- الثلاثاء مارس 13, 2012 12:34 am
#47726
بين عطاء حضارتنا وحملات حقدهم !!
تتصاعد يوماً بعد يومٍ وسنةً بعد سنةٍ حربٌ شعواءٌ متجددةٌ عبر الأزمان على ديننا الحنيف بكل أركانه، وحضارته الراشدة بكل جوانبها من قبل الصهيونية الحديثة وربيبتها الصليبية ، وأخواتها من ملل الكفر الأخرى ؛ والذين لا يجمعهم جميعاً إلا العداء للإسلام ، في وقتٍ يعيش فيه المسلمون انحطاطاً لم يشهد تاريخهم المجيد مثله .
فقد انقضت الأمم على أمتنا تأكل خيراتها و تنهب ثرواتها ، و تمتهن نبيها صلى الله عليه وسلم معدةً لذلك الجوائز ، بل وتتلقف وتدعم بسخاء كل عميل يمكن استخدامه لتنفيذ كل ما من شأنه زيادة الخناق على دين الله العظيم وأبناء حملته ،وإقامة محاكماتٍ جائرة لأبناء المسلمين وتلفيق التهم لهم بأدلة سرية ، وعمليات مخابراتية على مستوى الدول ، بل وتحطيم كرامة الإنسان وسمته الفطري كما حدث ويحدث في أبو غريب وغوانتانامو ، وإقامة سجون سرية إقليمية لا يعلم مكانها إلا الله ؛ وتهمٍ كاذبة وافتراءات سافرة بحق الإسلام من قبل سُوقةِ أهل الكتاب ؛ وما تخفي صدور القوم أكبر من ذلك - حقداً وضغينةً أن كرمنا الله بهذا الدين " وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ " (1)
وذلك ليس بالجديد أبداً ، فحملاتٍ صليبيةٌ تتابعت منذ القرن الخامس الهجري ، ومحاكم تفتيش أقيمت في الأندلس ، وتكالبٌ على إسقاط الخلافة نتج عنه استعمارٌ للعالم الإسلامي ، وتفتيت أراضيه وتجزئة وحدته ، واحتلالٌ بالحديد والنار لأراضيه وترابه مع جرائم وفظائع ارتكبت ؛ كل ذلك خير برهان على مخازيهم وقبيح صنيعهم ؛ وهو فيضٌ من غيض من نتاج ظلمات الكفر بالله والصد عن سبيله ؛ يقع في كل زمان مادام الحق والباطل فيه يتنازعان .
تنازع البقاء من سنن الله في خلقه :
إن من يقرأ التاريخ ويقلب صفحاته يجد أن الأحداث تكرر على مداره مع اختلاف الأشخاص والأفكار المسببة لهذه الأحداث " فالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء " (2) ؛ ومرجع هذا التصور لم يستنتجه المؤرخون من حدسهم ولا من تأملهم فحسب وإنما هي من قبل حقيقةٌ مقررة في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى !
فلله عز وجل في ملكوته العظيم وكونه الفسيح سننٌ لا تتبدل ونواميس لا تتحول ( والقرآن يقرر هذه الحقيقة ويعلمها للناس فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (3) كي لا ينظروا في الأحداث فرادى ، ولا يعيشوا الحياة غافلين عن سننها الأصيلة ، محصورين في فترة قصيرة من الزمان وحيز محدود من المكان ، ويرفع تصورهم لارتباطات الحياة وسنن الوجود ، فيوجههم دائماً إلى ثبات السنن واطراد النواميس ، ويوجه أنظارهم إلى مصداق هذا فيما وقع للأجيال قبلهم ) (4)
ومن تلك السنن الربانية سنة التدافع بين الحق والباطل ( من اصطراع القوى وتنافس الطاقات ، وانطلاق السعي في تيار الحياة المتدفق الصاخب الموار ، وهنا تتكشف على مد البصر ساحة الحياة المترامية الأطراف ، تموج بالناس في تدافع وتسابق وزحام إلى الغايات ، ومن ورائها جميعا تلك اليد الحكيمة المدبرة ، تمسك بالخيوط جميعا ، وتقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق إلى الخير والصلاح والنماء في نهاية المطاف ) (5) تعالى " وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ " (6) أي لولا أن الله تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحق ، وأهل الفساد بأهل الإصلاح فيها ؛ لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض ، وبغوا على الصالحين ، وأوقعوا بهم حتى يكون لهم السلطان وحدهم ، فتفسد الأرض بفسادهم .
فكان من فضل الله على العالمين وإحسانه إلى الناس أجمعين أن أذن لأهل دينه الحق المصلحين في الأرض بقتال المفسدين فيها من الكافرين والبغاة المعتدين ، فأهل الحق حرب أهل الباطل في كل زمان ، والله ناصرهم ما نصروا الدين وأرادوا الإصلاح في الأرض .(7) فهذا إرشاد إلى تنازع البقاء والدفاع عن الحق ، وأنه ينتهي ببقاء الأمثل وحفظ الأفضل .(8)
هذا التنازع الذي يحتم بمحدودية موارده واختلاف ثقافاته ترسيخ فلسفة : " إما أنا وإما أنت " فكل مصنع ينتج أرضنا يؤثر في مصنع يعمل في أرضهم ، وكل سلعةٍ نكف عن شرائها منهم ستوجد نوعاً من الانحباس في إنتاجهم .(9)
وهو ملموسٌ ومقرر على صفحات التاريخ ، وخاصةً منذ بزوغ فجر الإسلام ؛ حيث نجد العديد من صور ذلك التدافع ، ونلحظ له آثاراً كبيرة نتج عنها العديد من التغيرات الجذرية في تسيد الأرض واستغلال ثرواتها واكتشاف خيراتها ، بل وفرض الأفكار والمعتقدات على سكانها في كثير من الأوقات بالحديد والنار ، وخاصةً من قبل العقائد المخالفة للإسلام ، وتحدث تلك التغيرات عند حدوث نقطة تقاطع بين الحضارات وتأثر إحداها بالأخرى أو اضمحلالها مع الأيام .
حضارة ديننا وعطاءها للأمم الأرض :
إن التقاء أمتين من أمم الأرض على ساحة القتال - وهي آخر نتاج التصادم -لا يعني التقاء جموع من البشر حاملةً أسلحتها فقط ، بل يعني التقاء ممثلين مفوضين من شعوبهم لحضارة قوية فرضت نفسها على الواقع ، وتريد مزاحمة أو غلبة غيرها على تسيد الأرض ، وما قوله صلى الله عليه وسلم " حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"(10) إلا دليل حدوث التبعية للغالب ، والتأثر به من قبل المغلوب (11)
وما شهدت الأرض مذ خلقها الله عز وجل حضارةً فيها من كمال الدين وتمام الأخلاق ونخبة الأفراد مثل حضارة الإسلام العظيم دين الله الذي أكمله ورضيه لنا" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"(12)"ولن يرضى غيره لنا " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " (13)؛ فتقلدت زمام القيادة وانقادت حضارات الدنيا راضيةً ومكرهةً تتتلمذ على يديها .
ومن يقلب تاريخ الإسلام بعين الإنصاف يجد أن الإسلام جاء والإنسانية "متدلية منحدرة منذ قرون ، وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي ، وقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها وشدة في إسفافها " (14) وتخبطها بين دياجير الكفر وطلاسم الجهل وظلمات التناحر والتشرذم ، حتى منَّ الله على البشرية جمعاء ببعث نبيه صلى الله عليه وسلم نوراً للأرض من بعد ظلمة ؛ وعدلاً لها من بعد جور وغيثاً لها من بعد جدب .
فأخرج صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه رضوان الله عليهم بإذن الله الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وضربوا أروع الأمثلة في الصبر والتضحية والثبات فكانوا كالكواكب تدور في فلك نبيها ؛ والناسُ لهم توابع كالأقمار !
وكان الفتح المبين وانتشر الدين المتين "فظهر المسلمون وتزعموا العالم ؛ وعزلوا الأمم المريضة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها ، وساروا بالإنسانية سيراً حثيثاً متزناً عادلاً ، وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم ، وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلَّهم وتحت قيادتهم " .(15)
إذا التقت سماحة الإسلام ونوره مع جبروت الكفر وظلمته في القادسية والمدائن واليرموك ؛ واندثرت في هنيهةٍ من الزمان (16) حضارتان سادتا قروناً الأرض ؛ لتخرج للأرض حضارةٌ لن يعرف البشر مثلها ، بدأت معالمها من تلك الأيام العظيمة ، فجنود الإسلام ما أشهروا سيوفهم إلا لمن ارتضى الكفر ورفض دفع الجزية ( *) فدفعت سماحة الإسلام هذه أمم تلكما الحضارتين لإعلان التوحيد للواحد الديان ؛ والكفر بالنار والصلبان ؛ وبقي جماعات من تلك الأمم على دياناتهم فلم يُفتنوا فيها رغم بطلانها ؛ بل وعاشوا في مواطنهم نفسها التي ما برحت أن لبست ثوب الإسلام الطاهر ورمت خِرقَ الكفر البالية .
ويذكر التاريخ أن كثيراً من غير المسلمين قد تقلدوا مناصب إسلامية لها قدرها وخطرها في الحكومات الإسلامية المختلفة ، كما يذكر أن المسلمين في كل العصور سمحوا لمن يدينون بغير الإسلام أن يمارسوا شعائر أديانهم بحرية تامة ، وهذا يؤكد أن الإسلام لم يكن بحاجة إلى القوة أو السلاح لكي ينتشر .. فقد مهدت له طبيعته وأحكامه وتعاليمه وسماحته الطريق إلى قلوب الناس وعقولهم .(17)
إذ لم تكن حضارة الإسلام مادية بحت كما هو الحال في حضارة هذا القرن التي تشبع مطالب الجسم على حساب مطالب الروح..ولكنها قامت على أساس الفهم الدقيق لطبيعة الإنسان الجامع المادي والجانب الروحي ، كما وزانت بين معطيات الدنيا والتزامات الآخرة ،وأيضاً فإنها آخت بين التقدم المادي والتقدم الروحي ، ودعت إلى العمل الجاد من أجل الدين والدنيا معاً ،ومن هنا سادت الحضارة الإسلامية العالم الإنساني حيناً من الدهر فبعثت الطمأنينة في كل نفس ، وألهبت حرارة الإيمان في كل وجدان ، وفرضت السلام بالحق والعدل ، وأرسلت هديها وتعاليمها وثقافتها إلى أمم العالم التي استظلت بمشاعل العلم والإيمان .(18)
بين تسامح شامخ وحقد أسود :
إن عظمة هذه الحضارة دفعت أرباب أهل الكفر من اليهود والنصارى ومن شايعهم على مر الزمان للبحث عن كل ما من شأنه تشويه صورة الإسلام بين بنيه لتشكيكهم في دينهم ، وبين معاصريه لصرفهم عن الدخول فيه ، فظلوا عبر العصور وتوالي الدهور يختلقون الأحداث ، ويصنعون الشبهات ، ويذيعون الأكاذيب والافتراءات " يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ "(19)
فالإسلام ليس كفراً كما صوره المغرضون القدامى ، وليس إرهاباً كما صوره المغرضون الجدد ، ولا أثراً فنياً يشاهده المستشرق ثم يصدر عليه أحكاماً مسبقةً ظالمة ، إنه الدين العالمي العملي الذي يقدم للإنسان نظاماً كاملاً شاملاً لحياة إنسانية كريمة بكل مقوماتها واحتياجاتها ، وليس مجرد عقيدة وجدانية منعزلة عن الناس .
فقد وصل إلى الصين والهند ، وغطى ما بينهما من بلاد ، ثم اندفع حتى أفريقيا وأوروبا ومنها اتجه إلى أقصى بقاع الأرض في هدوء وسلام ، ولم يستعمل سلاحاً ، ولم يرفع سيفاً كما فعل الأوربيون الذين غزوا الأمريكيتين بأسلحة الدمار والهلاك وفرضوا مبادئهم على أهلها بالعنف والقوة ، (20) وكما فعلوا من قبل في الأندلس عند غربت شمس المسلمين عنها ، فقد " حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حُرِّم عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّا بعد أن يعذّب أشد العذاب"(21)
بل إن الإسلام أسس مبادئَ وآداباً وضوابط للحروب والغزوات لم تعرفها الأمم مسبقاً من الرحمة بالأسير وعدم التمثيل بالمقتول وقبول الفداء وعدم قطع الأشجار وقتل الشيوخ وهدم الصوامع ؛ لأن أبناء الإسلام منقذين ومصلحين لا مفسدين ؛ وصانعين للحياة السعيدة لا مفنين .
حتى في جانب الأسرى كان المسلمون ولا زال الصادقون منهم حتى اليوم يرعون للأسير حقوقه ولا يحملوه إلا بمقدار جرمه ووزره ؛ فلم نسمع أو نقرأ أن جنود الإسلام قد أقاموا المعتقلات ، وصنعوا الأغلال والأصفاد للأسرى ؛ لاستجوابهم والتحقيق معهم والتنكيل بهم ، بل كان الأسير عند المسلمين يظل له كيانه الإنساني وحقوقه الفطرية من المطعم والأمان والكساء والدواء .
ألا يابابات أوروبا هاتوا لنا في تاريخنا اسم سجن أو معتقل أقمناه للتحقيق والتعذيب ؛ أو جزيرةٍ في أقصى الأرض حشرنا فيها البشر كالعصافير في قفص من الأغلال ! أو قوانين سرية سنناها لاعتقال الآمنين !
إن اتهام الإسلام أنه انتشر بالسيف فيه تكذيب واضح ، وتعدي سافر لحقائق التاريخ ومسلماته ؛ وما صدرت تلك التهم إلا نتاج حقد دفين ما وسع القوم أن يكتموه ،إذ أن ذلك يتعارض مع قول الحق سبحانه "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ " فالدين هداية اختيارية للناس تُفرض عليهم مؤيدة بالآيات وبالبيانات ، وأن الرسل لم يُبعثوا جبارين ولا مسيطرين ؛ وإنما بُعثوا مبشرين ومنذرين .(22)
إنه لمن الإساءة للإسلام والتجني عليه أن يجعل الإكراه سبيل الإيمان به أو قبول دعوته ، والتاريخ أكبر شاهد وأصدق دليل على أن الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ما آمنوا به خوفاً منه أو رهباً من سلطانه وهو الذي لا سنده قوة مادية أو يدعمه جيش قوي أو تقف معه قرابة تحميه ؛ بل آمنوا به على الرغم من سيوف المشركين ووعيد الأقوياء المتحكمين .(23)
ولم يُكره أبناء الإسلام أحداً على دخوله على مر الزمان ، بل ضربوا للبشرية دروساً لا حصر لها في التسامح واحترام النفس الإنسانية بغض النظر عن معتقداتها ، حتى إن "القرآن اعترف بأهل الكتاب- أصحاب التوراة والإنجيل- وترك لهم حرية الاختيار بين ما هم عليه من معتقدات وبين الدخول في الإسلام ".(24)
وسمح المسلمون للنصارى غداة فتح الشام ومصر بإقامة الكنائس فضلاً عن ترميم وإصلاح الكنائس القديمة ، أليس ذك أبلغ دليل على روح التسامح والمسالمة التي عُرف بها الإسلام في معاملته غير المسلمين ، ومن هنا سجل التاريخ قول بعض المستشرقين لم نجد فاتحاً أرحم من العرب ! (25)
لا كما مارسه ويمارسه أهل الصليب ومن شايعهم من ملل الكفر على إكراه الناس وفتنهم في دينهم ، وما لم تعرفه البشرية من صنوف التمييز بين الناس في بلدانهم ، وفضائع الحروب بحق الأبرياء والعزل ، ورحلات التبشير وحملات التطهير العرقي وجرائم التعذيب والتنكيل بحق الأسرى ، وما حدث ويحدث في السنوات الأخيرة من تمييز فاضح وتحيز عنصري ، وجمود إنساني من قبل الإنسان في الغرب مع ما صاحبه من تواصل الضربات والغزوات والخطط والمؤامرات لتغيير خارطة العالم الإسلامي بشعارات الإصلاح والتغيير تارة وبشماعة محاربة الإرهاب تاراتٍ أخرى ؛ وغير ذلك الكثير مما يقره ويعترف به العقلاءُ من الغرب .
ومع ذلك كله فالإسلام أسرع الأديان انتشاراً في الأرض ،إذ " لا يختلف اثنان من المحايدين على أن الإسلام صار يشكل صحوة كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة ، فنسبة معتنقيه في ازدياد مستمر تفوق من يعتنقون ديناً آخر ، وقد شملت محتلف أوساط المجتمع الغربي ، حتى طالبت ذوي الشهرة والنجومية في مختلف المجالات ، وجعلت مراكز بحثية في مختلف دول العالم تهتم بشئون المسلمين ودراسة أحوالهم "(26).
كما أن الصحوة الإسلامية متفشية في بلدان المسلمين رغم كل ما يجدونه من تضييق في الداخل وعداء من الخارج ، وذلك كله وغيره تأكيد أن التدافع ما زال قائم وسيظل حتى يتمايز الحق على الباطل "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ".(27)
*منقول*
وتقبلوا تحياتي..
تتصاعد يوماً بعد يومٍ وسنةً بعد سنةٍ حربٌ شعواءٌ متجددةٌ عبر الأزمان على ديننا الحنيف بكل أركانه، وحضارته الراشدة بكل جوانبها من قبل الصهيونية الحديثة وربيبتها الصليبية ، وأخواتها من ملل الكفر الأخرى ؛ والذين لا يجمعهم جميعاً إلا العداء للإسلام ، في وقتٍ يعيش فيه المسلمون انحطاطاً لم يشهد تاريخهم المجيد مثله .
فقد انقضت الأمم على أمتنا تأكل خيراتها و تنهب ثرواتها ، و تمتهن نبيها صلى الله عليه وسلم معدةً لذلك الجوائز ، بل وتتلقف وتدعم بسخاء كل عميل يمكن استخدامه لتنفيذ كل ما من شأنه زيادة الخناق على دين الله العظيم وأبناء حملته ،وإقامة محاكماتٍ جائرة لأبناء المسلمين وتلفيق التهم لهم بأدلة سرية ، وعمليات مخابراتية على مستوى الدول ، بل وتحطيم كرامة الإنسان وسمته الفطري كما حدث ويحدث في أبو غريب وغوانتانامو ، وإقامة سجون سرية إقليمية لا يعلم مكانها إلا الله ؛ وتهمٍ كاذبة وافتراءات سافرة بحق الإسلام من قبل سُوقةِ أهل الكتاب ؛ وما تخفي صدور القوم أكبر من ذلك - حقداً وضغينةً أن كرمنا الله بهذا الدين " وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ " (1)
وذلك ليس بالجديد أبداً ، فحملاتٍ صليبيةٌ تتابعت منذ القرن الخامس الهجري ، ومحاكم تفتيش أقيمت في الأندلس ، وتكالبٌ على إسقاط الخلافة نتج عنه استعمارٌ للعالم الإسلامي ، وتفتيت أراضيه وتجزئة وحدته ، واحتلالٌ بالحديد والنار لأراضيه وترابه مع جرائم وفظائع ارتكبت ؛ كل ذلك خير برهان على مخازيهم وقبيح صنيعهم ؛ وهو فيضٌ من غيض من نتاج ظلمات الكفر بالله والصد عن سبيله ؛ يقع في كل زمان مادام الحق والباطل فيه يتنازعان .
تنازع البقاء من سنن الله في خلقه :
إن من يقرأ التاريخ ويقلب صفحاته يجد أن الأحداث تكرر على مداره مع اختلاف الأشخاص والأفكار المسببة لهذه الأحداث " فالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء " (2) ؛ ومرجع هذا التصور لم يستنتجه المؤرخون من حدسهم ولا من تأملهم فحسب وإنما هي من قبل حقيقةٌ مقررة في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى !
فلله عز وجل في ملكوته العظيم وكونه الفسيح سننٌ لا تتبدل ونواميس لا تتحول ( والقرآن يقرر هذه الحقيقة ويعلمها للناس فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (3) كي لا ينظروا في الأحداث فرادى ، ولا يعيشوا الحياة غافلين عن سننها الأصيلة ، محصورين في فترة قصيرة من الزمان وحيز محدود من المكان ، ويرفع تصورهم لارتباطات الحياة وسنن الوجود ، فيوجههم دائماً إلى ثبات السنن واطراد النواميس ، ويوجه أنظارهم إلى مصداق هذا فيما وقع للأجيال قبلهم ) (4)
ومن تلك السنن الربانية سنة التدافع بين الحق والباطل ( من اصطراع القوى وتنافس الطاقات ، وانطلاق السعي في تيار الحياة المتدفق الصاخب الموار ، وهنا تتكشف على مد البصر ساحة الحياة المترامية الأطراف ، تموج بالناس في تدافع وتسابق وزحام إلى الغايات ، ومن ورائها جميعا تلك اليد الحكيمة المدبرة ، تمسك بالخيوط جميعا ، وتقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق إلى الخير والصلاح والنماء في نهاية المطاف ) (5) تعالى " وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ " (6) أي لولا أن الله تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحق ، وأهل الفساد بأهل الإصلاح فيها ؛ لغلب أهل الباطل والإفساد في الأرض ، وبغوا على الصالحين ، وأوقعوا بهم حتى يكون لهم السلطان وحدهم ، فتفسد الأرض بفسادهم .
فكان من فضل الله على العالمين وإحسانه إلى الناس أجمعين أن أذن لأهل دينه الحق المصلحين في الأرض بقتال المفسدين فيها من الكافرين والبغاة المعتدين ، فأهل الحق حرب أهل الباطل في كل زمان ، والله ناصرهم ما نصروا الدين وأرادوا الإصلاح في الأرض .(7) فهذا إرشاد إلى تنازع البقاء والدفاع عن الحق ، وأنه ينتهي ببقاء الأمثل وحفظ الأفضل .(8)
هذا التنازع الذي يحتم بمحدودية موارده واختلاف ثقافاته ترسيخ فلسفة : " إما أنا وإما أنت " فكل مصنع ينتج أرضنا يؤثر في مصنع يعمل في أرضهم ، وكل سلعةٍ نكف عن شرائها منهم ستوجد نوعاً من الانحباس في إنتاجهم .(9)
وهو ملموسٌ ومقرر على صفحات التاريخ ، وخاصةً منذ بزوغ فجر الإسلام ؛ حيث نجد العديد من صور ذلك التدافع ، ونلحظ له آثاراً كبيرة نتج عنها العديد من التغيرات الجذرية في تسيد الأرض واستغلال ثرواتها واكتشاف خيراتها ، بل وفرض الأفكار والمعتقدات على سكانها في كثير من الأوقات بالحديد والنار ، وخاصةً من قبل العقائد المخالفة للإسلام ، وتحدث تلك التغيرات عند حدوث نقطة تقاطع بين الحضارات وتأثر إحداها بالأخرى أو اضمحلالها مع الأيام .
حضارة ديننا وعطاءها للأمم الأرض :
إن التقاء أمتين من أمم الأرض على ساحة القتال - وهي آخر نتاج التصادم -لا يعني التقاء جموع من البشر حاملةً أسلحتها فقط ، بل يعني التقاء ممثلين مفوضين من شعوبهم لحضارة قوية فرضت نفسها على الواقع ، وتريد مزاحمة أو غلبة غيرها على تسيد الأرض ، وما قوله صلى الله عليه وسلم " حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"(10) إلا دليل حدوث التبعية للغالب ، والتأثر به من قبل المغلوب (11)
وما شهدت الأرض مذ خلقها الله عز وجل حضارةً فيها من كمال الدين وتمام الأخلاق ونخبة الأفراد مثل حضارة الإسلام العظيم دين الله الذي أكمله ورضيه لنا" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"(12)"ولن يرضى غيره لنا " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " (13)؛ فتقلدت زمام القيادة وانقادت حضارات الدنيا راضيةً ومكرهةً تتتلمذ على يديها .
ومن يقلب تاريخ الإسلام بعين الإنصاف يجد أن الإسلام جاء والإنسانية "متدلية منحدرة منذ قرون ، وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي ، وقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها وشدة في إسفافها " (14) وتخبطها بين دياجير الكفر وطلاسم الجهل وظلمات التناحر والتشرذم ، حتى منَّ الله على البشرية جمعاء ببعث نبيه صلى الله عليه وسلم نوراً للأرض من بعد ظلمة ؛ وعدلاً لها من بعد جور وغيثاً لها من بعد جدب .
فأخرج صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه رضوان الله عليهم بإذن الله الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وضربوا أروع الأمثلة في الصبر والتضحية والثبات فكانوا كالكواكب تدور في فلك نبيها ؛ والناسُ لهم توابع كالأقمار !
وكان الفتح المبين وانتشر الدين المتين "فظهر المسلمون وتزعموا العالم ؛ وعزلوا الأمم المريضة من زعامة الإنسانية التي استغلتها وأساءت عملها ، وساروا بالإنسانية سيراً حثيثاً متزناً عادلاً ، وقد توفرت فيهم الصفات التي تؤهلهم لقيادة الأمم ، وتضمن سعادتها وفلاحها في ظلَّهم وتحت قيادتهم " .(15)
إذا التقت سماحة الإسلام ونوره مع جبروت الكفر وظلمته في القادسية والمدائن واليرموك ؛ واندثرت في هنيهةٍ من الزمان (16) حضارتان سادتا قروناً الأرض ؛ لتخرج للأرض حضارةٌ لن يعرف البشر مثلها ، بدأت معالمها من تلك الأيام العظيمة ، فجنود الإسلام ما أشهروا سيوفهم إلا لمن ارتضى الكفر ورفض دفع الجزية ( *) فدفعت سماحة الإسلام هذه أمم تلكما الحضارتين لإعلان التوحيد للواحد الديان ؛ والكفر بالنار والصلبان ؛ وبقي جماعات من تلك الأمم على دياناتهم فلم يُفتنوا فيها رغم بطلانها ؛ بل وعاشوا في مواطنهم نفسها التي ما برحت أن لبست ثوب الإسلام الطاهر ورمت خِرقَ الكفر البالية .
ويذكر التاريخ أن كثيراً من غير المسلمين قد تقلدوا مناصب إسلامية لها قدرها وخطرها في الحكومات الإسلامية المختلفة ، كما يذكر أن المسلمين في كل العصور سمحوا لمن يدينون بغير الإسلام أن يمارسوا شعائر أديانهم بحرية تامة ، وهذا يؤكد أن الإسلام لم يكن بحاجة إلى القوة أو السلاح لكي ينتشر .. فقد مهدت له طبيعته وأحكامه وتعاليمه وسماحته الطريق إلى قلوب الناس وعقولهم .(17)
إذ لم تكن حضارة الإسلام مادية بحت كما هو الحال في حضارة هذا القرن التي تشبع مطالب الجسم على حساب مطالب الروح..ولكنها قامت على أساس الفهم الدقيق لطبيعة الإنسان الجامع المادي والجانب الروحي ، كما وزانت بين معطيات الدنيا والتزامات الآخرة ،وأيضاً فإنها آخت بين التقدم المادي والتقدم الروحي ، ودعت إلى العمل الجاد من أجل الدين والدنيا معاً ،ومن هنا سادت الحضارة الإسلامية العالم الإنساني حيناً من الدهر فبعثت الطمأنينة في كل نفس ، وألهبت حرارة الإيمان في كل وجدان ، وفرضت السلام بالحق والعدل ، وأرسلت هديها وتعاليمها وثقافتها إلى أمم العالم التي استظلت بمشاعل العلم والإيمان .(18)
بين تسامح شامخ وحقد أسود :
إن عظمة هذه الحضارة دفعت أرباب أهل الكفر من اليهود والنصارى ومن شايعهم على مر الزمان للبحث عن كل ما من شأنه تشويه صورة الإسلام بين بنيه لتشكيكهم في دينهم ، وبين معاصريه لصرفهم عن الدخول فيه ، فظلوا عبر العصور وتوالي الدهور يختلقون الأحداث ، ويصنعون الشبهات ، ويذيعون الأكاذيب والافتراءات " يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ "(19)
فالإسلام ليس كفراً كما صوره المغرضون القدامى ، وليس إرهاباً كما صوره المغرضون الجدد ، ولا أثراً فنياً يشاهده المستشرق ثم يصدر عليه أحكاماً مسبقةً ظالمة ، إنه الدين العالمي العملي الذي يقدم للإنسان نظاماً كاملاً شاملاً لحياة إنسانية كريمة بكل مقوماتها واحتياجاتها ، وليس مجرد عقيدة وجدانية منعزلة عن الناس .
فقد وصل إلى الصين والهند ، وغطى ما بينهما من بلاد ، ثم اندفع حتى أفريقيا وأوروبا ومنها اتجه إلى أقصى بقاع الأرض في هدوء وسلام ، ولم يستعمل سلاحاً ، ولم يرفع سيفاً كما فعل الأوربيون الذين غزوا الأمريكيتين بأسلحة الدمار والهلاك وفرضوا مبادئهم على أهلها بالعنف والقوة ، (20) وكما فعلوا من قبل في الأندلس عند غربت شمس المسلمين عنها ، فقد " حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حُرِّم عليهم استخدام اللغة العربية، والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي، ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّا بعد أن يعذّب أشد العذاب"(21)
بل إن الإسلام أسس مبادئَ وآداباً وضوابط للحروب والغزوات لم تعرفها الأمم مسبقاً من الرحمة بالأسير وعدم التمثيل بالمقتول وقبول الفداء وعدم قطع الأشجار وقتل الشيوخ وهدم الصوامع ؛ لأن أبناء الإسلام منقذين ومصلحين لا مفسدين ؛ وصانعين للحياة السعيدة لا مفنين .
حتى في جانب الأسرى كان المسلمون ولا زال الصادقون منهم حتى اليوم يرعون للأسير حقوقه ولا يحملوه إلا بمقدار جرمه ووزره ؛ فلم نسمع أو نقرأ أن جنود الإسلام قد أقاموا المعتقلات ، وصنعوا الأغلال والأصفاد للأسرى ؛ لاستجوابهم والتحقيق معهم والتنكيل بهم ، بل كان الأسير عند المسلمين يظل له كيانه الإنساني وحقوقه الفطرية من المطعم والأمان والكساء والدواء .
ألا يابابات أوروبا هاتوا لنا في تاريخنا اسم سجن أو معتقل أقمناه للتحقيق والتعذيب ؛ أو جزيرةٍ في أقصى الأرض حشرنا فيها البشر كالعصافير في قفص من الأغلال ! أو قوانين سرية سنناها لاعتقال الآمنين !
إن اتهام الإسلام أنه انتشر بالسيف فيه تكذيب واضح ، وتعدي سافر لحقائق التاريخ ومسلماته ؛ وما صدرت تلك التهم إلا نتاج حقد دفين ما وسع القوم أن يكتموه ،إذ أن ذلك يتعارض مع قول الحق سبحانه "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ " فالدين هداية اختيارية للناس تُفرض عليهم مؤيدة بالآيات وبالبيانات ، وأن الرسل لم يُبعثوا جبارين ولا مسيطرين ؛ وإنما بُعثوا مبشرين ومنذرين .(22)
إنه لمن الإساءة للإسلام والتجني عليه أن يجعل الإكراه سبيل الإيمان به أو قبول دعوته ، والتاريخ أكبر شاهد وأصدق دليل على أن الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ما آمنوا به خوفاً منه أو رهباً من سلطانه وهو الذي لا سنده قوة مادية أو يدعمه جيش قوي أو تقف معه قرابة تحميه ؛ بل آمنوا به على الرغم من سيوف المشركين ووعيد الأقوياء المتحكمين .(23)
ولم يُكره أبناء الإسلام أحداً على دخوله على مر الزمان ، بل ضربوا للبشرية دروساً لا حصر لها في التسامح واحترام النفس الإنسانية بغض النظر عن معتقداتها ، حتى إن "القرآن اعترف بأهل الكتاب- أصحاب التوراة والإنجيل- وترك لهم حرية الاختيار بين ما هم عليه من معتقدات وبين الدخول في الإسلام ".(24)
وسمح المسلمون للنصارى غداة فتح الشام ومصر بإقامة الكنائس فضلاً عن ترميم وإصلاح الكنائس القديمة ، أليس ذك أبلغ دليل على روح التسامح والمسالمة التي عُرف بها الإسلام في معاملته غير المسلمين ، ومن هنا سجل التاريخ قول بعض المستشرقين لم نجد فاتحاً أرحم من العرب ! (25)
لا كما مارسه ويمارسه أهل الصليب ومن شايعهم من ملل الكفر على إكراه الناس وفتنهم في دينهم ، وما لم تعرفه البشرية من صنوف التمييز بين الناس في بلدانهم ، وفضائع الحروب بحق الأبرياء والعزل ، ورحلات التبشير وحملات التطهير العرقي وجرائم التعذيب والتنكيل بحق الأسرى ، وما حدث ويحدث في السنوات الأخيرة من تمييز فاضح وتحيز عنصري ، وجمود إنساني من قبل الإنسان في الغرب مع ما صاحبه من تواصل الضربات والغزوات والخطط والمؤامرات لتغيير خارطة العالم الإسلامي بشعارات الإصلاح والتغيير تارة وبشماعة محاربة الإرهاب تاراتٍ أخرى ؛ وغير ذلك الكثير مما يقره ويعترف به العقلاءُ من الغرب .
ومع ذلك كله فالإسلام أسرع الأديان انتشاراً في الأرض ،إذ " لا يختلف اثنان من المحايدين على أن الإسلام صار يشكل صحوة كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة ، فنسبة معتنقيه في ازدياد مستمر تفوق من يعتنقون ديناً آخر ، وقد شملت محتلف أوساط المجتمع الغربي ، حتى طالبت ذوي الشهرة والنجومية في مختلف المجالات ، وجعلت مراكز بحثية في مختلف دول العالم تهتم بشئون المسلمين ودراسة أحوالهم "(26).
كما أن الصحوة الإسلامية متفشية في بلدان المسلمين رغم كل ما يجدونه من تضييق في الداخل وعداء من الخارج ، وذلك كله وغيره تأكيد أن التدافع ما زال قائم وسيظل حتى يتمايز الحق على الباطل "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ".(27)
*منقول*
وتقبلوا تحياتي..