز مثال علي هذه المبادئ الكلية قاعدة لاضرر ولاضرار‏.‏

وقال أحد كبار المفكرين الاسلاميين المعاصرين‏,‏ إن المقصود بالشريعة هو العدل‏.‏
وهو بهذا يلتحق دون ان يعلن ذلك‏,‏ بالمعتزلة‏,‏ الذين طابقوا بين القانون الالهي والقانون الطبيعي أو القانون العقلي‏.‏

وقال البعض‏,‏ إن الإمام محمد عبده‏,‏ كان آخر المعتزلة‏.‏

ومع ذلك فإن دعاة الثقافة والتنوير‏,‏ ينأوون بأنفسهم عن المعتزلة‏,‏ لأن هؤلاء قد انهزموا في التاريخ الاسلامي‏,‏ والهزيمة ليس لها أب يتبناها‏,‏ ومن الأفضل الدفاع عن العقل تحت أسماء أخري‏,‏ وشعارات جديدة مبتكرة‏,‏ وهذا ما يفعله فعلا أنصار العقل في مصر‏.‏